[size=6][/size]
هذا وفي مقابل هذه النصوص هناك ما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي(ع)، قال: لا توطأ الجارية لأقل من عشر سنين، فإن فعل فعيبت فقد ضمن[1].
[font=arial]ولا يخفى معارضتها لما تقدم من النصوص، حيث أن مفادها أن جواز الوطئ يتوقف على [/font]بلوغ الجارية عشر سنين، فما لم تصل إلى ذلك السن، فلا يجوز وطئها، بينما النصوص السابقة مفادها أن جواز وطئها يتوقف على بلوغها تسع سنين، فمتى تحقق ذلك فيها، جاز حينئذٍ وطئها، فتقع المعارضة بين ما تقدم من النصوص، وبين هذا النص.
وليس في سند الحديث من يتأمل فيه، مما يعني دخوله دائرة الحجية الموجبة لتحقق المعارضة، من هنا صار الأعلام(رض) في ذكر ما يمكن أن يعالج هذه المعارضة المتصورة بين النص المذكور والنصوص السابقة، فذكرت لذلك وجوه، يمكن تصنيفها إلى قسمين:
الأول: السعي لإيجاد جمع عرفي بين النصوص، وجعل المعارضة بينهما غير مستقرة، فمن تلك الوجوه:
ما جاء في الوسائل، من حمل معتبر غياث على الاستحباب، بمعنى أنه وإن كان من الجائز الدخول بالجارية بعد بلوغها تسع سنين، لكن المستحب تأخير الدخول بها حتى تبلغ عشر سنين، إما بإكمالها العاشرة والدخول في الحادية عشر، وإما بإكمالها تسع سنين ودخولها في العاشرة[2].
وهذا المعنى أيضاً قد تبناه بعض الأعاظم(قده) كما جاء ذلك في تقرير بحثه، حيث ذكر(قده) أنه يحمل معتبر غياث على دخول الفتاة على إكمال الفتاة التاسعة ودخولها في العاشرة[3].
ومن الواضح أن هذا التوجيه مبني على ما فهمه المشهور من النصوص الواردة في بلوغ الأنثى من أن المراد من البلوغ الوارد فيها عبارة عن اكمالها لتسع سنين هلالية، ودخولها في السنة العاشرة.
كما أنه(ره) تبنى المحتمل الأول في كلام صاحب الوسائل، فذكر أن من الممكن أن يحمل ما ورد في النص المذكور من بلوغها العشر على الأفضلية[4].
ولا يخفى الفرق بين المحتملين الواردين في كلام صاحب الوسائل ومن تبعه، توضيح ذلك:
أنه بناءاً على حمل العشر على الأفضلية، لن يكون المراد منها أول دخولها في السنة العاشرة بعد إكمالها التسع، بل الأعم، بل القدر المتيقن من ذلك، إكمالها عشر سنين. بينما على وفق المحتمل الثاني، سوف يكون المراد من معتبر غياث عبارة عن إكمالها تسع سنين ودخولها في العاشرة، بمعنى أول دخولها في السنة العاشرة كما لا يخفى.
ومنها: أن يحمل معتبر غياث على الكراهة، بمعنى أنه وإن جاز الدخول بالجارية حين بلوغها تسع سنين، لكنه يكره ذلك، لكن لو دخل بها عند بلوغها عشر سنين فلا كراهة في ذلك[5].
وبعبارة أخرى، إن الدخول بالجارية في السن المذكور في كلمات المشهور، جائز على كراهية، لكنه لا كراهية في الدخول بها عند بلوغها تسع سنين.
ثم إن النكتة الداعية لحمله على الكراهة، تكمن في أن مقتضى النصوص المتقدم توجب التصرف في ظهور هذا الحديث فتكون بمثابة القرينة الموجبة لرفع اليد عن ظهوره فيما هو مفاد اللفظ.
والإنصاف أن كلا الجمعين لا يمكن القبول بهما، ذلك لكونهما جمعين تبرعيـين لا يوجد ما يشهد لهما، فلا مجال للقبول بهما.
الثاني: إسقاط معتبر غياث عن الحجية، وذلك من خلا كونه خبراً مهجوراً من قبل الأصحاب لم يعمل به أحد منهم، ومن المعلوم أن ما أغرض عنه الأصحاب ساقط عن الحجية، فلا وجه للمعارضة[6].
أقول: يـبتني هذا الوجه على نقطتين:
الأولى: أن الخبر ما لم يدخل دائرة الحجية لا يصلح لمعارضة ما يكون حجة.
الثانية: إن إعراض المشهور عن خبر وهجرانهم إياه كاشف عن عدم حجيته، ولا أقل يكشف عن وجود خلل فيه، يدعو إلى رفع اليد عنه، وعدم العمل على وفقه، والخبر محل البحث مما أعرض عنه الشهور، فيسقط عن الحجية والاعتبار، وبالتالي لن يكون داخلاً دائرة الحجية، وعليه لن يصلح لمعارضة ما هو الحجة.
ولا يخفى أنه لا نقاش عندنا في كلتا النقطتين كبروياً، إلا الكلام في الصغرى، حيث أننا نسلم بأن معتبر غياث مما لم يعمل به أحد من الأصحاب، لكننا نشير إلى أن عدم عملهم به ليس مبنياً على أساس وجود خلل فيه، بل لوجود المعارض الأقوى مثلاً، دعاهم ذلك إلى رفع اليد عن معتبر غياث، وبالتالي لا يكون هذا الإعراض من الإعراض الكاسر للحجية، ولا الكاشف عن وجود خلل في النص المذكور، لكونه من الإعراض الصناعي الذي لا يوجب عدم الحجية أو الخلل فيها.
نعم لا يـبعد البناء على ما ورد في كلام صاحب الوسائل من حمل معتبر غياث على إكمالها التاسعة، ودخولها في العاشرة، وعليه لن تكون مخالفة لما تقدم من النصوص، بل سوف تكون موافقة لها، فتأمل. وبالجملة، فالمسألة على هذا واضحة، لا إشكال فيها.
الفرع الثاني: جواز الاستمتاع بها في غير الوطء:
أتضح مما تقدم شرطية الدخول بالصغيرة ببلوغها تسعاً، فلا يجوز ذلك ما تبلغ السن المذكور، لكن هل يجوز للزوج أن يمارس معها بقية الاستمتاع دون الوطء، فيعمد إلى التفخيذ معها، أو الضم، أو التقبيل مثلاً، أو النظر إليها بشهوة، أو اللمس، أولا يجوز له ذلك؟…
لا ريب أن مقتضى الأصل هو التأمين، والبناء على الجواز، لما عرفت في الفرع السابق من أصالة البراءة والتأمين قاضية بالجواز عند الشك في المانعية، ولا يوجد لهذا الأصل ما يعارضه، ما عدا أصالة الحرمة في الفروج، وقد عرفت حالها فيما تقدم.
ومقتضى العمومات الواردة في جواز استمتاع الزوج بزوجته شاملة لها، ولا معارض أو مخصص لهذه العمومات، كما لا يخفى.
نعم المستفاد من الشهيد الثاني(قده) في الروضة البناء على حرمة الاستمتاع بها مطلقاً، قال(ره): وهل يحرم عليه وطؤها في الدبر، والاستمتاع بغير الوطء، وجهان: أجودهما ذلك[7].
إلا أنه لا وجه له، لأن مقتضى الأصل هو البناء على الجواز، وليس في البين ما يدخل على المنع، والنصوص المتقدمة لا دلالة لها على أكثر من الدخول، مما يمنع من القبول بما أفاد(قده).
الفرع الثالث: عدم جواز وطئها في الدبر:
ولا ريب في أن مقتضى الأصل هو البناء على الجواز، لكن مقتضى النصوص المتقدمة هو المنع من ذلك، إذ أن مفادها عدم جواز الدخول بالصغيرة حتى تبلغ تسع سنين، ومن الواضح أنها شاملة لدخول قبلاً ودبراً من دون فرق بينهما بمقتضى إطلاقها للمنع من الدخول، فلاحظ.
الفرع الرابع: إذا شك في بلوغ الفتاة تسعاً:
إذا شك في أن الزوجة، قد بلغت تسعاً لكي يقال بجواز الدخول بها، أو أنها لم تبلغ ذلك فيلتـزم بعدم الجواز.
لا ريب أن مقتضى الأصل كما عرفت فيما تقدم هو البناء على جواز الدخول بها، لأنه مع الشك في الحرمة، يكون المورد من صغريات الشك في التكليف الذي يكون مجرى لأصالة البراءة والتأمين عن التكليف.
لكن المانع من جريان أصالة البراءة في المقام هو حكومة استصحاب حال الصغر عليه، لأنه مع الشك في بلوغها السن المسوغ للدخول بها، يستصحب حال الصغر، ومعه لا يجوز الدخول حينئذٍ، لأنه لم يحرز الموضوع المسوغ للدخول وهو بلوغ التسع.
الفرع الخامس: إذا دخل بها وهي بعدُ لم تبلغ تسع سنين:
لا ريب في أنه يكون آثماً بإقدامه على ذلك، لما عرفت فيما تقدم من قيام الدليل على حرمة الدخول بالصغيرة ما لم تبلغ تسع سنين، وهذا يعني أنه لا يجوز لها الدخول بها ما لم تصل لهذا السن.
وهل تحرم عليه بدخوله بها، مضافاً لكونه آثماً، أم لا؟…أقوال في المسألة:
الأول: البناء على حرمتها عليه مؤبداً بمجرد دخولها بها مطلقاً، تحقق الإفضاء منه أم لم يتحقق، وهو قول المفيد والشيخ في النهاية بناءاً على القبول بإطلاق عبارته، وكذا هو المستفاد من عبارة ابن إدريس(ره).
الثاني: البناء على التفصيل بين ما إذا أفضاها، فتثبت الحرمة بينهما، وبين ما لم يتحقق الإفضاء، فيـبنى على عدم ثبوت الحرمة، وهذا هو المشهور، وقد عرفت عن الجواهر حكاية الإجماع صريحاً عن غير واحد من الأصحاب[8].
الثالث: البناء على عدم ثبوت الحرمة بينهما مطلقاً، وإن تحقق الإفضاء منه إليها، وهو مختار ابن سعيد الحلي في كتابه النـزهة، والفاضل الهندي في كشف اللثام. قال الفقيه الماهر صاحب الجواهر(ره): نعم حكى خلاف في المسألة عن ابن سعيد في كتابه النـزهة، وإن صرح في الجامع بوفاق من ذكرناهم، وكذا يحكى ذلك عن الفاضل الهندي.
وقد يلوح ذلك من المفيد وابن الجنيد والصدوق، لكن لم يسند أحد من الأصحاب القول بذلك إليهم[9].
ويبدو أنه مختار صاحب الجواهر(رض)، لقوله بعد ذلك: إلا أن الإنصاف مع ذلك كله عدم خلوه عن القوة، للعمومات وخلو جميع النصوص المعتبرة مع التصريح في بعضها بالبقاء على الزوجية، كخبر بريد العجلي…الخ…وصحيح حمران عن أبي عبد الله…الخ…وغيرهما من النصوص التي لا ينبغي ترك بيان الحرمة المؤبدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من الأحكام، بل لعل قوله(ع): أمسكها، في الخبرين ظاهر في ذلك أيضاً.
مضافاً إلى ما في تعطيل هذا الفرج وعدم استنمائه(استمتاعه)المنافي لغرض الشارع، بل لقوله تعالى:- (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)وخصوصاً إذا اندمل جرحها وعادت على ما كانت الذي احتمل السيوري فيه الجواز، بل في كشف اللثام عن بعضهم التصريح به، إلا أنه جزم بالعدم معللاً له بالاستصحاب، وظاهر فتوى الأصحاب، إلا أنهما كما ترى بعد الإحاطة بما عرفت.
نعم لم أقف إلا على مرسل يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله(ع)…الخ…وهوخبر واحد ضعيف مرسل، بل ظاهره يقتضي التحريم المؤبد بالدخول مطلقاً قبلاً أو دبراً، أفضى أو لم يفض، عالماً كان بالصغر أو جاهلاً، وحصول البينونة بمجرد ذلك، وهو خلاف فتوى المعظم، بل الكل في المسألتين، وخلاف النص المعتبر الدال على بقاء الزوجية مع الإفضاء فكيف بدونه، فالمتجه طرحه، ودعوى التمسك به فيما لا تنافيه الأدلة بعد جبر سنده بالشهرة ممكنة موافقة لصناعة الفقه، إلا أنها لا تورث الفقيه ظناً[10].
وهذا هو مختار الفقيه السيد اليزدي صاحب العروة(ره)، وغير واحد من المحشين عليها.
هذا وينبغي النظر في أدلة كل قول من الأٌول الثلاثة، ومن ثمّ البناء على ما هو الصحيح منها، فنقول ومن الله سبحانه وتعالى نستمد العون والتوفيق.
أما القول الثالث فهو على مقتضى القاعدة، إذ لا ريب في ثبوت علقة الزوجية بينهما بمقتضى العقد المستجمع لشروط اللزوم، ورفع اليد عنه بحاجة إلى موجب، مضافاً إلى أن مقتضى الأصل حين الشك في مانعية الإفضاء قبل التسع، هو التأمين والبراءة عن ذلك، ولهذا لا يحتاج هذا القول إلى دليل أصلا، لأن الدليل عليه واضح كما عرفت.
هذا وقد استدل للقول بالحرمة المؤبدة، بمرسل يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، فرق بينهما ولم تحل له أبداً[11].
والأنصاف تمامية دلالتها على المدعى، إذ أنها مطلقة من حيث الإفضاء وعدمه، وعمدة ما تشير إليه تحقق الدخول، وأنه متى تمّ ذلك ترتبت الحرمة حينئذٍ، وإن لم يتحقق الإفضاء، وعليه يثبت مدعى القائلين بالقول الأول.
اللهم إلا أن يدعى بأنه لا يتصور تحقق الدخول دونما تحقق الإفضاء كما تقدم ذلك في احتمال العلامة(ره) لكلام الشيخ(قده) في النهاية، وبناءاً على هذا لن يكون النص المذكور دالاً على مدعى القائلين بالقول الأول، لأن مفاده سوف يكون حينئذٍ هو خصوص البناء على الحرمة إذا تحقق الإفضاء لا مطلقاً.
مضافاً، إلى أنه لو رفعنا اليد عن ما ذكرناه من التوجيه في النص، لا يمكن الاعتماد عليه، وذلك لضعفه السندي لسببين:
أولهما: وجود سهل بن زياد في سنده، وقد عرفت فيما تقدم حاله، مما يمنع من الاعتماد عليه.
ثانيهما: كونه مرسلاً، وليس يعقوب ممن يعتمد على مراسيله.
إن قلت: إن هذا الحديث مجبور بعمل المشهور، وقد ثبت في محله من الأصول تمامية الكبرى المذكور، ومقامنا من صغرياتها، فيثبت المطلوب، وهو دخول الخبر محل البحث دائرة الحجية.
قلت: قد ذكرنا في محله تمامية الكبرى المذكورة، إلا أن النقاش دائماً في الصغرى، إذ قد عرفت أن الخبر المذكور بالتقريب المتقدم على خلاف قول المشهور، لأن المشهور كما أتضح من خلال نقل الكلمات أنه على التفصيل ما بين الإفضاء وعدمه، بينما مقتضى إطلاق خبر يعقوب هو البناء على الحرمة بقول مطلق من دون تفصيل.
هذا وقد تمسك بعض الأعلام المعاصرين[12] للقول الثاني، برواية حمران بن أعين عن أبي عبد الله(ع) قال: سئل عن رجل تزوج بجارية بكراً لم تدرك، فلما دخل بها افتضها فأفضاها؟ فقال: إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنه أفسدها وعطلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه[13].
والظاهر أن تمسكه بقوله(ع): فإنه أفسدها، وعطلها على الأزواج، بناءاً على كون هذا المعنى شاملاً حتى للزوج.
لكن الإنصاف عدم وضوح هذا في المدعى، بل ظاهر قوله(ع): فإنه عطلها عن الأزواج، هو الإشارة إلى أنها لم تعدّ قابلة للمواقعة، خصوصاً على بعض تفسيرات الإفضاء كما سيأتي.
هذا وقد يستدل لهذا التفصيل بالشهرة الفتوائية، لما هو المقرر في محله من أنها حجة يمكن الركون إليها في مقام الفتوى والعمل.
لكنه قد عرفت في محله عدم تمامية ما يصلح دليلاً لأصل الكبرى، والمستفاد من المقبولة ومن خبر أبي خديجة ليس إلا الشهرة العملية، كما قرر في محله.
فتحصل إلى هنا عدم تمامية ما عليه المشهور، وأن الصحيح هو القول بعدم الحرمة الأبدية، ويمكن أن يستدل لذلك مضافاً لما ذكرنا، بأن النصوص التي تعرضت لثبوت النفقة، وكذا النصوص التي تعرض للحديث عن ثبوت الدية عليه، لم تتعرض لبيان ثبوت الحرمة الأبدية مع أنها مقام البيان.
اللهم إلا ن يدعى أنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، فتأمل.
——————————————————————————–
[1] المصدر السابق ح 7.
[2] وسائل الشيعة ب 45 من أبواب مقدمات النكاح ص 103.
[3] مباني العروة الوثقى ج 1 ص 152.
[4] المصدر السابق.
[5] جواهر الكلام ج 10 ص 594، فقه الصادق ج 21 ص 88.
[6] المصدر السابق.
[7] الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 5 ص 104-105.
[8] جواهر الكلام ج 10 ص 594-597.
[9] المصدر السابق.
[10] المصدر السابق.
[11] وسائل الشيعة ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2.
[12] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة-كتاب النكاح- ص 27.
[13] المصدر السابق ح 1.