تكليف الكفار بالفروع (2)

لا تعليق
خواطر حوزوية
79
0

الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود من النكاح الوارد ذكره في الآية الشريفة، هو الوطء الخارجي، وعليه سوف يكون المقطع الأول من الآية يفيد مجرد الإخبار عن أمر خارجي، وهو أن الزاني لا يجد عادة من يزني بها إلا الزانية أو المشركة، وكذلك الزانية لا تجد من يزني بها إلا الزاني أو المشرك، وقد أختاره بعض الأعاظم(ره) كما عرفت في موسوعته الفقهية، كما أختاره في تفسيره أيضاً[1].

وقد ذكر بعض الأعاظم(ره) أن المانع من المصير إلى الاحتمال الأول، مع أنه يوافق ظاهر الآية الشريفة، وجود محاذير تمنع منه:
الأول: ما تضمنته الآية الشريفة من استثناء نكاح الزاني من المشركة، ونكاح الزانية من المشرك، ومن المعلوم أن الزواج في هذين الموردين باطل بإجماع المسلمين، فلا يصح عقد الزاني المسلم من المشركة، كما لا يصح عقد الزانية المسلمة من المشرك.

الثاني:إن الالتزام بكون المقصود من الآية الشريفة هو الاحتمال الأول يستوجب جعلها واحدة من آيات الأحكام، وبالتالي يلزم أن يشترط في صحة عقد النكاح أن لا يكون الزوج زانياً، مع أنه لا قائل به من الفقهاء على الإطلاق، نعم وقع الخلاف بينهم في أنه هل يعتبر أن لا تكون الزوجة زانية أم لا.
الثالث: إن الالتـزام بكون الآية من آيات الأحكام، يستوجب القول بجواز تزويج الرجل الزاني من المرأة الزانية، مع أن مقتضى القول بعدم الجواز عدم الفرق بين كون الرجل زانياً وعدمه، فالمرأة الزانية لا يجوز الزواج منها، سواء كان الزوج زانياً أم لا، وهذا يصلح أن يكون قرينة صارفة للفظ عن ظاهر لمنع كون الآية الشريفة في مقام التشريع، فلاحظ.

وقد دفع ثاني وثالث المحاذير، بوجود من ألتـزم بذلك من الفقهاء، كصاحب الحدائق(ره)، لاعتباره كون الزوج ألا يكون مشهوراً بالزنا[2]، كما أن الالتـزام بجواز نكاح المشهورة بالزنا بالمشهور بالزنا، فلا إجماع محصل على خلافه.

ولما كان المحذور الأول لا يمكن رفع اليد عنه، بني على الاحتمال الثاني في الآية الشريفة، وإن كان الاحتمال الأول موافقاً لظاهرها، فلاحظ.
وقد أورد على القائلين بالمحتمل الثاني، كبعض الأعاظم(ره)، بأن ذلك يستلزم أموراً:
منها: رفع اليد عن عدد غير قليل من النصوص الواردة في شأن الآية المباركة، والواردة من طريقي الفريقين.

ودعوى بعض الأعاظم(ره) ردها إلى علمها، مما يصعب البناء عليه، لأن من الصعب جداً البناء على أن هذه النصوص كلها مكذوبة، أو بحكم المكذوبة.
ومنها: إن الاحتمال الثاني لا ينسجم مع تفسير ذيل الآية الشريفة، وهو قوله تعالى:- (وحرم ذلك على المؤمنين)، ذلك أن فيه احتمالين:

الأول: أن يكون المقصود منه هو الحرمة الشرعية للزنا، وهو مختار غير واحد من المفسرين، كابن عباس وغيره.
ووفقاً لهذا الاحتمال سوف تكون الآية مختصة بالمسلمين دون غيرهم، كما عليه بعض الأعاظم(ره).
ولا يخفى أن الالتـزام بهذا التفسير يستوجب فقدان الارتباط بين صدر الآية وذيلها، لأن الزاني والزانية المذكورين في الآية، لا يخلو حالهما إما أن لا يكونا من المسلمين، أو يكونا منهم.

فإن كان الأول، فإن الآية الشريفة بصدد حكاية أمر خارجي يفيد أن الزاني لا يزني عادة إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا تزني عادة إلا مع زانٍ أو مشرك، وهذا لا ارتباط به بتحريم ذلك على المؤمنين.

أما لو كان الثاني، وألتـزم بأن المعني بالمؤمنين في ذيل الآية الشريفة هم خصوص المؤمنين حقاً واعتقاداً وعملاً، في مقابل الزناة من المسلمين غيرا لملتـزمين بالأحكام الإسلامية.

وهذا وإن أمكن إيجاد الربط فيه بين الصدر والذيل-كما عن بعض الأعاظم(ره)-ليكون المقصود من ذيل الآية تحريم ذلك على المؤمنين حقاً، فيجتنبون الزنا لأنه محرم عليهم. إلا أنه تأويل بعيد، يحتاج تقديراً لا يدل عليه الكلام، مضافاً إلى أن التعليل فيه غير واضح الوجه، فإن حرمة الزنا تشمل جميع المسلمين، فلا وجه لتعليل امتناع قسم منهم عنه، وهو المؤمنون حقاً، بأنه محرم في الإسلام.

ويمكن الجواب عما ذكر، بالالتزام بالمحتمل الأول من المحتملين، ويقرب الارتباط بين الصدر والذيل، فلا يرد محذور عدم الارتباط بالبيان التالي:
إن الحديث لما كان عن أمر خارجي، فربما أوهم ذلك المشروعية والجواز للمسلمين، بحيث يدعى عدم ظهور الآية في حصر الزواج بخصوص من كان مسانخاً ومشابهاً، لدى ورد النهي والتحريم على المؤمنين، ويشهد لذلك ما جاء في سبب نزولها، فإنه يدل دلالة واضحة على رغبية المسلمين في الزواج منهن، ولذا ورد التحريم عن ذلك، فلاحظ.

وأما الاستيحاش من رفع اليد عن النصوص التي ذكرت، فلا موجب له، لما عرفت من أنها ضعيفة الأسناد عدا صحيحة زرارة، وفي دلالتها مجال للتأمل، لتضمنها التعبير بكلمة: لم ينبغ، وهي محل خلاف بين الأصحاب في ظهورها في المنع، أم في المرجوحية، فلاحظ.

الثاني: أن يكون المقصود من التحريم الوارد في الآية الشريفة، الحرمة الخارجية بمعنى الامتناع الذاتي الشخصي، وليس المنع الشرعي، فالمؤمن حقاً لا يمارسا لزنا، ومن مارسه لا يكون مؤمناً حقاً.
وقد ذكر أنه المناسب للنصوص، لتضمنها: أن من يزني يسلب منه الإيمان حين ارتكابه لهذه الفاحشة.

وهذا التفسير يستوجب أن يكون منشأ التحريم هو المؤمنون أنفسهم، فهم الذين حرموا ذلك على أنفسهم، مع أن المستفاد من الآية أن مصدر التحريم هو الله سبحانه وتعالى، لقوله:- (وحرم)بصيغة المبني للمفعول، مما يعني أن التحريم ليس خارجياً، وإنما هو تحريم شرعي.
إلا أن التأمل في الآية الشريفة، وملاحظة صيغتها البنائية، إذ أن قوله تعالى:- (حرم) مبني للمفعول، فيكون المقصود أن الله تعالى حرم ذلك على المؤمنين، لا أن المؤمنين حرموا ذلك على أنفسهم.

ومقتضى ما تقدم، أنه لا مانع من الالتـزام بالتفسير الثاني للآية الشريفة، خصوصاً وقد عرفت أن لا محذور فيها، وإن كانت خلاف ظاهر الآية المباركة.
إلا أن الحق، هو الالتـزام بالتفسير الأول لها، وأن يكون المقصود من النكاح الوارد فيها هو العقد، وليس الوطء الخارجي، لأن المانع عن ذلك كما عرفت هو خصوص المحذور الأول، وهو مشروعية جواز المسلم أو المسلمة، من المشركة أو المشرك، والجواب عن هذا المحذور تتضح بمعرفة أن حكم تحريم مثل هذا النكاح، هل كان من الأحكام التي شرعت في صدر الإسلام، أم أنها من الأحكام المشرعة المتأخرة بعد الهجرة النبوية، وأن الكفار كانوا يتزوجون من المسلمات كما كان المسلمون يتزوجون من الكافرات، إلى نزل المنع عن ذلك؟ الصحيح هو الثاني، وعليه جملة من الشواهد.

ووفقاً لما تقدم سوف يقرر أن الظاهر من الآية الشريفة وهو جواز زواج المسلم الزاني من المشركة والزانية، والمسلمة من المشرك والزاني، وثبوت ذلك في وقت نزول الآية الشريفة، ليس مما يقطع بخلافه، نعم لا إشكال في عدم جوازه بعد ذلك. وهذا يعني الالتـزام بثبوت النسخ حينئذٍ.

الثاني: ما جاء في كلمات صاحب هداية المسترشدين(ره) بصورة موجزة، وفصله بعض الأعلام(ره)، وهو وجه عقلي، ومانع ثبوتي، لو تم لما كنا بحاجة إلى البحث عن مقام الإثبات، بل سوف يلتـزم عندها بلزوم رفع اليد عما استدل به المشهور لإثبات التكليف لهم، أو يعمد إلى تأويلها، وعلى أي حال، فحاصل الوجه المذكور هو:

أن التكليف لما كان باعتبار جعل الداعي نحو العمل، ومن الواضح أن من لا يعترف بمولوية الآمر وينكرها أو لا يعترف بوجود الآمر أو صدور الأمر منه، لا يكون جعل الحكم في حقه مؤثراً في ترتيب الأثر المرغوب، وهو إمكان الدعوة، إذ لا يمكن أن يكون الحكم داعياً في حق من لا يؤمن بوجود الحاكم، أو بصدوره منه.

وهذا المعنى ثابت حتى على رأي من يقول أن حقيقة الحكم هيج عل الفعل في عهدة المكلف، إذ هو لا يلتـزم بذلك بنحو لا يختلف التكليف عن الوضع، بل يرى أن التكليف ذلك، ولكن بداعي التحريك، فمع عدم قابلية المجعول للتحريك يمتنع جعله لا محالة.

وبالجملة، فتكليف الكافر نظير تكليف العاجز في عدم ترتب الغرض منه، وهو إمكان الدعوة، وعليه فيكون ممتنعاً كما يمتنع تكليف العاجز[3].
وقد ذكر صاحب الحاشية له أجوبة ثلاثة، نقتصر على ذكر واحد منه، وحاصله:

إن التقريب المذكور أخص من المدعى، ضرورة أن جريانه ينحصر في خصوص من كان جاهلاً قاطعاً إما بعدم وجود آمر، أو قاطعاً بعدم ثبوت حق له في الأمر، أو قاطعاً بعدم صدور أمر منه. وهذا يعن أن الإنسان لو كان يحتمل وجود من يحق له الأمر، أو يحتمل صدور الأمر منه، فلا ريب في إلزام العقل إياه بلزوم الفحص والبحث، لمعقولية التكليف في حقه. ويشهد لما تقدم شمولية التكليف للجاهل البسيط، فتدبر.

الثالث: الاستناد إلى السيرة المنعقدة على عدم ثبوت التكليف للكفار بالفروع، وقد قربت ببيانين:

الأول: ما جاء في كلمات صاحب الحدائق(ره)، من نفي ثبوت صدور أمر من النبي محمد(ص) لأحد من الكفار عندما دخل الإسلام بالغسل من الجنابة، مع أنه قلما ينفك أحد منهم منها في تلك الأزمنة، ولو صدر منه مثل ذلك لصار أمراً معلوماً ومتداولاً[4].
وأجاب عنه العلامة المراغي(ره)، بأن الظاهر أن الاغتسال بعد الإسلام كان من الأمور المعتادة الواضحة، كما يكشف عنه طريقتنا في زماننا هذا، مضافاً إلى كفاية الأمر العام في ذلك، فلا يحتاج إلى الأمر بالخصوص[5].

مضافاً إلى إمكانية التمسك بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وإلا لم يثبت حجر على حجر، فلم يحدثنا التاريخ ولا النصوص على انه (ص) قد اخذ خمس الموؤنة من أحد وهكذا.
على أن المنقول أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة، وهو من بقايا ملة إبراهيم وإسماعيل[6]واقرهم النبي (ص) على ذلك. كما أن المعروف أنهم كانوا يعمدون إلى الإتيان بغسل متى دخلوا فيا لإسلام، فلاحظ.

الثاني: ما جاء في كلمات بعض الأعاظم(ره)، من أن سيرة المسلمين قاطبة خلفاً عن سلف قائمة على عدم مؤاخذة الكفار حتى الذمي منهم بشيء من الأحكام، فلا يؤمرون بالصلاة ولا بالصيام، ولا بالحج، كما لا ينهون عن شرب الخمر، أو القمار، أو الإفطار في شهر رمضان، ولا تجرى عليهم الحدود إلا في ما دل عليه دليل بالخصوص، مع أنهم لو كانوا مكلفين بالفروع لوجب ذلك، ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[7].

وأجيب عنه، بأنه يكفي القائل بثبوت تكليفهم بالفروع وجود هذه السيرة ليلتـزم بعدم وجوب أمرهم بالمعروف ونهيم عن المنكر، فيكون نظير ما ثبت في شأن المخالفين لنا في الفروع التي هي موضع خلاف بين المسلمين، مع أنه لا إشكال في ثبوت تكليفهم بها، إلا أنه لا يجب أمرهم بالمعروف ولا نهيهم عن المنكر بالنسبة إليها، فلاحظ.

الرابع: صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر(ع): اخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق فقال: إن الله بعث محمداً(ص) إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على خلقه في أرضه فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فان معرفة الإمام منا واجبة عليه ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله وبرسوله ويعرف حقهما …الخ …[8].

وأول من استند إليها في إثبات عدم ثبوت التكليف للكفار بالفروع هو الأمين الاستربادي(ره) في الفوائد المدنية، فقد ذكر: أن حكمة الله تعالى اقتضت أن يكون تعلق التكاليف بالناس على التدريج بأن يكلفوا أولاً بالإقرار بالشهادتين، ثم بعد حدوث الإقرار عنهم يكلفون بسائر ما جاء به النبي، ثم ذكر الرواية[9].
ومن بعده استند إليها في إثبات المدعى الفيض الكاشاني(ره)، فقال معقباً عليها: إن فيه دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام، كما هو الحق خلافاً لما اشتهر بين متأخري أصحابنا[10].

وقرب الاستدلال بها في الحدائق بما حاصله: إن معرفة سائر الفروع متفرعة على معرفة الإمام للتلقي منه، وما دامت معرفته غير واجبة فالمتفرع عليه كذلك. فهي دالة على توقف التكليف على الإقرار بالشهادتين[11]. وقريب منه جاء في كلمات بعض الأعاظم(ره)، حيث ذكر أن الكافر وفقاً لما جاء في الصحيحة أنه يؤمر في البداية بالإسلام، ومن بعده يؤمر بالولاية، فإذا لم يكن مكلفاً حال كفره بالولاية، والتي هي أعظم الفروع وأهمها، وإنما يكون أمره بها بعدما يتحقق منه الإسلام، فما ظنك بسائر الأحكام[12].

ولا يخفى أن دلالة الصحيحة على عدم ثبوت تكليفهم إنما هو بالأولوية، لأنه إذا لم تجب عليهم معرفة الإمام، بعد كفرهم بالله سبحانه ورسوله، فمن باب أولى لا تجب عليهم بقية الفروع.

والمستفاد من كلمات غير واحد من الأصحاب[13] أن تمامية الاستدلال بالصحيحة تتوقف على أن يكون تأخر معرفة الإمام(ع) زماناً عن معرفة الله سبحانه، والنبي الأكرم(ص)، مأخوذة بنحو الترتب في الطلب والوجوب، فلا يأتي الأمر بمعرفة الإمام إلا بعد تحقق معرفة الله تعالى والنبي(ص)، فتكون معرفة الإمام مشروطة بمعرفة الله سبحانه ومعرفة النبي(ص)، أما لو كان الترتيب الوارد فيها ترتيب في الإتيان بالمطلوب، فيكون الترتيب ترتيباً طبيعياً بين المعارف، بحيث تكون معرفة الإمام(ع) واجبة في عرض معرفة الله تعالى ورسوله(ص)، إلا أن متعلق الوجوب منها هي المعرفة المسبوقة بالإيمان بالله وبرسوله(ص)، لا ما تكون حال الكفر بهما، ولا الأعم من ذلك، فلا دلالة للصحيحة على المدعى أصلاً.

والصحيحة وإن كانت في المعنى الأول، وهو كون الترتب بنحو الترتب في الطلب والوجوب، إلا أنه لابد من رفع اليد عنه، وحمله على المحتمل الثاني، لتكون واردة في ترتيب الإتيان بالمطلوب، فتكون نظير ما ورد في نصوص أوقات الفرائض، كما في معتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً، إلا أن هذه قبل هذه. فإنها تفيد وجوب الصلاتين معاً بمجرد تحقق الزوال، إلا أن أداء صلاة العصر مقيد بأداء صلاة الظهر، لا أن صلاة العصر لا تجب إلا بعد الإتيان بصلاة الظهر.

والداعي لرفع اليد عن ظهور الصحيحة في الاحتمال الأول، أمران:

الأول: قوله(ع) بعد المقطع المستدل به على المدعى: ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولك يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما، فكيف تجب عليه معرفة الإمام، وهو لا يؤمن بالله وبرسوله ويعرف حقهما. فهو(ع) قد أحال من خلال الاستفهام الاستنكاري على وضوح وجه الترتيب بين الإيمان بالله ورسوله ومعرفة الإمام.
ومن المعلوم أن ما هو واضح ويحكم به العقل بداهة ليس إلا استحالة كون متعلق الوجوب هو معرفة الإمام قبل الإيمان بالله وبرسوله، بأن يجب عليه معرفة الإمام في حال كفره بالله وبرسوله، أو يكون متعلقه معرفة الإمام الأعم من كونها قبل الإيمان بالله وبرسوله أو بعده، فإن هذا غير معقول، لأن من لا يؤمن بالله وبرسوله كيف يتسنى له الإيمان بالإمام المنصوب من قبلهما، فيكون الاستفهام الاستنكاري في محله.

الثاني: ما جاء في كلمات المحقق الهمداني(قده)،  من أن وجوب معرفة الله تعالى ومن هو منصوب من قبله سبحانه في تبليغ أحكامه ووجوب إطاعته في ما يأمر وينهى، من المستقلات العقلية التي لا تقبل التخصيص، ومن المعلوم أن موضوع الوجوب بنظر العقل هو نفس المكلف، وهذا يستوجب عدم التفريق بين وجوب معرفة النبي ووجوب معرفة الإمام، ليكون الأول عاما ثابتاً في حق عامة الناس بما فيهم الكفار، والثاني خاصاً بالمؤمنين بالله تعالى وبرسوله(ص)، نعم يفرق بينهما من جهة أن متعلق الوجوب في معرفة الإمام معرفته المسبوقة بالإيمان بالله وبرسوله، كما أن معرفة النبي هي معرفته المسبوقة بالإيمان بالله سبحانه[14].
هذا ولو أبي عن القبول بما ذكر جواباً عن دلالة الصحيحة، فسوف تكون معارضة لما دل على ثبوت تكليفهم بالفروع، من الآيات الشريفة، والنصوص الدالة على ذلك.

ومن المعلوم أن معارضة خبر الآحاد للكتاب توجب سقوطه عن دائرة الحجية، ما لم يمكن الجمع العرفي بينهما، وعليه، فإما أن تأول صحيحة زرارة لتكون دالة على ما حكيناه عن غير واحد من الأصحاب، أو تطرح، فتدبر.

الخامس: وهو إن عدم الدليل دليل العدم، أي دليل على كونهم غير مكلفين[15].
وجوابه واضح، لأن أدلة المشهور واضحة الدلالة على ثبوت التكليف عليهم، فلا معنى للقول بعدم الدليل ليكون دليلاً على العدم.
فتحصل تمامية ما عليه المشهور، وأنه لا مجال للقبول بالقول الثاني، فلاحظ.

[1] مباني العروة الوثقى ج ص ، البيان في تفسير القرآن ص 362، مستند العروة ج ص .
[2] الحدائق الناضرة ج 23 ص 501.
[3] المرتقى إلى الفقه الأرقى كتاب الحج ج 1 ص 173.
[4] الحدائق الناضرة ج 3 ص 420.
[5] العناوين ج 2 ص 720.
[6] وسائل الشيعة ب14 من الجنابة
[7] مستند العروة ج ص
[8] الكافي ج1ص    بمعرفة الإمام والرد إليه من كتاب الحجة .
[9] الفوائد المدنية ص 226.
[10] الوافي ج 2 ص 82.
[11] الحدائق الناضرة ج 3 ص 40.
[12] مستند العروة ج ص
[13] العناوين ج 2 ص 718، عوائد الأيام ص 289.
[14] مصباح الفقيه ج 3 ص 272.
[15] الحدائق ج3 ص   .مستند العروة ص   ,فقه العترة ص    .

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة