حرمة التدخين
قسم الفقهاء(رض) التدخين من حيث حكمه بحرمة الشرب وعدمه إلى قسمين:
الأول: التدخين الابتدائي، وهو الذي يكون الممارس له جديداً لم يعتد ممارسة التدخين من قبل، وإنما بدأ في ممارسته جديداً، كما هو الحاصل عند كثير من الشباب، والشابات.
الثاني: التدخين الاستمراري، وهو الذي يكون فاعله معتاداً على ممارسته، وقد مضى له على ذلك حقبة من الزمن، وصار معتاداً على تدخين كمية معينة من السجائر، أو ما شابه.
فحكموا بحرمة القسم الأول منهما، وهو التدخين الابتدائي، كما عن السيد الخوئي، والأستاذ الشيخ التبريزي(ره)، وقالوا بعدم المنع من القسم الثاني منهما، أعني التدخين الاستمراري.
وخالف في ذلك السيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، فلم يجعل مدار حكمه من حيث الحرمة وعدمها على ملاحظة المدخن، بأنه مدخن ابتدائي، أو استمراري، وإنما جعل المدار على ملاحظة الأثار المترتبة على المدخن نفسه، فمتى كان التدخين يوجب ضرراً بليغاً على المدخن، بني على حرمته، سواء كان التدخين ابتدائياً، أم كان التدخين استمرارياً، أما إذا لم يضر التدخين بالمدخن ضرراً بليغاً، فإنه لا يحرم عليه ممارسته، سواء كان مدخناً استمرارياً، أم كان مدخناً ابتدائياً، كما لو كان المدخن لا يمارسه كثيراً، ولا يداوم على فعله، وإنما يدخن نادراً أو قليلاً جداً.
وهذا يعني أن سماحته(دامت أيام بركاته) يقسم المدخنين من حيث الأثر المترتب عليهم من ممارسة التدخين إلى قسمين:
الأول: من تضره ممارسة التدخين ضرراً بليغاً، من دون فرق بين كون تدخينه تدخيناً ابتدائياً، أو استمرارياً، وهذا يحرم عليه ممارسة التدخين.
الثاني: من لا يضره التدخين ضرراً بليغاً، وهذا لا يحرم عليه ممارسته، ولو كان تدخينه تدخيناً ابتدائياً.
كفاية الظن والاحتمال في ترتب الضرر:
ولا يعتبر في ترتب الضرر البليغ نتيجة ممارسة التدخين حصول العلم عند المدخن بذلك، بحيث لو لم يحصل له علم بذلك لم يحرم عليه ذلك، وإنما يكفي أن يكون عنده ظن بترتب الضرر البليغ عليه من ممارسته للتدخين، بل يكفي أن يكون عنده احتمال عقلائي يوجب حصول الخوف بحصول الضرر وترتبه عليه من ممارسة هذا الفعل والقيام بهذا العمل.
مستثنيات من الحرمة:
نعم يستثنى من الحكم بحرمة التدخين الاستمراري حالات ثلاث:
الأولى: أن يكون الضرر المترتب على المدخن استمراراً بتركه للتدخين أكثر من الضرر المترتب عليه من استمراره عليه.
الثانية: أن يكون الضرر المترتب على المدخن استمراراً مساوياً للضرر المترتب على ممارسته للتدخين من دون زيادة لأحدهما على الآخر.
الثالثة: أن يكون في إقلاعه عن التدخين والاستمرار عليه حرج كبير أكثر مما يترتب عليه استمراره على فعله وممارسته.
ويجوز في هذه الحالات الثلاث الاستمرار على التدخين، ولا يحرم عليه ذلك، وذلك بسبب عدم ثبوت أن الضرر المترتب على ممارسته للتدخين أعظم مما سوف يترتب عليه من تركه.
خاتمة:
ومع أن تحديد الضرر البليغ المترتب على ممارسة التدخين من الموضوعات التي يرجع في تشخيصها للمكلف نفسه، بل يرجع فيها للمختص أيضاً من الأطباء، لكن يحسن أن نشير لشيء مما ذكره بعض فقهاء الطائفة وهو المرجع الديني الكبير الشيخ مكارم الشيرازي(دام ظله)، حول هذا الموضوع، فقد وجه إلى سماحته سؤال عن تغير رأيه في التدخين، والتزامه بحرمته مطلقاً، وقد أجاب(حفظه الله)، بأنه قد اعتمد في ذلك على شهادة جماعة من الأطباء وأساتذة الجامعات المتدينين، بالإضافة إلى ملاحظة الإحصاءات المثيرة في مجال عدد الوفيات الناشئة من التدخين والأمراض الخطيرة المتولدة منه. قال: فقد ثبت لنا أن أخطار دخان السجائر يمثل حقيقة واقعة، وحتى أبناء المدخنين ورفاقهم ليسوا في أمان من هذه الأخطار[1].
[1] الفتاوى الجديدة ج 3 ص 150.