معالجة الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية(1)
استثنى الأعلام من حرمة نظر الرجل الأجنبي لبدن المرأة الأجنبية مورد المعالجة، فنصوا على أنه يجوز له النظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه في غير هذا الحال. إلا أنهم اختلفوا في حدود الجواز، وأنه مطلق الحاجة للمعالجة، أم لابد وأن تكون هناك ضرورة داعية لذلك، فأختار بعض أساطين العصر(دامت أيام وجوده) جواز ذلك بشرطين:
الأول: أن يكون المورد مورد ضرورة، فلا يجوز ذلك حال انتفائها، كما لو وجدت الطبيبة التي يمكنها القيام بذلك.
الثاني: أن يكون الطبيب أرفق بعلاج المرأة من المرأة، وذلك لمزيد خبرويته في مقام المعالجة، أو مزيد عنايته بالمريضة، وما شابه ذلك.
ولا ينحصر الأمر في خصوص جواز النظر، بل يتعدى ذلك إلى جواز لمس بدن المرأة من قبل الرجل الأجنبي لو استدعى الأمر ذلك. نعم مع كفاية أحد الأمرين، وهو النظر أو اللمس، فيلزمه الاقتصار عليه، ولا يجوز له اتيان الآخر.
وما أفاده(دامت أيام بركاته)، مخالف لما هو المستفاد من كلمات كثير من الفقهاء، ذلك أنهم اكتفوا بوجود مطلق الحاجة للعلاج، وعدم اعتبار حصول الضرورة إلى ذلكـ فيظهر منهم البناء على جواز الانكشاف على الرجل الأجنبي، ولو وجدت المرأة ما دام غرض الانكشاف هو العلاج.
وعن الشهيد الثاني(ره) في المسالك الإجماع على ذلك. ومع حكاية صاحب الجواهر(ره) للإجماع المذكور، إلا أنه لم يرتضه حيث عقب عليه بقوله: وإن كان المظنون أن حاكيه قد استنبطه من استقراء بعض الموارد التي ذكرت في النصوص.
ووفقاً لما تقدم، سوف يكون الموجب لجواز الكشف أحد أمرين:
الأول: الاضطرار ووجود الضرورة، فلا يجوز ذلك من دونها.
الثاني: مجرد وجود الحاجة للمعالجة، وإن لم تكن هناك ضرورة داعية إلى ذلك.
وترجح أحدهما رهين ملاحظة دلالة النصوص الدالة على جواز الكشف في مقام المعالجة، وما تدل عليه.
فمن النصوص المستند إليها في المقام، رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(ع) قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر، وإما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له النظر إليها؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت[1].
ومن الواضح أن موضوعها معالجة الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية مع استلزام ذلك النظر إليها في ما لا يجوز النظر إليه، والظاهر بقرينة قول السائل: إما كسر، أو جرح، عدم كون المنظر إليه منها العورة بالمعنى الأخص، لبعد افتراض ذلك عادة فيها.
والحاصل، إن المستفاد منها جواز معالجة الرجل للمرأة في حالة الاضطرار، ليكون جواز النظر مختصاً بهذه الحالة وهو حال كونه بعنوان المعالجة، ويساعد على ذلك تقرير الإمام(ع) السائل في قوله: في مكان لا يصلح النظر إليه، لأنه ظاهر في حرمة نظر الرجل الأجنبي للمرأة في ذلك الموضع.
وبالجملة، إن مفاد الخبر هو ارتفاع الحكم الأولي لحرمة النظر إلى بدن المرأة الأجنبية من الرجل الأجنبي حال الاضطرار إلى المعالجة.
والظاهر دلالة الخبر على جواز نظر المرأة الأجنبية لبدن الرجل الأجنبي حال الاضطرار للمعالجة إذا كانت أرفق به من الطبيب الرجل، لعدم الخصوصية للمرأة، فإن الموجب لارتفاع حرمة نظر الرجل الأجنبي لبدن المرأة الأجنبية بسبب الاضطرار للمعالجة جارٍ أيضاً في شأن الرجل.
ثم إنه يحسن التنبيه على الفرق بين خبر أبي حمزة الدال على جواز النظر حال الاضطرار وبين الأدلة العامة الدالة على ارتفاع الحكم حال الاضطرار مثل حديث الرفع والذي تضمن رفع ما اضطروا إليه، لأن موضوع الأدلة العامة هو المضطر للوقوع في الأمر، وهو في المورد المعالَج، فلا تكون شاملة للمعالِج لعدم كونه مضطراً، بخلاف خبر أبي حمزة، فإن موضوعها هو المعالِج وليس المعالَج. وهذا يعني أنه لو كان المستند هو الأدلة العامة، فإنه وإن جاز للمرأة الكشف عن بدنها في مورد العلاج، إلا أنه لا يجوز للرجل النظر إليها حال ذلك، لعدم تحقق موضوعها كما عرفت.
إن قلت: إنه يمكن الاستناد للعمومات الدالة على رفع الاضطرار كحديث الرفع مثلاً، على أساس الملازمة الثابتة عرفاً بين جواز الكشف، وجواز النظر، فتصلح العمومات المذكورة للدلالة على المدعى.
قلت: إن جريان الملازمة المذكورة منحصر فيما إذا كان جواز الإبداء ثابتاً بعنوانه الأولي، وليس ثابتاً بعنوانه الثانوي، ولذا لا يمكن البناء على جواز النظر للمرأة المكرهة على الكشف والإبداء بدعوى الملازمة المذكورة.
ومع أخذ قيد الاضطرار في جواز النظر، فلابد من انتفاء وجود المندوحة في المقام، بعدم وجود امرأة يمكنها القيام بالعلاج، أو وجود واحد ممن يجوز له النظر إلى بدن المرأة غير العورة من المحارم، أو الزوج مثلاً.
نعم لا ينفي الاضطرار كون غير المماثل، أو غير المحرم أدق منهما، وأجود علاجاً، لأن الظاهر من المعتبر أن المقصود من الاضطرار معنى أوسع من معناه الحقيقي.
ولا ريب في تفاوت الحالات المرضية، فلا تدخل كلها في دائرة الاضطرار، فيختلف الحال باختلاف المرض، واختلاف المرضى، فليس الجميع على حد سواء، بل قد يدخل في ذلك أيضاً الآثار التي يخلفها المرض، وهذا يوجب التفاوت بينها.
ومن مصاديق ما ذكر حالة تساقط الشعر بالنسبة للفتيات، والحالات المرضية التي تحتاج تجميلاً من انتفاخ الأنف، أو ما شابه ذلك، بواسطة التدخل الجراحي، فالظاهر دخولها في دائرة الاضطرار، لأنه يترتب على ترك علاجها ضرر معتنى به، وإن كان دون الضرر المترتب على بعض الأمراض الأخرى.
بل لا يبعد أن يدخل في ذلك أيضاً حالات العقم سواء كان دائماً أم مؤقتاً، لصدق عنوان الاضطرار بالمعنى العرفي عليها.
ثم إن جميع ما ذكرناه مبني على صدق عنوان الاضطرار على ما ذكر، ومع الشك في الانطباق وعدمه، فإن القاعدة قاضية بعدم جواز النظر، لما عرفت من تعليق الجواز على صدق عنوان الاضطرار، وهذا يستدعي إحراز العنوان للبناء على الجواز، وإلا كان المحكم هو الحكم الأولي، وهو عدم جواز النظر.
وكما تدل الراوية على جواز النظر في مورد الاضطرار، فالظاهر دلالتها أيضاً على جواز اللمس إذا توقف العلاج على ذلك، تمسكاً بإطلاق جواب الإمام(ع)، فإنه لم يقصر الجواز على خصوص النظر، ومجرد كون السؤال منصباً عليه، لا يوجب الاختصاص به، لأن الجواب قد تضمن عنوان المعالجة، وهو يشمل اللمس كشموله للنظر.
وقد تحصل مما تقدم، تعليق جواز نظر الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية في مورد المعالجة على حال الاضطرار، وليس مجرد الحاجة للمعالجة، ما يوجب ضيق الموجب لرفع اليد عن الحكم الأولي، وهو حرمة النظر.
نعم يمنع من الاستناد للخبر المذكور ضعف سنده، وإن عبر عنه في كلام بعض الأساطين وبعض الأعاظم(ره)، وبعض الأساتذة(حفظه الله) بالصحيح[2]، حتى صاحب الحدائق(ره) عبر عنها بذلك[3]، وهو ممنوع، لوجود مشكلتين في سنده:
الأولى: وجود علي بن الحكم، وهو مشترك بين من لم ينص على وثاقته، ومن وثق، فهو مردد بين علي بن الحكم الأنباري، وبين علي بن الحكم بن الزبير النخعي، وبين علي بن الحكم الكوفي، والأولان لم ينص على وثاقتهما، وإن ذكرهما النجاشي في فهرسته، نعم نص على وثاقة الثالث في كلمات الشيخ(ره).
وقد عولجت المشكلة المذكورة بدعوى الاتحاد الموجودة في كلمات بعض الأعاظم(ره)، اعتماداً على قرائن ذكرت، وهي:
الأولى: من المستبعد أن يكون الموجود رجلين كل منهما اسمه علي بن الحكم، ولكل منهما كتاب رواه سعد عن البرقي، عنهما، ويقتصر النجاشي على ذكر أحدهما، ويقتصر الشيخ على ذكر الآخر.
الثانية: إن الشيخ الطوسي(ره) قد عدّ في رجاله علي بن الحكم بن الزبير مولى النخع من أصحاب الرضا(ع)، وقال عنه كوفي. وعدّ علي بن الحكم في أصحاب الجواد(ع)، ولابد من اتحادهما، فإن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قد روى كتاب علي بن الحكم بن الزبير، والظاهر أنه لا يمكن أن يروي عمن لم يدرك الجواد(ع)، فلابد وأن يكون ابن الزبير هو الذي عدّ الشيخ من أصحاب الجواد(ع)، وعليه فإن كان علي بن الحكم الكوفي مغايراً لعلي بن الحكم ابن الزبير لزم أن لا يتعرض له الشيخ في رجاله مع تعرضه له في الفهرست وذكر طرقه إليه.
الثالثة: لقد ذكر الصدوق(ره) في المشيخة علي بن الحكم، وذكر طريقه إليه، ولم يصفه بالأنباري، ولا ابن الزبير، ولا الكوفي، وهذا يكشف عن الاتحاد، وإلا لو كان الأشخاص متغايرين، للزمه البيان وبيان المقصود منهم[4].
الثانية: وجود الإرسال في سندها، لامتناع رواية علي بن الحكم، عن أبي حمزة الثمالي بدون واسطة، وذلك لأن أبا حمزة(رض)، من أحداث الطبقة الثالثة، لأنه من أصحاب الإمام السجاد، وكبار الطبقة الرابعة لأنه من أصحاب الإمامين الباقر والصادق(ع)، وقد كانت وفاته بعد وفاة الإمام الصادق(ع) بسنتين في سنة 150 ه. وأما علي بن الحكم، فإنه من أحداث الطبقة السادسة، وهو من تلاميذ ابن أبي عمير، المتوفى سنة 217، ما يجعل روايته عن أبي حمزة(رض) دون واسطة بعيدة جداً، حتى أن أستاذه وهو ابن أبي عمير لم يرو عنه دون واسطة.
والمتابع للأسانيد يجد روايته عنه إما بواسطة مالك بن عطية، أو خطاب الأعور، أو حفص بن مهزوم.
ومنها: خبر دعائم الإسلام، عن أبي جعفر محمد بن علي(ع): أنه سئل عن المرأة تصيبها العلة في جسدها، أيصلح أن يعالجها الرجل؟ قال: إذا اضطرت إلى ذلك، فلا بأس[5]. وهي لا تختلف عن خبر أبي حمزة من حيث الدلالة على جواز إظهار المرأة ما لا يجوز إظهاره أمام الرجل في مقام المعالجة حال الضرورة والاضطرار. نعم قد يتمسك بإطلاقها لشمول الجواز حتى ما إذا كان ذلك في العورة، لقوله(ع): جسدها، وهو مطلق شامل للعورة كشموله لغيره من أنحاء الجسد. نعم يمنع من الاستناد إليها ضعف سندها، لأن مصدرها هو كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان المصري، وهو لو بني على وثاقته واعتباره، فإن مرويات كتابه كلها مراسيل. على أن الجزم بوثاقته محل تأمل بل منع، كما فصلنا ذلك في شرح المكاسب المحرمة.
ويساعد على اختصاص مورد جواز النظر بصورة الضرورة والاضطرار، لا مطلق الحاجة، سيرة المتشرعة فإنها مستقرة على ذلك، كما أشار لذلك صاحب الجواهر(ره): فأولى الاقتصار على خصوص ما في النصوص وعلى ما قضت به السيرة المعتد بها، وعلى ما يتحقق معه اسم الاضطرار عرفاً[6].
ويمكن الاستدلال للقول بكفاية مجرد الحاجة للعلاج، وعدم أخذ قيد الاضطرار فيه بخبر علي بن جعفر، قال: سألته عن الرجل يكون ببطن فخده أو إليته الجرح، هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه؟ قال: إذا لم يكن عورة فلا بأس[7].
فإنه صريح في جواز نظر المرأة إلى بدن الرجل لمجرد الحاجة للمعالجة والمداواة، دون أخذ قيد الاضطرار والضرورة. نعم يعتبر أن لا يكون موضع العلاج العورة، فإنه لا يجوز النظر إليه.
وقد يقال بإلغاء الخصوصية، فيلتزم بإمكان التعدي من الرجل للمرأة ليلتـزم بأنه يجوز للمرأة الانكشاف على الرجل الأجنبي بحيث يمكنه النظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه حال الحاجة للعلاج ولو من دون ضرورة أو اضطرار، لعدم الخصوصية للرجل، سيما وأن موضوع الجواز هو عنوان الحاجة للعلاج.
ويصعب الجزم بذلك، لأنه يمكن أن يكون منشأ الجواز راجعاً إلى عدم وجوب ستر الرجل شيئاً من بدنه عن المرأة الأجنبية إلا العورة، وعليه لا يكون منشأ جواز النظر راجعاً إلى مسألة الحاجة للعلاج، بل مرجعها لعدم وجوب الستر، وفرق بين الموردين.
على أنه لو سلم أن الموجب لجواز النظر هو مورد المعالجة، فإنه يصعب الجزم بإلغاء الخصوصية أيضاً في المقام، وذلك لأشدية حرمة نظر الرجل للمرأة، وعدم الملازمة بين جواز نظرها لبدنه في مقام المعالجة وجواز نظره لبدنها.
ومع تمامية دلالة الخبر المذكور، فإنه سوف يبنى على التفصيل، فيلتزم بأنه لا يجوز للمرأة الانكشاف على الرجل إلا في حال الضرورة والاضطرار، بخلاف الرجل، فإنه يجوز له الانكشاف للمرأة بمجرد وجود الحاجة للمعالجة، ولو لم يكن هناك ضرورة واضطرار.
نعم المانع من الاستناد لخبر علي بن جعفر ضعفه السندي، ذلك أن مصدره هو كتاب علي بن جعفر، ومضافاً إلى أن صاحب الوسائل(ره) لم يذكر طريقه له في خاتمة الوسائل، فإنه قد وصله بالوجادة، والظاهر أنه(ره) قد أعمل حدسه في نسبته لعلي بن جعفر، خصوصاً بملاحظة أن معاصره غواص بحار الأنوار(ره)، قد نسبه للأشعري.
ومنه يتضح، أنه لا مجال للقبول بالعلاج الموجود في كلام بعض الأساتذة(وفقه الله) من الاستفادة من نظرية التعويض، فإنه لو سلم بجرانها في المقام، فقد عرفت التشكيك في ثبوت النسخة الواصلة لصاحب الوسائل(ره) لعلي بن جعفر.
ومع البناء على جواز انكشاف المرأة للرجل حال الاضطرار، اعتماداً على خبر أبي حمزة، فإنه يعارضه خبران:
الأول: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(ع)، قال: سألته عن المرأة يكون بها الجرح في فخذها أو بطنها أو عضدها، هل يصلح للرجل أن ينظر إليه يعالجه؟ قال: لا[8].
لظهورها في عدم جواز معالجة الرجل للمرأة إذا كان يستوجب نظره إلى ما لا يجوز له النظر إليه منها، وموضوعها كما هو واضح مورد المعالجة، فيكون مدلولها هو حرمة نظر الرجل لبدن المرأة الأجنبية مطلقا، ولو في مورد المعالجة.
الثاني: خبر السكوني عن أبي عبد الله(ع) قال: سئل أمير المؤمنين(ع) عن الصبي يحجم المرأة؟ قال: إذا كان يحسن يصف فلا[9]. ودلالته على المدعى بلحاظ الإطلاق، فإنه(ع) منع من انكشاف المرأة على الرجل مطلقاً ما دام يمكنه التميـيز ومعرفة حالها، سواء كان ذلك حال الاضطرار أم كان ذلك من دونه.
وقد يعالج الخبر الثاني، بجمعه مع خبر أبي حمزة، فيقيد الجواز بحال الاضطرار، ويحمل خبر السكوني على حال الاختيار، بل يمكن تقيـيده بخبر علي بن جعفر، بجواز ذلك في صورة الحاجة، وعدم الجواز في غيرها.
هذا كله بعد البناء على اعتباره سنداً، لكنك قد عرفت منا غير مرة البناء على ضعف مثل هذا السند لاشتماله على السكوني، والنوفلي.
ولا يجري العلاج المذكور بالجمع العرفي بحمل المطلق على المقيد، ليقيد خبر علي بن جعفر بمدلول خبر أبي حمزة، ذلك على أساس أن خبر علي بن جعفر الثاني مطلق، فإن مدلوله المنع من نظر الرجل لبدن المرأة ولو في حال الاضطرار، فيقيد بخبر أبي حمزة، الدالة على جواز ذلك حال الاضطرار.
لأن خبر علي بن جعفر صادر عن الإمام الكاظم(ع)، وخبر أبي حمزة صادر عن أبي عبد الله الصادق(ع)، ومع القبول بالجمع المذكور يكون صدور خبر علي بن جعفر لاغياً، لاستلزامه تأخر البيان عن وقت الحاجة.
نعم لا معارضة بين النصين المذكورين، وخبر علي بن جعفر الدال على الجواز، لاختلاف الموضوع، لأن موضوع خبر علي الدال على الجواز هو انكشاف الرجل على المرأة، وجواز نظرها إلى بدنه غير العورة، وموضوع خبري علي والسكوني، هو انكشاف المرأة على الرجل لينظر إلى ما لا يجوز له النظر له غير العورة.
ومع البناء على حجية خبر علي بن جعفر، فسوف تكون المعارضة بينه وبين خبر أبي حمزة مستقرة، فيعمد لإعمال المرجحات في المقام.
وقد يقال، بالبناء على ترجيح خبر علي بن جعفر، لموافقته للكتاب لدلالة قوله تعالى:- (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، على حرمة نظر الرجل للمرأة مطلقاً سواء كان ذلك حال الاختيار، أم كان حال الاضطرار.
ولمنع دلالتها مجال، مضافاً لاحتمال الإجمال فيها بسبب تردد المقصود من الغض في أكثر من معنى، فإنها لا تدل على حرمة النظر، لأن المقصود من الغض هو خفض البصر، وعدم الإمعان والتدقيق في النظر، وليس كف البصر مطلقاً.
ومع فقدان المرجح، فسوف يصل النوبة للتساقط، وعندها سوف يكون المرجع هو الأصل، وهو يقضي بجواز انكشاف المرأة على الرجل الأجنبي في مقام الاضطرار والضرورة للمعالجة، بعد عدم وجود عموم فوقي يصلح مرجعاً في حرمة النظر، وقد عرفت أن عمدة الدليل على المنع هو خصوص الضرورة، وهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو حرمة النظر حال عدم الضرورة والاضطرار.
[1] وسائل الشيعة ج 20 ب 130 من أبواب مقدمات النكاح ح 1 ص 233.
[2] مستمسك العروة الوثقى ج 14 ص 27، موسوعة الإمام الخوئي ج 32 ص 62، أنوار الفقاهة ج 1 ص 129.
[3] الحدائق الناضرة ج 23 ص 63.
[4] معجم رجال الحديث ج 12 ص 425.
[5] مستدرك الوسائل ج 14 ب 101 من أبواب مقدمات النكاح ح 1 ص 290.
[6] جواز الكلام ج 29 ص 88.
[7] وسائل الشيعة ج 20 ب 130 من أبواب مقدمات النكاح ح 4 ص 233.
[8] وسائل الشيعة ج 20 ب 130 من مقدمات النكاح ح 3 ص 233.
[9] وسائل الشيعة ج 20 ب 130 من أبواب مقدمات النكاح ح 2 ص 233.