ولاء المؤمنين
قال تعالى:- (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)[1].
تضمنت الآية الشريفة ذكراً لصفات وعلامات المؤمنين والمؤمنات وتلخصت في خمس: الولاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله(ص). كما أنها قد عرضت جزاء وجود هذه الصفات عندهم، وهو عبارة عن نيل الرحمة الإلهية.
وأول ما يلحظ هو تأكيد القرآن الكريم على مسألة الولاء بين المؤمنين، فإنه مع حديثه تعالى عن المنافقين أو الكفار لا نجد عنده سبحانه تعالى هذا التعبير، وهو بهذا يشير إلى تميز المؤمنين على هؤلاء، فالمنافقون يتحدون في الأعمال والصفات والأهداف، وليس بينهم ولاء، وهذا بعكس المؤمنين. فالمنافقون يقدمون مصالحهم الشخصية ومنافعهم على الآخرين، فلو تعرضت تلك المصالح لشيء ما، ليس لديهم مانع من الخيانة والتضحية بالجماعة.
حقيقة الولاء:
وينظر للولاء الذي عدّ موضوعاً أساساً في الآيات القرآنية من زاويتين:
الأولى: الزاوية التاريخية.
الثانية: الزاوية الواقعية الاسلامية.
الزاوية التاريخية للولاء:
إن المستفاد من مراجعة التاريخ أن حقيقة الولاء عبارة عن علاقة اجتماعية تعبر عن ميثاق كان يجري بين الناس في المجتمع العربي، فيأتي شخص من عشيرة أخرى ويدخل مع عشيرة ثانية، أو طائفة لطائفة، ويسمى عقد الولاء، ويترتب على هذا العقد مجموعة من الآثار الاجتماعية، وقد أمضاها الشارع المقدس، فأصبحت آثاراً شرعية.
وقد أطلق الشارع المقدس هذا العنوان على العلاقة الحاصلة بين المؤمنين، لعدم وجود علاقة رحمية بينهم، بل هم شعوب وأقوام متعددة، تربطهم علاقة الإيمان بالله والرسول(ص)، وقد جعلت هذه العلاقة كعلاقة الولاء في العرب.
الزاوية الإسلامية للولاء:
وقد أشار القرآن الكريم لمسألة الولاء وتحدث عنها في موارد متعددة يمكن استخلاص ثلاثة أمور تفهم من خلال الجمع بين الآيات القرآنية التي تضمنت هذه المفردة، وهي تشكل القاعدة التي أقيمت عليها علاقة المؤمن بالمؤمن:
الحب والمودة:
فإن من مدلول الولاء عرفاً الحب والمودة بين الولي ووليه، خصوصاً أن الولاء لغة قد أخذ من حالة الالتصاق، ويعبر الحب والود عن هذه الصلة، قال تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون* قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)[2].
وكذلك النصوص التي اعتبرت الحب من العناوين الرئيسة في فهم العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، والعلاقة بالدين والإسلام، والعلاقات الاجتماعية.
ومن المعلوم أن الحب المقصود ليس حب المصالح والمنافع الشخصية، بل المقصود هو الحب في الله تعالى، فيكون نفحة من نفحات حبه لله تعالى، وللمعصومين(ع)، والصلحاء.
العهد والميثاق بين الطرفين:
فليس الولاء مجرد الحب، بل هو أحد عناصره، وإنما هو عقد وميثاق بين الطرفين كما أشرنا له في بعده التاريخي، فالعلاقة بين المؤمن والمؤمن، تكون عقداً بينهما. ولعل هذا هو ما عبر عنه القرآن الكريم بكلمة(حزب)لأنه يفهم منه هذا النوع من التعاقد والترابط بين الأطراف، فعبر بـ(حزب الله).
وقد تضمنت الآيات الشريفة التأكيد على أهمية الوفاء بالعهود والميثاق، وعدّ ذلك من صفات المؤمنين، مقابل الكفار، وما كان منهم من نقض لها.
النصرة:
ويأتي بعد ذلك دور آثار الولاء، وهو عبارة عن الحقوق والواجبات والآثار المترتبة على علاقة الولاء، ومن أهم هذه الحقوق التي أشير إليها في القرآن الكريم والنصوص الشريفة هو حق النصرة، فيجب على المؤمن أن ينصر أخاه المؤمن بمقتضى علاقة الإيمان، فقد ورد عن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين، فليس منهم، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين، فلم يجبه فليس بمسلم. وهذا يفيد وجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضاً، فمن النصوص الدالة على ذلك ما رواه أبو بصير، قال: سمعت أبا عب الله(ع) يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن لأشد اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها [3].
وعن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله(ع): إنما المؤمنون إخوة بنو أب وأم، وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون[4].
نظرية الأخوة الاجتماعية:
من خلال ما تقدم يتضح أن العلاقة بين المؤمنين، هي علاقة الأخوة القائمة على أساس الولاء بعناصره الثلاثة، وهذا يستدعي معرفة معالم هذه العلاقة، والإحاطة بها، ويكون ذلك من خلال نقاط:
الأولى: تقيـيم درجة وأهمية هذه العلاقة في نظر أهل البيت(ع):
ويلحظ هذا الجانب كل من يرجع للروايات الصادرة عن المعصومين(ع)، وما تتضمنه من التأكيد على أهمية الأخوة بين المؤمنين من خلال عرض الحقوق اللازم مراعاتها، والعناية بها، وضرورة المحافظة عليها.
الثانية: حقوق العلاقة الإيمانية:
وهي التي يجب على المؤمن أن يديها لأخيه المؤمن، ويلتـزم بها تجاهه، وقد تضمنت الروايات بيان هذا الموضوع، بل قد شددت وأكدت على ذلك، وفي بعضها: لأنكم لا تحتملون أداءها لو أردت أن أذكرها بأجمعها. وهذا يعني حاجة المؤمن لدرجات عالية من التكامل الأخلاقي والتقوى والتربية على الأداء ليتمكن من أداء بعض هذه الحقوق، وقد تفاوت عددها، فقد تضمنت بعض النصوص أنها سبعون حقاً، ويقتصر على ذكر سبعة منها. نعم هناك سبعة رئيسية، وهي:
1-إجلال المؤمن واحترامه:
ويبرز هذا الإجلال من خلال عدة مفردات: كالبدء بالسلام، وتسميت العاطس، وإجابة دعوته للطعام في منـزله، أو أمر من أموره، فقد ورد عن عبد الله بن سنان، قال: قال لي أبو عبد الله(ع): إن من إجلال الله عز وجل إجلال الشيخ الكبير[5].
وفي خبر السكوني، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): من عرف فضل كبير لسنه فوقره آمنه الله من فزع يوم القيامة[6]. وهي وإن كانت عامة، لكنها في المؤمن أولى.
بل قد تضمنت بعض النصوص أن يكون إجلال المؤمن لأخيه المؤمن بدرجة إجلاله لأبيه، ففي رواية إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله(ع)، قال: حق المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه، فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم، وقال: أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله خيراً ولا يمله لك، كن له ظهراً، فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه فإنه منك وأنت منه فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسأل سميحته وإن أصابه خير فاحمد الله وإن ابتلي فأعضده وإن تمحل فأعنه، وإذا قال الرجل لأخيه: افٍ انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال: أنت عدوي كفر أحدهما، فإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء، وقال: بلغني أنه قال: إن المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض، وقال: إن المؤمن ولي الله يعينه ويصنع له ولا يقول عليه إلا الحق ولا يخاف غيره[7].
2-الود للمؤمن:
وقد عرفت سابقاً أنه يمثل أساساً للعلاقة بينهما، وينطوي تحت هذا العنوان عدة مفردات:
منها: عدم الحقد، قال تعالى:- (ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا).
ومنها: أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقد تضمنت النصوص ذلك، ففي فلاحظ ما جاء في رواية عمر بن إبراهيم اليماني المتقدمة: وقال: أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله خيراً ولا يمله لك، كن له ظهراً، فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته.
ومنها: النصيحة، ولها في النصوص معنيان:
أحدهما: المعنى العرفي المتداول بين الناس، وهو أن يرشد أخاه للخير والصلاح والحق، أو أن يعظه حسب اختلاف الموارد التي يبتلى الإنسان بها.
ثانيهما: أن تكون النصيحة بمعنى الإخلاص والاجتهاد في أداء العمل الذي يؤديه لأخيه المؤمن.
ومن النصيحة عدم حجب ما ينفع أخاه المؤمن، بل يمكنه منه أو يعرفه عليه حسب طبيعة الظروف.
ومنها: النصرة، وقد سبقت الإشارة إليها، ولا بأس بالإشارة إلى مفردات أبرزها:
1-عدم تمكن العدو منه.
2-النصيحة له بالمعنى الأول الذي أشير إليه قبل قليل.
3-كف الأذى والإساءة إليه.
ومنها: تفقد المؤمن ومشاركته في المصائب والنوائب التي يتعرض إليها، لأن المؤمن ممتحن.
ومنها: حرمته في غيبته.
ومنها: صلته بعد موته.
وجميع ما ذكر قد أشير إليه في النصوص، فيمكن مراجعة كتاب الإيمان والكفر من الكافي.
تنبيهان:
الأول: يلزم الالتفات إلى أن الحقوق أمر متبادل ثابت على الطرفين معاً، وليس مختصاً بأحدهما دون الآخر.
الثاني: الالتـزام بوجود حقوق اضافية ليست مطلوبة.
المحافظة على الحقوق:
هناك بعد مهم وهو كيفية المحافظة على هذه الحقوق والعلاقة بينها بحيث يهيئ الإنسان الأرضية لبنائها وبقائها، وقد قدم أهل بيت العصمة والطهارة(ع) النصائح والوسائل التي يمكن من خلالها المحافظة على هذه العلاقات المتبادل فيها الحقوق، وتلك الوسائل هي:
1-الاكثار من الإخوان:
فقد ورد الحث من المعصومين(ع) لشيعتهم على الإكثار من اتخاذ الإخوان.
2-قوة المودة وشدتها:
فيلزم أن يكون الحب بين الإخوان على مستوى عالٍ جداً من الحب، وليس بنحو اعتيادي.
اجتناب موجبات الفرقة:
وكما تضمنت دعوة المعصومين(ع) للاستفادة من وسائل المحافظة على الأخوة الإيمانية بذكر موجبات تحصيلها، تضمنت أيضاً الابتعاد عن موجبات الفرقة، وبيان ضمانات بقاء الأخوة، فذكرت أشياء:
منها: المزاح، وهو أحد الأسباب الموجبة للفرقة ما لم تلاحظ فيه الضوابط التي تضمنتها النصوص، من كونه هادفاً، وعدم اشتماله على الباطل، وأن لا يكون كثيراً.
ومنها: الحسد، ولا أظن أنه بحاجة إلى الحديث عنه، فإن الرجوع لأي مصدر من الكتب المتحدثة عن الأخلاقيات يكفي لمعرفة آثاره الوخيمة وكيف يكون سبباً من أسباب الفرقة وأحد موجبات حصولها.
ومنها: الجفاء، وهو لا يختلف عن سابقه في النتيجة.
ومنها: تضيـيع الحقوق[8].
[1] سورة الآية رقم
[2] سورة الآية رقم
[3] الكافي ج 2 ب اخوة المؤمنين بعضهم لبعض ح 4 ص 166.
[4] المصدر السابق ح 1 ص 165.
[5] أصول الكافي ج 2 باب وجوب اجلال ذي الشيبة المسلم ح 1 ص 653.
[6] المصدر السابق ح 2.
[7] أصول الكافي ج 2 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه ح 5 ص 170.
[8] مستفاد من مصادر متعددة.