فقه التأمين

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
203
1

من العقود المستحدثة التي لم تكن موجودة في عصر الشارع المقدس عقد التأمين، وقد نص علماء القانون أن ظهوره في البلاد الأوربية يعود للقرن الرابع عشر الميلادي، وكان ظهوره في البلاد الإسلامية متأخراً عن ذلك.

وقد أصبح اليوم شائعاً ومعروفاً، ويوجد في حياة أغلب الأفراد لقيامهم باستعماله في العديد من شؤونهم الحياتية.

حقيقة عقد التأمين:

وعُرّف التأمين بأنه عقد بين طرفين، يسمى أحدهما المؤمن والآخر المؤمن له أو المستأمن، يلتزم فيه المؤمن أن يؤدي إلى المؤمن له لمصلحته مبلغاً مبيناً في العقد، وذلك مقابل قسط مالي معين، أو أي دفعة مالية يؤديها المؤمن له إلى المؤمن. ومثاله: تأمين الإنسان على سيارته، أو على بيته، أو على حياته، وغير ذلك.

فعقد التأمين يتضمن عملين يقوم المؤمن له وهو صاحب السيارة مثلاً بعمل وهو دفع المبلغ المالي المتفق عليه، سواء بصورة دفعية أم بصورة تدريجية وفقاً لما اتفقا عليه.

ويقوم المؤمن وهو الشركة مثلاً بالعمل الآخر وهو ضمان الخسارة للمؤمن له إذا وقعت عليه كإصلاح السيارة مثلاً حال وقوع حادث عليها مثلاً.

أنواع التأمين:

لا ينحصر التأمين في نوع معين، بل هو أنواع متعددة بحسب المؤمن عليه، فقد يكون تأمينا طبياً كما لو كان التأمين على الحياة أو من المرض.

وقد يكون التأمين على الممتلكات كالسيارة، والمنزل، والدواب، والبصائع وما شابه ذلك.

وقد يكون التأمين ضد السرقة، أو ضد الحريق. وقد يكون التأمين للتعليم كالتأمين لحفظ حق الولد في الداسة، أو التأمين للزواج بالنسبة للفتاة، وهكذا.

ويمكن ذكر ضابطة لما يؤمن عليه، وهي: كل وسيلة محللة يستخدمها الإنسان في توفير راحته وطمأنينته في هذه الحياة وبعد مماته.

شرعنة عقد التأمين:

لما كان العقد المذكور مستحدثاً كما سمعت، فلابد من البحث عن سبيل مشروعيته، ولذلك طريقان:

الأول: من خلال عرضه على شيء من العقود المعروفة ليكون مصداقاً لها، ويأخذ حكمها.

الثاني: أن يكون عقداً مستقلاً قسيما للعقود الأخرى، فيدل عليه كل ما دل على مشروعيتها.

الطريق الأول:

وما يمكن أن يندرج تحته عقد التأمين من العقود الموجودة في عصر الشارع أمور:

الضمان:

فإن عنوان الضمان ينطبق على عقد التأمين، إذ أن المؤمن يضمن فيتعهد ويدخل الشيء في عهدته، لكنه ضمان بعوض حيث يشترط على المؤمن له أن يدفع مقابل ذلك مبلغاً من المال سواء كان دفعة أم أقساطاً.

الهبة المعوضة:

ويمكن تطبيقه أيضاً على الهبة المعوضة ليكون شرعياً، فإن المؤمن له يهب المؤمن في كل مدة زمنية حسب الإتفاق بينهما دفعة من المال ويملكه إياه مجاناً، ويشترط عليه أن يملكه مبلغاً يعادل قيمة المؤمن عليه، مثلاً: إذا حدث حادث للسيارة تقوم بإصلاحها وهكذا.

الصلح:

وقد يجعل التأمين من موارد الصلح الذي هو التراضي على أمرٍ من تمليك عين أو منفعة أو اسقاط دين أو حق. وفي المقام يتراضى المؤمن والمؤمن له على أن يدفع المؤمن له مبلغاً أقساطاً أو دفعة ويتحمل المؤمن الخسارة التي تحل بالمؤمن له أو ما شابه ذلك.

الجعالة:

ومن العناوين الفقهية المعروفة التي يمكن تطبيق التأمين عليها، الجعالة أيضاً، فإن المؤمن له قد جعل للمؤمن مبلغاً محدداً جراء قيامه له بعمل محدداً وهو التأمين.

الطريق الثاني: عقد مستقل:

وقد يلتزم أن التأمين عقد مستقل في عرض العقود السابقة يتركب من الإيجاب والقبول، ويشمله ما دل على إمضاء العقود مقل قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، فإنه شامل لكل ما صدق عليه عنوان العقد سواء كان معهوداً ومتعارفاً في عصر النص أم كان مستحدثاً.

شروط عقد التأمين:

وسواء بني على اندراج عقد التأمين تحت عقد كان موجوداً في عصر النص، أم كان عقداً مستقلاً، يعتبر في صحته شروط لابد من توفرها:

١-حصول الإيجاب والقبول من المؤمن والمؤمن له، وهذا قد يكون باللفظ وقد يكون بالفعل والكتابة وغير ذلك.

٢-تعيين المؤمن عليه، سواء كان شخصاً أم مالاً، حذراً من الغرر في المعاملة.

٣-تعيين مدة عقد التأمين بداية ونهاية. فيكون مبدأ عقد التأمين معلوماً كما تكون نهايته معروفة ومحددة أيضاً.

٤-تحديد نوع التأمين، من أنه تأمين على الحياة من الموت، أو الصحة من المرض، أو من الغرق للبضائع مثلاً، أو السرقة، أو الحوادث، وغير ذلك.

٥-تحديد أقساط التأمين وكيفية الدفع، سنوياً أو شهرياً، بنحو الدفعة أو الأقساط.

ويعتبر في المؤمن والمؤمن له جميع ما يعتبر في العقود الأخرى، من البلوغ والعقل والقصد والإختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه.

شركة التأمين:

ولما كانت شركات التأمين مختلفة، فقد تكون حكومية وقد تكون أهلية وقد تكون مشتركة منهما، فسوف يختلف حكم التعاقد معها بين الفقهاء، فبناء على القول بملكية الدولة، كما هو مختار السيد الخامنئي والسيد الحكيم في الجملة(دام ظلهما) لا إشكال في التعاقد مع الأنواع الثلاثة لشركات التأمين.

أما بناء على القول بعدم ملكيتها كما هو رأي السيد الخوئي(ره) والسيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، فينحصر جواز التعاقد في خصوص الشركات الأهلية منها، دون الحكومية والمشتركة، لأن إعطائها المال إتلاف له. نعم نتيجة إمضاء الإمام السيستاني لحميع التعاملات المحللة مع الدولة فلا يوجد إشكال في التعاقد مع الأقسام الثلاثة.

فروع مرتبطة بالتأمين:

الأول: لا يجوز التحايل على شركات التأمين من أجل الحصول على أمواله، وللتحايل عليها صور عديدة نشير لواحدة مما نبتلى به: يحصل أن يقع حادث بين سيارتين، ويكون أحد السائقين مؤمناً تأميناً شاملاً والآخر لا يملك تأميناً ويكون الخطأ على غير المؤمن، فيكون ملزماً بإصلاح سيارة الآخر، وبسبب عدم تأمينه، وتأمين الثاني شاملاً يتفقا على تغيير كيفية الحادث لتتحمل شركة التأمين إصلاح السيارة ولرغبة المؤمن مساعدة صاحبه، فإن هذا الفعل غير جائز، ولا يحق له أخذ المال من الشركة.

ومثله أيضاً لو وقع ال

حادث لشخص لا يملك تأميناً فيأتي شخص آخر مؤمن فيدخل مكانه على أنه الذي حصل له الحادث، لتتحمل شركة التأمين التكلفة، وكذا لو كان صاحب الحادث لا يملك رخصة قيادة فيحل محله شخص يملك رخصة قيادة ليشمله التأمين، وكذا استبدال بعض الأدوية المصروفة من الطبيب مثلاً ببعض الكماليات أو أدوية أخرى لا تتكفلها شركة التأمين، وهكذا، فإن جميع هذه الموارد يحرم فيها أخذ مبلغ التأمين، ولا يجوز لآخذه التصرف فيه.

الثاني: التنازل عن التأمين لشخص آخر، ولهذا صور أيضاً فقد يتنازل عن العلاج مثلاً، أو يتنازل عن بعض مصروفات شركة التأمين من أدوية أو نظارة أو غير ذلك، وجواز التنازل عنه لشخص يعتمد على نوعية عقد التأمين، فإذا كان العقد يحصر الاستفادة منه في خصوص المؤمن له، لم يحق له التنازل عنها لغيره، ولو تنازل بها لم يحق للآخر الاستفادة منها. أما لو كانت الشركة تلتزم تمليك المؤمن له، وله مطلق التصرف في ما يعطاه أمكنه التنازل عنه لمن شاء. والغالب في شركات التأمين هو النحو الأول.

الثالث: دائرة التصرف في أموال التأمين، فلو وقع حادث لسيارة شخص ما، فصرف له مبلغ التأمين فهل يسوغ له التصرف في المبلغ بصرف بعضه في إصلاحها وصرف الباقي في شؤونه الخاصة مثلاً، أم لا؟

يعتمد ذلك على ما وقع عليه عقد التأمين، وهنا احتمالات:

١- أن يكون عقد التأمين قد وقع على تحمل الخسارة التي أصابت السيارة، فيكون المبلغ المدفوع عوضاً عما أصابها، وهنا يحق للشخص التصرف في مبلغ التأمين بأي كيفية أراد فيصلح سيارته بجزء مثلاً ويصرف الباقي على نفسه.

٢-أن يكون العقد قد وقع على إصلاحها، فيعطى المبلغ لذلك، فلا يجوز له صرف المبلغ في غير الإصلاح ولو زاد المبلغ لم يملكه ووجب عليه إرجاعه للشركة.

٣-أن يكون التأمين واقعاً بلحاظ قيمة السيارة، وهنا يتخير إما أن يصرف المبلغ في إصلاح السيارة لتحافظ على قيمتها غالباً، أو يصرفه فيما يشاء شرط أن تغير قيمة السيارة السوقية عند شركة التأمين.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة