قانون الولاية

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
70
1

من الآيات التي استند إليها الشيعة في إثبات خلافة أمير المؤمنين(ع) بعد رسول الله(ص)، قوله تعالى:- (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)[1].

ويتوقف الاستدلال بها على إحراز أمرين:

الأول: أن يكون المقصود بـ(الذين آمنوا)المذكور في الآية الشريفة، معنى خاصاً وليس معنى عاماً.

الثاني: أن يكون من المقصود من الولي والولاية في الآية، هو الأولى في التصرف والتدبير، وليس المقصود به معنى آخر.

سبب نزول الآية:

ويمكن إحراز الأمر الأول من خلال تحديد سبب نزولها وقد ذكر في كلمات المفسرين وغيرهم قولان في ذلك:

الأول: أن المقصود بالآية معنى عاماً وليس خاصا وهذا يعني عدم حصرها في فئة محددة فضلاً عن أن يكون المقصود بها فرداً محدداً.

الثاني: أن المقصود بـ(الذين آمنوا) معنى خاصاً وليس عاماً، ويساعد على ذلك القيود الموجودة في الآية الشريفة.

أدلة القائلين بالتعميم:

وقد استند القائلون بالقول الأول إلى دليلين:

أحدهما: وجود مجموعة من النصوص التي تضمنت العمومية في المقصود بالذين آمنوا وعدم حصره في معنى خاصا، والنصوص المذكورة:

منها: قصة عبادة بن الصامت وهي مروية في تفسير الطبري بطريقين:

الأول: ما رواه الطبري في تفسيره قال: حدثنا هنّاد بن السري، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الصامت، قال….

الثاني: ما رواه أيضاً قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي عن عطية بن سعد، قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله(ص)…..

وحاصل القصة المذكورة، أن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال: أنا أبرأ إلى الله من حلف بني قريظة والنظير، وأنا أتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية على وفق قوله.

ومقتضى ما ذكر عدم وجود خصوصية لأحد، بل كل من تبرأ من أعداء الله تعالى، وتولى الله ورسوله، يكون مشمولاً بالآية المباركة، وبكلمة أخرى لا خصوصية لعبادة بن الصامت، وإنما هو أحد مصاديق الآية الشريفة.

ومنها: ما روي عن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا واقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل فنـزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء.

ولهذا ذكر الفخر الرازي، أن الآية الشريفة عامة وليست خاصة، قال: فعلى هذا: الآية عامة في حق كل المؤمنين، فكل من كان مؤمناً فهو ولي كل المؤمنين، ونظيره قوله تعالى:- (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)[2].

ومنها: رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي جعفر الباقر(ع)، وقد سأله عن الآية، وعن المقصود بالذين آمنوا فيها. فقد ذكر الطبري في تفسيره، حدثنا هنّاد بن السري، حدثنا عبد الله عن عبد الملك عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية:- (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، وقلنا: من الذين آمنوا؟…قال: الذين آمنوا، قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب. قال: علي من الذين آمنوا.

على أساس أنه(ع) قد نفى كونها نازلة في حق جده أمير المؤمنين(ع)، بل ذكر أن المراد بها، أصحاب النبي(ص)، أو المراد بها المؤمنون، وأمير المؤمنين(ع)، واحد منهم.

وهذه النصوص تشكل قرينة مانعة من كون المقصود بــــ(الذين آمنوا) في الآية معنى خاصاً، فضلاً عن أنها تمنع من تخصيص اللفظ منذ البداية، وانعقاد ظهور له في ذلك، فإنها تساعد على بقاء ظهور اللفظ على حاله في العموم، فتدبر.

ثانيهما: التمسك بظهور الآية الشريفة بدعوى ظهورها في العموم وعدم اختصاصها بشخص ما، ويدل على هذا العموم، ظاهر الآية المباركة.

وقد أشير لهذا في كلمات بعضهم كالفخر الرازي، حيث ذكر: أن قوله تعالى:- (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة)، صفة لكل المؤمنين، والمراد بذكر هذه الصفات تميـيز المؤمنين عن المنافقين، لأنهم كانوا يدّعون الإيمان، إلا أنهم لم يكونوا مداومين على الصلوات والزكوات، قال تعالى:- (لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى)، وقال:- (يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً)، وقال في صفة زكاتهم:- (أشحة على الخير). وأما قوله تعالى:- (وهم راكعون)، ففيه على هذا القول وجوه:

الأول: ما ذكره أبو مسلم، من أن المقصود من الركوع هو الخضوع، فيكون المعنى أنهم يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله تعالى ونواهيه.

الثاني: أن يكون المراد من شأنهم إقامة الصلاة، وخص الركوع بالذكر تشريفاً له، كما في قوله تعالى:- (واركعوا مع الراكعين).

الثالث: ما ذكره بعضهم، من أن أصحاب رسول الله(ص) عند نزول هذه الآية المباركة كانوا في أحوال شتى متفرقة، فقد كان بعضهم قد أتم صلاته، وبعضهم قد دفع زكاة المال إلى الفقير، وثالث كان بعدُ لا زال في صلاته لم ينته منها وقد كان راكعاً، ولما كانوا مختلفين في الصفات، ذكرها سبحانه وتعالى جميعها[3].

مناقشة الدليلين:

ولا يخفى عدم تمامية الدليلين، إذ تناقش النصوص التي ذكرت في أولهما بضعف قضية عبادة بن الصامت بكلا طريقيها حيث اشتمل الأول منهما على يونس بن بكير المتوفى سنة 199 هـ، وهو وإن كان من الحفاظ في القرن الثاني، إلا أنه ليس مرضياً عند الجميع، فقد ضعفه النسائي، وقال أبو داود: ليس بحجة يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث.

كما أن السند اشتمل أيضاً على محمد بن إسحاق، وحاله لا يختلف عن حال صاحبه، في عدم الاعتماد عليه، فإنه مجروح، فقد ذكر أحمد بن حنبل، أنه كان يدلس. وكذبه سليمان التيمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد.

كما أن الطريق الثاني قد اشتمل على عطية العوفي وهو وإن كان ثقة معتمداً عندنا، إلا إن القوم لا يقبلون روايته ما يوجب سقوطها عن الاستدلال عندهم فلاحظ.

على أنه يمكن المناقشة في دلالتها على المدعى فيقال: بأن القبول بأن سبب نزولها هو ما جرى لعبادة بن الصامت، لا يوجب نفي دلالتها على ما يدعيه علماء الشيعة، في كونها ناظرة إلى إثبات خلافة أمير المؤمنين(ع) وولايته، وذلك لأن المقصود بقوله تعالى:- (إنما وليكم)، سواء كان هو عبادة بن الصامت، أم عامة المؤمنين، الذين منهم عبادة بن الصامت، فإنه يبقى تحديد المقصود بالذين جعلت الآية الشريفة لهم الولاية، وهم الذين يتصفون بالصفات المحددة التي تضمنتها الآية المباركة.

وبكلمة أخرى، إن سبب نزول الآية المباركة، أياً ما كان، لا يوجب سلب دلالتها على مدعى الطائفة المحقة، لأن الطائفة المحقة لا تتمسك فقط بكونها نازلة في أمير المؤمنين(ع)، وإنما تستند أيضاً إلى أن الأوصاف التي تضمنتها الآية المباركة، هي التي تكون لمن له الولاية والتدبير والإدارة، وهذا لم يكن إلا هو أبو الحسن(ع)، فلاحظ.

وأما رواية عبد الله بن سلام فبعد التسليم بكونه شخصية موجودة وليس شخصية وهمية، فيمنع من صلوحها لإثبات المدعى نقلها في غير واحد من المصادر مشتملة على ذيل يخص الآية محل البحث بأمير المؤمنين(ع) وعندها يدور الأمر بين أصالتي عدم الغفلة في طرفي الزيادة والنقيصة.

والمحقق في محله عدم وجود ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر الموجب لرفع اليد عن كليهما فتأمل.

على أنه يجري في مناقشة دلالتها عين ما تقدم ذكره في الحديث عن قصة عبادة بن الصامت، فلا حاجة للإعادة.

وأما رواية عبد الملك فإن راويها محل خلاف عند القوم فبين من يوثقه، فيكون حديثه مقبولاً معتمداً يستند إليه ويحتج به، وبين من يمنع ذلك.

ومع التسليم بوثاقته، ورفع اليد عن موجبات رد حديثه ورفضه، فإنه يكفي لرفع اليد عن الاستناد إليه التشكيك في إحراز أصالة الجهة فيه، لأن من المحتمل جداً أن يكون صادراً تقية، وهذا يمنع من الاستناد إليه، لأنه متى وجد الاحتمال فقد بطل الاستدلال.

هذا ومع الإغماض عن هذه الناحية أيضاً، فإننا نمنع دلالتها على التعميم، وعدم اختصاصها، ذلك أن الإمام(ع) لم ينف نزولها في شأن علي(ع)، وإنما أشار إلى كونه(ع) من المؤمنين، وهذا لا يثبت التعميم، بل هو تأكيد لكونها مختصة، وأن أمير المؤمنين(ع) من المؤمنين، فيكون جوابه بمثابة الإسكات للطرف الآخر.

وأما ثاني الدليلين، فجوابه، يعتمد على تحديد المقصود من لفظ الولاية المذكور في الآية الشريفة، فلو كان معناها النصرة والمحبة، فلن تكون منحصرة في خصوص الموصوفين في الآية، أما لو كانت الولاية فيها بمعنى الأولوية في التصرف والإدارة والتدبير، فلا ريب في كونها منحصرة في خصوص من تضمنت الآية الشريفة ذكراً لأوصافهم، لأنه من غير الممكن أن يكون المتصدي للتدبير والإدارة، ومن يكون أولى بالتصرف في الشأن هو عنوان عام يمكن لكل أحد أن يقوم به، بل لابد وأن يكون القائم به شخصاً أو فرداً محدداً بعينه.

والحاصل، يوجد في البين احتمالان، يلزم تعين الاحتمال الأول، حتى يكون مدلول الآية المباركة عاماً، وليس خاصاً، ومع تعين الاحتمال الثاني، يسقط القول الأول، لعدم وجود ما يدل عليه، بل الظاهر، أن مجرد وجود محتملين في الظهور، يكفي لمنع الدلالة على المقصود، لأن وجود الاحتمال الثاني مانع من ظهور الدليل في المراد، كما لا يخفى، لأن تعين الاحتمال الأول سوف يتوقف على وجود ما يوجب تعينه دون الآخر من قرينة داخلية أو خارجية، ومع عدم توفرهما، فسوف تكون الآية الشريفة وفقاً لهذا مجملة، فلا تصلح للاستدلال.

هذا وسيظهر في ما يأتي إن شاء الله تمامية دلالة الآية الشريفة على الاحتمال الثاني، فلا يبقى مجال لتوهم القبول بالاحتمال الأول الذي استند إليه أصحاب القول الأول.

تفسير الآية الشريفة:

وأما التأويل، الذي ذكر تقريباً لدلالة الآية الشريفة على العموم، فإنه يندفع بالإحاطة بتفسير الآية المباركة، لينجلي المقصود بما تضمنته من مفردات، وبيان ذلك هو :

لقد ابتدأت الآية المباركة بكلمة(إنما) التي تفيد الحصر، فهي قد حصرت ولاية أمر المسلمين في خصوص ثلاثة، وهم:

1-الله سبحانه وتعالى.

2-الرسول الأكرم محمد(ص).

3-فئة من الذين آمنوا، وهم الذين كانوا حين نزول الآية الشريفة، قد اتصفوا بصفتين:

الأولى: إقامتهم للصلاة، أي كانوا يصلون حين نزول الآية.

الثانية: دفعهم للزكاة في صلاتهم أثناء الركوع، حين نزول الآية، لا مطلق أداء الزكاة.

ومن الطبيعي أن التقيـيد بكون دفع الزكاة حال الركوع، أي حال أداء الصلاة، لن يكون حاصلاً لكل أحد، بل سوف يوجب تضيـيق الدائرة في خصوص فئة محددة من المؤمنين، قد لا تزيد على فرد واحد، فتدبر.

ثم إن الركوع الوارد في الآية، لا يراد منه الخضوع، بل المراد منه ركوع الصلاة، لأن الشارع المقدس اصطلح على كلمة الركوع للدلالة على الركن الرابع من أركان الصلاة.

ويشهد لكون المراد من الركوع في الآية هو ما ذكرنا، النصوص الواردة في شأن نزولها، التي تضمنت تصدق أمير المؤمنين(ع)بخاتمه أثناء صلاته، في حال الركوع.

ثم إن المراد من كلمة الولي الواردة في الآية، ليس الناصر، ولا المحب، لأن الولاية التي هي بمعنى

الحب أو النصرة، لا تنحصر في من يؤدون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، بل تشمل كل المسلمين الذين يجب أن يتحابوا فيما بينهم وينصر بعضهم البعض، حتى أولئك الذين لا زكاة عليهم، أو لا يمتلكون شيئاً ليدفعوا زكاته.

من هنا يتضح أن المراد من كلمة الولي في الآية، هو ولاية الأمر والإشراف وحق التصرف والزعامة المادية والمعنوية، والتدبير والإدارة.

ويشهد لذلك أنها جاءت مقترنة بولاية الله سبحانه وولاية النبي محمد(ص)،إذ نرى أن الولايات الثلاث جاءت في جملة واحدة، فلاحظ.

البناء على اختصاصها:

وأما القائلون بكونها خاصة وليست عامة، وأنها نزلت في فرد محدد بعينه، وليست نازلة في عامة المسلمين، فقد استندوا في ذلك إلى القصة المشهورة والمعروفة والتي رويت في كتب المسلمين، وحاصلها:

أنه صلى النبي(ص) يوماً من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال:اللهم أشهد بأني سألت في مسجد رسول الله(ص)فلم يعطني أحد شيئاً، وكان علي(ع) راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يختـتم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي(ص)فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم موسى سألك فقال:- (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري)، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً:- (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما…)، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً علياً اشدد به ظهري.

قال أبو ذر(ره): فما استـتم رسول الله(ص)كلامه حتى نزل جبرائيل من عند الله عز وجل، فقال(ع): يا محمد أقرأ، قال: وما أقرأ؟…قال: أقرأ:- (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).

واختلاف النصوص المتعرضة لنقل الحادثة وسبب النـزول، لا يوجب خللاً فيها، لما هو المعروف من أن ذلك أحد موجبات النقل بالمعنى، ويكفي كون النصوص الناقلة للحادثة متفقة في المضمون والمؤدى. حيث أنها جميعاً تتفق في نزولها أمير المؤمنين(ع).

رواة خبر نزولها في أمير المؤمنين:

وقد سمعت أن خبر نزولها في أمير المؤمنين(ع) نقلها الفريقان بأسانيد كثيرة، عن جمع كبير من الصحابة ومشاهير التابعين، ولنشر لبعضهم:

1-المقداد بن الأسود الكندي.

2-عمار بن ياسر.

3-عبد الله بن العباس.

4-أبو ذر الغفاري.

5-جابر بن عبد الله الأنصاري.

6-أبو رافع.

7-أنس بن مالك.

8-حسان بن ثابت.

10-سعيد بن جبير.

11-عطاء.

12-مجاهد.

13-السدّي.

14-مقاتل.

15-الضحاك.

هذا وقد روى هذا الخبر أيضاً مجموعة من مشاهير العلماء، نشير لبعض منهم:

1-سليمان بن مهران الأعمش.

2-معمر بن راشد الأزدي.

3-سفيان بن سعيد الثوري.

4-أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي.

5-أبو بكر عبد الرزاق الصنعاني.

6-أبو نعيم الفضل بن دكين.

7-أبو محمد عبد بن حميد الكشي.

8-أبو عبد الله الحاكم النيسابوري.

9-أبو إسحاق الثعلبي.

10_الخطيب البغدادي.

11-ابن حجر العسقلاني.

مرجحات القول الثاني:

ثم إنه يرجح القول الثاني على القول الأول، لأمور:

منها: كثرة رواة الحادثة الدالة على نزولها في أمير المؤمنين(ع) من الصحابة، فقد بلغ عددهم أثنا عشر راوياً.

ومنها: روايتها في كتب المسلمين ومصادرهم الحديثية والتاريخية، وبطرق متعددة، تمنع من توهم الخلل أو الوضع فيها.

ومنها: تصريح غير واحد من علماء الجمهور بثبوت الحادثة، وصحتها، وأن الآية الشريفة نازلة في أمير المؤمنين(ع)، وليست نازلة في أحد غيرهم، ومن هؤلاء المصرحين بذلك، الفخر الرازي، والسيوطي، والآلوسي، وغيرهم.

دلالة الآية على الإمامة:

قد عرفت في مطلع البحث أن الآية المذكورة عدت أحد أدلة الطائفة المحقة في الاستدلال على خلافة أمير المؤمنين(ع) بعد النبي محمد(ص)، ويتضح الاستدلال بها على المدعى من خلال ملاحظة المفردات الواردة فيها، إذ عرفنا عند التعرض لتفسيرها، أن (إنما)تفيد الحصر، وأن الولاية هنا بمعنى الأولى بالتصرف، كما في قوله(ص):ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟…قالوا:بلى، قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه.

هذا ولعل قائلاً يقول، بأنه ما الدليل على أن الولاية هنا بمعنى الأولى؟…

قلنا: دليلنا على ذلك، أن سائر معاني الكلمة لا يجتمع شيء منها مع الحصر المدلول للفظة(إنما).

وكما في قوله(ص): علي مني وأنا من علي، وهو وليكم بعدي.

كما عرفنا أن الذين آمنوا في الآية مختصة بأمير المؤمنين(ع)بقرينة الأحاديث التي وردت في بيان شأن نزولها، والتي اتفق الفريقان من الأمة الإسلامية على قبولها.

وعرفنا أيضاً، أن المراد من الركوع فيها هو الركوع الصلاتي، لأن أمير المؤمنين(ع)قد أعطى السائل عندما كان يصلي، وهو في ركوعه.

ثم إن ضم هذه الأمور كلها مع بعضها البعض، ينـتج أن الذي له حق الولاية والتصرف في شؤون الأمة، والقيام بإدارتها بعد الله سبحانه وتعالى، ونبيه الأكرم محمد(ض)، هو ذاك الذي آمن بالله وأقام الصلاة، وتصدق في صلاته عندما كان راكعاً، وهو علي بن أبي طالب(ع)، فيثبت المطلوب.

قال الشريف المرتضى(قده):…ويدل على ذلك قوله تعالى:- (إنما وليكم الله…..)وقد ثبت أن لفظة(وليكم)في الآية تفيد من كان أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته عليكم، وثبت أيضاً أن المشار إليه في قوله تعالى:- (والذين آمنوا)أمير المؤمنين، وفي ثبوت ذلك وضوح النص عليه بالإمامة[4].

وقال شيخ الطائفة(قده):وأما النص على إمامته من القرآن، فأقوى ما يدل عليها قوله تعالى:- (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)،ووجه الدلالة من الآية هو: إنه ثبت أن المراد بلفظة(وليكم)المذكورة في الآية: من كان متحققاً بتدبـيركم والقيام بأموركم وتجب طاعته عليكم، وثبت أن المعني بـ(الذين آمنوا)أمير المؤمنين(ع)، وفي ثبوت الوصفين دلالة على كونه(ع)إماماً لنا[5].

خاتمة:

ومع وضوح دلالة الآية الشريفة على الإمامة لأمير المؤمنين(ع)، كما عرفت إلا أن هناك من أبناء الجمهور من منع دلالتها، واستند في ذلك لبعض الإيرادات والإشكالات، ولعل من أهم وأقوى الإشكالات التي ذكرت لصرف دلالة الآية الشريفة عما هي ظاهرة فيه، التمسك بحجية السياق، فقد

ذكر غير واحد منهم أن السياق لا يساعد على تفسير الولاية الواردة في الآية الشريفة بالإمامة، فإن الآيات السابقة عليها تتحدث عن العلاقة بين المسلمين واليهود والنصارى، قال تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين* فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين* ويقول الذين أمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين* يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم). كما أن الآيات اللاحقة للآية محل البحث أيضاً تساعد على نفي دلالتها على ما يراد إثباته، قال تعالى:- (ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون* يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم لهواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين).

والحاصل، إن ملاحظة سياق الآيات السابقة على آية الولاية، وكذا الآيات اللاحقة عليها يفيد معنى مغايراً تماماً لما يراد إثباته، فإن الآيات ليست بصدد الحديث عن موضوع الخلافة والإمامة أصلاً. بل موضوعها كما سمعت يشير إلى العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب، وأنه لا ينبغي للمسلمين أن ينصروهم، بل يلزم أن تكون نصرتهم لخصوص الله سبحانه وتعالى ولرسوله وفي المسلمين[6].

ولا يخفى أن الإشكال المذكور يتوقف على الإلتزام بأن الترتيب القرآني للآيات واقع كما نزلت، بحيث يقرر أن وجود أي آية في سياق آيات أخرى، يكشف عن أنها نزلت في ضمن تلك الآيات، وينفي وجود احتمال نزولها مستقلة عنها، وفي سياق آيات أخرى. أما لو أمكن البناء على أن الترتيب القرآني الموجود خارجاً وأنه كان بأمر من النبي الأكرم محمد(ص)، كما يعتقد أبناء الطائفة المحقة، وأنه(ص) لم يخرج من الدنيا إلا بعد أن جمع القرآن كاملاً ورتبه بهذه الكيفية بأمر من الله تعالى، إلا أن ذلك لا يعني أن وجود آية في سياق آيات أخرى أنها نزلت معها، بل إن هناك آيات نزلت في مواضع محددة ومواقع معروفة، ثم جعلت في سياق آيات لا ربط لها بالحادثة التي نزلت فيها، ما يجعل قضية السياق غالباً قضية تعبدية، فلن يرد الإشكال المذكور.

والصحيح هو الثاني، فإن وجود آية في سياق آيات أخرى، لا يعني بالضرورة نزولها معهم، بل وجودها يعود للتعبد بالترتيب كما سمعت.

وليس معنى ذلك إنكار دخالة السياق في ظهور بعض الآيات، بل الصحيح أن السياق يشكل قرينة عقلائية يستند إليها في مقام الاستظهار، وهو يساعد كثيراً على تحديد المقصود من اللفظ، إلا أن ذلك يخضع إلى ملاحظة الصغرى، أعني أن في البين وحدة سياق يمكن التمسك بها أولا.

وبالجملة، إن الاستناد إلى وحدة السياق تتوقف على الجزم بكون الآية الشريفة نازلة مع الآيات المذكورة، ولا طريق لذلك، ومجرد وضعها في المصحف في سياقهم لا يكفي للدلالة على ذلك كما سمعت.

على أنه لو سلم تمامية وحدة السياق، فإنه لابد من رفع اليد عنه بعد وجود النصوص المتواترة والدالة على نزولها في أمير المؤمنين(ع).

ومع التنـزل، ورفع اليد عما ذكر من منع دلالة السياق على خلاف المطلوب، فقد أشار الشيخ المظفر(ره) إلى عدم منافاة السياق وما أختاره الشيعة القائلون باختصاص الآية الشريفة بالإمامة والخلافة، لأن المراد بالأولياء في الآية الأولى هم القائمون بالأمور في الجملة، ولو بالنسبة إلى النصرة والمحافظة، ولما كان لفظ الولي مشتركاً، فيتم المطلوب من كل وجه، ولا سيما بضميمة قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه)لاشتمالها على الأوصاف المناسبة للقائم بالأمور[7].

[1]سورة المائدة الآية رقم 55.

[2]التفسير الكبير ج 13 ص 15.

[3]التفسير الكبير ج 13 ص 15.

[4]الذخيرة في علم الكلام ص 438.

[5]تلخيص الشافي ج 2 ص 10.

[6] روح المعاني ج 6 ص 167.

[7] دلائل الصدق ج 4 ص 304.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة