دور الحسين في إحياء الأمة

لا تعليق
محرم الحرام 1422 هـ
319
0

إن المسؤولية الأساسية في عدم إزالة الحكم الأموي تعود لتقصير الأمة وتهاونها في ذلك لعدم وجود قصور أو تقصير من جانب الإمام الحسين “ع” تجاه مسؤوليته خصوصاً وقد عرفنا أنه هيئ الأسباب الموضوعية لنجاح نهضته المباركة

هذا ويمكن تلخيص مسؤولية الأمة في جانبين رئيسين:

الأول: موت الضمير.

الثاني: فقدان الإرادة.

وقد سعى الإمام أبو عبد الله الحسين “ع” بنهضته الخالدة إلى علاج هذين العاملين لتحسيس الأمة بمسؤوليتها ووظيفتها التي قد أنيطت بها ومن أجل إلقاء الضوء على ذلك نحتاج أن نتعرف أولاً على أسباب موت الضمير وفقدان الإرادة ثم نحاول معرفة كيفية علاج الإمام الحسين “ع” لذلك وعلى هذا يقع البحث في ضمن نقطتين:

الأولى: أسباب موت الضمير وفقدان الإرادة.

الثانية: كيفية علاج الإمام الحسين “ع” لتلك الأسباب.

النقطة الأولى: أسباب موت الضمير وفقدان الإرادة.

قد أشار القرآن الكريم إلى أمور كثيرة تعتبر أسباباً في موت الضمير وفقد الإرادة فلنشر إلى ذلك، ببيان كلٍ منهما على حدى:

أسباب موت الضمير:

يمكن تلخيص ما جاء في القرآن الكريم في بيان أسباب موت الضمير إلى سببين رئيسين:

الأول: انهيار القاعدة الأخلاقية:

واختلال موازينها وفي مقدمة مؤشرات هذا الانهيار التمرد على الله سبحانه فيعد هذا الفعل من الأسباب الرئيسية المؤدية لقسوة القلب وموت الضمير، لكونه نقضاً للعهود والمواثيق المأخوذة على الإنسان عند خلقه كما أنه كفران للنعمة مقابل المنعم المطلق، مضافاً لكونه تخلياً عن المسؤولية الناجمة من استخلاف الإنسان في الأرض.

وخير شاهد ومثال مراجعة قصة بني إسرائيل في سورة البقرة حيث نجد القرآن قد ذكر عدة مخالفات ومظاهر عديدة للتمرد على الباري عز وجل انتهت بهم إلى قسوة القلب. وفي الجانب الآخر تعتبر سورة الحديد من أروع السور التي قامت بمعالجة هذا المرض وهذه الظاهرة في المجتمع الإسلامي.

الثاني: حب الدنيا:

والانغماس في شهواتها وملذاتها والحرص على زخارفها واللهو بالمال والأولاد عن ذكر الله سبحانه.

وقد أشار لهذا السبب وتأثيره في موت الضمير القرآن الكريم وكذا النصوص الواردة عن أهل البيت “ع”، ولذا يعتبر من أهم مقاصد الدين معالجة هذا المرض من خلال أساليب الوعظ والتحذير و بيان الدور الحقيقي للحياة وموازنتها بالحياة الآخرة.

وقد أشار لهذا الأسلوب العلاجي القرآن الكريم أيضاً في عدة آيات من خلال إثارة عامل الورع والتقوى مقابل هذا الأمر الغريزي في النفس الإنسانية ومن خلال ما يحصله من ثواب في الآخرة ورضى من الله يعوض له عما في هذه الدنيا.

أسباب فقدان الإرادة:

وهو ما قد يحصل لأصحاب الضمائر الحية التي يتحسسون بها آلام الناس ومآسيهم ويحسون حرارة الظلم والمأساة ويدركون بتلك الضمائر الحية الحق ويعون مواقفه، وخير شاهد لذلك كلمة الفرزدق مع الإمام الحسين “ع” عن أهل الكوفة:
قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

لكن مع ذلك لا يملكون إرادة حرة. ولذا نحتاج أن نعرف أسباب فقد الإرادة بحيث يكون الإنسان مسلوب الإرادة وهي:

1 ـ الشعور بالخوف:

والضعف مقابل الطغاة، وهذا العامل يلجأ له الطغاة دائماً لسلب إرادة الأمة والتسلط عليها وقد أشار الكتاب العزيز لذلك في قصة فرعون قال تعالى: ” قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين “[1].

ونفس هذا الأسلوب أستخدمه مشركوا مكة مع المسلمين في أوائل البعثة النبوية حتى قال رسول الله “ص” : ما أوذي نبي كما أوذيت.

واستخدم الأمويون عموماً وابن زياد بشكل خاص هذا المنهج في الوقوف أمام ثورة الإمام الحسين “ع” فاعتقل الصحابي الجليل هاني بن عروة وقتله وقتل مسلم بن عقيل وقام باعتقال الكثير من وجهاء الشيعة وزعمائها وأغلق أبواب الكوفة ومسالكها وهدد أهلها بجيش يأتي من الشام.

2 ـ الجهل والتضليل الإعلامي:

بحيث تكون الحقائق مشوشة الرؤية أو تكون مفقودة لوجود الإعلام المضاد من قبل الأعداء مما يؤدي إلى تفرق الأمة واختلافها تجاه ظاهرة الظلم والطغيان مما يستدعي فقدان الإرادة للموقف الصحيح أو تشتت الإرادات وتتضارب وتختلف فتضعف وتذهب قوتها.

هذا والمصدر لتحقيق الجهل بالحقائق عند الطغاة هو اتهام الطرف الآخر بتهم يأباها العقلاء كالرمي بالسحر والجنون أو الطعن في أهدافه ومقاصده بأن يقال أنه يسعى لتحقيق رغباته وميوله الشخصية.

كما أنه قد يتهم بالخروج عن الطاعة وشق عصا المسلمين والتمرد على الجماعة ووحدتها ومن ثم الفساد والإفساد على الأرض.

وقد يتهم بالظلم والطغيان والعدوان وتجاوز الحقوق الإنسانية والحدود الاجتماعية.

ويعتبر ما ذكرنا من أبرز الأسباب المؤدية للحروب والانهيارات الاجتماعية ولذا يلجأ لمثل ذلك دائماً الظلمة والطغاة بإثارتها في وجوه المصلحين والأنبياء والمرسلين.

فيحصل الاختلاف في صفوف الأمة فتضعف إرادتها وقدرتها على الحركة في مواجهة الطغيان والظلم والفساد فتفقد الأمة إرادتها.

وهذا في زمن نهضة الحسين “ع” يعتبر مرحلة قد تجاوزتها الأمة فلا تأثير له في النهضة، نعم أثير في تلك الفترة حقيقة الحكم الشرعي مقابل هذه الظاهرة وهي حكم يزيد بن معاوية. فهل هو الهروب من المواجهة كما صنع عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير أو المواجهة بالاستجابة للوظيفة الشرعية الأهلية وللرأي العام في الأمة بالتفاعل معه.

وقد كان لهذا الاختلاف تأثيره السلبي على إرادة الأمة وإجماعها عملياً في الموقف فالثلاثة الأخر الذين كانوا مطلوبين بالبيعة الخاصة مع الحسين ليزيد كانت آراؤهم مختلفة بحيث كان لكل واحد موقف خاص يختلف عن الآخر وإن اتفقوا على رفض بيعة يزيد. وكذلك الاختلاف الذي كان في البصرة بين يزيد بن مسعود التميمي الذي استجاب للحسين وبين الأحنف بن قيس الذي صدق الحسين لكنه طلب منه التريث قليلاً والصبر.

إذن لا يخفى ما لقضية الاختلاف من دور مهم في سلب إرادة الأمة وكما أن دور الإعلام المضلل لا ينكر وأهميته لا تكاد تخفى.

3 ـ اليأس والقنوط:

والإحساس بعدم القدرة على الوصول للغايات والأهداف المطلوبة ومن ثمّ عدم جدوى الحركة والتصدي للطغاة.

وهذا ما يحاول الطغاة في الغالب زرعه في نفوس الأمة بالتظاهر بالقوة والمنعة وإدعاء البقاء والاستمرار. وقد يشككون بتظافر جهود الأمة ووحدة موقفها العملي أو التشكيك بنيات الآخرين وعزمهم على التعاون والتناصر أو تشجيع روح الإتكالية والانتظار للآخرين لزعزعة الإرادة الواحدة للأمة.

4 ـ شراء الضمائر والإغراء:

بالأموال والمناصب لاحتواء يقظة الضمير وممارسة الضغط عليها بتحريك نوازع النفس الإنسانية وشهواتها وميولها للتغلب على اتجاهات الفطرة ومقتضياتها.

ومن ثمّ إيجاد عامل مضاد لحياة الضمير يؤدي للقضاء عليه أو تخديره أو تعطيله مما يؤدي إلى فقدان الإرادة والاختيار.

و لا يكاد ينكر متتبع التأريخ وضوح هذا المنهج في صفحة بني أمية فلاحظ ما صنعه يزيد عند استلام الخلافة وكذا ما عمله عبيد الله بن زياد مع عمر بن سعد.

النقطة الثانية: منهجية الحسين “ع” في علاج هذه الأسباب:

إن لنهضة الحسين “ع” تأثيراً بالغاً في حياة ضمير الأمة وامتلاكها لإرادتها لتتحرك بالاتجاه الصحيح فنلاحظ أنه بعد ثورة الحسين “ع” بعام ثارت المدينة المنورة على يزيد وطرد جميع الأمويين منها مع أن المدينة لم يكن لها استعداد لاحتضان ثورة الحسين “ع”.

وبعد ذلك بعام تثور مكة أيضاً على يزيد. وتتوالى بعد ذلك الثورات ،بظهور ثورة التوابين التي تعتبر أثراً مباشراً لثورة الحسين “ع” .

ولذا نحتاج معرفة الوسائل التي استخدمها الحسين “ع” في هذه الحركة الإصلاحية والنهضة المباركة بحيث تمكن من خلالها في إيقاظ ضمير الأمة وجعلها تمتلك إرادتها فنقول:

أما أسباب موت الضمير:

فقد ركز أبو عبد الله “ع” في نهضته على الجانب الأخلاقي وما للالتزامات والعهود والمواثيق من أهمية لابد من مراعاتها.

ومن الشواهد على ذلك أنه لم يستخدم المناورة مقابل بيعة يزيد كما لم يتهرب منها، وفي مكة تحرك إلى العراق بعد أخذ العهود والمواثيق والبيعة بمعنى أن تحركه كان استجابة للمسؤولية المترتبة على نداء الأمة لطلبها إياه عندما عاهدته وبايعته.

ومن ذلك أيضاً صراحته مع أصحابه بعدما تدهورت الأوضاع بنقض الكوفة وأهلها لبيعته ولو استلزم من ذلك تفرقهم جميعاً أو أكثرهم عنه.

وكذا في منهجيته في التعامل مع جيش العدو، حينما سقى جيش الحر بأكمله وعدم بدأه بقتالهم،

وهذا المنهج الأخلاقي نجده في ممثلي هذه النهضة أيضاً فهذا سيدنا مسلم بن عقيل يمتنع عن الفتك بعبيد الله بن زياد واغتياله مع وجود الفرصة لذلك.

والحق أن دراسة أحداث يوم عاشوراء بدءاً بخطبتيه روحي فداه إلى شهادته تعطينا دروساً في القيم والأخلاق العالية.

كما أنه لجأ إلى علاج السبب الثاني من خلال التأكيد على أن الموت أمر حتمي لا فكاك ولا خلاص منه وتأكيده على أن الدنيا ذات وجوه فهي تتقلب وتتغير فلا تبقى على حال ووجه واحد.

ومن خلال إشارته أيضاً إلى أن الله لينتقم من كل منغمس في الدنيا وشهواتها وناقض لعهد الله سبحانه وقد عهد له بذلك أبوه عن جده وهذا سنة من السنن التاريخية.

واستخدم أسلوباً آخر في العلاج من خلال التزهيد في الدنيا فأطلق الشعارات وأعطى المفاهيم التي تشير إلى ذلك فقال: الموت أولى من ركوب العار، وقال أيضاً: لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.

وقد جسد هو وأصحابه ذلك عملياً وواقعياً مع وجود المقدرة عندهم على الوصول إلى نعيم الدنيا الزائل والحصول عليه إلا إنهم تنازلوا عن كل ذلك الجاه عملياً وواقعياً.

وأما علاجه لفقد الأمة إرادتها:

فقد عالج الحسين “ع” السبب الأول بما هو حقيق بعلاجه من خلال الصبر والصمود في مواجهة ذلك من خلال تحطيم جدران الخوف والتوكل على الله واللجوء إليه دون تردد منه أو زعزعة في إرادته، فكلما سقط شهيد من أصحابه وأهل بيته ازداد صبراً وجلادة ،وكلما سمع صراخ الأطفال وأحس بظمأهم ازداد توكلاً على الله ولجوءاً له.

فلاحظ خطبته يوم عاشوراء، أو الكلمات التي أبن بها شهداء الفضيلة، وكذا دعاؤه لما سقط صريعاً، مضافاً للآيات القرآنية التي كان يستشهد بها “ع” من خروجه من المدينة حتّى شهادته.

وعالج التضليل الإعلامي والجهل بأسلوب متميز تعرضنا له مفصلاً في الحديث عن الإعلام في ثورة الإمام الحسين(ع)فراجع.

وعالج السبب الثالث منها إما بإثارة ما يوجد في نفس الإنسان من الفطرة من حب الحرية والكرامة والعزة والإرادة والإباء والوفاء وحب الخير والعدل ورفض الظلم والعدوان.

وثانية من خلال استدرار العواطف والمشاعر الإنسانية العامة في قضايا النساء والأطفال والجوع والعطش والألم والمعاناة.

وثالثة بتذكيرهم بكونه ابن بنت رسول الله “ص” بتحريك عواطفهم ولما في قلوبهم من حب وارتباط للنبي “ص” وهو “ع” تربطه به”ص” علاقة عاطفية وروحية.

كما انتهج في علاجه لهذا السبب أيضاً أسلوب التحذير من الانتقام الإلهي بهم بسبب ظلمهم له وقتلهم إياه، إما لما رأوا منه يوم عاشوراء من كرامات كما في قضية ابن حويزة أو من خلال الأحاديث الواردة عن النبي “ص” وعهده إليه بأن ذلك من سنن التأريخ، مضافاً لأدعيته بنـزول هذا الانتقام.

واستخدم في علاج رابع أسباب فقدان الإرادة أموراً عديدة:

منها: بيان المعنى الحقيقي للنصر وللفتح الذي لا يعني مجرد الغلبة المادية والعسكرية في الميدان أو بلوغ الحكم والسلطة وإنما معناه الحقيقي هو انتصار القيم والمثل وتحقق الأهداف السامية في حياة ووجود الأمة. وقد عبر عنه الحسين “ع” بشكل مختصر فقال: ومن لم يلحق بنا لم يبلغ الفتح.

ومنها: التأكيد على الأجر والثواب والدرجات العالية عند الله سبحانه وما يحصل عليه الشهداء ويلقاه السائرون في طريقهم من جنات عدن ومساكن طيبة ورضوان من الله.

ولما كان مصير الإنسان الحقيقي وحياته الأبدية رهينة ذلك فلا يأس من روح الله.

ومنها: الاستجابة لنداء الموقف الشرعي ونداء الواجب والوقوف إلى جانب الحق والعدل من زاوية الصراع الواسع بين الحق والباطل في التأريخ.

ومنها: تركيزه على أن هذه النهضة ليست متمثلة في الحسين كشخص بل هي حركة أمة فسوف تثور الأمة في وجه الطغاة والظلمة فينتقمون للحسين “ع” من قتلته.

ولذا نجد أن التأريخ يحدثنا عن الثورات التي قامت من بعد الحسين “ع” وما كان لها من آثار إيجابية على الأمة في تغيير واقعها الفكري والروحي والثقافي وقد كان شعار هذه الثورات والحركات هو شعار: الرضا من آل محمد “ص” بمعنى الدعوة للشخصية المرضية والمختارة من قبل الله سبحانه وتعالى ومقبولاً لدى الناس وهو من آل الرسول “ص”.

فإذن لقد نجحت نهضة الحسين “ع” في أن تحقق هدفها الرئيسي والأساسي وهو إيقاظ ضمير الأمة وتحرير إراداتها بما قام به “ع” من أمور علاجية لأسباب موت الضمير وفقدان الإرادة

.

——————————————————————————–

[1] سورة الأعراف الآية رقم 123-124.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة