لم يقل اهتمام الشارع المقدس بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اهتمامه بكبريات الفرائض الأخرى، كما يظهر ذلك من خلال جعلها تارة في مصاف تلك الفرائض، أو تقديمه على بعضها، كما يلحظه كل من راجع الآيات القرآنية التي تعرضت للحديث عن هذه الفريضة، ما يكشف عن كون هذه الفريضة من أعظم الواجبات الدينية، التي ورد الحث عليها في الشريعة.
هذا ويمكن تصنيف الآيات التي تحدثت عن هذه الفريضة، وفقاً لموضوعاتها:
فمنها: ما يشير إلى حكمها، أعني الوجوب، فلاحظ قوله تعالى:- (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، ودلالة الآية الشريفة على الوجوب من خلال وجود فعل الأمر، وهو(فلتكن) ويؤيد ذلك، بل ربما قيل بدلالته أيضاً ذيل الآية الشريفة، وهو حصر الفلاح في القائمين بهذا الفعل.
ومنها: ما يشير إلى مدى أهمية هذه الفريضة، ومنـزلتها بالإضافة إلى بقية الفرائض الأخرى، فلاحظ قوله تعالى:- (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فإن المستفاد منها جعل الباري سبحانه وتعالى فريضة الأمر بالمعروف، في مصاف كبرى الفرائض الإسلامية، وهي إطاعة الله ورسوله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا يشير إلى منـزلة هذه الفريضة بين فرائض الإسلام.
على أن هناك بعض الآيات الشريفة تضمنت تقديم هذه الفريضة في بعض الآيات على فرائض أخرى ذات أهمية عظيمة، كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله ورسوله(ص).
ومنها: ما قد يظهر منه جعل أداء هذه الفريضة وقيامه بها ميزاناً يميز من خلاله المؤمن من المنافق، قال تعالى:- (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم).
ولا تقل النصوص الشريفة اهتماماً بهذه الفريضة والحث عليها:
منها: ما روي عن النبي الأعظم محمد(ص)، أنه قال: كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر. فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال(ص): نعم. فقال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف. فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ فقال: نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
وقد تضمن الحديث النبوي وصفاً للمجتمع الإسلامي في المستقبل، ببيان سمات أربع فيه:
الأولى: فساد النساء، من دون أن يتعرض إلى منشأ فسادهن، وأنه بسبب الإخلال بالحجاب، أو بسبب الاختلاط مع الرجال، أو بسبب شيء آخر.
والسمة الثانية: هي فسق الشباب، الكاشف عن انتفاء صفة العدالة منهم، لأن الفسق يقابل العدالة، وقد عرفت العدالة بأنها الاستقامة على جادة الشريعة بفعل الواجبات، وترك المحرمات، ولا تنتفي إلا إذا ترك المكلف الواجب، أو فعل المحرم، وهذا يعني أن الشباب في المجتمع الإسلامي سوف ينحرف بتركه للواجبات، أو بفعله للمحرمات.
الثالثة: ترك الأمر بالمعروف.
الرابعة: ترك النهي عن المنكر.
وقد كان هذا الوصف منه(ص) للمجتمع الإسلامي محط استغراب عند الصحابة، ما دعاهم إلى السؤال من النبي(ص)، عن وصول المجتمع إلى هذه الحالة. وقد كان جوابه(ص) بأنه سوف يصل إلى أكثر من ذلك، إذ أنهم سوف يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف.
ومنها: ما روي عنهم(ع): أن الأمر بالمعروف تقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وتمنع المظالم، وتعمر الأرض وينتصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء.
وقد تضمن الحديث عرضاً للآثار المترتبة على أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الطبيعي جداً أن الإخلال بها يوجب انتفاء هذه الآثار، فلاحظ.
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
هذا ويستدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأدلة الأربعة، فمن القرآن ما سمعت من الآيات القرآنية وغيرها، ومن النصوص الكثير التي لا يبعد البناء على تواترها، وكذا الإجماع، وبحكم العقل كما أشير له في كلام بعض الأعلام(قده)، وقد قرب حكمه بذلك من خلال تشكيل قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه: إن العقل يحكم بثبوت العقاب واستحقاقه في كل مورد تضمن إخلالاً بأمر تقام به الفرائض، ويقوم به الدين. وصغراه: لا خلاف في كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصداق لما تقام به الفرائض، ولما يقوم به الدين، فتكون النتيجة أنه يترتب العقاب عند تركه، ويكون تاركه مستحقاً له[1].
[1] مهذب الأحكام ج 15 ص 213.