س: هل توجب مخالفة الإحتياط الوجوبي فقدان العدالة؟
ج: الوارد في رسائل الفقهاء العملية نوعان من الاحتياط، احتياط وجوبي، واحتياط استحبابي، وهما مختلفان من حيث الأحكام فالاحتياط الاستحبابي يتخير المكلف بين العمل به، وتركه، وليس له الرجوع فيه إلى فقيه آخر. أما الاحتياط الوحوبي فيتخير المكلف بين العمل به أو الرجوع لفقيه آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم، ولا يرخص له في تركه.
نعم لابد من التفريق في الاحتياط الوجوبي بين نوعين، وهما الفتوى بالاحتياط والاحتياط في الفتوى، والذي يجري فيه ما ذكرناه من التخيير هو خصوص الاحتياط في الفتوى وليس الفتوى بالاحتياط، ويذكر بعض الفقهاء أن أغلب الاحتياطات الوجوبية في رسائلهم من الفتوى بالاحتياط وليس من الاحتياط في الفتوى، ومن أمثلة ذلك الزام السيد السيستاني(دامت بركاته) بالجمع بين القصر والتمام مدة خمسة عشر يوما لمن سينطبق عليه كثير السفر مستقبلاً.
وقد يكون منشأ الفتوى بالاحتياط هو عدم وجود دليل ترخيصي على خلاف الفتوى.
وعلى أي حال، هناك أسباب تدعو الفقيه للبناء على الاحتياط في الفتوى والقول بالاحتياط اللزومي، لسنا بصدد ذكرها، فإذا قال الفقيه بذلك وألتزم بالاحتياط الوجوبي، وخالفه المكلف فهل يوجب ذلك خللاً في عدالته أم لا؟
لا ريب أنه لو كان الاحتياط الوجوبي الصادر من الفقيه من الفتوى بالاحتياط فإن مخالفته موجبة للبناء على اختلال العدالة، لكونها مخالفة صريحة لحكم إلزامي، كما لا يخفى.
إنما الكلام لو كان الموجود هو احتياط في الفتوى ومع وجود الترخيص في الرجوع للغير، إلا أن المكلف لم يرجع للغير في ذلك، وخالف الاحتياط اللزومي، فهل يوجب ذلك انتفاء العدالة، أم لا؟ قولان بين الأعلام:
الأول: وهو مختار السيد الخوئي(قده) وجماعة من أن مخالفة الاحتياط الوجوبي من المكلف من دون عذر تخل بعدالته، فمن حلق لحيته من دون عذر، التي يحرم حلقها على الأحوط وجوباً مثلاً، تختل عدالته، ويكون فاسقاً. وقد قرب ذلك بأن المورد شبهة بدوية، واحتمال ثبوت التكليف الإلزامي المستفاد من الاحتياط الوجوبي وارداً، فيكون الاحتمال المذكور منجزاً يلزم العمل على وفقه، وتكون مخالفته تجرياً على المولى وهتكاً له، وخروجاً عن دائرة عبوديته، وبناء على القول بحرمة التجري، لكونه ظلماً وهتكاً للمولى وخروجاً عن دائرة عبوديته، فيكون المخالف للاحتياط الوجوبي مرتكباً للحرام العقلي، ويستحق العقوبة عليه، فيكون فاسقاً وإن لم يكن الفعل حراماً شرعاً في الواقع.
وفي الكبرى التي قام عليها التقريب المذكور، وهي حرمة التجري بحث ونقاش ليس هذا مورد ذكره، بل يطلب من البحوث التخصصية.
الثاني: ما أختاره سيدي المرجع(دامت بركاته) من البناء على عدم اختلال العدالة بمخالفة الاحتياط الوجوبي، وعدم بقائها، فلا تجوز غيبته مثلاً ولا تقبل شهادته في الطلاق، ولا يصلى خلفه، والوجه في ذلك الالتزام بعدم حرمة التجري، لعدم وجود دليل يدل على وجوب تحرك المكلف وفق ما يقطع به أو يحتمله من التكاليف الإلزامية حتى مع عدم ثبوت تكليف في الواقع. وعليه لن يكون فاسقاً لأن ما أتى به حلال في اعتقاده فهو يحتمل عدم الحرمة، وإن كان متجرياً واقعاً، ولا يكون عادلاً لفرض عدم العلم بفعله الحرام وعدمه، فلا يحرز مفهوم العدالة الذي هو الاستقامة على جادة الشريعة.
نعم لو عرفت العدالة أنها صفة حسن تقتضي المدح، وليس مجرد الاستقامة على جادة الشريعة كان ذلك موجباً لانتفاء العدالة بمخالفة الاحتياط اللزومي وثبوت الفسق.
نعم لا يحكم بفسق مخالف الاحتياط اللزومي حتى على الرأي الأول لو كان مستنداً في المخالفة للأصل الترخيصي بوجود فتوى فقيه آخر قوله حجة يرخص في مخالفة الاحتياط المذكور، والله العالم.