الانقطاع إلى الله
من الأهداف المهمة التي يسعى الإنسان إلى الحصول عليها في حياته، بلوغه كمال الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى، بكامل وجوده وحياته وحركاته وسكناته، كما قال أمير المؤمنين(ع) في المناجاة الشعبانية: إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك.
معنى الانقطاع إلى الله:
ويقصد من الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى، التوجه القلبي التام إليه سبحانه وتعالى، والانقطاع إليه عمن سواه.
وقد أشير إليه في القرآن الكريم، إذ عبر عنه سبحانه وتعالى بالتبتل، ومن هنا لقبت السيدة مريم العذراء(ع) بالبتول، لأنها قد انقطعت إلى الله سبحانه وتعالى. بل قد قيل أن منشأ تسمية السيدة الصديقة الطاهرة فاطمة(ع)، بالبتول يعود إلى ذلك، لأنها منقطعة إلى الله تعالى دون بقية الموجودات.
أقسام الانقطاع:
ويمكن تقسيم انقطاع الناس إلى الله سبحانه وتعالى حسب الحالة الخارجية للإنسان، ذلك أن الناس قسمان، إما مضطر قد وقع في ضيق وحرج، وأصبح صاحب حاجة جاء يبحث عن علاجها، أو أنه في خير وسعة، لا يحتاج أمراً ولا يشكو شيئاً، أو يخاف من شيء.
وعليه، يمكن تقسيم الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى والحال هذه إلى قسمين:
الأول: الانقطاع الاضطراري:
وهو الذي يكون عادة عند إصابة الإنسان باليأس من الأسباب المادية، وحصول اليأس عنده من الاستفادة منها، فالمريض الذي طرق أبواب المستشفيات وراجع العديد من الأطباء، وتناول الكثير من الأدوية دون أن يصل إلى نتيجة في العلاج، والشفاء من المرض، يكون قد أصابه اليأس من الشفاء، وقد فقد الأمل في البرء بواسطة الطبيب والدواء، فتجده يلجأ لله سبحانه وتعالى منقطعاً راجياً منه سبحانه وتعالى أن يلبسه لباس الصحة والعافية، وأن يرفع ما فيه من مرض وبلاء.
وكذا الغريق الذي فقد كل سبل النجاة، ولم يكن لديه وسيلة يمكنه أن يتمسك بها للخلاص من الغرق، فلا يوجد لوح خشبي يتعلق به، ولا يلوح له في الأفق سفينة يرجو الوصول إليها، ولا يوجد أمامه جزيرة يقصدها للنجاة، ما يعني اغلاق كافة الطرق والسبل أمامه، فلا يجد عندها أحداً يمكنه أن يتعلق به إلا الله سبحانه وتعالى، فيرتبط به قلبه، ويتعلق لبه به سبحانه وتعالى.
والحاصل، إن هذه حالة فطرية موجودة عند كل إنسان تدل على ضرورة الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
نعم إن حالة الانقطاع هذه التي تحصل عند الاضطرار يعيبها أنها حالة محدودة، تزول بمجرد أن يحصل الإنسان على غرضه، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:- (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مرّ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)[1].
الثاني: الانقطاع الاختياري:
وهو التوجه الدائم إلى الله سبحانه وتعالى في الرخاء والشدة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وهكذا. ومن المعلوم أن هذا القسم من الانقطاع هو الذي يشير إليه أمير المؤمنين(ع) في المناجاة الشعبانية، بقوله: إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، فإن المقصود منه الانقطاع الاختياري كما هو واضح.
والحاصل، إن كمال الانقطاع يجعل العبد مع الله سبحانه وتعالى في كل أحواله، فيرى الله عز وجل في كل شيء، ولا يشغله عنه شيء، ولا يحجبه منه حاجب حتى لو كان وسط مشاغل الحياة.
أوقات الانقطاع:
ولا ريب أن هناك أوقاتاً يحسن الانقطاع فيها للباري سبحانه وتعالى، نشير لبعضها:
أحدها: وقت الليل، فإنه وقت الهدوء والسكينة، والتفرغ للعبادة، فلا يوجد ما يشغل الحبيب في تلك اللحظات عن محبوبه، ولا العاشق عن معشوقه، ذلك أن جميع المعوقات من ملذات وأموال، ودنيا، قد ابتعد الانسان عنها في هذه اللحظات.
ثانيها: وقت نزول البلاء، فإن الإنسان في ذلك الوقت يعيش حالة اليأس من كل شيء، ولا يرى شيئاً من الأسباب المادية قادرة على رفع ما حل به، ولا تخليصه مما هو فيه، فينقطع لله سبحانه وتعالى.
ولا ينحصر البلاء في شيء بعينه، بل هو عنوان جامع، فهو يجمع الابتلاء بالمرض، كما يشمل الابتلاء بفقد الأولاد، وفقد الأموال، والأحبة، وهكذا وجود الكوارث الطبيعية، وغير ذلك.
ثالثها: حال الاشتغال بالذكر، فإنه وقت عبادة، يحلو فيه أن ينقطع العبد إلى بارئه وخالقه، ليعيش وإياه دون أي أحد سواه.
رابعها: حال السجود، فإنه الوقت الذي يكون العبد فيه أقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يكون بينه وبين أي حاجز أو حاجب[2].
[1] سورة يونس الآية رقم 12.
[2] في رجاب الله ص 311-316(بتصرف).