تلقيح المرأة الأجنبية(1)

لا تعليق
خواطر حوزوية
128
1

تلقيح المرأة الأجنبية(1)

 

من المعلوم أن الطريق المألوف لتحقق حمل المرأة هو حصول العلاقة الطبيعية بينها وبين الرجل، وهذا الحمل قد يكون شرعياً، وقد لا يكون كذلك.

والمقصود من كون الحمل شرعياً هو: الحمل الذي يكون ناتجاً من ممارسة العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة لوجود عقد شرعي بينهما.

ولا دخالة لحرمة ممارسة العلاقة الطبيعية بين الزوجين في بعض الأوقات، كوقت العذر الشرعي للمرأة، أو حال الصيام للزوجين، أو أحدهما، أو حال إحرامهما أو أحرام أحدهما، في منع شرعية الحمل، لأن حرمة الممارسة للعلاقة لا يوجب عدم شرعية الحمل.

 

نعم يستفاد من بعض النصوص أن الحمل المنعقد نطفته في وقت حرمة الممارسة للعلاقة الطبيعية يكون المقتضي للانحراف لديه متوفراً، ولكن مع وجود المانع وهو التربية الصالحة، لا يكون الأمر فعلياً.

وأما الحمل غير الشرعي: فهو الذي يتكون نتيجة ممارسة العلاقة الطبيعة بين رجل وامرأة لا يوجد بينهما أي علاقة شرعية، فكل واحد منهما أجنبي عن الآخر، ولا يوجد ما يوجب حصول هذه العلاقة وممارستها، ويعبر عنه فقهياً بالزنا.

 

ولا ينطبق عنوان الحمل غير الشرعي، على الحمل المتكون من وطئ الشبهة، لأنه يلحقه جميع أحكام الحمل الشرعي.

ويأخذ حكم الحمل المتولد من وطئ الشبهة، الحمل الذي يحصل للمرأة بماء غير زوجها ومن دون مقاربة غفلة أو اشتباهاً وخطئاً.

ولا ينحصر حصول الحمل للمرأة في خصوص حصول العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة، بل يمكن أن يتحقق ذلك من خلال طريقين آخرين:

أحدهما: تلقيح البويضة، وهو الذي يعبر عنه طبياً بعلمية التلقيح الصناعي.

ثانيهما: زرع البويضة الملقحة في رحم المرأة، فيحصل الحمل لها حينئذٍ.

 

ويتوقف حصول الحمل من خلال الطريقين المذكورين على وجود القابلية عند المرأة للحمل والحبل، لسلامة أعضائها التناسلية. نعم قد لا يمنع عدم سلامة أعضاء التناسلية من حصول الحمل عندها، لأنه يمكن أن تزرع لها الأعضاء المطلوبة للحمل، فتصبح ذات قابلية لذلك.

وكيف ما كان، فسوف ينصب البحث على خصوص الطريق الأول من الطريقين الذين ذكرا في حصول الحمل والحبل للمرأة خلاف الطريقة المعروفة والمعهودة.

ولابد قبل بيان حكم ذلك من تنقيح الموضوع، ببيان حقيقته، وتحديد المقصود من عملية التلقيح الصناعي.

 

معنى التلقيح:

استخدم الفقهاء مفهوم التلقيح المتعارف وهو الذي ينتج منه الولد وفق الطريقة الطبيعية المعهودة في معناه اللغوي، ذلك أن المستفاد من كلمات أهل اللغة في بيان حقيقته في الحيوانات أنه: وضع اللقاح في رحم الأنثى من الحيوان، لتنعقد من خلال التقائه بالبويضة النطفة. وقريب من هذا المعنى في النبات أيضاً، فإن تلقيح النخل مثلاً يكون بوضع الطلع في الأنثى أول ما ينشق.

 

التلقيح الصناعي:

وقد وجدت طريقة جديدة يتم من خلالها تلقيح بويضة الأنثى بحويمن الرجل، عبر عنها بالتلقيح الصناعي، لعدم كونها وفق الطريقة المعروفة والمعهودة، وقد عُرّف في بعض الكلمات، بأنه إجراء عملية التلقيح بين حيوان الرجل المنوي، وبويضة المرأة عن غير الطريق المعهود.

والتعريف المذكور أشمل لبيان حقيقة المفهوم مما جاء في بعض الكلمات من أن التلقيح الصناعي هو: إدخال نطفة الرجل في رحم المرأة بلا واسطة الآلة التناسلية، بل بالآلات الطبية.

 

لأنه يشمل ما إذا كان التلقيح في رحم صناعية، فتـزرع فيها النطفة بعد أن تلقح بالحويمن خارجاً، أو يكون اللقاء بينهما داخل الرحم الصناعي، وهكذا.

ومع حسن التعريف الذي جاء به بعض الأعلام(ره)، من أنه: الجمع بين بويضة أنثوية، وحويمن ذكري في محل معين(صناعي) لعدة ساعات، فإذا قام الحويمن بمهمته الأساسية-وهي تلقيح البويضة-أدخلوها في رحم امرأة فتكون حاملاً وتلد ولادة اعتيادية[1]. إلا أنه لا يشمل جميع صور التلقيح الصناعي، كما لو زرعت النطفة المنعقدة في رحم صناعية، ولم تزرع في رحم أنثى حية.

 

والذي يهون الخطب، أن الغرض من التعريف المذكور لم يكن بيانه بنحو الحد التام أو الرسم التام، وإنما كان غرضه تقريب فكرة المفهوم وإيضاحها للمتلقي حتى يمكن تطبيق الحكم عليه بعد وضوح حقيقة الموضوع.

 

مقتضى الأصل العملي:

ثم إن مقتضى الأصل في إجراء عملية التلقيح الصناعي، هو البراءة الشرعية، لأن المقام من صغريات الشك في التكليف، وهو مجرى لأصالة البراءة.

إلا أنه قد يدعى وجود مقيد أو مخصص لأدلة البراءة الشرعية، يمنع من التمسك بإطلاقها أو عمومها، ويكون مقتضى الأصل عندها هو الاحتياط، وليس البراءة، لأن المقام من موارد الفروج، ومقتضى الأصل فيها هو الاحتياط، وليس البراءة، نظير الأصل المطبق عند الشك في حرمة شيء من الأموال والأنفس.

 

وإن شئت فقل: من المعلوم أن الأصل العملي عند الشك في شيء من الشبهات التحريمية هو أصالة البراءة، إلا أن يكون موضوع الشبهة شيئاً من الفروج أو النفوس، أو الأموال، فإن الأصل يكون عندها هو الاحتياط وليس البراءة.

ولا يذهب عليك أن هذا يقوم على كون ما دل على الاحتياط مقيداً أو مخصصاً على أدلة البراءة الشرعية في الشبهات التحريمية مطلقاً، ليلتـزم بعدم جريانها في الموارد المذكورة.

 

ويظهر من المحقق الثاني(ره) البناء على كون الأصل في الفروج هو الاحتياط، وليس البراءة، قال(ره): لأن حل الفروج أمر توقيفي، فيتوقف فيه على النص، وبدونه ينتفي بأصالة عدم الحل، فلا يكفي في حل الفروج عدم القطع بالمحرم، لأنه مبني على كمال الاحتياط[2].

 

تقريب التمسك بالاحتياط:

وقد ذكرت وجوه لجعل مقتضى الأصل هو الاحتياط وليس البراءة:

أحدها: الاستناد للقاعدة الميرزائية التي ذكرها المحقق النائيني(ره)[3]، ومفادها:

إن الترخيص المعلق على أمر وجودي، يدل بالالتـزام العرفي على عدم ثبوته إلا عند إحراز ذلك العنوان، توضيح ذلك:

إن تعليق الحكم على أمر وجودي يقتضي إحرازه، فإذا شككنا في تحقق ذلك الأمر الوجودي الذي قد علق الحكم عليه، فإنه يبنى ظاهراً على عدم تحققه، وليس ذلك اعتماداً على جريان استصحاب العدم، فربما لا يكون له حالة سابقة يجري معها الاستصحاب، وإنما لوجود الملازمة العرفية بين تعليق الحكم على أمر وجودي وبين عدمه عند عدم إحرازه، وهذه الملازمة مستفادة من دليل. نعم هي ملازمة ظاهرية وليست واقعية، ولهذا في مقام العمل يبنى على عدم الحكم عند الشك في وجود ما علق الحكم عليه.

 

وبعبارة أخرى، إن إناطة الرخصة بأمر وجودي يدل على أنها منوطة بإحرازه عرفاً، فإذا قال المولى لعبده: لا تُدخل عليّ أحداً إلا أصدقائي، يكون المفهوم منه عرفاً أن موضوع إجازة الدخول هو احراز الصداقة، فكما لا يجوز إدخال معلوم العداوة، كذلك لا يجوز إدخال مشكوك الصداقة، بسبب عدم إحراز الصداقة. ومثل ذلك تعليق حلية الأكل على احراز الذكاة، فكما لا يجوز أكل الميتة، وهو المذبوح غير المذكى، كذلك لا يجوز أكل مشكوك التذكية، لعدم احراز ذكاته، وهكذا.

 

ومقامنا من هذا القبيل، فإنه إذا شك في جواز اقرار نطفة الرجل في رحم زوجته مثلاً بغير ممارسة العلاقة الطبيعية، لم يجز ذلك، لأن الإقرار معلق على حصول العلاقة الطبيعية بينهما، وهي منتفية، وأما التلقيح، فهو مشكوك، ولما كان موضوعه الفروج، فإن الأصل يقتضي الاحتياط.

 

واستناداً لهذه القاعدة، فقد ألتـزم(قده)، بانقلاب الأصل العملي من البراءة إلى الاحتياط في العناوين الثلاثة، الأموال والنفوس، والفروج، وعليه ينقلب الحكم عند الشك من الحلية فيها إلى الحرمة، سواء كانت الشبهة حكمية أم موضوعية. ولهذا لو شك في زوجية امرأة لشبهة حكمية نشأت من مشروعية العقد باللغة الفارسية، أو لشبهة موضوعية، للتردد في أنها هند زوجته، أو أختها، لم يجز له ممارسة العلاقة الطبيعية معها، ولم يجز له النظر إلى عورتها، ولو لم يجرِ أصل نفي الزوجية، لأن ذلك كله معلق على احراز الزوجية، والفرض أن المقام مقام شك.

 

والظاهر أن مبنى ما قاله(قده) في المقام هو تطبيق الكبرى الواردة في باب الفروج، وهي قوله تعالى:- (والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)، لدلالتها على وجوب حفظ الرجل فرجه، إلا على زوجته ومملوكته.

ويحتمل القول بدلالتها على أن الوجوب متعلق بالجنسين، فكما أنه يجب على الرجل، كذلك يجب على المرأة أن تحفظ فرجها إلا على زوجها.

وعند الشك في انطباق عنوان الزوجية، سواء على الرجل بالنسبة للمرأة، أم على المرأة بالنسبة للرجل، فإن المدلول الالتـزامي لهذا الدليل، يقضي وفقاً لمختار المحقق النائيني(ره)، بلزوم حفظ الفرج عن ذلك الغير.

 

وبمثل قول المحقق النائيني(قده)، قال صاحب العروة(ره)، فقد أشار لذلك في مسألة وجوب اجتناب النظر إلى أطراف الشبهة غير المحصورة من النساء حال الشك في أن المنظور إليه من المماثل، أو من المحارم النسبية، وقد علل ذلك بأن: الظاهر من آية وجوب الغض أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلاً أو من المحارم، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم، لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية.

 

وقد علق عليه المحقق النائيني(قده)، فقال: ويدل على نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر وعدم جواز الاقتحام عند الشك فيه، ويكون من المداليل الالتـزامية العرفية، وهذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة الحرمة في جميع ما كان من هذا القبيل، وعليه يبتني انقلاب الأصل في النفوس والأموال والفروج في كل من الشبهات الموضوعية والحكمية، وكذا أصالة انفعال الماء بملاقاة النجاسة عند الشك في العاصم وغير ذلك مما علق فيه حكم ترخيصي وضعي أو تكليفي على أمر وجودي، وليس شيء من ذلك مبنياً على التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية[4].

 

ولا ينقض على المحقق النائيني(قده) بموارد الشك في حصول الرضاع المحرم وتحققه، فلو ارتضعت فتاة من امرأة، وشك في كونه رضاعاً محرماً ينشر الحرمة بين صاحب اللبن وبين المرتضعة، فإنه لا يجب الاحتياط جزماً حال الشك في بقاء الزوجية، مع أن المورد من صغريات الفروج، وهذا يفيد أن القاعدة المذكورة ليست عامة كلية. لأنه يندفع، بإمكان إجراء الأصل الموضوعي لإثبات الزوجية في مثل هذه الموارد.

 

ثم إن جريان القاعدة المذكورة يختص بما إذا لم يمكن إجراء الأصل نفياً أو إثباتاً، وأما مع إمكانية إجراء الأصل وهو الاستصحاب، فإنه يكون المعتمد ولا مجرى للقاعدة.

وكيف ما كان، فإن كلام المحقق النائيني(قده)، مخدوش كبرى وصغرى، أما الكبرى، فإن دعوى الدلالة العرفية غير ثابتة منذ البداية، ومجرد قضاء الوجدان بصحة ذلك في بعض الموارد ليس للدلالة العرفية، وإنما لجريان الأصل فيها، ولهذا لم يجر الأصل، فلا مجال للحكم بالدلالة المذكورة، لتكون محكمة حينئذٍ بسبب عدم وضوحها.

 

وأما الصغرى، فإن مقتضى ما أفاده(ره)، هو لزوم حفظ الفرج عن الغير عند الشك في انطباق عنوان الزوجة أو الزوج مثلاً على ذلك الغير، وما ذكر لا ربط له بمحل البحث من الشك في أن عدم تلقيح المرأة بمني الزوج بالصورة غير المألوفة، مصداق لحفظ الفرج أو لا.

وبالجملة، لا موجب لرفع اليد عن مقتضى الأصل المؤمن وهو البراءة، لأنه لا مجال للقول بأصالة الاحتياط.

 

التمسك بالنصوص:

ثانيها: النصوص التي تضمنت الأمر بالاحتياط في أمر الفروج:

منها: صحيحة شعيب بن الحداد، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): رجل من مواليك يقرؤك السلام، وقد أراد أن يتـزوج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلقها على غير السنة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله(ع): هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتـزوجها[5]. وتقريب دلالته على المدعى من خلال ما جاء في ذيله بقوله(ع): ونحن نحتاط، فلا يتـزوجها. لأنه يشير إلى أن منهجية أهل البيت(ع) في مثل هذا الموضوع أعني الفروج هو الاحتياط لمجرد احتمال الحرمة، خلافاً لما عليه فقهاء المسلمين، ولهذا أمره(ع) بعدم الزواج منها، ما يكشف عن لزوم الاحتياط.

 

كما يمكن الاستدلال بقوله(ع): ومنه يكون الولد، لأن فيه إشارة إلى حرمة الاستيلاد والانجاب من الحرام، فكما يجب الاحتياط في الفروج من حيث العلاقة الطبيعية، يجب أيضاً فيما هو مبدأ تكون الولد.

كما يمكن التمسك بقوله(ع): وأمر الفرج شديد، لظهوره في وجود عناية خاصة من الشارع المقدس بالفروج، تستدعي وجوب الاحتياط فيه.

 

وقد أشير لشيء مما ذكرناه في تقريب دلالتها في كلمات بعض الأعلام(دام ظله)، قال: وتقريب الاستدلال أنه علل عدم جواز النكاح بمطلوبية الاحتياط ولزومه في هذا الباب من ناحية أن منه يكون الولد، ومقتضى عموم العلة لزوم الاحتياط في ما هو مبدأ تكون الولد[6].

ومع البناء على تمامية دلالة النص المذكور، فسوف يكون مقيداً أو مخصصاً لأدلة البراءة الشرعية.

 

وليس في سنده ما يمنع من الاستناد إليه، فإن محمد بن أبي حمزة الواقع في سنده، وإن كان مردداً بين اثنين: التيملي، وهو مجهول الحال، وابن أبي حمزة الثمالي، ويمكن توثيقه بأحد طرق:

 

1-وقوعه في أسناد كامل الزيارات، ويتم هذا الوجه بناءً على التسليم بقبول وثاقة جميع الواقعين في أسناد الكتاب المذكور، وأما مع البناء على عدم التسليم بالكبرى المذكورة، فلن يتم المدعى.

2-توثيقه من قبل حمدويه بن نصير، كما جاء في رجال الكشي، فقد جاء فيه: قال أبو عمرو: سألت أبا الحسن حمدويه بن نصير عن علي بن أبي حمزة الثمالي، والحسين بن أبي حمزة، ومحمد أخويه، وأبيه، فقال كلهم ثقات، فاضلون.

3-رواية ابن أبي عمير عنه.

 

والظاهر أن الواقع في السند هو محمد بن أبي حمزة الثمالي، بقرينة الراوي عنه وهو النضر بن سويد، وعليه يكون النص معتبراً.

وقد أجيب عن المعتبر، بالتشكيك في أصالة الجهة، بكون الصادر منه(ع) ليس مراداً جدياً له، وإنما هو بصدد بيان عدم صحة الطلاق الذي وقع، فلا يصح الزواج منها لو كان المطلق إمامياً، لأنها لا زالت في حبائله، وفي عصمته، لأن طلاقه قد وقع على غير السنة. أما لو كان المطلق غير إمامي، فإنه لا يوجد ما يمنع من التـزويج بها تطبيقاً لقاعدة الإلزام المستفادة من نصوص عدة، كخبر علي بن أبي حمزة أنه سأل أبا الحسن(ع) عن المطلقة على غير السنة أيتـزوجها الرجل؟ فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك[7].

 

ولم يصرح(ع) بعدم صحة الطلاق تقية من الجمهور القائلين بصحة الطلاق على غير السنة، وأشار لذلك من خلال التأكيد على خطورة أمر الفرج، وأنهم(ع) يراعون في هذه الأمور جانب الاحتياط، ولهذا نهى(ع) مواليه عن الزواج بمثل هذه المطلقة.

ولا يذهب عليك أنه لا حاجة لجريان أصالة الاحتياط في المقام، ضرورة أن موضوعها الشك، ووفقاً لما تقدم، فإن المقام يتضمن علماً، إما بعدم وقوع الطلاق لو كان الزوج إمامياً، فيفتى بعدم صحة تزويجها، أو وقوعه إلزاماً لو كان غير إمامي، فيفتى بصحة تزويجها.

 

وبعبارة أخرى، تحمل المعتبرة على التقية، لأنه لا يمكن حمل الاحتياط الوارد فيها على جهة الالزام والوجوب في موردها، وذلك لأن الزوج لا يخلو حاله عن أحد أمرين:

أولهما: أن يكون الزوج المطلق غير إمامي، فإنه يحكم بجواز الزواج منها اعتماداً على قاعدة الالزام وفقاً لبعض النصوص الدالة على ذلك، فيجوز الزواج منها.

ثانيهما: أن يكون الزوج إمامياً، فلا يجوز الزواج منها، ولو وقع الزواج كان محكوماً بالبطلان، لأنها لا زالت في ذمة الزوج الأول، فلا يجوز الزواج بها، كما دلت على ذلك بعض النصوص.

 

والحاصل، إن الموجب لحملها على التقية، كون الطلاق وقع على غير السنة، لأنه ليس مستجمعاً للشرائط المعتبرة في صحة الطلاق، ولما كان علماء المسلمين يصححون مثل هذا الطلاق، راعى(ع) التقية في الجواب، مشيراً إلى خطورة أمر الفرج، ولأجل مراعاة أهل البيت(ع) الاحتياط في ذلك، نجده(ع) ينهى مواليه عن الزواج بمثل هذه المطلقة.

 

ولا يخفى أن الموجب للتشكيك في أصالة الجهة وحمل المعتبر على التقية هو التعبير الصادر من الإمام(ع) بالأمر بالاحتياط، إذ كيف يحتاط الإمام(ع) مع علمه بتمام الأحكام.

ووفقاً لما تقدم، لن تصلح المعتبرة للتصرف في شيء من أدلة البراءة الشرعية.

 

 

 

[1] ما وراء الفقه ج 6 ص

[2] جامع المقاصد ج 12 ص 192.

[3] فوائد الأصول ج 3 ص 384، أجود التقريرات ج 2 ص 195.

[4] العروة الوثقى ج 5 ص 500.

[5] وسائل الشيعة ج 20 ب 157 من أبواب مقدمات النكاح ح 1 ص 258.

[6] المسائل المستحدثة ص 20.

[7] وسائل الشيعة ج 22 ب 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 5 ص 72.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة