موت السمك في الشبكة

لا تعليق
خواطر حوزوية
242
4

 

 

لا خلاف بين الأصحاب في أن ذكاة السمك بإخراجه من الماء حياً، فلو مات السمك حتف أنفه في الماء، حرم أكله، لعدم حصول الذكاة له.

 

وقد وقع الخلاف بينهم في حلية السمك الذي يموت داخل الشبكة في الماء، فأختار ابن أبي عقيل العماني(ره)، التفصيل بين أن يموت داخل الشبكة في الماء، فيحكم بحليته، وبين أن يموت خارجها فيه فيحكم بحرمته[1]. وقد نفى عنه المحقق السبزواري(ره) البعد في كتابه الكفاية[2]. كما مال للقول به المقدس الأردبيلي(ره)[3].

 

وأختار الشيخ(ره) في النهاية، وابن حمزة وابن إدريس، وأكثر المتأخرين، كالشهيد الثاني، والمحدث الكاشاني، وصاحب الرياض(ره)[4]،  الحرمة مطلقاً، سواء مات داخل الشبك في الماء، أم مات في الماء خارجه.

ومنشأ الخلاف الواقع بينهم يعود لاختلاف النصوص، فإنها على طوائف ثلاث:

 

الأولى: ما دلت على حلية السمك إذا مات داخل الشبك في الماء:

 

منها: صحيح الحلبي، قال: سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها؟ فقال(ع): لا بأس به، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها[5]. ودلالتها على المدعى تامة، لأن المستفاد منها أنه لما كان موته في ما وضع من أجل أن يصاد به، كان ذلك موجباً للبناء على حليته لتحقق ذكاته.

 

ومقتضى دلالتها توسعة موجب الذكاة في السمك لتشمل حيازته ولو داخل الماء، ولا تكون ذكاته منحصرة بإخراجه من الماء حياً.

 

وقد منعت دلالتها لوجود إجمال فيها، بسبب وجود احتمالين في مقصود السائل من سؤاله:

 

الأول: أن تكون الغاية من السؤال معرفة حكم نصب الشبكة في الماء، مع أنه يستلزم موت بعض السمك فيه.

الثاني: أن يكون المقصود من السؤال التعرف على حكم أكل السمك الذي مات في الشبكة داخل الماء.

 

ودلالتها إنما تتم على الاحتمال الثاني دون الأول، لأنه لو كان المقصود هو الاحتمال الأول، فإن المستفاد من قوله(ع): لا بأس، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها، هو جواز جعل الشبكة والحظيرة في الماء، ولا دلالة لها على اباحة أكل السمك الذي مات في البحر.

 

ولما لم يكن في البين ما يوجب ترجح أحد المحتملين على الآخر، فلا مناص من البناء على وجود إجمال فيها[6].

ولا يخفى بعدُ ما ذكر، ضرورة أنه لا معنى لأن يسأل عن أصل مشروعية نصب الشبك في البحر، وإن كان ذلك يستوج

ب موتاً للسمك فيه، لأنه لن يصدق عليه عنوان الإتلاف، ولا التصرف في شيء مما للغير، خصوصاً وأنه من المباحات التي يملكها من حازها. بل إن العرف يفهم أن السؤال عن حلية ما وقع داخل الشبكة المنصوبة لأكله من عدمه.

 

على أنه لو سلم دلالة الصحيح على المحتمل الأول في السؤال، فإنه سوف يؤول لباً للدلالة على حلية الأكل بعد النصب، ودخول السمك للشبك، لأنه لا معنى لأن يسأل عن شيء آخر في البين سواه.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(ع) : عن الحظيرة من قصب تجعل للحيتان في الماء فتدخلها الحيتان فتموت بعضها فيها؟ قال(ع): لا بأس[7]. ولا تقصر دلالتها على المدعى عن سابقتها، فإن نفي البأس يفيد جواز الأكل وحليته.

 

وقد خدشت دلالتها بما خدشت به دلالة صحيحة الحلبي، ويجري الجواب السابق عن الإشكال في المقام أيضاً.

ومنها: خبر ابن أبي عمير عنه(ع): سمعت أبي(ع) يقول: إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر ولا يؤكل الطافي من السمك.

 

ومنها: صحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع) في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها منصوبة فأتاها بعد ذلك قد وقع فيها سمك فيموتن. فقال: ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها[8].

ومنها: خبر مسعدة بن صدقة، إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال، ما خلا ما ليس له قشر، ولا يؤكل الطافي من السمك[9].

 

وفي سندها كلام منشأه وجود مسعدة بن صدقة، وهو لم يوثق، وما ذكر من طرق لتوثيقه ليس ناهضاً للإثبات، واعتماد بعض الأعاظم(ره) في ذلك على وقوعه في أسناد تفسير القمي، لا يجدي لما سمعت مكرراً من عدم البناء على هذا الوجه لإحراز وثاقة راوٍ ما.

 

نعم قد ذكرنا في بحث الاجتهاد والتقليد عند الحديث عن حجية البينة أنه لا يبعد البناء على اتحاد مسعد بن زيادة، ومسعدة بن صدقة، وبالتالي يحكم بالوثاقة. نعم في مقام الصناعة لا ضير في البناء على الاتحاد، إلا أنه يصعب الإفتاء على وفقه، بدعوى دخول أخبار مسعدة بن صدقة دائرة الحجية. نعم هو موجب للتنـزل للاحتياط حال حصر الدليل في خبره.

 

ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(ع)، قال: سألته عن الصيد نحبسه، فيموت في مصيدته، أيحل أكله؟ قال: إذا كان محبساً فكله، فلا بأس[10].

ووقوع عبد الله بن الحسن المجهول موجب لضعفه، فيصلح للتأيـيد.

 

الثانية: ما دل على حرمة السمك إذا مات في البحر مطلقاً، سواء كان موته في الشبك، أم كان موته بدونه:

منها: صحيح أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن علياً(ع) كان يقول: الجراد ذكي كله، والحيتان ذكي، فما مات منه في البحر فهو ميت[11]. فإن المستفاد منها حرمة ما مات من السمك في البحر مطلقاً، سواء كان موته بحالة طبيعية، أم كان موته جراء وقوعه في الشبك وكان في الماء ثم مات. ودلالته على حرمة الأكل ومعاملته معاملة الميتة بالإطلاق، كما لا يخفى.

 

ومنها: ما رواه عمرو بن هارون الثقفي، عن أبي عبد الله(ع)، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع) الجراد ذكي كله، والحيتان ذكي كله وأما ما هلك في البحر فلا تأكل منه[12]. وهو كسابقه من حيث الدلالة في اعتبار خروجه من الماء حياً في ذكاته، فلو مات في البحر كان ذلك مانعاً من تحقق التذكية.

 

وفي سنده عون بن جرير الثقفي، وهو لم يوثق، وإن ذكره النجاشي والشيخ(ره)، نعم يمكن البناء على حسن حاله بناء على أن فهرست النجاشي قد صنف ليختص بذكر الصنفين من أصحابنا، فيكون شيعياً لم يرد فيه قدح ولا ذم، فتدخل أخباره في الحسان، وهذا مبني على ما تضمنته ديباجة النجاشي في الفهرست، وحتى يمكن البناء عليها لابد من إحراز أنها قد كتبت بعد الفراغ من تصنيف الفهرست، أو يبنى على التـزامه بها حتى لو كانت قد كتبت قبل البدء في الكتابة للفهرست.

ومتابعة الفهرست كاشفة عن عدم القبول بالمحتملين، فقد تضمن ذكراً لآخرين من غير الطائفة، وهذا ينفي التـزامه بالشهادة التي صدرت منه فيا لديباجة، ويساعد على كتابته إياها في مطلع التأليف، إلا أنه عدل عن الالتـزام بها في طيات الكتابة.

 

كما أن راويه، وهو عمر بن هارون مجهول الحال، حيث لم يذكر في شيء من المصادر الرجالية.

ومنها: خبر الاحتجاج، عن أبي عبد الله(ع)-في حديث-أن زنديقاً قال له: السمك ميتة، قال: إن السمك ذكاته إخراجه من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه، وذلك أنه ليس له دم، وكذلك الجراد[13]. وهو صريح في أن تذكيته لا تكون إلا بإخراجه من الماء حياً، فلو مات في الماء كان ذلك موجباً للبناء على حرمته، لعدم تحقق تذكيته. نعم هو مرسل، لعدم ذكر الشيخ الطبرسي(ره) طريقه إلى الإمام الصادق(ع).

 

ولا تعارض هذه الطائفة، الطائفة الأولى، لأن دلالتها على المنع والحرمة بالإطلاق، فتقيد بها، ليوسع موجب ذكاة السمك، ولا يكون منحصراً في خصوص الإخراج من الماء حياً، بل يشمل ما إذا تمت حيازته في الشبك ومات فيه.

 

الثالثة: ما يستفاد منها حرمة أكل ما مات من السمك في الماء، ولو كان في الشبكة:

 

منها: ما رواه عبد المؤمن الأنصاري، أمرت رجلاً أن يسأل أبا عبد الله(ع) عن رجل صاد سمكاً وهن أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن، فقال(ع): ما مات فلا تأكله فإنه مات فيما كان فيه حياته[14]. فإن التعليل المذكور في ذيلة يفيد قاعدة عامة مفادها إن موته في الماء يوجب حرمته.

 

ولا يخفى أن تمامية دلالتها تعتمد على ظهور النهي الوارد فيها للإرشاد إلى المانعية والحرمة.

 

وفي سندها مشكلتان:

الأولى: جهالة الوسيط بين عبد المؤمن والإمام(ع)، فإنه لم يصرح باسمه، ما يجعل الخبر مرسلاً.

الثانية: اشتراك عبد المؤمن، فإنه مردد بين عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري، الثقة، وغيره.

 

ويمكن التغلب على الثانية منهما، بتميـيزه وأنه عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري بقرينة رواية عبد الله ابن مسكان عنه.

ومنها: ما رواه عبد الرحمن بن سيابة، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن السمك يصاد ثم يجعل في شيء، ثم يعاد في الماء، فيموت فيه؟ فقال: لا تأكله، لأنه مات في الذي فيه حياته[15].

 

وتقرب دلالته على أساس أن المستفاد منه وفقاً للتعليل أن الموجب لحرمة أكل السمك بعدما مات في الماء، أنه مات فيما يكون فيه حياته، وهذا عنوان مطلق، لا يقتصر فيه على ما إذا أخرج من لماء، وأعيد إليه، بل يشمل ما إذا كان في الشبك وسط الماء في البحر، ولم يخرج إلا بعد موته، فلا يحكم بحليته.

 

ولمنع دلالته على المدعى مجال، فإنه لم يظهر أن منشأ موته في الماء بعد عوده نجم وضعه بعد اصطياده في الماء، فإن من المحتمل جداً أن يكون موته مستنداً لحالته الطبيعية، على أساس أنه قد أرجع إلى الماء، وبعد ذلك مات، فلا يكون ذلك ناشئاً من أنه أخذ ثم أرجع وهو بعدُ بيد الصائد إجمالاً، ليكون مربوطاً بمحل المقام. ويساعد على ذلك التعليل الذي ورد في الذيل، وهو قوله(ع): مات فيما فيه حياته، فإن الظاهر من هذا التعبير إشارته(ع) لكون موته مستنداً للحالة الطبيعية.

والحاصل، إنه لا يحرز أن موته لم يكن موتاً طبيعياً، بل إن الظاهر منه أن موته مستند للحالة الطبيعية، فلا يكون مربوطاً بمورد البحث.

 

وقد يخدش السند بوجود عبد الرحمن بن سيابة، فإنه لم يرد فيه توثيق خاص، إلا أنه يمكن توثيقه بأحد الوجوه العامة:

منها: وقوعه في أسناد كامل الزيارات، وقد شهد ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في أسناد كتابه.

 

وهذا الوجه يعتمد على القبول بشمول شهادة ابن قولويه لكل من وقع في أسناد الكتاب، وعدم اختصاصها بمشائخه المباشرين فقط، وكذا البناء على ظهورها في التوثيق، وعدم القول بإجمالها، هذا كله بعد الفراغ عن كونها ناظرة للتوثيق الرجالي، وليست ناظرة للمنهج الفهرستي.

 

والمقرر في محله عدم تمامية الكبرى المذكورة، وأن أقصى ما يظهر من عبارة ابن قولويه نظرها للمنهج الفهرستي، وقد فصلنا ذلك في الفوائد الرجالية.

ومنها: رواية الأجلاء عنه، فقد روى عنه عبد الله بن سنان، ومنصور بن حازم، وفضالة بن أيوب، وغيرهم، ومن المعلوم أن الجليل لا يروي إلا عن الثقة.

 

وفيه، إن الكبرى التي قام عليها الوجه المذكورة غير مبرهنة، لأنه لم يعرف وجه فني يمكن الركون إليه في إثبات أن الجليل لا يروي إلا عن ثقة، نعم لا ريب أن هناك بعض الأشخاص قد شهد في حقهم أنهم لا يروون إلا عن ثقة، إلا أن ذلك لا يفيد قاعدة كلية، فلاحظ.

 

ومنها: رواية غير واحد من أصحاب الإجماع عنه، فقد روى عنه أبان بن عثمان، كما روى عنه الحسن بن محبوب، وكذا روى عنه فضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى، وقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء.

وهذا الوجه يعتمد على القبول بتفسير المشهور لعبارة الكشي(قده)، أما لو أختير تفسير صاحب الوافي، وبعض الأعاظم(ره)، من ظهور العبارة المذكورة في وثاقة من ذكروا، وليس في وثاقة من وقع بعدهم في الأسناد، لم يكن الوجه المذكور دالاً على التوثيق، هذا كله فرع القبول بمثل هذه الدعوى، أعني الإجماع، فلاحظ.

 

ومنها: تعبير الشيخ(ره) عنه بقوله: أسند عنه، لظهور التعبير المذكور في التوثيق.

وفيه: قد ذكر في محله المحتملات المتصورة في العبارة المذكورة، وهل أنها مبنية للمعلوم أم أنها مبنية للمجهول، ومن ثمّ هل يمكن البناء على دلتها على التوثيق، وقد بني على عدم ظهورها في ذلك.

 

ومنها: ما تمسك به بعض الأعاظم(ره) في إثبات وثاقته، من إيكال الإمام الصادق(ع) إليه أمر تقسيم المال في عيالات من أصيب مع عمه زيد بن علي بن الحسين(ع)، فيستفاد من ذلك أنه كان مورد ثقة عند الإمام(ع)، من جهة أمانته[16]. والروايتان المشار إليهما هما:

 

إحداهما: ما رواه الصدوق(ره) في الأمالي بسند متصل إلى عبد الرحمن بن سيابه، قال: دفع إليّ أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد(ع) ألف دينار، وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي(ع)، فقسمتها فأصاب (عيال)عبد الله بن الزبير أخا الفضيل الرسان أربعة دنانير[17].

ثانيتهما: ما جاء في رجال الكشي في ترجمة الفضيل بن الزبير الرسان وإخوته، بإسناده عن عبد الرحمن بن سيابة، قال: دفع إليّ أبو عبد الله(ع) دنانير وأمرني أن أقسمها في عيالات من أصيب مع عمه زيد[18].

وتقريب دلالتهما على الوثاقة من خلال كونه محط اعتماد الإمام(ع)، وموضع سره، وأن ذلك يكشف عن كونه من خاصته، وإلا لم يعهد إليه بمثل هذا الأمر الخطير.

 

ووضوح النصين المذكورين في الكشف عن ذلك فيه ليس واضحاً، فإن أقصى ما يستفاد منهما أنه(ع) قد أمره أن يوصل أموالاً لمن قتل بين يدي زيد، وهذا يمكن أن يقوم به كل أحد، كما لا يخفى.

 

ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(ع)، قال: سألته عن السمك يصاد ولم يوثق، فيردُّ إلى الماء حتى يجيء من يشتريه، فيموت بعضه، أيحل أكله؟ قال: لا، لأنه مات في الذي فيه حياته[19].

وقد يقرر وضوح دلالته على المنع من تناول كل ما مات في الماء من الأسماك. نعم المانع من الاستناد إليه ضعفه السندي، فإن الحميري(رض) يرويه بواسطة عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثق، فيمنع ذلك من الاستناد لمروياته.

 

وقد عرفت عند الحديث عن ما رواه ابن سيابة منع دلالة مثل هذا التعبير على حرمة الأكل، بل إن المستفاد منه بحسب المتفاهم العرفي هو الإشارة إلى أن موته كان بصورة طبيعية، كما تموت بقية الأسماك في البحر.

ومنها: صحيح أبي أيوب الخزاز، أنه سأل أبا عبد الله(ع) عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط، وأرسلها في الماء، فماتت، أتؤكل؟ فقال: لا[20].

 

وقد تمنع دلالتها على الحرمة بعد الاصطياد والإرجاع في الماء، بلحاظ أنه لم يظهر أن ارجاعها للماء كان حال كونها مقيدة بالخيط، إذ من المحتمل جداً أن يكون تقيـيدها بالخيط طريقاً لإرجاعها فيه، لا أنها بقيت مربوطة به حتى ماتت، وهو ليس عرفياً، فإن المتفاهم العرفي من قوله: فربطها بخيط، وأرسلها في الماء، أن إرساله إياها مع بقاءه في حيازته وتحت يده.

 

وقد يقال: بأنها أجنبية عن المدعى، ذلك أن مورد البحث ما إذا ماتت السمكة في الماء ابتداء، بعد دخولها في الشبكة، لا ما إذا أخرجت من الماء ثم أعيدت إليه[21].

وقد اتضح أن ما يصلح لمعارضة الطائفة الأولى هو خصوص خبر عبد المؤمن، لو تم سنداً لأن المعارضة فرع الحجية. دون بقية نصوص الطائفة، إذ قد عرفت أنها أجنبية عن المدعى.

 

ومع التسليم بحجية خبر عبد المؤمن، ورفع اليد عن مشكلة الإرسال، فإنه يمكن الجمع بينه وبين نصوص الطائفة الأولى، بالتصرف في ظهوره بحمله على الكراهة والتنـزه. وعليه، سوف تكون النتيجة البناء على حلية أكل السمك الذي مات في الشبك في الماء على كراهية.

 

وقد يمنع الجمع المذكور بما ورد في كلام غير واحد من الأعلام، كالسيد الروجردي، وبع الأعاظم(ره)، وغيرهما من حصر الحمل على الكراهة في خصوص الأحكام التكليفية دون الأحكام الوضعية، لأنه لا يتصور فيها ذلك.

ومع أن المبنى المذكور ليس تاماً، كما قرر في محله، بل إن المراجع لموسوعة بعض الأعاظم(ره) الفقهية، يجده(قده) قد ناقض نفسه، فألتـزم بالجمع بالحمل على الكراهة في غير الأحكام التكليفية.

 

وقد يقرر أن التسليم بالمبنى المذكور لا يمنع من النتيجة التي وصلنا إليها، فإن المستفاد من النصوص أن الموجب لحلية السمك وذكاته، صدق عنوان الأخذ عليه، والظاهر عدم حصر ذلك في خصوص الإخراج من البحر، بل يصدق الأخذ بدخوله في شبكة الصائد، وعليه يكون مشمولاً لعموم ما دل على أن حليته بأخذه.

 

وهو ممنوع، ذلك أن العموم المستفاد من قوله(ع): إنما صيد الحيتان أخذه، سوف يكون مقيداً بما تضمنه خبر عبد المؤمن، فقد نص على أن ما مات منه في الشبك في الماء، يحكم بحرمته، وهذا يجعل المقصود من الأخذ إخراجه من الماء حياً، فلا يحكم بذكاته لو لم يخرج حياً.

 

ولا حاجة للرجوع للعموم لو منعت دلالة نصوص الطائفة الثالثة على المقام، بأن جعل موضوعها هو خصوص ما مات في الماء طبيعياً لا حال وجوده في الشبك، كما هو واضح.

وعليه، لو قبل بالمبنى المذكور، من حصر الحمل على الكراهة في خصوص الأحكام التكليفية دون الوضعية، فلا مناص من الالتـزام باستقرار المعارضة، وعندها سوف تقدم نصوص الطائفة الثالثة المانعة من التناول لمخالفتها للعامة، فإنهم قائلون بحلية أكل السمك مطلقاً. قال ابن قدامة في المغني: السمك وغيره من ذات الماء التي لا تعيش إلا فيه، إذا ماتت فهي حلال سواء ماتت بسبب أو غير سبب لقول النبي(ص): في البحر: هي الطهور ماؤه الحل ميتته[22].

 

هذا بناء على عدم وجود مرجح من الكتاب العزيز، لعدم دلالة قوله تعالى:- (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة)[23]، كما فصلنا ذلك في الحديث حول ما لا فلس له من الأسماك، فراجع.

ولو بني على أن أول المرجحات هي الشهرة، وليست موافقة الكتاب، أو مخالفة العامة، فإن كان المقصود منها الشهرة الروائية، أمكن البناء على ترجيح الطائفة الأولى الدالة على الحلية، لانحصار ما دل على المنع صريحاً في خصوص خبر عبد المؤمن، مقابل ما رواه غير واحد من الأعيان، كمحمد بن مسلم، وعبد الله بن سنان، والحلبي.

 

أما لو كان المقصود من الشهرة هي الشهرة الفتوائية، فقد يدعى تقدم ما دل على المنع، لشهرة ذلك بين القدماء، إلا أن الجزم بذلك صعب، خصوصاً وأنه لم يذكر ذلك إلا الشيخ(ره)، في كتابه النهاية، وابن حمزة، وهذا مانع من كونه مشهوراً بين القدماء، خصوصاً وأن ابن أبي عقيل قائل بخلاف قوليهما. نعم قد لا يعول على خلافه(ره) لعدم وجوده في الحاضرة العلمية، كما قيل، فتأمل.

 

ثم إنه لو لم يكن في البين ما يوجب الترجيح، سوف تصل النوبة عندها للتساقط، وبالتالي يرجع لمقتضى الأصل، وهو يقضي بحرمة أكل ما مات في الشبكة في البحر، للشك في حصول الذكاة عندها. إلا أن يتمسك بالعموم الفوقي الدال على أن المدار في ذكاته وحليته بأخذه، وهو يحصل بدخوله في الشبك، وإن مات فيه.

 


 

[1] حكاه عنه في المختلف ج ص

[2] كفاية الأحكام ص 248.

[3] مجمع الفائدة ج 11 ص 144.

[4] المسالك ج ص ، المفاتيح ج 2 ص 204، رياض المسائل ج ص

[5] وسائل الشيعة ج 24 ب 35 من أبواب الذبائح ح 3 ص 84.

[6] مستند تحرير الوسيلة كتاب الصيد والذباحة ص 101-102.

[7] المصدر السابق ص 85.

[8] وسائل الشيعة ج 24 ب 35 من أبواب الذبائح ح 2 ص

[9] وسائل الشيعة ج 24 ب 35 من أبواب الذبائح ح 4 ص 85.

[10] وسائل الشيعة ج 24 ب 35 من أبواب الذبائح ح 6 ص 85-86,

[11] وسائل الشيعة ج 24 ب 31 من أبواب الذبائح ح 6 ص 74.

[12] المصدر السابق ح 7 ص 74.

[13] المصدر السابق ح 8 ص 75.

[14] وسائل الشيعة ج 24 ب 35 من أبواب الذبائح ح 1 ص 83.

[15] وسائل الشيعة ج 24 ب 33 من أبواب الذبائح ح 1 ص 79.

[16] معجم رجال الحديث ج 10 ص 361.

[17] معجم رجال الحديث ج 8 ص 358.

[18] المصدر السابق ص 360.

[19] وسائل الشيعة ج 24 ب 33 من أبواب الذبائح ح 6 ص 80.

[20] وسائل الشيعة ج 24 ب 33 من أبواب الذبائح ح 1 ص 79.

[21] الصيد والذباحة ص 116.

[22] المغنى ص 40.

[23] سورة المائدة الآية رقم 96.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة