المشهور بين أصحابنا كما صرح به الفقيه البحراني “ره” ،هو البناء على كون تعمد القيء من المفطرات، بل عن الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في المنتهى الإجماع عليه . وقال المرتضى بعدم مفطريته ومثله قال ابن إدريس .
ولنشر لبعض الكلمات:
قال ابن الجنيد على ما حكى عنه في المختلف:إنه يوجب القضاء خاصة إذا تعمد،فإن ذرعه،لم يكن عليه شيء،إلا أن يكون القيء من محرم،فيكون فيه إذا ذرع القضاء،وإذا استكره القضاء والكفارة .
أقول:ذكر(ره)أن القيء يوجب القضاء خاصة،نعم إذا كان القيء ناجماً من محرم فعليه مضافاً إلى ذلك الكفارة.
ثم إن الذي ذكره من القضاء في الذرع خلاف ما عليه الأصحاب.بل هو نادر،مخالف للنصوص الواردة في البين،ودليله غير واضح.
وقال الشيخ المفيد في المقنعة:وتعمد القيء يفطّر الصائم،وإن ذرعه لم يكن عليه شيء،وإذا تجشأ فخرج على لسانه طعام فليلفظه ولا يبلعه .
ونقل السيد المرتضى عن بعض علمائنا:أنه يوجب القضاء والكفارة،وعن بعضهم أنه يوجب القضاء،وعن بعضهم:أنه ينقض الصوم ولا يـبطله،قال:وهو الأشبه .
قال الشيخ في الخلاف:إذا تقيأ متعمداً وجب عليه القضاء بلا كفارة،فإن ذرعه القيء فلا قضاء عليه أيضاً،وهو المروي عن علي(ع)،وعبد الله بن عمر،وبه قال أبو حنيفة،والشافعي،ومالك،والثوري،وأحمد،وإسحاق.
وقال ابن مسعود وابن عباس:لا يفطره على حال وإن تعمد،وقال عطاء وأبو ثور:إن تعمد القيء أفطر وعليه القضاء والكفارة،وإن ذرعه لم يفطر وأجرياه مجرى الأكل عامداً.
دليلنا:إجماع الطائفة والأخبار التي رويناها في الكتاب الكبير،وطريقة الإحتياط تقتضيه أيضاً،فإنه إذا قضى برئت ذمته بيقين،فأما إيجاب الكفارة فلا دليل عليه والأصل براءة الذمة.
وروى أبو هريرة قال:قال رسول الله(ص):من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء،وإن استقيأ فليقض .
أقول:ذكرنا غير مرة أن الإجماع المدعى من الشيخ(ره)في الخلاف محل تأمل بل منع،ومن الشواهد على مدعانا المقام،حيث أنه ذكر أن القول بالمفطرية مما يقتضيه الإحتياط فكيف يمكن أن يعول على الإجماع.
نعم بناء على القول بأن حجية الإجماع من باب حساب الإحتمال،كما هو قول بعض الأكابر من علمائنا(ره)لكان للقول بحجيته هنا وجه.
وقال الشيخ في المبسوط في ما يوجب القضاء دون الكفارة:وتعمد القيء فأما إذا ذرعه القيء فلا يفطر لكن لا يـبلع منه شيئاً بحال فإن بلعه عامداً فقد أفطر .
وقال ابن إدريس قي السرائر:ولا يجوز له أن يتقيأ متعمداً،فإن فعل ذلك كان مخطئاً،ولا يجب عليه القضاء على الصحيح من المذهب،وهو قول السيد المرتضى وغيره من أصحابنا،وإن كان قد ذهب قوم منهم من جملتهم شيخنا أبو جعفر الطوسي(ره)،وإنما اخترنا ما ذكرناه لأن الإجماع غير حاصل في المسألة،فما بقي معنا إلا دليل الأصل وهو براءة الذمة .
أقول:بناء على مسلكه(ره)في عدم قبول خبر الواحد،رجع إلى الأصل العملي،لعدم وجود إجماع معتبر في المسألة،كما أن النصوص الموجودة كلها أخبار آحاد لا يرى حجيتها.
وقال المحقق الحلي في الشرائع في ما يوجب القضاء خاصة دون الكفارة:…وتعمد القيء،ولو ذرعه لم يفطر .
وهذا هو الذي اختاره سيد المدارك(ره)ودلل على وجوب القضاء بصحيحة الحلبي التي سيأتي ذكرها،ونفى الكفارة بمقتضى الأصل .
وفي المختلف بعدما أشار إلى الأقوال في المسألة قال:والمعتمد الأول ،أي القول بالمفطرية وكونه يوجب القضاء خاصة دون الكفارة.
وقال في الدروس فيما يوجب القضاء خاصة دون الكفارة:…وبتعمد القيء،ولو ذرعه فلا .
استدل للمشهور: بصحيح الحلبي عن أبي عبدالله “ع” قال: إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه .
وصحيحه الآخر عن أبي عبدالله “ع” قال: إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه .
وموثقة سماعة قال: سألته عن القيء في رمضان؟ فقال: إن كان شيء يـبدره فلا بأس وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء …
وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله عن أبيه “ع” أنه قال: من تقيأ متعمداً وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة فإن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له. وقال:
من تقياً وهو صائم فقد أفطر .
أقول: في سندها مسعدة ولتوثيقه مجال غير ماذكره بعض الأعاظم “ره” حيث من الممكن إتحاده مع مسعدة بن زياد،كما ذكرنا ذلك مفصلاً في كتابنا الإجتهاد والتقليد.ولا يخفى دلالة هذه النصوص على المانعية.
وقد استدل للقول الآخر بالأصل الذي يرجع له بعد فقد الدليل وقد يقال أنه موجود في المقام.
وبما دل على حصر المفطرات وقد قيل بأنه مطلق قابل للتقييد وعرفت منا سابقاً منعه.
وبصحيح عبدالله بن ميمون عن أبي عبدالله عن أبيه “ع”: ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والإحتلام والحجامة . ودلالتها على عدم المانعية واضحة.
وبصحيح عبدالله بن سنان قال: سئل أبو عبدالله “ع” عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام يفطره ذلك؟ قال: لا، قلت: فإن إزدرده بعد أن صار على لسانه، قال: لا يفطره ذلك .
وقد أجاب بعض الأساطين “ره” وتبعه بعض الأعاظم “قده” عن معارضة صحيح ابن ميمون للنصوص السابقة بأنه لما كان مطلقاً من جهة الإختيار وعدمه يقيد بالنصوص السابقة المفصلة بينهما فيحمل على صورة عدم الإختيار.
وأضاف بعض الأعاظم “قده” قرينة على هذا الجمع بورود الإحتلام الذي هو أمر غير إختياري كما لا يخفى .
وهو كما ترى وأما القرينة المفادة فصدورها من بعض الأعاظم “ره” عجيب جداً إذ أن التفكيك في الحجية الذي تمسك به غير مرة غير عزيز.
فالإنصاف هو استقرار المعارضة ومقتضى العموم الكتابي هو البناء على ترجيح صحيح عبدالله بن ميمون على النصوص الأخرى.
وعلى فرض عدم المرجح والتساقط فالمرجع هو الأصل الدال على عدم المانعية والله العالم.
مفطرية القيء
0