قال تعالى:- ) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً([1].
مدخل:
أوجبت الشريعة المقدسة على الرجل والمرأة أن يقوم كل منهما بالتستر عن الآخر إلا في موارد استثني منها بعض الأفراد فلا يجب التستر عنهم،كما استثني بعض المواضع التي لا يجب سترها بشروط مذكورة في الفقه.
وعلى هذا يجب على الرجل ستر أشياء عن الآخرين،كما يجب ذلك على المرأة أيضاً.
ما يجب ستره على الرجل:
إن الذي يجب ستره على الرجل يمكننا تقسيمه إلى قسمين:
الأول: ما يجب على الرجل ستره عن الرجال والمحارم من النساء.
الثاني: ما يجب ستره عن الأجنبيات من النساء.
القسم الأول:
فهو عضو الرجل التناسلي والبيضتان وحلقة الدبر،فلا يجب عليه ستر سائر بدنه عن الرجال وكذلك لا يجب عليه ستره أيضاً عن المحارم من النساء.
هذا والمراد من المحارم من النساء هن النساء اللاتي يحرم على الفرد الزواج منهن أبدا،وهن النساء الواردات في الآية المباركة وهي قوله تعالى:- ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخوتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم([2].
القسم الثاني:
وهو ما يجب على الرجال ستره عن النساء الأجنبيات:
وهو كل ما يلزم من كشفه الفتنة ويكون سبباً لإثارة الشهوة،بل كل أمر جرت العادة من الرجال بإخفائه يجب على الرجل ستره كمواضع الصدر وفوق الزندين والفخذين وما شابه ذلك.
ثم إن جواز الكشف للرجال في الأمور الجائزة لا يعني جواز النظر إليهم من قبل النساء،بل يجب على المرأة غض بصرها عن الرجل الأجنبي في غير وجهه وكفيه بما فيه رقبته وذراعه وساقه.
ومن هنا التـزم بعض الفقهاء بعدم جواز مشاهدة النساء لبعض الألعاب الرياضية الرجالية لكونها تتضمن كشف الرجل لبعض المواضع التي لا يجوز للمرأة النظر إليها كالمصارعة وما شابه ذلك من الألعاب.
ما يجب ستره على المرأة:
والواجب عليها ستر جميع البدن،نعم استثنى بعض الفقهاء الوجه والكفين بشروط مذكورة في كتب الفقه.
هذا كله بالنسبة إلى الرجل الأجنبي،وأما الرجل المحرم مما نصت على ذكرهم الآية المباركة وهي قوله تعالى:- )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو أباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ([3].
فيجوز له النظر إلى بعض المواضع لا مطلقاً كما هو مفصل في الكتب الفقهية.
الحجاب عفاف:
ثم إن المهم شرعاً للمرأة في حجابها هو ستر ما يجب ستره من جسمها،فلا علاقة لشكل الثياب الساترة حيث أنها غير مأخوذة بنظر الاعتبار على الإطلاق،نعم يشترط في اللباس الذي ستلبسه المرأة وتستر به جسدها أن لا يكون مثيراً للفتنة وإلا كان محرماً.
معنى الجلباب ومعنى دنوه:
بعد ما قدمنا ذكره مما يجب على الرجل والمرأة من الستر وأن الواجب على المرأة ستر بدنها كله دون علاقة لكيفية اللباس، نتعرض لمعنى الجلباب الذي ذكرته الآية المباركة فنقول:
اختلفت كلمات أهل التفسير واللغة في معنى كلمة (الجلباب) و لنشر لبعض منها:
قال الراغب في المفردات: الجلابيب: القمص والخمر.
وفي القاموس: والجلباب كسرداب وسنمار: القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة،أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة أو الخمار.
وفي لسان العرب: الجلباب ثوب واسع من الخمار دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها.
وقد ذكر الشيخ الطبرسي في المجمع عند تحديده المدلول اللغوي أن الجلباب خمار المرأة الذي يغطي رأسها ووجهها إذا خرجت لحاجة [4].
وذكر في تفسيره للآية المباركة: أي قل لهؤلاء فليسترن موضع الجيب بالجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة [5].
والظاهر من مجموع هذه الكلمات هو أن الجلباب كل ثوب واسع،لكنه يطلق غالباً على الخمار الذي هو أكبر من المقنعة وأصغر من الرداء.
وبناءاً على ما ذكرنا يتضح وجود لونين من الخمار كانت تستخدمه النساء:
1-الخمار والمقنعة وهو ربطة صغيرة تستعمل داخل المنـزل غالباً.
2-خمر واسعة تستعمل خارج المنـزل.
ويؤيد هذا المعنى بل يؤكده ما رواه الحلبي عن الإمام الصادق علية السلام أنه قرأ)أن يضعن ثيابهن(قال: الخمار والجلباب،قلت: بين يدي من كان؟فقال: بين يدي من كان غير متبرجة بزينة،فإن لم تفعل فهو خير لها [6].
ومثلها أيضاً قوله عليه السلام : الخمار والجلباب إذا كانت المرأة مسنة [7].
حيث أنه عليه السلام نص على وجود لونين من الخمر، أحدهما هو الخمار والآخر هو الجلباب،وهذا يؤكد وجود المغايرة بينهما فيثبت ما ذكرناه من التعدد.
والحاصل: إن النتيجة التي نصل إليها هي: أن المقصود من(دنوا الجلباب) هو التستر به،يعني عندما تريد المرأة الخروج من المنـزل عليها أن تلبس خمارها الواسع الذي يستر جميع بدنها.
الحجاب عبادة لا عادة:
وهنا نتساءل عن كيفية لبس المرأة للعباءة التي تضعها على رأسها حتى يتضح عندنا امتثال تطبيق الأمر الذي ورد في الآية المباركة حينما أمرت بدنو الجلباب فنقول:
إن استخدام المرأة لذلك على نوعين:
الأول: المرأة التي يكون لبسها للعباءة متضمناً لصفة تشريفية فقط،كما نلاحظ ذلك اليوم في نساء بعض المجتمعات،حيث أن العباءة عندهن مجرد اسم وعادة،فهي لا تغطي بعباءتها أي جزء من بدنها،بل تتركها مفتوحة يتصفحها من شاء.
وهناك نوع آخر يقارب هذا النوع وإن كن صاحباته التـزمنا جانب التغطية، لكنها تغطية لا تخلو عن نوع فتنة وإثارة فضلاً عن عدم تمامية اللباس في نفسه شرعاً في الجملة.
الثاني: وهو بعكس النوع الأول،حيث تلتـزم فيه المرأة جانب الصلاح والتقوى،فتـراعي فيه ما أمر به الإسلام،وهذا مؤشر على عفاف المرأة وتسترها،فهي تدفع أنظار الرجال عنها عملياً،وييأس المنحرفون منها.
ثم إن الذي نستخلصه من الآية المباركة أنها في مقام رسم منهج رفيع وهو:
ينبغي للمرأة المسلمة أن تتحرك بين الناس،وبالشكل الذي تعكس من خلاله العفاف والوقار والطهارة،كل ذلك لكون الحجاب عبادة تمارس طقوسها كما تمارس طقوسها العبادية الأخرى من صلاة وصيام وحج وخمس وزكاة.
العفاف:
وبكلمة يمكننا القول بأننا لا نطالب بناتنا وأخواتنا بالحجاب فقط،بل ندعوهن إلى العفاف،وفرق بينهما ،حيث أن الحجاب عبارة عن زي خاص متعارف لبسه في الوسط الاجتماعي على طبق الموازين الشرعية المقررة.
أما العفاف فهو خصلة ورؤية ومسيرة،فالحجاب غطاء خارجي،بينما العفة والعفاف غطاء خارجي وغطاء باطني.
وقد يكون الحجاب ناجماً عن رياء أو عدم اعتقاد أو عادة أو اضطرار لظروف المجتمع المحيطة،أما العفة والعفاف فهو خصلة وقيمة اختيارية،ولذا نحن نصر على أن ما ينبغي على أخواتنا الصالحات وبناتنا المؤمنات هو فهم أن الحجاب عبادة لا عادة،لأنه من مفردات وجزئيات العفاف إذا كان بهذه الكيفية.
أشكال العفة:
هذا وتوجد عدة أشكال للعفة:
1-العفة في النظر.
2-العفة في الكلام.
3-العفة في الشهوة.
وغير ذلك من الأشكال،وقد نجد امرأة ترتدي حجاباً مناسباً،إلا أنها تفتقد إلى العفة في النظر أو أنها تفتقد إلى العفة في الكلام أو القضايا الجنسية،فهذا حجاب العادة لفقدها للعفة.
ولذا يجب الاهتمام بموضوع العفة العامة رغبة في بناء مجتمع سليم ترتدي نسائه الحجاب بوعي وعبادة.
مراتب العفاف:
للعفاف مراتب نشير إلى بعض منها:
الأولى: العفاف في الميل الجنسي:
وهي تعني عدم لجوء الإنسان إلى فعل من الأعمال المحرمة التي تنافي العفة من أجل إطفاء شهوته،بل عليه توجيه هذا الميل في الاتجاه الصحيح.
الثانية: العفة في أعضاء البدن:
بمعنى أن الإنسان مضافاً إلى سيطرته على الشهوة يقوم بمنع أعضاء بدنه عن ارتكاب الذنب،فيبعد العين عن النظر الحرام،ويبعد الأذن عن سماع الغيبة والكلام غير الجائز،ويمنع اللسان عن الكلام الباطل وغيبة الآخرين وهكذا.
الثالثة: العفة في الفكر:
ويراد منها عدم تفكير الإنسان في ارتكاب الذنب،بعد تمكنه من السيطرة على أعضاء البدن.
وبهذا يصل الإنسان إلى مرحلة تساوى فيها ظاهره وباطنه،ويصبح حينئذٍ وجوده تجسيداً للعفاف لكونه لا يفكر في ارتكاب المعاصي والذنوب فضلاً عن ارتكابها وإيجادها في الخارج.
مواصفات المرأة العفيفة:
هناك مجموعة من الصفات تمتلكها المرأة العفيفة نشير لبعض منها:
1-الوقار،لكون المرأة العفيفة تجتنب كل سلوك فيه خفة ويكون غير مناسب ويثير التفات الآخرين.
2-الزي المناسب،بارتداء الملابس المحتشمة وتجنب الملابس المبتذلة والمثيرة لالتفات الآخرين.
3-ترك كثرة التنقل والتردد على الأماكن المزدحمة بالرجال لأن ذلك مدعاة إلى حصول الاختلاط.
4-تجنب إظهار الزينة،إلا لمن نص القرآن الكريم على جواز إظهارها له.
عوامل حصول العفاف:
هناك طريقان يمكن من خلالهما الوصول لمرتبة العفاف:
1-الطريق الوقائي.
2-الطريق العلاجي.
وسوف نقتصر على بعض العوامل من الطريق الأول بنحو الإيجاز والاختصار:
الإيمان:
حيث يعتبر ارتباط الإنسان بالله وإيمانه به وأن هناك جنة وناراً بعد الموت من أقوى الطرق الوقائية في ابتعاد الإنسان عن الذنوب والمعاصي وبالتالي ترك التفكير فيها،لأنه كلما ازدادت قوته ازداد مقاومة للشهوات.
الوعي:
بأن يكون الفرد مطلعاً على فوائد العفاف وأضرار فقده،قال إمامنا الصادقu: حصنوا أموالكم وفروجكم بتلاوة سورة النور وحصنوا بها نساءكم،من أدمن تلاوتها في كل ليلة أو في كل يوم لم يزن أحد من أهل بيته أبداً حتى يموت[8].
الضمير الأخلاقي:
وهو النفس اللوامة المودعة عند كل إنسان، ووظيفته التأنيب عند تفكير الفرد في فعل المعصية والإقدام على انتهاك العفة.
الحياء:
من فعل الأعمال القبيحة،وهذا الشعور متى ما وجد عند الفرد كان حاجزاً له عن الوقوع في المعصية وفعل الأعمال القبيحة المنتهكة للعفة.
قال أمير المؤمنين u: سبب العفة الحياء[9].وقالu أيضاً: الحياء ثمرة العفة[10].وقالu كذلك: أعفكم أحياكم[11].
معنى الحياء:
عرف شيخنا المجلسي الحياء بأنه: ملكة توجب الامتناع عن الأعمال القبيحة [12].
فهو على هذا التعريف أحد العوامل الوقائية في طريق تحصيل العفاف.
الرقابة العائلية:
وهذا أحد أبرز العوامل الوقائية في المقام،وقد ورد الحث الإلهي على ذلك قال تعالى:- )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة([13].
وقد ورد في الحديث أن بعض الصحابة سأل رسول الله بعد نزول قوله تعالى:- ) قوا أنفسكم وأهليكم ( قال: كيف أقي أهلي ونفسي من نار جهنم؟
فأجابه : تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهاهم الله،فإن أطاعوك كنت وقيتهم وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك [14].
وللأسف أن نشاهد اليوم انحصار اهتمام كثير من الأباء في الرقي العلمي بأولادهم والحصول على مراحل علمية عليا ويهملون الجانب المعنوي لأولادهم وتهيئتهم كرجال صالحين لأنفسهم ومجتمعهم .
——————————————————————————–
[1] سورة الأحزاب الآية رقم 59.
[2] سورة النساء الآية رقم 22.
[3] سورة النور الآية رقم 31.
[4] مجمع البيان ج ص
[5] المصدر السابق.
[6] الفروع من الكافي ج 5 ص 522.
[7] المصدر السابق.
[8] نور الثقلين ج 3 ص 583.
[9] غرر الحكم ح 5527.
[10] المصدر السابق ح 4612.
[11] المصدر السابق ح 2837.
[12] مرآة العقول ج 8 ص 187.
[13] سورة التحريم الآية رقم 6.
[14] نور الثقلين ج 5 ص 372.