بيع الأوراق النقدية
من الأمور المتعارفة بين الناس القيام بعملية بيع الأوراق النقدية بأن تجعل الأوراق النقدية مثمناً وثمناً أيضاً، فيعطي البائع ديناراً كويتياً ويأخذ من المشتري مثلاً ديناراً عراقياً، وقد يكون المثمن ريالاً سعودياً والثمن دولاراً أمريكياً، وهكذا.
وهذه المعاملة الحاصلة بالأوراق النقدية قد تكون بنقدين من جنسين مختلفين، بأن يكون الثمن توماناً إيرانياً، والمثمن ديناراً بحرينياً.
وقد يكون بنقدين من جنس واحد كما لو كان الثمن دولاراً والمثمن كذلك.
وتارة تكون المعاملة نقداً، بأن يتعاطى المتعاقدان المثمن والثمن مباشرة بمجرد وقوع المعاملة فيقبض المشتري المعوض، ويقبض البائع الثمن، وأخرى تكون نسيئة بأن يقبض المشتري المثمن ويؤخر تسليم الثمن للبائع، أو يقبض البائع الثمن ويؤخر تسليم المثمن للمشتري.
فروع المسألة:
فهنا فروع أربعة:
الأول: أن يكون العوضان الثمن والمثمن من جنس واحد نقداً، ويكون بينهما تفاضلاً، بأن يبيعه مائة ريال سعودي بمائتي ريال سعودي، ولا إشكال في صحة المعاملة، ولا يرد فيها محذور الربا البيعي، لأن العوضين ليسا من المكيل ولا الموزون بل هما من المعدود، فلا يجري فيه الربا.
الثاني: أن يكون العوضان الثمن والمثمن من جنسين مختلفين ويكونا نقداً، ويكون بينهما تفاضلاً، بأن يبيع خمسة دنانير كويتية بعشرة دنانير عراقية، ولا إشكال أيضاً في صحة المعاوضة، ولا مجال لتوهم جريان البيع الربوي فيها لأن المثمن والثمن من المعدود وليس من المكيل والموزون.
الثالث: أن يكون العوضان الثمن والمثمن من جنسين مختلفين ويكونا نسيئة، ويكون بينهما تفاضلاً، بأن يبيع عشرة دولارات بمائة ريال سعودي، فيقبض البائع الثمن ويؤجل تسليم المثمن لمدة متفق عليها كشهر مثلاً، أو يقبض المشتري المثمن، ويؤخر تسليم الثمن مدة زمنية أتفق عليها، كشهر مثلاً، ولا أشكال في صحة هذه المعاوضة أيضاً، ولا يتوهم جريان الربا البيعي فيها، لما عرفت من أن العوض والمعوض فيها من المعدود.
الرابع: أن يكون العوضان الثمن والمثمن من جنس واحد ويكون البيع نسيئة، ويقع البيع فيها بالتفاضل كأن يبيع خمسة ريالات سعودية بعشرة ريالات منها، فيقبض البائع أو المشتري ويؤخر تسليم الآخر لمدة معينة معلومة بينهما متفق عليها، وفِي صحة هذه المعاوضة إشكال، والأحوط وجوباً عدم صحتها، وعدم ترتيب الأثر عليها، فلا يحصل النقل والانتقال للعوضين للبائع والمشتري.
والظاهر أن منشأ الإشكال يعود لرجوع المعاملة في هذا الفرع للقرض بأحد تصويرين:
الأول: أن المعاملة وإن وقعت بصورة البيع خارجاً، لكنها ترجع في الحقيقة للقرض روحاً ومضموناً، لأن من شروط البيع أن يكون الثمن والمثمن متغايرين، ولما لم يكن بينهما مغايرة في هذا الفرع، بل إن أحدهما ينطبق على الآخر مع زيادة، صدق عليها عنوان القرض.
الثاني: إن الارتكاز العرفي يقرر بأن المعاملة الحاصلة في هذا الفرع ليست بيعاً، بل هي قرض، لأن المقصود منه عبارة عن تبديل المال المثلي الموجود في الخارج بمثله في الذمة، وهذا منطبق على المقام.
وكيف ما كان مع رجوع المعاملة الواقعة في هذا الفرض للقرض بأحد التصويرين المذكورين، سوف يجري فيه الربا القرضي، لوجود الزيادة بحسب الفرض.