يحصر البعض تقييم الأفراد على خصوص البعد العبادي الموجود في شخصياتهم، فيقيّم الفرد وفق ما يملكه من رصيد عبادي مع الله سبحانه وتعالى من صلوات أو صيام أو دفع للخمس وما شابه ذلك، ويغفل عن أن الدين كما يدخل فيه العنصر العبادي، يدخل فيه العنصر المعاملي، وكيفية التعاطي مع الآخرين، فليس الدين مجرد مجموعة من الممارسات العبادية التي يؤديها الفرد، بل هو أوسع من ذلك، فهو قانون يعمد إلى تنظيم جميع الجوانب المرتبطة بحياة الفرد فكما يقوم بتنظيم علاقته مع ربه سبحانه وتعالى، يقوم أيضاً بتنظيم علاقاته مع الناس، يقول الإمام الصادق(ع): أصول المعاملة تقع على أربعة أوجه: معاملة الله، ومعاملة النفس، ومعاملة الخلق، ومعاملة الدنيا.
ويظهر مدى اهتمام الشريعة السمحاء بالعلاقات مع الآخرين ومراعاة حقوقهم ومشاعرهم، في تقديم هذا الجانب على بعض الممارسات العبادية المستحبة:
منها: الصوم المستحب، فمع ما له من فضل وأجر وثواب كبيرين، خصوصا إذا كان ذلك في شهر رجب، وكان في بعض الأيام الخاصة منه كيوم البعثة الشريفة، إلا أنه يستحب للصائم فيه الإفطار لو دعاه أخوه المؤمن إلى ذلك لكي يدخل السرور على قلبه، فقد جاء عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: من نوى الصوم المستحب ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر، فيدخل بذلك عليه السرور، فإنه يحتسب به بذلك اليوم عشرة أيام.
ومنها: الطواف المستحب، فقد دعت النصوص الشريفة إلى قطعه من أجل قضاء حاجة الأخ المؤمن.
وهذا يعني أن تقييم الأخرين ليس منحصراً في هذه الناحية بل لابد من ملاحظة البعد المعاملي في شخصية الأفراد ومقدار المساحة الموجودة فيها حتى يقرر حسن حال الفرد من عدمه.وقد وضع النبي الأكرم(ص) القواعد الأساسية التي تقوم عليه أصول التعامل مع الآخرين، بحيث يستحق بها حقوق الأخوة، قال(ص): من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت أخوته، وحرمت غيبته.
أحدها: ترك ظلم العباد، وهذا يشمل الظلم المادي بالتعدي عليهم في أبدانهم بضرب أو جرح، أو في أموالهم بوضع اليد على ممتلكاتهم، وما شابه ذلك. والظلم المعنوي، ويكون بالشتم والسب والإهانة، بل حتى إدخال الأذى عليه بفعل من الأفعال، وهكذا.
ثانيها: اجتناب الكذب عليه، فيكون صادقاً معه في أقواله وأفعاله حتى أحاسيسه ومشاعره.
ثالثها: عدم خلف الوعد، مطلقا وفي كافة المجالات والنواحي.