تقولون ما لا تفعلون
من الأمور المعروفة وجود فئة من الناس في كل مجتمع تتصدى لعملية النصح والتوجيه والإرشاد، فيعمدون إلى حث أبناء المجتمع على التحلي بكل فضيلة والابتعاد عن كل رذيلة، كما يحثونهم على أعمال الطاعات ومراعاة الأخلاقيات، بل حتى الآداب الاجتماعية، فتجدهم يحثون على بر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار والعفو عند المقدرة، والمداومة على الطاعات القريبة من صلاة الليل والنوافل وتلاوة القرآن وغير ذلك.
ويمكن تصنيف هؤلاء المتصدين للنصح والتوجيه إلى صنفين:
الأول: من تطابق أفعاله أقواله، فلا يقدم على توجيه أحد للتحلي بصفة حسنة وفضيلة إلا وتراه متصفاً بها ومطبقاً لها في واقعه الحياتي، فلا ينصح أصدقائه بحسن العلاقة الأسرية إلا وهو مطبق لذلك واقعاً.
الثاني: من يكون هناك اختلاف بين أقواله وأفعاله، فهو يتصدى للنصح والتوجيه، لكنه أبعد ما يكون عن كل ما يدعو له، فتراه يدعو صديقه إلى معاملة الأبناء بحنان ولطف، إلا أنه يعامل أبناءه بقسوة، وتراه يحث الناس على أعمال الخير والطاعة، ومداومة المستحبات مثلاً، لكنه لا يفعل شيئاً من ذلك.
مصير الفئة الثانية:
وقد تضمنت رواية المعلى المتقدمة بيان مصير هذا الصنف من الناس يوم القيامة، ذلك أن من الطبيعي أن يوجد بين الناس من سوف يستجيب لكلامه ويطبقه ويعمل على وفقه لينال الأجر والثواب يوم القيامة، فيراه وقد أعطي من النعيم جراء ذلك فتصيبه عندها الحسرة، بل يكون في أشد الحسرات عندها بسبب ما رأى، وكيف أنه قد فوت على نفسه ذلك الخير والنعيم.
وهذا منبه لكل إنسان أن لا يدعوا أحداً إلى خير ولا لعدل وصلاح، إلا ويكون من المطبقين له والعاملين على وفقه.
ولا يتوهم أحد أنه وفقاً لما تقدم فلا ينبغي أن يأمر أحد أحداً بخير ولا يقدم أحد لأحد نصيحة ما دام لن يعمل بها حتى لا يكون أشدّ حسرة يوم القيامة، فقد روي عن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: مررت ليلة أسري بي بقوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من أنتم؟ قالوا: كنا نأمر بالخير ولا نأتيه، وننهى عن الشر ونأتيه. لأن غرض الشارع المقدس هو تحفيز الناس أن يكونوا مطبقين للخيرات والطاعات متصفين بالفضائل والحسنات، فيأمرون الناس بما يفعلون ويقولون.
خاتمة:
ولنختم المقام بقصة جميلة تنقل عن العلامة التستري(ره) صاحب كتاب الخصائص الحسينية، فقد كان خطيباً مسموع الكلمة، فجاءه يوم من الأيام عبد وقال له: إن سيدي يجلس تحت منبرك، ويستمع لمواعظك ويتأثر بها، فلو تحدثت عن فضل عتق العبيد، فسوف يقوم بعتقي، فقال(ره): أفعل إن شاء الله. وبقي العبد ينتظر الشيخ(ره) يتكلم حتى مضت سنة كاملة، وآيس العبد من ذلك، وبعدها تحدث الشيخ عن فضل عتق العبيد، وبمجرد أن خرج سيده من المجلس أعتقه هو وزوجته وولده، ووهبهم ضيعة له ينتفعون بها، فجاء العبد للشيخ متضجراً لأنه أبقاه في الرق مدة سنة كاملة، فأجابه الشيخ بأنه اضطر للتضيـيق على نفسه حتى يوفر قيمة العبد فيعتقه ليتكلم بعد ذلك عن فضل عتق العبيد، ولما أعتق اليوم عبداً صعد المنبر وتحدث عن ذلك.