وقد أورد عليه بعض الأعاظم(قده) بالضعف السندي، لجهالة طريق الشيخ(ره) إلى عبد الله بن سنان فيما يرويه في المصباح، فتكون في حكم المرسل[1].
وقد أو ضح دعواه في ضعف الطريق، بالتالي: لقد التـزم شيخ الطائفة في التهذيـبـين أن يروي عن كل من له أصل أو كتاب فيذكر أسماء أرباب الكتب أول السند، مثل محمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن الحسن الصفار، وعبد الله بن سنان، ونحو ذلك، ثم يذكر في المشيخة طريقه إلى أرباب تلك الكتب، لتخرج الروايات بذلك عن المراسيل إلى المسانيد، وقد ذكر طريقه في كتابيه إلى عبد الله بن سنان، وهو طريق صحيح، وذكر(قده) في الفهرست طريقه إلى أرباب الكتب والمجاميع، سواء روى عنهم في التهذيبـين أم في غيرهما، منهم عبد الله بن سنان، وطريقه فيه صحيح أيضاً، وأما طريقه إلى نفس هذا الرجل لا إلى كتابه فغير معلوم، إذ لم يذكر لا في المشيخة ولا في الفهرست ولا في غيرهما، لأنهما معدان لبيان الطرق إلى نفس الكتب لا إلى أربابها، ولو في غير تلكم الكتب، ولما كانت هذه الرواية منقولة من كتاب المصباح، ولم يلتـزم الشيخ هنا بأن كل ما يرويه عمن له أصل أو كتاب فهو يرويه عن كتابه كما التـزم في التهذيـبين حسبما عرفت، وعليه فمن الجائز أن يروي هذه الرواية عن غير كتاب عبد الله بن سنان الذي له إليه طريق آخر لا محالة، وهو غير معلوم كما عرفت، فإن هذا الاحتمال يتطرق بطبيعة الحال ولا مدفع له، وهو بمجرده كافٍ في عدم الجزم بصحة السند، بل إن هذا الاحتمال قريب جداً، بل هو المظنون، بل المطمأن به، إذ لو كانت مذكورة في كتاب عبد الله بن سنان فلماذا أهملها في التهذيب والاستبصار مع عنوانه(قده) فيهما: صوم يوم عاشوراء، ونقله سائر الروايات الواردة في الباب، وبنائه(قده) على نقل ما في ذلك الكتاب وغيره من الكتب، فيكشف هذا عن روايته هذه عن غير كتابه كما ذكرناه، وحيث إن طريقه إليه غير معلوم، فالرواية في حكم المرسل، فهي أيضاً ضعيفة السند[2].
وقد تضمن ما حكيناه عنه(قده) أموراً، لكننا نقتصر على ما يرتبط بمحل البحث، وحاصل ما أفاد: إن ما رواه عبد الله بن سنان مرسل، لعدم وجود طريق للشيخ إليه، وذلك لأن طريق الشيخ المذكور في المشيخة مختص بما نقله عنه المروي عنه من كتابه، ولم يحرز أن ما جاء في المصباح منقول من كتاب عبد الله بن سنان. والقرينة على أن طرق المشيخة مختصة بما نقل من كتاب الشخص هو ما ألتـزم به الشيخ(ره) نفسه، من أنه لا يروي إلا عمن كان له كتاب أو أصل.
وبالجملة، ابتداء الشيخ(ره) باسم الشخص يعني أنه ينقل عنه من كتابه، ولذا تكون الطرق الموجودة في المشيخة مختصة بالكتاب. ولا مجال للاستفادة من الفهرست، فإن الشيخ(ره)، وإن كان له طريق إلى عبد الله بن سنان، إلا أنه أيضاً لكتابه.
هذا وربما منعت الكبرى المذكورة في كلام بعض الأعاظم(قده) من أن جميع من كان للشيخ(ره) لهم طريق في المشيخة، فهو يروي الأحاديث المبدوءة بأسمائهم في التهذيـبين من كتبهم مباشرة، بكلام ذكره بعض أساطين المحققين(دامت أيام بركاته)، فإنه منع من الكبرى المذكورة، وذكر أن هذا غير صحيح، بل التحقيق أن رجال المشيخة على ثلاثة أقسام:
الأول: من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة، وهم أكثر رجال المشيخة كمحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن الحسن الوليد، وعلي بن الحسن بن فضال وغيرهم.
الثاني: من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة، وهو بعض مشايخ الكليني، ومشايخ مشايخه، كالحسين بن محمد الأشعري، وسهل بن زياد، فهؤلاء إنما ينقل الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي.
الثالث: من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة، وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة، وهم جماعة منهم خمسة ذكرهم الشيخ تارة مستقلاً بصيغة: وما ذكرته عن فلان، وأخرى تبعاً في ذيل ذكر أسانيده إلى آخرين بصيغة: ومن جملة ما ذكرته عن فلان، وهؤلاء هم الحسن بن محبوب، والحسين بن سعيد، وأحمد بن محمد بن عيسى، والفضل بن شاذان، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، فإن هؤلاء وإن نقل الشيخ من كتبهم بلا واسطة، ولكن نقل عنهم أيضاً بتوسط غيرهم ممن ذكرهم بعد إيراد أسانيده إليهم، فالبرقي مثلاً قد ذكره الشيخ مرتين، تارة بعد ذكر أسانيده إلى الكليني بقوله: ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد بن خالد، وذكره مرة أخرى مستقلاً بقوله: وأما ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي فقد أخبرني، فهذا يقتضي أنه(قده) قد اعتمد في نقل روايات البرقي على كتابه تارة، وإليه ينتهي سنده الأخير، وعلى الكافي تارة أخرى، وإليه ينتهي سنده الأول.
وعلى هذا فلا يمكن لنا بمجرد ابتداء الشيخ باسم البرقي واضرابه استكشاف أن الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة[3].
والمتحصل من كلامه(دامت أيام بركاته)، أنه لا مجال لتأسيس قاعدة كلية تكون بمثابة الكبرى، وإنما تصح في الجملة لا بالجملة.
ومع التسليم بتمامية ما أفاده، إلا أنه لا يصلح لمنع دعوى بعض الأعاظم(قده) ضرورة أن القسمين الثاني والثالث مما ذكرهما لا يرتبطان بمحل بحثنا، وبالتالي يكون عبد الله بن سنان في القسم الأول، ولا أظنه يخالف في ذلك.
وأجاب شيخنا الأستاذ(حفظه الله) عن إيراد بعض الأعاظم(قده) السندي على رواية عبد الله بن سنان، فيما حكي عنه في تقريرات درسه الشريف بأمور:
أولاً: إن من المحتمل أن يكون مصدر هذا الحديث هو كتاب الحلال والحرام الذي ذكره النجاشي في عداد كتب عبد الله بن سنان، ولم يشر له شيخ الطائفة في الفهرست، ولأكثر العظماء، طريق لهذا الكتاب.
ثانياً: إن ملاحظة تعبير شيخ الطائفة(ره) عن مروية عبد الله بن سنان دليل على صدوره عن المعصوم(ع) عنده، إذ أنه عبر فيها: بـ(رَروى)، ولم يعبر بـ(رُوي)، والفرق بينهما بيّن، إذ أن التعبير بروى يتضمن إسناداً للمعصوم(ع)، ولو لم يكن الخبر قابلاً للاعتماد، لم يسنده(ره) للمعصوم(ع).
ثالثاً: إن قوة المتن خير شاهد ودليل على صدورها عن المعصوم(ع).
ويلاحظ عليه فيما ذكره، أما الأول، فجوابه، إن ما ذكر يتوافق مع ما ذكره بعض الأعاظم(ره)، وليس هو إشكالاً عليه، إذ أن بعض الأعاظم(ره) يقرر عدم ثبوت طريق لهذه الرواية لا من خلال مشيخة التهذيـبين، ولا من خلال ما جاء الفهرست، وهذا ما ألتـزم به الأستاذ(دام ظله)،لأنه عمد لذكر طريق وهو الطريق لكتاب الحلال والحرام، وأين هذا من دعوى بعض الأعاظم!
وأما الثاني، فإن التعبير المذكور أقصى ما يفيده إحراز الرواية من عبد الله بن سنان عن الإمام(ع)، فيكون جازماً بأن الراوي روى عنه(ع) مباشرة، أما أن ذلك يكشف عن ثبوت طريق معتبر فهو في غير محله، وإلا لزم ألا يكون عندنا خبر مرسل، لأنه سيتضمن جزماً بنقل الراوي المباشر عن المعصوم(ع)، مع وجود إرسال في بعض الطريق، وكذا الكلام في الأسناد الضعيف، ولعمري أنه(حفظه الله) لا يلتـزم بذلك.
وأما الثالث، فهو أقصى ما يفيد على فرض صدق المقام صغرى له، على الوثوق بالصدور، وأين هذا مما نحن فيه، إذ أن البحث في صحة السند واعتباره، لا في إحراز صدوره بأي نحو كان، فتدبر.
ثم إنه(دامت أيام بركاته) عمد إلى ذكر طريق آخر يمكن من خلاله البناء على صحة سند مروية عبد الله بن سنان، وهو ما رواه المشهدي في مزاره عن: عماد الدين الطبري، وهو ثقة بلا إشكال، عن أبي علي حسن، وهو ولد الشيخ الطوسي، عن والده أبي جعفر الطوسي، عن المفيد، عن ابن قولويه والصدوق، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(ع)..[4].
وعليه، لو بني على ضعف طريق الشيخ(ره) لمروية عبد الله بن سنان في المصباح، كفانا الطريق الذي ذكرنا، للبناء على حجيتها واعتبارها.
هذا ولو نوقش في الاعتماد على كتاب المزار للمشهدي، دفع ذلك بما قرره(حفظه الله) من أنه لا وجه لذلك، لاعتماد السيد عبد الكريم بن طاووس وولده عليه.
كما تمسك(مد ظله العالي) باستناد من لا يعمل بأخبار الآحاد، كابن زهرة وابن إدريس، فيكون ذلك قرينة واضحة على اعتبارها قطعاً.
ولا يخفى أن هذا أجنبي عن المقام، ضرورة أن الحديث ليس في إحراز الصدور بأي نحو كان، وإنما هو في الدراسة السندية لنصوص المنع، فلا تغفل.
والمتحصل مما تقدم تمامية دلالة النصوص المذكورة على المدعى، من المنع عن حرمة صوم يوم عاشوراء، إلا أن الكلام في أسناد أكثرها لأنها كما عرفت ضعيفة، ولم يسلم من ذلك إلا خصوص صحيح محمد بن مسلم، ومروية عبد الله بن سنان، وفقاً للطريق الذي ذكره شيخنا الأستاذ(دامت أيام بركاته)، فلاحظ.
ثم إنه ربما منع دلالة هذه النصوص على المنع، وأدعي أن أقصى ما تفيده هو الدلالة على الكراهة تمسكاً بوحدة السياق، إذ أن نصوص المنع قد تضمنت الحديث عن صوم يوم عرفة والنهي عنه.
ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن التفكيك في الحجية من القرائن العقلائية المعول عليها في مقام العمل والاستظهار، فلاحظ.
[1] مستند العروة ج 1 ص 306.
[2] مستند العروة ج 1 ص 306.
[3] قاعدة لا ضرر الحاشية في ص 14.
[4] المزار للمشهدي ص 685، بحار الأنوار ج 101 ص 313، مستدرك الوسائل ب 16 ح 9.