سهل بن زياد: بين قبول روايته وردها
من الشخصيات الرجالية التي وقعت مورداً للخلاف، وذلك لكثرة روايته في الكتب الأربعة حتى عدت ففاقت الألفي حديث، شخصية سهل بن زياد المعروف بأبي سعيد الآدمي.
وقد تضاربت فيه آراء الرجاليين، بل ربما تضارب رأي الرجالي الواحد فيه مدحاً وقدحاً، وقد أوجب هذا الاختلاف الحاصل بين الرجاليـين توقف آخرين، وعليه يمكن عدّ الأقوال فيه من حيث قبول روايته وعدمها ثلاثة.
ولا بأس قبل استعراض أدلة القائلين بالتضعيف، وأدلة القائلين بالتوثيق، من عرض ما جاء فيه من كلمات:
قال ابن الغضائري: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه، والرواية عنه، ويروي المراسيل، ويعتمد المجاهيل.
وقال النجاشي: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي، كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو، والكذب، وأخرجه من قم إلى الري، وكان يسكنها.
وقال الشيخ في الفهرست: سهل بن زياد الآدمي الرازي، يكنى أبا سعيد، ضعيف، له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد…ألخ…
وذكره في رجاله ثلاث مرات، فعدّه تارة في أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الجواد(ع)، واكتفى عند ذكره إياه ببيان اسمه، ولقبه وكنيته، وأنه من أهل الري، فقال: سهل بن زياد الآدمي، يكنى أبا سعيد من أهل الري.
وذكره أخرى في أصحاب أبي الحسن علي بن محمد الهادي(ع)، فقال: سهل بن زياد الآدمي، يكنى أبا سعيد ثقة، رازي.
والثالثة ذكره في أصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ع)، واكتفى بذكره فيها كما ذكره في أصحاب الجواد(ع)، فقال: سهل بن زياد، يكنى أبا سعيد الآدمي الرازي.
وذكره البرقي في رجاله مرتين، مرة في أصحاب الإمام الهادي(ع)، والثانية في أصحاب الإمام العسكري(ع).
وكيف كان، فلنعرض لما ورد فيه قدحاً ومدحاً، للوصول للنتيجة الحقة إن شاء الله.
وجوه التضعيف:
أما وجوه الذم والتضعيف:
الأول: ذكره النجاشي، وقال: كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو و الكذب([1]).
أقول: ما ذكره (ره) ينحل إلى ثلاث دعاوى:
الأولى: أن سهلاً ضعيف في الحديث.
الثانية: أنه لا يعتمد فيه.
الثالثة: موقف أحمد بن محمد بن عيسى منه، إذ شهد عليه بالغلو والكذب.
ولا يخفى أن الدعوى الأولى لا دلالة لها على التضعيف، لأن قولـه: ضعيف في الحديث، يعني أنه يروي عن الضعفاء، أو يقبل المراسيل، أو أنه ليس من أهل الخبرة والتمحيص في النصوص فهو ليس من أهل الفن، ويؤيد هذا المعنى قولـه: غير معتمد فيه، إذ المراد أنه غير معتمد في خصوص الحديث، وإلا كان المناسب أن يقول غير معتمد عليه.
نعم هناك لعله نسخة أخرى لتغاير نقل بعض الأعاظم (ره) لكلامه عما ذكرنا، حيث ذكر أنه قال: غير معتمد عليه فيه([2])، وهي إن لم تكن أوضح فيما ذكرنا، فإنها لا تغايره.
ووفقاً لما تقدم منا بيانه، يتضح عدم تمامية ما أفاده بعض الأعاظم(ره) من الاستناد في مقام تضعيف سهل لهذه الدعوى[3]، فلاحظ.
وأما الثانية: فقد عرفت عدم دلالتها على المدعى، لظهورها في عدم الاعتماد على حديثه، وهذا لا علاقة له بشخصه.
نعم ذكر بعض مشايخنا (دام ظله) عبارة النجاشي هكذا:…. غير معتمد عليه… ([4])وهي موهمة بأن الضمير عائد لنفس سهل، فيكون نفي الاعتماد على شخصه لا حديثه، فتدل على التضعيف، لكن قد عرفت منع ذلك، لأن الظاهر وجود غلط عنده في النقل، والعصمة لأهلها.
وأما الدعوى الثالثة: وهي التي حكاه النجاشي عن أحمد بن محمد بن عيسى، فإنها تشمل أمرين، يشهد بهما في حقه:
الأول: كونه مغالياً.
الثاني: كونه كذاباً.
وما يهمنا في المقام هو خصوص الأمر الثاني منهما، إذ يفيد عدم أهليته لقبول خبره بعدما ثبت أنه من الكذابين، فلا مجال للاعتماد عليه.
نعم هذا الوجه يعتمد على تمامية أحد أمرين:
الأول: أن يكون أحمد بن محمد بن عيسى رجالياً، فيقبل قولـه لكونه كذلك.
الثاني: أن يلتزم بحجية خبر الثقة في الموضوعات مطلقاً، وحال سهل موضوع وقد شهد في حقه ثقة فيرتب عليه الأثر.
والتحقيق منع الثاني لأننا ذكرنا عدم حجية خبر الثقة في الموضوعات، إلاّ إذا أفاد وثوقاً واطمئناناً.
والأول، لو سلم المدعى، فإنه يرجع لوجه حجية قول الرجالي، وهو عندنا يرجع لثاني الأولين الذي عرفت حاله.
وعليه لا تصلح هذه الدعوى على إثبات التضعيف، بل يمكننا منع دلالتها على المدعى أصلاً، وذلك لكون الشهادة الثانية متفرعة على الأولى، بمعنى أن ابن عيسى لما حكم عليه بالغلو لنسبته للمعصوم ما ليس له، صار كذاباً عنده، فحكم عليه بالكذب وهذا يعني أن الشهادة الثانية راجعة للأولى أيضاً. ومنه تعرف عدم تمامية ما ذكره بعض الأعاظم(ره)، إذ جعل أن واحداً من أمارات التضعيف، شهادة أحمد بن محمد بن عيسى عليه بالغلو، والكذب[5]، فلاحظ.
الثاني: نص الشيخ(ره) في كتابه الفهرست على ضعفه، حيث قال عنه: ضعيف[6].
ولا يخفى أن هذا اللفظ يحتمل فيه ثلاثة احتمالات:
أولها:أن يكون مطلقاً شاملاً لضعف الشخص والحديث.
ثانيها: أن يكون منصرفاً في مثل المقام لضعف الشخص.
ثالثها: أن يكون نصاً في المورد على التضعيف.
وسواء بني على أي واحد من المحتملات الثلاثة، كانت النتيجة هي تمامية دلالة العبارة المذكور على المدعى، والحكم بكون سهل ضعيفاً.
نعم ربما تمنع المحتملات الثلاثة المذكورة، ويبنى على انصرافها للرواية، وليست للراوي، ولا أقل من لزوم حملها على ذلك لوجود قرينة موجبة لذلك، وهي ما جاء عنه(قده) في كتابه الاستبصار، فإنه قد ذكره
في باب انه لا يصح الظهار بيمين في ذيل الحديث 935, وعلق على الخبر بكون راويه سهل بن زياد, وهو ضعيف جداً عند نقاد الأخبار([7]). على أساس أن موجب التضعيف عند نقاد الأخبار هو الروايات وليس الرواة، ولهذا عبر بقوله: نقاد الأخبار، ولم يعبر بالرجاليـين، إذ لو كان مقصوده الراوي، لعبر بالرجاليـين، والحاصل، تعبيره بنقاد الأخبار يكشف عن كون المنظور هو الرواية، وليس الراوي، فلاحظ.
ووفقاً لما ذكر، سوف يكون التضعيف الصادر من الشيخ(ره) متوافقاً مع التضعيف الصادر من النجاشي، فيكون محمولاً على ما تقدم بيانه في كلام النجاشي, لكونه ناظراً للحديث لا للشخص نفسه, فلا ينفع في إثبات المدعى.
إلا أن يقال, بأن ديدن أهل الأخبار هو الرواة, لا المرويات فينصرف اللفظ -إن لم يكن نصاً- إلى الشخص فيصلح للدلالة على المدعى، فتأمل .
ثم أنه قد يدفع تضعيف الشيخ (ره) إياه في الفهرست بتوثيقه إياه في الرجال, وإما أن يقدم الثاني لتأخره في التأليف , أو يتساقطان.
وتنقيح هذا المطلب نتعرضه حين الحديث عن وجوه المدح والتوثيق فانتظر.
الثالث: استثناء ابن الوليد له من نوادر الحكمة. ومتابعة الصدوق وأبي العباس بن نوح له, ولم يستشكلوا على ابن الوليد في استثنائه كما استشكلوا عليه في استثناء محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني, لأنه كان على ظاهر العدالة .
وتقريب هذا الوجه أن يقال: أن المستفاد من عدم استثناء ابن الوليد شخصاً روى عنه مؤلف كتاب نوادر الحكمة دال على وثاقته، كما أن استثنائه شخصاً من الأشخاص يشير إلى ضعفه. وقد استثنى سهلاً, فيثبت ضعفه.
وبعبارة أخرى، لقد استثنى ابن الوليد من الكتاب المذكور كل من كان ضعيفاً عنده، ومن ضمن المستثنيـين سهل بن زياد، فيثبت ضعفه.
ويلاحظ عليه: أولاً: إن هذا الوجه يعتمد على أن يكون مسلك ابن الوليد في حجية الخبر هو الوثاقة, وقد عرفت منا في محله أن مسلكه الوثوق.
ثانياً: إن تمامية هذا الوجه تعتمد على تحديد المقصود من الاستثناء الصادر من ابن الوليد، وما يدل عليه، بمعنى، هل أن المنظور في الاستثناء، هو الرواية، فيكون استثناء ابن الوليد الروايات المنقولة بواسطة هؤلاء المستثنيـين، أم أن الاستثناء منظور فيه الرواة، فيكشف عن تضعيف لهم، وعدم قبول بمروياتهم. ولا يخفى مدى الفرق بين المحتملين، والثمرة الكبيرة المترتبة على ذلك، وعلى أي حال، إنما يصلح الوجه المذكور لو كان المنظور في الاستثناء هو الثاني، وهو الرواة، لا الروايات، أما لو كان المنظور هو الروايات، فلا يصلح الوجه المذكور لإثبات المدعى.
والمحقق في محله، أن المستفاد من الاستثناء هو الروايات، وليس الرواة، ويشهد لذلك استثنائه لمحمد بن عيسى بن عبيد، لكن بلحاظ خصوص رواياته عن يونس، معللاً ذلك بكونه لم يرو عنه بدون واسطة، وتفصيل ذلك في محله. والحاصل، إن الاستثناء المذكور ناظر للرواية, لا للراوي, مما يعني أجنبية المورد عن المدعى.
والغريب من بعض الأعاظم(ره) جعل هذا الوجه واحداً من أمارات التضعيف، مع أنه(ره) لا يقبله في غير المورد، ولا يعول عليه، فلاحظ[8].
الرابع: ذكر الكشي عن علي بن محمد القتيـبي, عن الفضل بن شاذان أنه كان يقول في أبي الخير صالح بن سلمة أبي حماد الرازي , كما كني وقال علي: كان أبو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي, ويقول: هو الأحمق([9]).
وتقريبه على المدعى: أن الفضل في مقام تمييز الرواة من حيث القبول والعدم, فارتضائه شخصاً يعني شهادته بكونه مقبول الرواية فيعتمد عليه, وعدم الارتضاء يعني عدم مقبوليته لروايته. ومن الواضح أن الاعتماد على الرواية يعني كون الراوي ثقة, وإلا لم يعتمد عليه.
ويلاحظ عليه أولاً: إن هذا يبتني على كون مسلك الفضل هو حجية خبر الثقة لا الوثوق, والصحيح عكس ذلك.
ثانياً: إن الذيل الوارد في كلامه بتوصيفه سهلاً بكونه (الأحمق) يمنع من كون الارتضاء وعدمه موردهما التوثيق والتضعيف, بل الظاهر أنه ناظر للمنهج والمسلك المتبع بحيث رمي بالغلو, أو لعدم اعتنائه في النقل فيروي عن الضعفاء أو غير ذلك. خصوصاً بملاحظة أن المعهود من إطلاق لفظ الأحمق للتنبيه على البلادة, لا على الفسق, بل ولا على فساد العقيدة.
على أن للتأمل في دلالة عدم الارتضاء على القدح مجال, خصوصاً وأنه غير ظاهر فيه. هذا كله بعد الفراغ عن تمامية المنقول سنداً ودخوله دائرة الحجية بعد البناء على كون القتيبي ثقة، وإلا فلا.
الخامس: تضعيف ابن الغضائري إياه, قال: كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب.
ولا يخفى أن تمامية هذا الوجه تعتمد على التالي:
1- صحة نسبة كتاب الضعفاء لابن الغضائري, وإلا فلا وجه للمدعى.
2- أن تكون تضعيفات ابن الغضائري حسية غير حدسية, ناشئة من خلال دراسة كتاب الشخص ورواياته.
3- أن يكون قولـه : فاسد الرواية والمذهب عطف نسق, وليس عطف بيان.
هذا ولو تم الأولان، فإن الثالث غير تام، إذ ظاهر العبارة كون قولـه: فاسد الرواية …الخ، عطف بيان، ومع كونه كذلك يكون التضعيف منصباً على روايته، وليس على شخصه فلا يكون دالاً على المدعى.
إلى هنا قد تم عندنا من وجوه التضعيف خصوص الوجه الثاني، وهو تضعيف الشيخ (ره) إياه في كتاب الفهرست.
[1] رجال النجاشي ج1 ص417.
[2] المعجم ج9 ص354.
[3] معجم رجال الحديث ج 9 ص 356.
[4] أصول علم الرجال ص216.
[5] معجم رجال الحديث ج 9 ص 356.
[6] الفهرست رقم الترجمة 339.
[7] ج3 ص28.
[8] معجم رجال الحديث ج 9 ص 356.
[9] رجال الكشي ج2 ص837.