إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟

لا تعليق
مسائل و ردود
254
1

س:ورد في القرآن الكريم،سارعو إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض،فإذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟…

ج:لقد روى الشيخ الطبرسي(ره)في تفسيره القيم مجمع البيان،أن هذا السؤال وجه للنبي(ص)،فقيل له:إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟فقال(ص):سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل.

هذا ويمكن توضيح الحديث الشريف،من خلال ثلاثة بيانات،نجعلها أجوبة على السؤال:

الجواب الأول:إن الآخرة بنعيمها وجحيمها،وإن كانت مشابهة للدنيا ولذائذها وآلامها،وكذلك الإنسان الحال فيها،وإن كان هو الإنسان الذي في الدنيا بعينه على ما هو مقتضى ظواهر الكتاب والسنة،غير أن النظام الحاكم في الآخرة غير النظام الحاكم في الدنيا،فإنما الاخرة دار أبدية وبقاء،والدنيا دار زوال وفناء،ولذلك كان الإنسان يأكل ويشرب وينكح ويتمتع في الجنة فلا يعرضه ما يعرض هذه الفعال في الدنيا،وكذلك الإنسان يحترق بنار الجحيم،ويقاسي الآلام والمصائب في مأكله ومشربه ومسكنه وقرينه في النار،ولا يطرأ عليه ما يطرأ عليه معها وهو في الدنيا،ويعمر عمر الأبد،ولا يؤثر فيه ذلك كهولة أو شيـباً أو هرماً وهكذا،وليس إلا:أن العوارض والطوارىء المذكورة من لوازم النظام الدنيوي دون مطلق النظام الأعم منه ومن النظام الأخروي،فالدنيا دار التـزاحم والتمانع دون الاخرة.

ومما يدل عليه أن الذي نجده في ظرف مشاهدتنا من الحوادث الواقعة،يغيب عنا إذا شاهدنا غيره ثانياً كحوادث الأمس وحوادث اليوم،والليل والنهار وغير ذلك،وأما الله سبحانه فلا يغيب عنه هذا الذي نشاهده أولاً ويغيب عنا ثانياً،ولا الذي نجده بعده ولا مزاحمة بينهما،فالليل والنهار وكذا الحوادث المقارنة لهما متزاحمات متمانعات بحسب نظام المادة والحركة،وهي بعينها لا تـتزاحم ولا تتمانع بحسب نظام آخر،ويستفاد ذلك من قوله تعالى:- (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً)[1].

وإذا أمكن ذلك في مثل الليل والنهار،وهما متزاحمان جاز في السموات والأرض أن تسع ما يساويهما سعة،وتسع مع ذلك شيئاً آخر يساويه مقداراً كالجنة والنار مثلاً،لكن لا بحسب نظام هذه الدار،بل بحسب نظام الآخرة،ولهذا نظائر في الأخبار،كما ورد:أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار،وما ورد أن المؤمن يوسع له في قبره مد بصره.

الجواب الثاني::

إن العرض الذي يذكره القرآن الكريم،ليس مقابل الطول،بل هو هنا بمعى السعة،وهو معنى كنائي يشير إلى بلوغها في السعة مقداراً عظيماً.

واستعمال القرآن الكريم هذا التعبير إنما هو لأجل أن الإنسان لا يعرف شيئاً أوسع من السموات والأرض ليقيس به سعة الجنة،ولهذا يصور القرآن عظمة الجنة وسعتها وعرضها بأنها كعرض السموات والأرض،فعندها يعود السؤال السابق،ويجاب عنه بالتالي:

إن الجنة والنار تقعان في باطن هذا العالم ولا غرابة في ذلك،فإننا نرى السماء والأرض والكواكب بأعيننا،ولكننا لا نرى العوالم التي توجد في باطن هذا العالم،ولو أننا ملكنا وسيلة أخرى للإدراك والعلم لأدركنا تلك العوالم أيضاً،ولوقفنا على موجودات أخرى لا تخضع أمواجها لرؤية البصر،ولا تدخل ضمن نطاق حواسنا الفعلية.

هذا ويمكن تقريب هذا المعنى من خلال عرض مثال لذلك:

لنفترض أن هناك في مكان ما من الأرض جهازاً قوياً للإرسال الإذاعي يبث في الكون وبمعونة الأقمار الصناعية والأمواج الصوتية تلاوات شيقة لآيات القرآن،بينما يقوم جهاز قوي إذاعي آخر ببث أصوات مزعجة وصاخبة بنفس القوة.

لا شك أننا لا نملك القدرة على إدراك هذين النوعين من البث بحواسنا العادية،ولا نعلم بوجودهما إلا إذا استعنا بجهاز استقبال فإننا حينما ندير المؤشر على الموج المختص بكل واحد من هذين البثين نستطيع فوراً أن نلتقط ما يـبـثه واحدة من تينيك الإذاعتين ونستطيع أن نميز بينهما بجلاء،ودون عناء.

وهذا المثال وإن لم يكن كاملاً من جميع الجهات إلا أنه يصور لنا حقيقة هامة وهي أنه قد توجد الجنة والنار في باطن هذا العالم غير أننا لا نملك إدركهما بحواسنا،بينما يدركها من يملك الحاسة النفاذة المناسبة.

ومن خلال ما ذكرنا يتضح أيضاً أن الجنة والنار كلاهما تقعان في باطن هذا العالم،ولا ينافي وجود إحداهما وجود الأخرى.

الجواب الثالث:إن كوننا هذا يقع ضمن عالم الآخرة والجنة والنار،وهو محيط بهذا الكون،تماماً كما يقع عالم الجنين ضمن عالم الدنيا،إذ كلنا يعلم أن عالم الجنين عالم مستقل له قوانينه وأوضاعه ولكنه مع ذلك غير منفصل عن هذا العالم الذي نحن فيه،بل يقع في ضمنه،وفي محيطه ونطاقه،وهكذا الحال في عالم الدنيا بالنسبة إلى عالم الآخرة.

ومما ذكرنا يتضح الجواب عن السؤال،لأنه من الممكن أن تكون النار محيطة بهذا العالم،وتكون الجنة محيطة بها فتكون النـتيجة أن الجنة أوسع من النار،والله العالم.

——————————————————————————–

[1] سورة الفرقان الآية رقم 46.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة