تمثيل الدين والشريعة

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
142
0

 

تمثيل الدين والشريعة

 

أثار مجموعة من الكتاب والباحثين مسألة تمثيل الدين، وتحديد الشخصية المسؤولة عن القيام بذلك في ظل تعدد الحركات الإسلامية وتعدد التيارات والأحزاب، فمن هو المسؤول عن تمثيل الدين.

وقد اختلفت الآراء التي طرحوها في البين، حتى قال بعضهم أن كل إنسان مسلم يمكنه أن يكون ممثلاً للدين. وقال آخرون أن لكل فئة وجماعة الحق في تمثيل الدين، وقالت فئة ثالثة بغير ذلك.

ولا يخفى أن هذا ناشئ من خلط حصل عندهم بعدم التفريق بين مسألة الانتماء للدين، وتمثيله.

 

وقد تضيق الدائرة، فعوضاً عن أن يكون السؤال عن تمثيل الدين، يكون السؤال عن تمثيل الشريعة الإسلامية، وتحديد الشخصية المسؤولة عن ذلك، فهل يمثلها الفرق السنية، أم يمثلها أبناء الشيعة، بل قد تضيق الدائرة، ليكون السؤال عن الممثل للمذهب الواحد، فمن هو الذي يمثل المذهب السني، ومن هو الذي يمثل المذهب الشيعي.

 

ولنسلط الضوء على القضية داخل المذهب الشيعي، ولنسأل عمن هو المسؤول عن تمثيل الدين والشريعة فيه، فهل يحق لكل أحد أن يتكلم بما يشاء ويقول بما يريد فيرفض أمراً، ويرد أمراً لمجرد عدم موافقته لهواه، وانسجامه مع رغباته، فيرد الفتوى الكذائية، ويرفض القضية العقدية الفلانية، ويرد الشعيرة المعينة، أو أن تمثيل الشريعة مسؤولية محددة لأفراد معينين وظيفتهم القيام بذلك، وليس لأي أحد القيام بذلك، فليس من حق أي أحد مثلاً رفض شيء أو إثباته، ولا رد أمر أو قبوله.

ولا يخفى أن الحديث عن ذلك يستدعي التفريق بداية بين مفهومي الدين والشريعة، وهما المفهومان اللذان يخلط بينهما غالباً، وكذا التفريق بين مفهومي تمثيل الدين والانتماء إليه.

فهنا جانبان للبحث:

الأول: شرح المصطلحات المرتبطة بالبحث.

الثاني: تحديد هوية ممثل الدين والشريعة.

 

الدين والشريعة:

ولنبدأ أولاً ببيان المقصود من الشريعة، حسب ما تضمنته كلمات أهل اللغة، وما جاء عند أهل الاصطلاح.

أما بالنسبة لكلمات أهل اللغة، فإن المستفاد من ملاحظة كلماتهم كالراغب الأصفهاني في المفردات وغيره، في شرحهم لمفهوم الشريعة وبيانه، أن المقصود منها عبارة عن الطريقة الإلهية.

وأما في الاصطلاح، فالمقصود منها عبارة عن القوانين التي جعلت لمصلحة أو لدفع مفسدة سواء كانت للفرد، أم كانت للمجتمع، وسواء كانت تتعلق بالعقائد، أو تهذيب النفس، أو الأفعال والأحكام.

 

ووفقاً للتعريف المذكور، يمكن تقسيم الشريعة إلى شريعة مدنية بشرية، وشريعة إلهية سماوية:

أما الشريعة المدنية، فالتي تعنى بالأنظمة والقوانين الوضعية التي يضعها البشر من أجل مصالح الانسانية مثل شريعة حمورابي.

وأما الشريعة الإلهية، وهي التي يكون مصدرها الباري سبحانه وتعالى، كالشرائع السماوية التي جاء بها أولوا العزم الخمسة(ع).

 

وتختلف الشريعة الإلهية عن الشريعة المدنية في الدوافع والأهداف التي جاءت من أجلها، ذلك أن الشريعة الإلهية تتولى تنظيم علاقة الإنسان مع نفسه، وعلاقته مع ربه، وعلاقته مع أخيه الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه.

والحاصل، إن الشريعة الإلهية، تمثل نظاماً شاملاً كافة الجوانب في حياة الإنسان.

وطبقاً لما ذكر، سوف تكون الشريعة مختصة بمجتمع ما، أو حقبة زمنية محددة وإن طالت، لأنها عبارة عن التشريعات المرتبطة بذلك المجتمع، أو بتلك الأمة، وفق ظروف معينة وفي زمان خاص، كشرائع أولي العزم(ع) كما سمعت، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد(ص).

 

وشمولية الشريعة المحمدية، واستمرارها، لا يخرجها عن كونها شريعة، كما لا يخفى.

وأما الدين، فإنه يمثل مجموعة ومنظومة المعارف النازلة من الباري عز وجل، وهو يتركب من عناصر ثلاثة:

الأول: المعارف العقدية        الثاني: المعارف الأخلاقية             الثالث معارف الأحكام الفرعية.

 

وتعتبر العناصر المذكورة مورد اتفاق في كافة الشرائع السماوية التي جاء بها الأنبياء والمرسلون(ع)، فلا اختلاف بينهم فيها، فإن أصل التوحيد مثلاً أو المعاد مما جاءت به كافة الشرائع السماوية، ولا اختلاف بينها في ذلك، كما أن القيم الأخلاقية كالحسن والقبح، وحسن الصدق وقبح الكذب، وحسن العدل، وقبح الظلم، مما اتفقت عليه جميعها دون اختلاف بينها في ذلك، بل حتى الأحكام الفرعية الفقهية مورد اتفاق بينهما، فإن الصلاة ثابتة في كافة الشرائع السماوية، وكذا الصوم، كما يشير لذلك قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[1]، فإن المشابهة المذكورة في الآية الشريفة تشير إلى اشتراك الشريعة المحمدية مع الشرائع السماوية الأخرى في وجوب الصوم. نعم لا ينكر أن يكون هناك اختلاف بين الشرائع السماوية في الجزئيات، فإن الصوم وإن كان وجوبه مشتركاً بينها جميعاً، إلا أن مدة الصوم، وما يجتنب في الصوم، وغير ذلك، قد تختلف فيه الشرائع بعضها عن بعض.

وقد أشار إلى هذا المعنى السيد الطباطبائي(ره)، عند تفسير قوله تعالى:- (ليتفقهوا في الدين)[2]، فذكر أن المراد هو جميع المعارف الدينية من أصول وفروع وليس خصوص الأحكام العملية، فتشمل أصول العقيدة وفروعها[3].

والغرض من الدين هو إيصال الإنسان إلى كماله الذي قد خلق الإنسان من أجله.

 

ومقتضى ما ذكر، أن الدين أوسع دائرة من الشريعة، وليسا في مستوى واحد، بل إن الشريعة أخص منه وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في غير واحدة من آيات، مثل قوله تعالى:- (إن الدين عند الله الإسلام)[4]، وقوله سبحانه:- (ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)[5]، فإن المقصود من الإسلام في هاتين الآيتين هو دين التوحيد الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين(ع)، وليس المقصود منه خصوص شريعة النبي الأكرم محمد(ص).

ومثل ذلك قوله تعالى:- (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها)[6]، فإن المقصود من الدين هنا هو دين التوحيد الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين(ع).

وأما الشريعة، فإنها تستفاد من قوله سبحانه:- (لكل جعلنا شرعة ومنهاجاً)[7].

 

ومن خلال ما ذكر في بيان مفهوم الدين، يتضح أن منصب الإمامة الثابتة لأمير المؤمنين(ع)، وأولاده المعصومين(ع) من الدين، لقوله تعالى:- (اليوم أكملت لكم دينكم)[8]، ومن المعروف أن كمال الدين كان بنصب أمير المؤمنين(ع) من قبل رسول الله(ص) بأمر من الله تعالى خليفة من بعده يوم غدير خم في الحادثة المشهورة والمعروفة، بل يمكن استفادة ذلك أيضاً من خلال آية مودة القربى، فإنه لا معنى لأن تجعل مودتهم(ع) لمجرد العاطفة، بل إن هذه المودة المجعولة على نحو الإلزام مأخوذ فيها أهمية المصب الذي هم فيه، وأنه يعدل الرسالة النبوية، لذا جعل أجرها، ما يكشف عن كون الإمامة أصلاً من أصول الدين[9].

 

الفرق بين الشريعة والدين:

ومضافاً لما تقدم ذكره من تفريق بين مفهومي الشريعة والدين، يمكننا ذكر فارق مهم بينهما، يتمثل في إمكانية التغيـير في ما تضمنته الشريعة، وتبدله، دون الدين، فإنه لا يقبل التغير والتبدل أبداً، فإن ما يتضمنه يكون ثابتاً لا يقبل التغير. ويشهد لما ذكرناه، قابلية الشريعة للنسخ، دون الدين، لأنه يمثل الجانب الاعتقادي وهو لا يقبل التغيـير والتبدل، وهذا واضح، فإن شريعة النبي الأكرم محمد(ص)، قد نسخت ما سبقها من الشرائع السماوية[10]، وهذا بخلاف الدين، فإنه لا ينسخ ولو بعد مدة من الزمن وإن طالت، ولهذا فطر الإنسان على الدين، ومن خصائص الفطرة الثبات وعدم التغير.

 

الحاصل، إن الشريعة قابلة للتغير نتيجة تغير الزمان والمكان، فيمكن أن تتطور وبالتالي يمكن الوصول عندها للدين من خلال أساليب مختلفة عما كان يوصل إليه من خلالها، ولذا كان لكل نبي من الأنبياء(ع) شرعة ومنهاجاً كما عرفت، فقد يكون الشيء حلالاً في شريعة حراماً في شريعة أخرى، وبالعكس.

 

الانتماء للدين:

مما يؤسف له تصور البعض أنه يحق لكل أحد قد انتمى للدين[11] أن يقوم بتمثيله، مع أن هناك فرقاً بين الانتماء للدين، والذي يعني التزام الإنسان بتعاليمه، وتقيده بأحكامه، وعمله بما تضمنه، وبين تمثيله، وهو الذي يجعله الناطق باسمه، فيمكنه أن ينسب إليه شيئاً وينفي آخر، كما يمكنه إثبات شيء له، أو نفيه، وهكذا.

وبالجملة، إن عملية تمثيل الدين تعني أن يتصدى من يمثله إلى إسناد ما يقوله إلى الدين، سواء كان ذلك في جانب الإثبات، أم كان ذلك في جانب النفي.

 

تمثيل الدين والشريعة:

إن المتابع للأنظمة الوضعية يقف على أن الذي له حق تمثيل الشعب هو الذي يتصدى لوضع النظم والقوانين لهم، وكأن هذا يعود لتباني العقلاء ولو في الجملة، على أن ذلك يعود إلى ذاك الممثل لهم يكون مطلعاً على احتياجاتهم ورغباتهم، وما يودون الحصول عليه، ولذا هو يضع النظم والقوانين وفق ذلك.

ولا ريب أن الشارع المقدس من العقلاء، بل هو سيد العقلاء، بل رئيسهم، وهذا يعني أنه يسير على وفق المنهج الذي يسيرون عليه، فيكون المسؤول عن تمثيل الدين والشريعة، وهو الذي يكون قادراً على وضع النظم والقوانين، وهو الذي يكون عارفاً باحتياجات العنصر البشري، وما يتضمنه الإنسان من ملكات وغرائز بحيث يضع تلك النظم والقوانين وفقاً لذلك.

 

ومن الواضح جداً، أن المحيط بذلك كله، العالم به هو الذي خلق الإنسان وأوجده من العدم، وهو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يشرع ويضع النظم والقوانين، لأنه عالم بالإنسان وبما يتكون منه من عناصر وغرائز واحتياجات، فيضع ذلك وفق احتياجاته.

نعم قد دلت مجموعة من النصوص أنه سبحانه وتعالى قد فوض أمر وضع بعض التشريعات لبعض خلقه الذين اصطفاهم وفضلهم، بل استفاد بعض الأعلام ذلك أيضاً من قوله تعالى:- (ما آتاكم الرسول فخذه وما نهاكم عنه فانتهوا)[12]. ففوض أمر ذلك إلى حبيبه وسيد خلقه المصطفى النبي الأكرم محمد(ص)، فمن النصوص ما ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: إن الله تعالى أدب نبيه(ص) فأحسن أدبه، فلما كمل له الأدب قال:- (إنك لعلى خلق عظيم)، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وإن رسول الله(ص) كان مسدداً موفقاً مؤيداً ثم إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين، ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله(ص) إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عز وجل له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله(ص) النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله(ص) شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك وحرم الله عز وجل الخمر بعينها وحرم رسول الله(ص) المسكر من كل شراب، فأجاز الله له ذلك كله، وعاف رسول الله(ص) أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثم رخص فيها فصار الأخذ فيها برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول الله(ص) فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد. ولم يرخص رسول الله(ص) لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عز وجل، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً، لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلا للمسافر وليس لأحد أن يرخص شيئاً ما لم يرخصه رسول الله(ص)، فوافق أمر رسول الله(ص) أمر الله عز وجل ونهيه عز وجل، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى[13].

 

وقد ألتـزم بعض الأعلام، بأن ما كان ثابتاً لرسول الله(ص) من التخويل، فهو ثابت للأئمة المعصومين(ع)، لدلالة بعض النصوص على ذلك، مثل ما ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: إن الله عز وجل أدب رسوله حتى قوّمه على ما أراد، ثم فوض إليه فقال عز ذكره:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فما فوض الله إلى رسوله(ص) فقد فوضه إلينا[14].

وهذا هو المعبر عنه بالولاية التشريعية الثابتة للمعصومين(ع).

ومقتضى ما تقدم، أن الذي يمثل الدين والشريعة هو النبي الأكرم محمد(ص)، وأهل بيته الطاهرين(ع)، وهذا يكون في عصر الظهور، دون عصر الغيبة المظلمة الذي تعيشه الأمة.

 

ممثل الدين في عصر الغيبة المظلمة:

لكن يبقى الكلام في تحديد المسؤول عن تمثل الدين والشريعة خلالها، إذ لا ريب أن الأمة لن تترك دون من يقوم فيها بهذه الوظيفة.

وقد تضمنت النصوص الشريفة الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة(ع) تحديداً للشخصية التي يسوغ لها تمثل الدين والشريعة خلال زمن الغيبة المظلمة، وهم الفقهاء والمجتهدون والعلماء، فقد جاء في التوقيع الشريف الصادر عن الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، أنه قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. فإن مقتضى الإرجاع إلى الفقهاء، يشير إلى تخويلهم من قبل من له حق تمثيل الدين والشريعة كي ما يكونوا ممثلين للدين والشريعة في هذه الفترة.

 

ومثل ذلك أيضاً ما ورد عن الإمام الحسين(ع) أنه قال: مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، والأمناء عل حلاله وحرامه.

 

أدوار الفقهاء في عصر الغيبة:

وقد حددت أدوار الفقهاء في عصر الغيبة بمناصب ثلاثة، يقومون بها:

1-منصب الإفتاء، وبيان المسائل العقدية، والقيم الأخلاقية، والأحكام الشرعية.

2-منصب القضاء وحل المنازعات والخصومات.

3-منصب الولاية على الأمة[15].

 

نعم هناك خلاف بين الأعلام في دائرة الولاية الثابتة للفقهاء(رض) في عصر الغيبة بعد اتفاقهم على أصل ثبوتها، والاختلاف بينهم في حدودها، فبين من يلتـزم بأنه يثبت للفقيه جميع ما كان ثابتاً للمعصوم(ع) ما عدا حق التشريع، يلتـزم آخر بتحديدها بالأمور الحسبية فقط، وهناك من هو برزخ بين هذين القولين.

 

خاتمة:

ثم إنه بعد تحديد الممثل للدين والشريعة في عصر الغيبة المظلمة، وأنه متعين في خصوص الفقهاء والمجتهدين، والعلماء، يبقى البحث في صغرى هذه الكبرى، لأن التحديد المذكور بعدُ لم يعالج المشكلة التي يعاني منها المكلف، لأنه يقرر أن الفقهاء والمجتهدين معروفون إلينا، إلا أنه لا يمكننا الوصول إليهم دائماً، أو يصعب علينا الحديث معهم لمعرفة رأيهم في مجموعة من القضايا، وهذا يجعلنا بحاجة للرجوع للعلماء من غيرهم، وهنا تعود المشكلة من جديد، فمن الذي سوف نعول عليه لنأخذ منه كونه مثل الدين الشريعة، دون غيره.

 

وفي مقام الإجابة، نشير إلى أن هناك ضوابط مرعية في الحوزة العلمية صانها الله من الحدثان، يميز من خلالها المشتغلون بطلب العلم فلا يجعل الجميع منهم في مصافٍ واحد، بل بينهم تفاوت وفق المستويات التي قد بلغوها وصلوا إليها، بل يتمايزون في أنفسهم من حيث الاستعداد والقابلية والقدرة التحصيلية فيميز واحد على آخرين، وهكذا، وهذا يعني أنه لابد من الرجوع للمختصين للوقوف على المتميزين الذين يعول عليهم ويأخذ منهم ما يصح نسبته للدين والشريعة، وما ينفى عنهما، ويرفض نسبته إليهما، وعندها يعرف الذي يؤخذ منه غير الفقهاء والمجتهدين في هذا المجال.

 

 

 

[1] سورة البقرة الآية رقم 30.186.

[2] سورة التوبة الآية رقم 122.

[3] الميزان في تفسير القرآن ج9 ص 404.

[4] سورة آل عمران الآية رقم 19.

[5] سورة آل عمران الآية رقم 85.

[6] سورة الروم الآية رقم 30.

[7] سورة المائدة الآية رقم 40.

[8] سورة المائدة الآية رقم 3.

[9] أشار لهذا المعنى الفاضل المعاصر الشيخ محمد سند وفقه الله.

[10] أشرنا في محاضرة سابقة إلى حقيقة النسخ في الشرائع، وذكرنا بأنه ليس المقصود منه إلغاء جميع ما تضمنته الشريعة السابقة وتأسيس شيء جديد، بل المقصود منه إكمال ما تضمنته الشريعة السابقة ليكون منسجماً مع الظروف الموضوعية المرتبطة بالشريعة الجديدة، واستبدال بعض الأحكام الواردة في الشريعة السابقة التي لا تناسب الظروف التي وجدت فيها الشريعة الجديدة.

[11] مقصودنا من الدين هنا الأعم من الدين بمعناه الخاص، ومن الشريعة، وإنما عبرنا بالدين، لما عرفت في ما تقدم أنه أعم من الشريعة.

[12] سورة الحشر الآية 7.

[13] الكافي ج 1 كتاب الحجة باب التفويض إلى رسول الله(ص) وإلى الأئمة(ع) في أمر الدين ح 4 ص 266، ويدل على نفس الغرض أيضاً ح 6 من نفس الباب ص 267، وح 8.

[14] المصدر السابق ح 9 ص 268، وكذا ح 8 ص 267-268.

[15] وقد تحدثنا عن هذه المناصب الثلاثة في محاضرة حول المرجعية بصورة مفصلة يمكن الرجوع إليها.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة