س: سمعنا أن التكاثر بين أبناء آدم(ع) من حوريات الجنة، أنزلها الله سبحانه وتعالى للتكاثر، فهل هذا صحيح أم لا؟…
ج: إن المستفاد من القرآن الكريم أن النسل الأول كان من آدم وحواء(ع)، لكنه لم يتعرض لكيفية تكثر الذرية من بعدهما، بمعنى لا يستفاد من القرآن أن أولاد آدم هل تزوجوا من بعضهم البعض، أم أنهم تزوجوا من حوريات، أم من جن، وفي كيفية تكاثرهم هناك عدة احتمالات:
الأول: أن يكون التناسل والتكاثر نتيجة نكاح الولد لأمه.
الثاني: أن يكون التناسل والتكاثر نتيجة نكاح الأخ من أخته.
الثالث: أن يكون التناسل والتكاثر من خلال تزويج كل ذكر وأنثى بروحاني متجسد.
ثم إنه لا إشكال في بطلان الاحتمال الأول بالضرورة، لأنه من الأمور المستقبحة بالفطرة عند الحيوان، فضلاً عن الإنسان.
وعليه يدور الأمر بين الاحتمالين الثاني والثالث، وقد وقع الخلاف بين أعلامنا في تحديد أيهما، فقال بكل واحد منهما قوم من الأصحاب، فالسيد السبزواري(قده)، بنى على أن التكاثر والتناسل كانت طريقته ما جاء في الاحتمال الثالث، وقد دعاه إلى ذلك بطلان الاحتمال الثاني بنظره(قده)، وقد بنى(قده) مختاره على أن الأمور القبيحة أصول ثابتة لا يتدخل فيها الزمان ولا المكان، فيحدثا فيها تغيراً، فالسرقة مثلاً، أو شرب الخمر، وما شابه أمران من الأمور القبيحة التي لا يتصور أن يأتي زمان أو يوجد مكان يحكم فيهما بحسنهما، وكذا نكاح الأخت فهو من الأمور القبيحة التي لا يتصور أن يأتي زمان أو يوجد مكان يحكم فيه بجواز نكاح الأخت. وببطلان هذا الاحتمال الثاني، يتعين عندها الاحتمال الثالث وفقاً للقسمة المنطقية الحاصرة.
ثم أشار(قده)، إلى أن التجسد الروحاني لا ينحصر في خصوص الإناث، بحيث يكون المتجسد هن الإناث للذكور، بل يشمل تجسد الذكور أيضاً للإناث،، وقد أشار القرآن الكريم لتجسد الروحاني الذكر للإناث في قصة السيدة مريم العذراء(ع).
وقد أيد كلامه(ره)، بل أكده من خلال ما جاء في النصوص الشريفة:
منها: ما عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: إن آدم ولد له أربعة ذكور، فأهبط الله إليهم أربعاً من الحور العين، فزوج كل واحد منهم فتوالدوا، ثم إن الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعاً من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم(ع)، وما كان من جمال فمن قبل حور العين، وما كان من قبح وسوء خلق من الجن.
ومنها: ما رواه زرارة عن أبي عبد الله(ع): كيف بدأ النسل من ذرية آدم؟ قال: عندنا أناس يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم(ع) أن يزوج بناته من بنيه، وأن هذا الخلق كلهم أصله من الأخوة والأخوات، قال أبو عبد الله(ع): سبحان الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً، من يقول هذا؟ إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال!!وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب، والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته أخرج غرموله، ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خرّ ميتاً.
وأختار السيد العلامة الطباطبائي(قده) الاحتمال الثاني، وتمسك لذلك بإطلاق قوله تعالى:- (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) لأن المستفاد من الآيات الشريفة أن النسل الموجود من الإنسان إنما ينـتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى، ولم يذكر القرآن للبث إلا إياهما، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال: وبث منهما ومن غيرهما، أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللفظ، ومن المعلوم أن انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواج بينهما من بناتهما.
وأما الإشكال بأن زواج الإخوان بعضهم ببعض محرم في الإسلام، وكذا في الشرائع السابقة عليه كما هو محكي، فإنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد، وليس حكماً تكوينياً لا يقبل التغيـير، وزمامه بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فمن الجائز أن يبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ذلك، ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة واسيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع.