يتوقف امتثال الحكم الشرعي على وجود موضوعه، فلو لم يوجد الموضوع لن يوجد الحكم خارجاً، فلو لم يوجد المستطيع لن يؤتى بالحج، ولم يوجد الغني لن تخرج الزكاة، وهكذا.
وقد وقع الخلاف بين الأعلام في جريان التقليد في الموضوعات بعد اتفاقهم على جريانه في الأحكام إلا ما استثني، فقال بعضهم بعدم جريان التقليد في الموضوعات مطلقاً، وأختار آخرون التفصيل بجريانه في بعضها دون البعض، ويتضح ذلك بمعرفة أنواع موضوعات الأحكام، إذ يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الموضوعات الشرعية: وهي التي لا وجود لها قبل بيان الشارع المقدس لها، فهو المؤسس إليها، مثل الوضوء والصلاة وما شابه ذلك. ولهذا يكون المرجع في معرفة حدودها وضوابطها إليه، فليس للغة ولا العرف دور في تحديد المقصود منها.
وقد يعبر عنها أيضاً بالموضوعات المستنبطة، لأن الفقهاء يقومون باستنباطها من الأدلة الشرعية. وقد ألتزم الإمام الخوئي(قده) بجريان التقليد فيها كجريانه في الأحكام الشرعية، وخالف في ذلك الإمام الخميني(قده) والسيد السيستاني(دامت بركاته) فقالا بعدم جريانه فيها.
الثاني: الموضوعات المحضة: وهي التي ليس للشرع فيها دور من قريب أو بعيد، وإنما يكون المرجع فيها إما إلى اللغة، أو إلى العرف، وهنا لحاظان: تارة يكون اللحاظ للمفهوم، فيكون هو الذي يحتاج بياناً وتفسيراً، فيكون المرجع إلى اللغة وتكون الموضوعات لغوية محضة. وأخرى يكون اللحاظ للمصداق الذي يعني تطبيق التعريف على الشيء الموجود في الخارج، وهنا يكون المرجع إلى العرف، وتكون الموضوعات محضة عرفية، وعليه فهنا نوعان:
أحدهما: الموضوعات المحضة اللغوية: وهي التي يكون المرجع في تحديد المقصود منها وبيان تعريفها إلى اللغة، من خلال الرجوع إلى المعاجم اللغوية، وليس للعرف دور في ذلك، لأنه عاجز عن الوصول لحقيقة بعض المعاني وإدراكها، مثل: الصعيد، والحرج، والضرر، وما شابه ذلك.
ثانيهما: الموضوعات المحضة العرفية: وهي التي يكون المتصرف في تحديد المقصود منها وتعيينه هو العرف، فيكون هو المرجع لبيان الحدود والقيود الدخيلة في الموضوع. مثل: الماء، سواء المطلق منه، أم المضاف، والدم، والبول. وهكذا.
وقد اتضح أن الفرق بين النوعين، أنه إذا كانت الحاجة إلى معرفة المفهوم، فسوف يكون الموضوع من الموضوعات المحضة اللغوية لأن اللغة هي التي تتكفل بيان المفهوم وتحديده. أما لو كان اللحاظ والنظر للمصداق، فسوف يكون من الموضوعات المحضة العرفية.
ويتفق الأعلام على عدم جريان التقليد فيها، بل يكون تحديدها بيد المكلف، نعم يمكن الإعتماد على الفقيه من باب الشهادة، أو الخبير ليس إلا.
الثالث: الموضوعات المستنبطة: ويعبر عنها بالمستنبطة لأنها تحتاج إلى التدقيق والنظر في المعاني، واستخراج المقصود منها.
وهذه قسمان، فقد تكون موضوعات عرفية مستنبطة، وقد تكون موضوعات لغوية مستنبطة، ويتضح الفرق بينهما بملاحظة المقصود من كل منهما:
١-الموضوعات العرفية المستنبطة: وهي التي يتردد العرف في تطبيق المفهوم على المصداق، فيرجع إلى اللغة ومع ذلك يتردد في مدخلية بعض القيود في الموضوع وعدم مدخليتها، مثلاً: الغناء، فإن العرف يتردد في مصداقه الخارجي بعد وضوح معناه، فيرجع إلى المعاجم اللغوية لتحديده، إلا أنه مع ذلك يبقى متردداً في أن الصوت المرجع، أو الصوت الممدود من الغناء أو لا. ومن الواضح أن تحديد ذلك يحتاج إعمال فكر ونظر واجتهاد، ولهذا يعبر عنه بالموضوع المستنبط. وقد أختار السيد الخوئي(ره) جريان التقليد فيها، وقال الإمامان الخميني(ره) والسيستاني( أطال في عمره الشريف) بعدم جريانه فيها.
٢-الموضوعات اللغوية المستنبطة: وهي التي لا يتردد العرف في معرفة مصاديقها، لكنه يتردد في معرفة مفهومها الدقيق، فيقع الخلاف بين اللغويين في تحديد معنى جامع للأفراد ومانع من دخول الأغيار، فيعمد كل واحد إلى ممارسة اجتهاده وإعمال نظره ليستنتج التعريف الكامل. وقد أختار الإمامان الخوئي والخميني(ره) عدم جريان التقليد فيها، وقال السيد السيستاني(دامت بركاته) بجريان التقليد فيها.