محمد بن الحنفية بين رؤيتين (1)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
389
2

 

 

من الشخصيات التي أُختلف فيها من حيث ثبوت الصلاح والعدالة والوثاقة وحسن الحال، وعدمه، محمد بن أمير المؤمنين(ع)، المعروف بابن الحنفية، وقد نشأ الاختلاف المذكور بسبب وجود بعض الأمور التي قد يظهر منها ذلك.

قال الشيخ المجلسي(ره): واعلم أن الأخبار في حال محمد بن الحنفية مختلفة:

فمنها: ما يؤل على جلالة قدره كما هو المشهور عند الأمامية.

ومنها: ما يدل على صدور بعض الزلات منه[1].

ثم جعل أحد مصاديق القسم الثاني من الأخبار الخبر الذي تضمن دعواه الإمامة، وتحاكمه مع الإمام زين العابدين(ع) للحجر، وسوف تأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.

هذا ويمكن حصر موجبات الاختلاف فيه والبناء على عدم صلاحه في ثلاثة أمور:

أحدها: وصفه بعدم الصلاح والفسق، ولهذا شاهدان مختلفان عن بعضهما.

ثانيهما: تقصيره في نصرة المولى الإمام الحسين(ع)، وهذا له جانبان أيضاً.

ثالثها: منازعته الإمام زين العابدين(ع) الإمامة، بادعائه أن الإمام الحسين(ع) مات ولم يوص.

وكما أن هناك موجبات للتوقف في القبول به، فضلاً عن الحكم بصلاحه، قد تذكر شواهد أيضاً لبيان حسن حال الرجل، وصلاحه، فضلاً عن عدالته. وهذا يستدعي الوقوف عندها أيضاً ودراستها بما يكشف عن القبول بها من عدمه.

وعليه، سوف يكون البحث في هذين العنصرين بنحو البحث عن المقتضي وعدم المانع، فإن النصوص المدعى دلالتها على عدم حسن حاله وعدم صلاحه تمثل المقتضي لذلك، وسوف تكون النصوص المدعى ظهورها في خلاف ذلك بمثابة المانع من القبول بها، ومع تمامية الأمرين معاً لابد من العمد للتوفيق بينهما إن أمكن، أو يعمد لترجيح أحدهما على الآخر.

ولا بأس قبل البدء في التعرض لما يذكر في الأمرين المذكورين، من التعريف الإجمالي بشخصية محمد بن الحنفية، وبيان شيء من أحواله.

السيرة الذاتية لابن الحنفية:

هو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة بنت جعفر بن قيس بن بلغة بن الدول بن حنيفة، وقد كانت ولادته في السنة السادسة عشر من الهجرة النبوية، والظاهر أن ذلك في أرض طيبة الطيبة.

وقد اختلف المؤرخون في كيفية اقتران أمير المؤمنين(ع) بأمه، ومنشأ ذلك يعود لاختلافهم في كيفية وصولها إلى أرض المدينة، وقد تعددت الأقوال في ذلك:

منها: أنها لم تكن حرة، وإنما كانت أمة مملوكة غير عربية عند بني حنيفة، ولما سبي بنو حنيفة كانت ضمن سبيهم، لذلك جاز استرقاقها، لأنها منذ البداية لم تكن حرة، بل كانت أمة.

ومنها: أنها كانت حرة عربية من بني حنيفة الذين امتنعوا عن أداء الزكاة إلى أبي بكر، فوسموا بأنهم مرتدون فاستحقوا السبي كما قيل.

ومنها: أنها كانت موجودة في بيت أمير المؤمنين(ع) منذ أيام رسول الله(ص)، وفي أيام حياة مولاتي الزهراء(ع).

ولم يتعرض القائلون بهذا القول إلى بيان كيفية وصولها إلى بيت أمير المؤمنين(ع). نعم ربما جعل ذلك أنها مما اصطفاه أمير المؤمنين(ع) من غنائم اليمن، عندما بعث إليها. أو أنها مما أعطيه من الغنائم بعد تلك الواقعة.

ومنها: أنها سرية قد تسرى بها أمير المؤمنين(ع).

وهذا الرأي أيضاً  كسابقه، لم يتضمن بياناً لكيفية وصولها إلى الإمام علي(ع)، حتى تسنى له أن يتسرى بها.

ومنها: أن أمير المؤمنين(ع) قد تزوج بها بعدما اعتقها، أو بعد ما أسلمت.

ومن الممكن جمع الأقوال الثلاثة الأخيرة، وعدّها قولاً واحداً، على أساس أن وجودها في بيت أمير المؤمنين(ع)، لأنها كانت أمة مملوكة قد تسرى بها الإمام(ع)، واستولدها محمداً. نعم لابد وأن يكون تسري أمير المؤمنين(ع) به بعد شهادة مولاتي الزهراء(ع)، فلا يمنع أن تكون موجودة في حياة رسول الله(ص)، إلا أن التسري لم يقع إلا بعد رحلته(ص) ورحلة مولاتي الزهراء(ع) عن عالم الدنيا.

وحكى شيخا المجلسي(ره) أقوالاً ثلاثة في كيفية التحاقها بأمير المؤمنين(ع):

أحدها: أنها سبية من سبايا الردة، قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة، وارتدت بنو حنيفة وادعت نبوة مسيلمة، وإن أبا بكر دفعها إلى علي(ع) من سهمه في المغنم.

ثانيها: ما أختاره المدائني، وجماعة من أنها كانت سبية من أيام رسول الله(ص)، وذلك عندما بعث رسول الله(ص) علياً(ع) إلى اليمن، فأصاب خولة في بني زبية(زبيد)، وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب، وكانت زبية(زبيد) سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم، فصارت في سهم علي(ع)، فقال رسول الله(ص): إن ولدت منك غلاماً فسمه باسمي وكنه بكنيتي، فولدت له بعد موت فاطمة(ع) محمداً فكناه أبا القاسم.

ثالثها: ما أختاره المحققون، من أن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر، وقدموا بها المدينة فباعوها من علي(ع)، وبلغ قومها خبرها، فقدموا المدينة على علي فعرفوها، وأخبروه بموضعها منهم، فأعتقها ومهرها وتزوجها، فولدت له محمداً فكناهه أبا القاسم. وممن اختار هذا الرأي البلاذري في كتابه تاريخ الأشراف. وظاهر شيخنا لمجلسي(ره) اختياره أيضاً[2].

والمعروف والمتداول غالباً هو القول الثاني من الأقوال التي ذكرناها، وهو أول الأقوال المذكورة في كلام شيخنا المجلسي(قده)، ، ويستندون في ذلك لما جاء في إرشاد شيخنا المفيد(ره)، قال: لما قعد أبو بكر بالأمر بعث خالد بن الوليد إلى بني حنيفة ليأخذ زكاة أموالهم، فقالوا لخالد: إن رسول الله(ص) كان يبعث كل سنة رجلاً يأخذ صدقاتنا من الأغنياء من جملتنا ويفرقها على فقرائنا، فافعل أنت كذا فانصرف خالد إلى المدينة، فقال لأبي بكر إنهم منعونا الزكاة، فبعث معه عسكراً فرجع خالد وأتى بني حنيفة وقتل رئيسهم وأخذ زوجته ووطئها في الحال وسبى نساءهم ورجع بهن إلى المدينة، وكان ذلك الرئيس صديقاً لعمر في الجاهلية، فقال عمر لأبي بكر اقتل خالداً به بعد أن تجلده الحدّ بما فعل بامرأته؟ فقال له أبو بكر إن خالداً ناصرنا! فكيف نقتله ثم أدخل السبايا في المسجد وفيهن خولة أم محمد بن الحنفية فجاءت إلى قبر رسول الله(ص) والتجأت به وبكت وقالت يا رسول الله أشكو اليك أفعال هؤلاء القوم سبونا من غير ذنب ونحن مسلمون. ثم قالت: أيها الناس لم سبيتمونا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال أبو بكر: منعتم الزكاة. فقالت: الأمر ليس على ما زعمت، والأمر إنما كان كذا وكذا، وهب الرجال منعوكم فما بال النسوان المسلمات يسبين.

واختار كل رجل منهم واحدة من السبايا، وجاء طلحة وخالد بن عنان، ورميا بثوبين إلى خولة فأراد كل واحد منهما أن يأخذها من السبي. قالت: لا يكون هذا أبداً ولا يملكني إلا من يخبرني الكلام الذي قلته ساعة ولدت. قال أبو بكر: قد فزعت من القوم، فكانت لم تر ذلك قبله، فتكلم بما لا تحصيل له، فقالت: والله إني صادقة، إذ جاء علي بن أبي طالب(ع) فوقف ونظر إليهم وإليها. وقال(ع): اصبروا حتى أسألها عن حالها ثم ناداها يا خولة اسمعي الكلام، ثم قال(ع): لما كانت أمك حاملاً بك وضرّ بها الطلق واشتد بها الأمر نادت اللهم سلمني من هذا المولود فسبقت تلك بالنجاة، فلما وضعتك ناديت من تحتها لا إله إلا الله محمد رسول الله عما قليل سيملكني سيد سيكون له ولد مني، فكتبت أمك ذلك الكلام في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلما كانت في الليلة التي قبضت أمك فيها أوصت إليك بذلك فلما كان وقت سبيكم لم يكن لك هم إلا أخذ ذلك اللوح، وأنا أمير المؤمنين وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمه محمد.

قال فرأيناها وقد استقبلت القبلة وقالت: إلهي أنت المتفضل المنان أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها إليّ ولم تعطها لأحد إلا أتممتها عليه، اللهم بصاحب من بيده التربة الناطق المنبئ بما هو كائن إلا أتممت فضلك علي. ثم أخرجت اللوح ورمت به إليه فأخذه أبو بكر وقرأه عثمان فإنه كان أجود القوم قراءة وما ازداد ما في اللوح على ما قال علي(ع)، ولا نقص. فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، فبعث بها علي(ع) إلى بيت أسماء بنت عميس فزينتها وتزوج بها وعلقت بمحمد وولدته.

ولما كانت القصة المذكورة تحكي حدثاً تاريخياً، فلا تحتاج لنقد سندي، وإنما يكون نقدها السندي من خلال ملاحظة مصدرها ومؤلفه، وعدم اشتمالها على ما يشين مقام الإمامة والعصمة. إلا أن متنها يشتمل على ما لا يمكن الالتـزام به، فقد تضمن كلامها بمجرد خروجها من بطن أمه، ونطقها بالشهادتين، وحديثها مع أمها بأنها مولود خير وليست مولد شر، وأنها سوف تتزوج سيداً يولدها ولداً ذكرا، ولأن الحدث الذي صدر غريب، عمدت أمها إلى كتابة ذلك في لوح واحتفظت به.

ولو سلمنا أن أمها لم تحضرها أي امرأة عند ولادتها وأنها هي التي استبدت بنفسها، إلا أن مثل هذا الحدث العجيب والغريب، يتصور أن يكون معروفاً ومتداولاً ولا أقل في وسط بني حنيفة، مع أن ظاهر الحال أن الأمر كان سراً مقتصراً العلم به عليها وعلى أمها.

والذي يظهر من النصوص اختصاص الحديث حال الولادة بالمعصوم(ع)، ولم ينقل أن أحداً قد صدر منه ذلك، ولو كان لبان، وليست الحنفية من المعصومين كي ما تعطى هذه المنقبة، والتي يستفاد من النصوص أنها إحدى الميز والمناقب المختصة بهم(ع).

وبالجملة، إن المورد المذكور مانع من الاستناد للنص، والقبول به ليستدل به على كيفية وصولها إلى أمير المؤمنين(ع)، اقترانه بها.

ولا مجال للبناء على التفكيك في الحجية، لأن محور النص يقوم على هذا المقطع، إذ أن منشأ أخذ أمير المؤمنين(ع) إياها ورضى القوم بذلك لتعريفها بما صدر منها، وهو الأمر الذي لم نقبله، فلو رفعنا اليد عنه، لن يكون هناك موجب لأخذ الإمام(ع) إياها.

نعم قد نقلت القصة المذكورة في مصادر أخرى بنحو لا يرد عليها الإشكال المذكور، فقد جاء في بعضها أن الحوار الذي دار بينها وبين أمها لم يكن في حال اليقظة، بل كان ذلك في عالم الرؤيا، وهذا لا يوجد ما يمنع من حصوله والقبول به. فقد ذكر في شجرة طوبى:….وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما عليها لتغالين في ثمنك. فقالت: أقسمت بالله ربي وبمحمد نبي أن لا يملكني إلا من يخبرني بما رأت أمي في منامها وهي حاملة بي، وما قالت لي بعد الولادة، وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلا إن ملكني أحد منكم بقرت بطني بيدي فتذهب نفسي وماله، ويكون بذلك مطالباً في القيامة. فقالوا: يا بنية أبدي رؤياك التي رأت أمك حتى نعبرها لك فعند ذلك دخل أمير المؤمنين في المسجد، وسأل: ما هذه الرجفة في مسجد رسول الله(ص)؟ فقالوا: امرأة من بني حنيفة حرمت نفسها على المسلمين، وقالت: ثمني من يخبرني بالرؤيا التي رأت أمي في منامها…ألخ….

ثم إنه على فرض القبول بالقصة المذكورة، فقد أثارت شبهة عقدية منذ زمن الأئمة المعصومين(ع)، لأنها تضمنت قبول أمير المؤمنين(ع) بسبي أبي بكر، وأخذه للحنفية على أنها من المغانم، وهذا ينطوي على رضا منه بخلافته. ولهذا نجد توجيه السؤال للإمام الباقر(ع) حول ذلك، فقد جاء في المناقب، أنه قيل للباقر(ع): قد رضي أبوك إمامتهما لما استحل من سبيهما؟ فأشار(ع) إلى جابر الأنصاري، فقال جابر: رأيت الحنفية عدلت إلى تربة رسول الله(ص) فرنت وزفرت ثم نادت: السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك من بعدك، هذه أمتك سبتنا سبي الكفار وما كان لنا ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك، ثم قالت: أيها الناس لم سبيتمونا وقد أقررنا بالشهادتين؟ فقال الزبير: لحق الله في أيديكم منعتموناه، فقالت: هب الرجال منعوكم فما بال النسوان؟ فطرح طلحة عليها ثوباً وخالد ثوباً. فقالت: يا أيها الناس لست بعريانة فتكسوني ولا سائلة فتصدّقون علي، فقال الزبير: إنما يريدانك، فقالت: لا يكونان لي ببعل إلا من خبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمي، فجاء أمير المؤمنين(ع) وناداها: يا خولة اسمعي الكلام وعي الخطاب، لما كانت أمك حاملة بك وضربها الطلق واشتد بها الأمر، نادت: اللهم سلمني من هذا المولود سالماً، فسبقت الدعوة لك بالنجاة، فلما وضعتك ناديت من تحتها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، يا أماه لم تدعين عليّ وعما قليل سيملكني سيد يكون لي منه ولد. فكتبت ذلك في الكلام في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلما كانت في الليلة التي قبضت أمك فيها أوصت إليك بذلك، فلما كان وقت سبيك لم يكن لك همة إلا أخذ ذلك اللوح، فأخذتيه وشددتيه على عضدك، هاتي اللوح فأنا صاحب ذلك اللوح، وأنا أمير المؤمنين، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون، واسمه محمد، فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين(ع)، فقرأه عثمان لأبي بكر، فوالله ما زاد علي في اللوح حرفاً واحداً ولا نقص. فالوا بأجمعهم: صدق الله ورسوله إذ قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها، فأنفذها علي(ع) إلى أسماء بنت عميس، فقال: خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها، واحفظيها، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها فتزوجها منه وأمهرها أمير المؤمنين(ع) تزوجها نكاحاً[3].

والمستفاد من الخبر المذكور، أن الإمام علي(ع) لم يعاملها معاملة ملك اليمين، وهذا يعني أنه لم يرتض سبيها، فضلاً عن كونها غنيمة حرب، ولهذا أبقاها في بيت أسماء حتى قدم أخوها، فتزوجها منه بعد أن دفع لها مهراً، فلو كانت غنيمة أعطيت له من سهمه من الغنيمة، فهي ملك يمين له، لا يحتاج أن يتزوجها بإذن أحد من ذويها، فضلاً عن أن يعطيها صداقاً.

ولا يضر أن المتصدي لأمر نكاحها هو أخوها، فإنه وإن لم يكن وليها الشرعي، إلا أن الظاهر أن استئذانه من قبل الإمام(ع) كان مغزاه بيان بطلان العمل الذي قام به هؤلاء، لأن القوم لم يرتدوا ليقتلوا ويسبوا، فضلاً عن أن المتصدي لذلك لا يحمل شرعية هذا العمل.

واختلاف النصوص فيمن تزوجها الإمام(ع) منه، سواء كان أخوها كما في الخبر، أو خالها كما في نصوص أخرى لا يضر، لأن النكتة المقصودة هو ما أشرنا إليه.

ولا يذهب عليك أن الإشكال الذي منع من قبول خبر الإرشاد، جارٍ في خبر المناقب، فقد تضمن ما لا يمكن الالتزام به، من حديثها حال ولادتها مع أمها، ونطقها الشهادتين، وقد عرفت وجود نصوص أخرى تشير إلى أن ذلك كان في عالم الرؤيا وليس في عالم اليقظة.

جواب علمائنا عن الشبهة المذكورة:

وقد جعل السيد المرتضى(ره) جوابه عن شبهة رضى الإمام(ع) بخلافة الرجل الأول، مضمون خبر جابر المتقدم، قال(ره): فأما الحنفية فلم تكن سبية على الحقيقة، ولم يستبحها(ع) بالسبي، لأنها بالإسلام قد صارت حرة مالكة أمرها، فأخرجها من يد من استرقها ثم عقد عليها النكاح[4].

وذكر شيخنا المفيد(ره) جوابين عن الشبهة المذكورة، قال(ره): وأما نكاحه من سبيهم، ففيه جوابان: أحدهما على طريق الممانعة، والآخر على طريق المتابعة.

فأما الذي على طريق الممانعة: فإن الشيعة تروي أن الحنفية تزوجها من خالها القاسم بن مسلم الحنفي، واستدلوا على ذلك بأن عمر ابن الخطاب لما رد من كان أبو بكر سباه، لم يردّ الحنفية، ولو كانت من السبي لردها.

وأما الذي على طريق المتابعة: فهو أنّا إذا سلمنا لكم أنه نكح من سبيهم، لم يكن لكم فيه ما أردتم، لأن الذين سباهم أبو بكر كانوا قادحين في نبوة رسول الله(ص)، ومن قدح في نبوته كفر، ونكاحهم حلال لكل أحد، ولو سباهم يزيد، وإنما يسوغ لكم ما ذكرتموه لو كان الذي سباهم قادحين في إمامته، فنكح أمير المؤمنين(ع) من سبيهم، لكن الأمر خلاف ذلك[5].

وكيف ما كان، إن مقتضى النص المذكور، أن وصول خولة الحنفية إلى أمير المؤمنين(ع) كان بعدما سبيت ظلماً وجوراً وعدواناً من قبل خالد أيام الرجل الأول، وجيء بها إلى المدينة فيمن جيء بهن، ثم استنفذها أمير المؤمنين(ع)، وتزوجها بعد ذلك.

وهذا المقدار لا يوجد ما يمنع من القبول به، إلا أن ما تضمنه من حديثها حال الولادة قد عرفت منعه، وعدم قبوله، ما يجعل الخبر المذكور كخبر الإرشاد يصعب القبول به والتعويل عليه.

وقد استند بعض الباحثين لخبر الإمام الباقر(ع)، وجعله حجة على أن الإمام(ع) لم يأخذ الحنفية على أنها سبية، وإنما تزوج بها زواجاً بعد أن خطبها من أهلها[6]. إلا أنه لم يشر لما تضمنه الخبر من ذكر إعجاز للحنفية، يوجب التوقف بل المنع من القبول بالخبر.

وقد يعمد إلى التوفيق بين النصوص التي تضمنت أنها تحدثت بما صدر منها عند الولادة في عالم اليقظة، وبين النصوص التي تضمنت أن ذلك كان في عالم الرؤيا، بأن يجمعا، على أساس أن ما دل على صدور ذلك في عالم النوم والرؤيا نص صريح في ذلك، وأما نصوص الحديث في عالم اليقظة، فإنها ظاهرة في ذلك، ولا إشكال في تقديم النص على الظاهر، ويعدّ هذا التوفيق نحواً من أنحاء الجمع العرفي لعلاج التعارض.

وبالجملة، إن قبل ما ذكر من توفيق وعلاج لمشكلة نص الإرشاد وغيره من المصادر التي تضمنت هذا النقل، لم يكن هناك ما يمنع من القبول بالرأي المعروف والمتداول في وصولها لأمير المؤمنين(ع)، وإلا فلابد من المصير إلى اختيار وجه وقول آخر من الأقوال المذكورة.

وكيف ما كان، إن القدر المتيقن الذي يمكن البناء عليه هو أن الإمام علي(ع) قد تزوجها، ولم يكن أخذه إياها لكونها سبية وعطية من غنائم القوم، بل لعله قد أخذها استنقاذاً، ولذا لم يرتب أثراً على إعطائهم إياها، فأبقاها عند أسماء ثم تزوجها زواجاً وأمهرها صداقاً.

ولو عمد إلى تحديد شيء مما تضمنته كلمات المؤرخين، فالظاهر أن أسلم الأقوال التاريخية وأقلها إشكالاً في كيفية وصولها إليه(ع)، هو ما أختاره البلاذري، ووافقه عليه شيخنا المجلسي(ره)، من أنها إحدى سبايا بني حنيفة وقد بيعت في سوق النخاسة في المدينة المنورة لما سباها الأسديون، ولما علم أهلها بأمرها جاؤوا لأمير المؤمنين(ع) بعدما اشتراها يطلبونها منه، وعندئذ خيّرها الإمام(ع)، ولما اختارته أعتقها وتزوجها، فتأمل.

السبب في تسمته:

وقلّ أن ينسب محمد هذا لأمير المؤمنين(ع)، فيقال محمد بن علي، أو محمد بن أمير المؤمنين(ع)، بل المشهور والمتداول تاريخياً معروفيته بابن الحنفية، فيقال محمد بن الحنفية، وقد برر سبب معروفيته بذلك وتسميته به، أن ذلك من أجل التفريق بينه وبين مهدي هذه الأمة ويوسف الزهراء(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وهو الذي يظهر في آخر الزمان، ويكون اسمه محمداً ويكنى بأبي القاسم، وهما عين اسم محمد وكنيته، وأن هناك أناساً سوف يوهمون ويدعون أن محمد بن علي هو مهدي الأمة الذي يكون ظهوره في آخر الزمان، فكانت نسبته لأمه من أجل هذا الغرض، للتميـيز بينه وبين ولي النعمة(بأبي وأمي) على أساس أن مولاي الصاحب(روحي له الفداء) يكون من ولد فاطمة، ومحمد هذا ليس من ولدها، فإن نسبته لأمه تكشف عن عدم تولده منها، فيكون ذلك نافياً لثبوت ذلك له.

وبالجملة، إن التعليل المذكور وإن كان أقرب للاستحسان منه للبرهان، إلا أنه لا يضرّ الالتزام به، خصوصاً أن الأمر المذكور، سهل جداً.

أولاده:

نص المؤرخون على أن محمداً قد أعقب عشرة من الأبناء، ذكرت أسمائهم، وهم: إبراهيم، الحسن، عبد الله، الحسين، عون، القاسم، أحمد، جعفر، عمر، علي. وقد ذكر أن جميعهم لأم واحدة، اختلف في اسمها، فقيل أنها أم جعفر، وقيل أنها أم عون، بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب.

وفاته:

لم يقع الخلاف بين المؤرخين في تاريخ وفاته، إذ المذكور في المصادر التاريخية أنها كانت في سنة واحد وثمانين من الهجرة، وقد كان عمره حينها خمسة وستون سنة، وتولى الصلاة عليه أبان بن عثمان بن عفان.

[1] مرآة العقول ج 4 ص 86.

[2] بحارا لأنوار ج 42 ص 99-100.

[3] بحار الأنوار ج 41 ص 326 ح 47.

[4] بحار الأنوار ج 42 ص 108.

[5] مسألتان في النص على علي(ع) للشيخ المفيد(ره) ج 1 ص 14.

[6] الصحيح من سيرة الإمام علي(ع) ج 11 ص 180-190.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة