إذا مات المكلف وكانت ذمته مشغولة، وجب على وليه إفراغ ذمته مما اشتغلت به بقضاء ما وجب عليه، ويقصد مما تشتغل به ذمة المكلف، حقوق العباد، من ديون الناس مثلاً، وما شابه ذلك، والحقوق الإلهية، سواء منها الحقوق المالية، كالزكاة، والخمس-فيه خلاف بين العلماء-والكفارات، والنذور، أم الحقوق العبادية، كحجة الإسلام التي وجبت عليه لتوفر شروطها، وكالصلاة والصوم.
وما يتصور اشتغال ذمة المكلف به ليكون مورداً للقضاء وعدمه، أمور ثلاثة:
الأول: ما تعمد المكلف تركه وعدم أدائه، كالصلاة التي دخل عليه وقتها، وكان يمكنه أن يؤديها، إلا أنه تعمد تركها حتى انتهى وقتها. وكصوم شهر رمضان، الذي حل عليه بدخول الشهر الشريف، مع توفر جميع شرائط الوجوب، وتحقق كل شروط الصحة، إلا أنه تعمد تركه، حتى انقضى.
الثاني: ما فات المكلف أدائه نتيجة وجود عذر، كمرض منعه من أداء ذلك الواجب العبادي، كالمريض الذي منعه مرضه من صيام شهر رمضان المبارك، أو المريض الذي منعه مرضه من أداء الصلاة في وقتها، أو المسافر الذي كان سفره سبباً مانعاً له من أداء الصلاة، أو المرأة التي دخل عليها وقت الصلاة، إلا أنها لم تؤدها حتى طرقها الحيض فصار مانعاً من أدائها، وهكذا.
الثالث: ما أداه المكلف، لكنه كان باطلاً، كمن صلى لكن وضوئه كان خاطئاً، أو من كان يصلي لكن صلاته كانت باطلة نتيجة إخلاله بركن من أركانه، كتكبيرة الإحرام مثلاً، أو جزء تعمد تركه.
هذا وينحل الأمر الثاني إلى فرعين، ذلك أن ما فاته عن عذر:
أحدهما: أن يكون متمكناً من أداء ما فاته بعد ارتفاع العذر منه، فالمريض الذي ترك صيام شهر رمضان المبارك، بعدما برء من مرضه كانت له فسحة من الزمن يمكنه فيها قضاء الصيام، والمريض الذي كان عاجزاً عن أداء الصلاة، قد شفي من مرضه، وانتفى العجز عنه، وحصل له الوقت الكافي لقضاء ما فاته من صلوات، وهكذا.
ثانيهما: أن لا تكون عنده فسحة للأداء، فهو بمجرد أن برء من مرضه، قد توفاه الله تعالى.
وعليه، يأتي السؤال، هل يلزم ولي الميت بقضاء ما اشتغلت به ذمة وليه من الأمور الثلاثة، أم يلزمه قضاء بعضها دون بعض؟
أما بالنسبة للأمرين الأول والثالث، فقد أختلف فيهما أعلامنا، حيث ألتـزم بعضهم بوجوب القضاء فيهما، إما بنحو الفتوى أو الاحتياط، وأختار آخرون عدم وجوب القضاء فيهما.
ولم يختلف الحال في الفرع الثاني من الأمر الثاني، إذ أحتاط بعض الفقهاء بوجوب القضاء عليه، وإن كان الأكثر منهم على عدم وجوبه.
وقد اتفقوا جميعاً على وجوب القضاء عليه في الفرع الأول من الأمر الثاني، فلاحظ.
وطبقاً لما تقدم، يتضح أنه لا يجب القضاء عن المغمى عليه إذا كان خارجاً عن إرادته، لو كان إغمائه مستوعباً لتمام الوقت، كما لا يجب القضاء عن المريض الذي دخل في غيبوبة، ولم يفق إلا بعد انقضاء الوقت، وكذلك من خضع لعملية التخدير لسبب ما، لا يجب القضاء عليه، كل ذلك لأن القضاء عن الميت مشروط بوجوب ذلك عليه، وهو غير متحقق في من ذكر.
ولي الميت:
وقد اتفق علماؤنا على أن المقصود بولي الميت، هو أكبر أولاده الذكور، فلو مات أكبر الذكور حال حياة الأب، كان وليه الولد الأكبر من بعده.
وقد اختلفوا في أنه هل يشترط في وليه أن يكون مكلفاً عند وفاة الأب، أم لا يشترط فيه ذلك؟ أختار بعضهم أنه يشترط فيه أن يكون مكلفاً عند وفاة الأب، فلو كان عندها مجنوناً، أو كان صبياً، لم يجب عليه القضاء وإن بلغ بعد ذلك أو عقل، وأختار آخرون عدم اعتبار تكليفه عند الوفاة، فيكون ملزماً بالقضاء عنه إذا كلف بعد ذلك.