سهل بن زياد بين قبول روايته وردها(2)

لا تعليق
خواطر حوزوية
80
0

هذا وقد يدعى عدم انحصار وجوه التضعيف في خصوص ما صدر من شيخ الطائفة(ره)، وذلك لدلالة ما صدر عن النجاشي على ضعفه، بتقريب:

إن قوله: ضعيف في الحديث يقابل قوله: ثقة في الحديث، فيكون المتبادر منه إرادة ضعف حديث الشخص من حيث ضعف نفسه، لا ضعف من رواه عنه.

وبالتالي تكون العبارة على أقل التقادير ظاهرة في كون الشخص ضعيفاً في نفسه، مما استدعى ذلك البناء على ضعف حديثه، فلاحظ. ويشهد لما ذكرنا أنهم يعبرون عن الشخص الذي يروي عن الضعفاء مع كونه ثقة في نفسه، بقولهم: ثقة في الحديث، إلا أنّ أصحابنا قالوا كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن من شيء، كما ذكر ذلك النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى، إذ نلاحظ أنه وصفه بالوثاقة في الحديث ثم أشار إلى ضعف جملة من أحاديثه من جهة روايته عن الضعفاء، واعتماده المراسيل.

ويمكن تعميق ما ذكر بصورة أكثر، فنقول: إن تمامية التوجيه بحمل ما صدر من النجاشي على عدم تضعيف سهل، تتم لو قيل: حديثه ضعيف، فيلتـزم عندها بأن من موجبات تضعيف حديثه كونه يروي عن الضعفاء، أو يروي المراسيل، أما لو قيل: ضعيف في الحديث، فهو يتضمن نفي الوثاقة عنه، الكاشف عن ضعفه، وعدم الاعتماد عليه، ويشهد لذلك أنهم يقولون: ثقة في الحديث، ويعنون بذلك وثاقة الشخص في نفسه، فيوثق برواياته.

وفيه: إن التعبير في كلماتهم: بثقة في الحديث، إشارة منهم إلى أن رواياته عن الثقاة، لا أنه يتضمن كونه صدوقاً. ولا أقل من أن التعبير المذكور أعم، فإذا لم يكن في البين قرينة دالة على تحديد المقصود منه، كان في اللفظ إجمال، فتأمل.

على أن مقتضى ما ذكر، ألا يكون هناك فرق في التعبير بين قولهم: ثقة، وبين قولهم ثقة ثقة، وبين قولهم ثقة في الحديث، سوى التنويع في التعبير ليس إلا والتفنن في ذكر العبارة، مع أنه خلاف التباني العقلائي في المحاورات، ومن ثمّ في الظهورات، فلاحظ.

كما قد يدعى دلالة استثناء ابن الوليد إياه من كتاب نوادر الحكمة على ضعفه، استناداً إلى أن منشأ الاستثناء يعود لاشتمال مرويات من استثني على الغلو والتخليط، فيكون ظاهراً جداً في الحكم بالقدح في المستثنيـين، والطعن في وثاقتهم. وأكد ذلك الاستناد لما جاء في كلام ابن نوح، عندما استغرب استثناء ابنا لوليد العبيدي، لكونه كان على ظاهر العدالة والثقة.

وهو عجيب، لأن ما عدّ من مرويات متضمنة للغلو، تعدّ اليوم من أساسيات المعتقد الشيعي، خصوصاً بملاحظة حقيقة الغلو بنظر ابن الوليد، وتلميذه الصدوق(ره)، فهذا الصدوق(ره) يعدّ أن أول الغلو نفي السهو عن النبي(ص)، وهذا يعني أن ما يعدّ بنظرهما غلو قد لا يكون كذلك حقيقة وواقعاً، كما أن التخليط أعم من إيجابه القدح والتضعيف، فلاحظ.

وأما التأكيد المذكور، فهو أجنبي عن المدعى تماماً، ضرورة أنه يشير لما استظهرناه من الاستثناء، لأن استثناءا بن الوليد للعبيد، ليس مطلقاً، وإنما خص ذلك بمروياته عن يونس، وهذا لنكتة صغر سن العبيدي، مما يوجب التوقف في روايته عن يونس من دون واسطة، فكان هذا موجباً لكون مروياته عنه مراسيل، لذا استثناه ابن الوليد، وهو في الحقيقة استثناء للرواية، وليس استثناء للراوي، فلاحظ.

فتحصل تمامية ما ذكرناه، من انحصار طريق التضعيف في خصوص ما صدر عن شيخ الطائفة(ره)، فلاحظ.

وجوه التوثيق:

وأما وجوه التوثيق والمدح، فهي:

الأول: توثيق الشيخ (ره) إياه في كتابه الرجال، حيث نص على ذلك عندما ذكره في أصحاب الإمام الهادي (ع)وقال عنه أنه ثقة([1]).
وهذا الوجه صريح في الوثاقة، لأن ما صدر من الشيخ (ره) نص في ذلك.
لكنه قد نوقش في هذا الوجه بما ذكره ابن داود في رجاله، حيث ذكر سهلاً في القسم الثاني، وأشار إلى أن لفظة (ثقة) غير موجودة في نسخته من رجال الشيخ (قده) التي هي بخط الشيخ نفسه، مما يقوي احتمال كون اللفظة قد زيدت من قبل النساخ، واشتباههم.

وعليه، فهل يرجح قول ابن داود، لكونه كان يملك نسخة بخط الشيخ(ره) أم يكون المورد من صغريات تعارض النسخ، وبالتالي ينظر لأيهما يكون الترجيح؟ خلاف بين الأصحاب، وأقوال بينهم:

فعن بعض الأعلام(قده) تقديم قول ابن داود والعلامة(ره) في مثل هذه الموارد، لكون كتب الشيخ والنجاشي(ره) وصلتهما مصححة، مضافاً لتصريح ابن داود غير مرة بوجود كتابي الشيخ(ره) عنده بخط يده[2].  وما أبعد ما بين مختاره(ره) ومختار العلامة المامقاني(قده)، فإنه بنى على الترجيح لنسخ القدماء الموجودة بأيدينا على نسخ المتأخرين[3]. واختلفت رؤية بعض الأعاظم(ره) في مثل المقام، فتارة يلتـزم التوقف[4]، وأخرى لا يجعل قيمة لما جاء في نسخ المتأخرين[5]، وثالثة يعمد إلى ترتيب تعارض النسخ[6]، وهكذا. زكأن هذا التفاوت منه(ره) يعود إلى دراسة كل مورد مورد مستقلاً عن الآخر، فينظر فيه، وهل يوجد ما يوجب تقديم وترجيح ما جاء في نسخ المتأخرين، أم أن موجبات الترجيح قف في صف ما جاء نسخ القدماء الموجودة بأيدينا، أم أنه لا يوجد ما يستوجب الترجيح لأحداهما على الأخرى.

ووفقاً لما ذكرنا، سوف يكون في البين محتمل ثالث، مفاده النظر في كل مورد بحسبه، وعدم البناء على ضابطة كلية، فيدرس كل مورد مورد، ومن ثمّ يقرر بعد النظر في موجبات التقديم لأي من النسختين، فلاحظ.

وبالجملة، سوف يكون الاعتماد على التوثيق الموجود في كلمات الشيخ(ره) مبني على ما هو المختار في مثل هذه الحالة، وبالتالي ترتيب الأثر.
هذا كله، مع غض الطرف عن كون التوثيق الصادر من الشيخ(ره) معارض بالتضعيف الصادر عنه، كما عرفت في عرض وجوه التضعيف، وسيأتي الحديث عن ذلك عند البحث عن كيفية التوفيق، فأنتظر.

الثاني: قد أكثر الشيخ (قده) النقل عنه في التهذيـبين: من دون أن يناقش في وثاقته، كما ناقش في غيره، مما يستكشف منه كونه ثقة.
ويبتني هذا الوجه على كبرى، وهي أن الشيخ (ره) قائل بحجية خبر الثقة، ليستكشف من عدم مناقشته في شخص ارتضائه حديثه وقبوله لروايته.
لكن لو كان مسلك الشيخ (ره) في الحجية هو الخبر الموثوق بصدوره-كما هو الصحيح- لم يكن لهذا الوجه مجال أصلاً.

على أنه يكفينا للجواب عن هذا الوجه أن يقال: بأن الداعي لتأليف الشيخ (ره) للتهذيـبين هو علاج التعارض المتصور بين النصوص كما صرح بذلك في مقدمة التهذيب، وعليه فما يصدر منه مناقشة في الراوي إنما هي للعلاج ليس إلا، وسكوته لا يعني الارتضاء و القبول، بل أعم.

الثالث: رواية جمع من الأجلاء عنه، إذ روى عنه الفضل بن شاذان ومحمد بن يحيى العطار ومحمد بن الحسن الصفار وعلي بن إبراهيم ومحمد بن جعفر الأسدي ومحمد بن علي بن قولويه وعلي بن محمد بن إبراهيم المعروف بعلان، وسعد بن عبد الله الأشعري وغيرهم.

وتقريب هذا الوجه على المدعى أن يقال: إن رواية الجليل عن شخص، بل إكثاره الرواية عنه  كاشف عن وثاقته، وإلا لم يكن هناك وجه للرواية عنه، فضلاً عن إكثار ذلك عنه.

هذا وقد عرفت منع الكبرى في هذا الوجه في فوائدنا الرجالية، وحاصل ما ذكرناه هناك، أن تمامية الكبرى المذكورة في المقام تعتمد على وجود وجه فني صناعي يمكن الركون إليه لإثباته، وما لم يتوفر ذلك، لكونها لا تتعدى الدعوى التي ترجع عهدتها على مدعيها، فلا يركن للوجه المذكور. وبحسب الظاهر أننا لم نجد وجهاً فنياً صناعياً يمكن الاستناد إليه في مقام إثبات الكبرى، فلاحظ. ووفقاً لما تقدم من عدم تمامية الكبرى، سوف  تندفع الصغرى.

الرابع: وقوعه في أسناد كامل الزيارات، وقد شهد ابن قولويه بوثاقة كل من وقع في أسانيد كتابه، فعندها تثبت وثاقته.
ويعتمد هذا الوجه على أن تكون العبارة غير مجملة، وأن تكون ظاهرة في وثاقة كل من وقع في أسناد الكتاب، وليست في خصوص المشايخ، وعليه لو بني على إجمال العبارة، أو على اختصاصها بخصوص المشائخ لم يصلح هذا الوجه لإثبات المدعى.

على أننا ذكرنا في محله كون العبارة أجنبية عن المدعى تماماً، وأنه قد حصل الخلط عند بعض الأصحاب بين المنهجين الرجالي والفهرستي، كما فصلنا ذلك في الفوائد الرجالية.

الخامس: وقوعه في أسناد تفسير علي بن إبراهيم القمي، وقد شهد في ديباجة كتابه أنه لم يورد في كتابه إلا خصوص الروايات الواردة عن طريق الرواة الثقات، وهذه شهادة حسية منه بوثاقة جميع من ورد في أسانيد كتابه، ومع الشك في حسية شهادته أو حدسيتها، نحكم أصالة الحسية الحاكمة.

ولا يخفى أن تمامية الوجه المذكور تتوقف على توفر ثلاثة أمور:

أولها: إحراز نسبة الكتاب الموجود بأيدينا اليوم، لعلي بن إبراهيم القمي.
ثانيها: إحراز أن الديباجة الواقعة في مقدمة الكتاب صادرة عنه، وليست مكتوبة من قبل بعض تلامذته.
ثالثها: الالتـزام بتمامية دلالة العبارة المعنية بذلك، وظهورها في وثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب.
والمقرر في محله، عدم تمامية شيء مما ذكر، فلاحظ.

هذا ويُمنع الاستناد للوجه المذكور، بعد البناء على توفر الأمور الثلاثة المذكورة، كون سهل لم يرد في أًل التفسير، بل ورد اسمه في موردين في القسم المزيد فيه من قبل جامع الكتاب، ويتضح ذلك من خلال ملاحظة الراوي عنه في الموضعين، فإنه محمد بن أبي عبد الله، وهو أحد أصحاب الطبقة الثامنة، وهي طبقة علي بن إبراهيم، فليس هو من مشائخ علي بن إبراهيم الذين يروي عنهم.

السادس: كثرة رواية الشيخ الكليني عنه في الكافي، ولا يخفى إن هذا يعتمد على تمامية أمرين:

الأول: أن يكون مسلك الكليني في الحجية هو خبر الثقة، لا الخبر الموثوق بصدوره.
الثاني: إن تتم الشهادة الصادرة عنه في الديباجة باعتبار كل ما جاء في كتابه.
وكلا الأمرين لا يمكن الالتزام بتحققهما في البين، إذ الأول، على خلاف مقتضى التحقيق من كون قدماء الأصحاب على البناء على الوثوق لا الوثاقة.
والثاني، خلط بين المنهج الفهرستي والرجالي على ما أوضحناه في الفوائد الرجالية فراجع.

فتحصل مما تقدم، أنه لم ينهض من وجوه التوثيق، سوى ما صدر من شيخ الطائفة(ره) في رجاله بناءً على وجود ذلك فعلاً في النسخة، خلافاً للمحكي عن ابن داود، كما عرفت.
وعليه، سوف تكون المعارضة حاصلة بين قولي الشيخ(ره)، والمحتملات عندها أمران:

الأول: الالتـزام بتقديم التوثيق على التضعيف، لا من باب تقديم التعديل على الجرح، فإن الكبرى غير تامة في نفسها، وإنما من باب أن رجال الشيخ(ره) متأخر تأليفاً عن فهرسته.

الثاني: الالتـزام بعدم وجود ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر، ضرورة أن حجية قول الرجالي منشأها خبر الثقة في الموضوعات، ودليل الحجية هو السيرة العقلائية، ولا ريب في عدم شمولها لمورد المعارضة، فيلتـزم عندها بالتساقط، فلاحظ.
 

([1]) رجال الشيخ ص416.
[2] قاموس الرجال ج 1 ص 25، 56.
[3] تنقيح المقال ج 2 ص 29.
[4] معجم رجال الحديث ج 8 ص 128.
[5] المصدر السابق ج 13 ص 186.
[6] المصدر السابق ج 4 ص 341.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة