الشرط في الجمعية
من الأمور التي انتشر وجودها بين المؤمنين في المجتمعات ما يسمى بالجمعيات، ويقصد منها أن يتفق جمع منهم على دفع مبلغ شهري محدد بعنوان السهم، ويجمع المبلغ بعد ذلك ليأخذه أحدهم، وهكذا حتى تصل النوبة للأخير. وهذا العمل يمكن تخريجه بصورتين:
الأولى: أن يكون مخرجاً على الهبة المشروطة، فزيد يقدم المبلغ المذكور هبة منه لعمرو شرط أن يدفع له عمرو مثله بعد مدة معينة.
الثانية: أن يقع ذلك بنحو القرض، بأن يقرض زيد عمرواً هذا المبلغ على أن يرجعه له بعد مدة محددة مضروبة بينهما ولو في الجملة.
ومن الواضح، أختلاف الحال وفقاً للصورتين من حيث الأحكام المترتبة عليهما، ولنشر لحكمين:
الأول: في تعلق الخمس وعدمه، فوفقاً للصورة الأولى سوف يتعلق الخمس بالمبلغ المستلم بأكمله عند حلول رأس السنة الخمسية مع ملاحظة الشروط المعتبر توفرها في ذلك كما هو مفصل في محله.
وهذا بخلافه لو كان قرضاً فسوف يقتصر تعلق الخمس في خصوص ما دفعه المشترك من المبلغ لا مطلقاً، كما أن ما تبقى عليه دفعه سوف يكون ديناً تشتغل ذمته به يلزمه اسقاطه مما لديه كما هو مفصل في باب الخمس.
الثاني: جريان الربا في بعض حالات الصورة الثانية وعدم جريانه في الصورة الأولى، توضيح ذلك:
لا يخفى أن الربا كما يجري في البيع بشروط، فإنه يجري في القرض أيضاً، وهو يعني اشتراط الزيادة، ولا يعتبر في الزيادة المشروطة أن تكون عيناً كمبلغ مالي محدد مثلاً، أو شيئاً يأخذه في يده، بل يجري الربا حتى لو كانت الزيادة منفعة، كما لو أقرضه واشترط عليه أن يكنس داره أو يغسل ثوبه، وهكذا.
وفي بعض حالات الجمعية من الصورة الثانية يشترط المشتركون أو بعضهم أن يكون قبضه للمبلغ قبل غيره، وهذا يعني أنه علق إقراضه للآخر بهذا الشرط، فيكون من القرض الذي جر نفعاً فيدخل في القرض الربوي، ويصح القرض ويبطل الشرط.
فالمشترك الأول يشترط على بقية الأعضاء إقراضهم شرط أن يقرضوه أولاً، وهم قد قبلوا بذلك، فالمقترض الثاني، وهو المقرض الأول بحسب الفرض، قد أقرض المقترض الأول شرط أن يكون مقترضاً ثانياً، كما أن المقترض الأول قبل بإقراض المقترض الثاني، شرط أن يكون مقترضاً أولاً، فكل منهما اشترط في الإقراض منفعة حكمية، وهي تقدمه على البقية في القبض للقرض، فيدخل في الإقراض بشرط الإقراض، ويكون من الزيادة الربوية.
وقد يتصور البعض أن ما يدفعه المقترض الأول ليس إقراضاً في حقيقته، بل هو أداء لما اشتغلت به ذمته من الدين نتيجة اقتراضه من المقترض الثاني، ويدفع بأن العقود تابعة للقصود من جهة، والموجود خارجاً هو إقراض منه له مما تم الاتفاق منهما مع البقية على ذلك. وبأن العقد يتحقق بمجرد وقوع مقوماته وهي الإيجاب والقبول، ولا يعتبر فيه وقوع القبض، وهذا ما جرى في المقام منذ عقد الجمعية وأخذ الشرط بالكيفية التي أشرنا لها في القبض.
والطريق للتخلص من هذا الإشكال، إما جعل النوبة لأحدهم على نحو التصالح، أو حسب الحاجة، أو من خلال القرعة، فإنها لكل أمر مشكل.