القبلة، هي الموضع الذي وقع فيه البيت الحرام، وليس خصوص البنية الموجودة فيه، بل هي من تخوم الأرض إلى عنان السماء.
فيجب استقبال جهة البيت الشريف لكل من صلى، سواء كان في أرض مستوية، أم كان على قمة جبل، أم كان في طائرة في الجو، أم كان في تخوم الأرض داخل نفق عميق.
س: هل يشترط في تحقق الاستقبال الدقة الهندسية من المصلي لما يجب استقباله، أم لا يشترط ذلك؟…
ج: لا يشترط في الاستقبال أن تحصل دقة هندسية كاملة في عملية التوجه للقبلة، بل يكفي أن تتحقق المحاذاة العرفي. ولا يخفى أن محاذاة الشيء تتسع كلما ازداد ابتعاد الإنسان عن الشيء المحاذى.
هذا ولابد من العلم بمحاذاة القبلة مهما أمكن، فلو لم يكمنه العلم بتحقق المحاذاة، فعليه أن يعتمد في ذلك على البينة، أي شهادة عادلين يعلمان بحصول المحاذاة للقبلة.
س: إذا لم يتمكن المكلف من العلم بمحاذاة القبلة، ولم يمكنه الاعتماد على البينة في ذلك، فما هي وظيفته حينئذٍ؟…
ج: إذا كانت الحالة هكذا، فعليه عندها أن يعتمد على الظن الذي يحقق له الاطمئنان بمحاذاة القبلة، ولو لم يجد ذلك، اعتمد على الظن مطلقاً.
ما يجب الاستقبال فيه:
يجب الاستقبال في عدة أمور:
منها: الصلوات اليومية الخمس.
ومنها: الصلوات الواجبة الأخرى غير الصلوات الخمس اليومية، كصلاة الآيات، وصلاة العيدين في زمان الغيـبة، وغيرهما.
س: هل يفرق وجوب الاستقبال في الصلوات المذكورة بين كونها صلاة أدائية، وبين كونها صلاة قضائية؟…
ج: لا يفرق في وجوب الاستقبال في الصلوات الواجبة في أي شيء منها، بين كونها صلاة أدائية، وبين كونها صلاة قضائية.
ومنها: ما يتبع الصلاة، كصلاة الاحتياط إذا حدث أحد الشكوك فيها، وكذا قضاء الأجزاء المنسية من الصلاة حين القيام بقضائها.
س: هل يجب استقبال القبلة في سجدتي السهو، أم لا يجب ذلك؟…
ج: الأحوط استحباباً استقبال القبلة في سجدتي السهو، لكنه ليس واجباً.
ومنها: النوافل، إذا أداها المكلف مستقراً على الأرض، أما لو أداها حال المشي، أو أداها أثناء ركوبه في السيارة أو الطيارة أو السفينة، فإنه لا يجب فيها الاستقبال.
ومنها: الميت، فإن بعض العلماء يلزم باستقباله القبلة أثناء الاحتضار، بحيث يجعل وجهه وباطن قدميه إلى القبلة.
ومنها: حال الصلاة على الميت، وذلك بجعل رأسه إلى يمين المصلي عليه، ورجلاه إلى يساره.
ومنها: الاستقبال بالميت في دفنه، فيجعل وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة.
ومنها: أثناء عملية الذبح والنحر، فإنه يجب استقبال القبلة بجعل مذبح الحيوان أو منحره ومقاديم بدنه إلى القبلة.
أمور عامة في القبلة:
الأول: يحرم على الإنسان أثناء قضائه للحاجة-بالبول أو بالغائط- أن يكون مستقبلاً للقبلة أو مستدبراً إياها.
الثاني: يكره استقبال القبلة أثناء ممارسة الزوجين لعلاقتهما الطبيعية مع بعضهما البعض.
الثالث: يكره لبس السروال مستقبلاً للقبلة.
الرابع: يستحب استقبال القبلة حال الجلوس مطلقاً، بل ينبغي المحافظة على ذلك أثناء الوضوء، وأثناء قراءة القرآن ، والاشتغال بالأذكار، وأثناء الإتيان بتعقيـبات الصلاة.
علامات معرفة القبلة:
ذكرت عدة أمور لمعرفة القبلة، بعضها مستفاد من علم هيئة الأرض، ومن أقوال المحققين فيها، لكننا لسنا بحاجة للتعرض لها هنا.
ومن تلك العلامات التي يمكن معرفة القبلة من خلالها أيضاً: المحاريب التي صلى فيها أحد المعصومين(ع)، فإنها تفيد العلم بالقبلة شرط أن نعلم بعدم تحويل المحراب عن مكانه وتبديله من خلال بناء جديد.
ومنها: قبر المعصوم(ع). ويجري فيه عين الكلام السابق في محراب المعصوم(ع).
ومنها: قبور المسلمين في بلادهم، وكذا محاريب مساجدهم إذا لم يعلم بانحرافها عن المحاذاة الصحيحة.
قول صاحب المنـزل:
س: هل يمكن لنا التعويل على قول صاحب المنـزل في أن القبلة لهذه الناحية، ونصلي على وفق ذلك، وكذا لو أخبرنا أناس آخرين عن جهة القبلة، فهل يمكننا الاعتماد على إخبارهم؟…
ج: لا عبرة بإخبار قول صاحب المنـزل، وكذا الناس الآخرين، إلا إذا كان الإخبار الصادر منهم يفيد العلم، أو يفيد الاطمئنان بجهة القبلة.
نعم لو لم يمكن للمكلف تحصيل العلم ولا الاطمئنان، ولا تحصيل الظن الأقوى، وكان قول صاحب المنـزل مثلاً يوجب ظناً، فلا بأس بالاعتماد عليه.
إذا لم يتمكن من معرفة القبلة:
إذا لم يتمكن المكلف من معرفة جهة القبلة من خلال الأمور التي تعرف بواسطتها، وجب عليه على الأحوط وجوباً أن يكرر صلاته إلى أربع جهات. والأحوط أن تكون على أربعة خطوط متقابلة.
س: إذا كان على المكلف الصلاة إلى أربع، وتضيق الوقت عن أدائها، فماذا يفعل؟…
ج: إذا تضيق الوقت عن أداء الصلاة إلى أربع جهات، وجب عليه أن منها بقدر ما وسع الوقت، فإن لم يسع إلا واحدة تخير في أن يصليها إلى أي الجهات شاء.
س: إذا صلى المكلف صلاة الظهر أو صلاة المغرب إلى أربع جهات مثلاً، أو جهتين، فهل يلزم أن يصلي العصر، وكذا العشاء إلى الجهات التي صلى الصلاة الأولى إليها؟…
ج: نعم يلزم ذلك، فلو صلى صلاة الظهر إلى الجهات الأربع، فعليه أن يصلي العصر إلى تلك الجهات التي صلى الظهر إليها، ولو صلى المغرب مثلاً إلى جهتين، فعليه أن يصلي العشاء إلى تلك الجهتين أيضاً.
س: لو صلى المكلف إلى جهة من الجهات الأربع، وقبل إكماله الصلاة إلى بقية الجهات علم أو اطمأن أو ظن ظناً قوياً أنها جهة القبلة، فهل يجب عليه أن يواصل الصلاة إلى الجهات الثلاث، أم لا؟….
ج: لا يجب عليه في مثل هذه الحالة الصلاة إلى بقية الجهات، بل يكفي ما صدر منه من الصلاة ما دامت حصل له معرفة جهة القبلة.