العيوب النفسية بين الشريعة والقوانين الوضعية

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
118
0

العيوب النفسية بين الشريعة والقوانين الوضعية

 

حثت الشريعة السمحاء على ضرورة مجاهدة النفس الإنسانية ودعت إلى محاسبتها، والظاهر اختصاص المجاهدة بخصوص النفس الأمارة بالسوء، وأما المحاسبة فإنه شاملة لأنواع النفس الثلاثة.

وحتى يتمكن الإنسان من مجاهدة النفس، ومحاسبتها، يلزمه الوقوف على العيوب التي يلزم خلو النفس الانسانية منها، والتي تكون مورداً لمحاسبتها حتى لا تصاب بها.

 

عيوب النفس وتشخيصها:

وشرح هذا العنوان يعتمد على ملاحظة المقصود من المفردتين التي وقعتا فيه، وهما مفردة العيب ومفردة التشخيص، من خلال مراجعة كلمات أهل اللغة.

أما مفردة العيب، فإن المستفاد من كلمات اللغويـين، استعمالها في معنيـين:

الأول: العيب بمعنى الوصمة، والوصم بمعنى الصدع.

الثاني: العيب بمعنى العار.

 

وأما مفردة التشخيص، فإن المقصود منها عبارة عن تعيـين الشيء من بين متشابهاته.

ووفقاً لما تقدم، سوف يكون تشخيص عيوب النفس على المعنى الأول للعيب بمعنى تعيـين صدوع النفس ونقوشها الحاصلة مما ارتكبته من الذنوب.

أما على المعنى الثاني، وهو العار، فإنه يقصد منه ما يكون عاراً في نظر الشريعة المقدسة، وليس مطلق العار، لأن العار يختلف بحسب المصداق نتيجة اختلاف الأعراف والثقافات، فمن ذلك مثلاً: ترك الشخص إعانة أخيه في خصومة ظالمة، أو ترك الإنسان قتل أخته المنحرفة، مع أن هذين التركين لا يعدّان عاراً بنظر الشارع، بل العار عنده هو العيب النفسي. نعم كثيراً ما يتفق العرف مع الشرع في مصداقية العيب كما في الأمور التي أجمع عليها العقلاء كالأفعال المنافية للأخلاق، كرفض ردّ الأمانة مثلاً، وغير ذلك.

 

وبالجملة، لما كان هناك اختلاف بين الشرع والعرف في بعض مصاديق العيب، وقد عرفت أن الشرع هو المتفرد بمعرفة حقيقة النفس ومعرفة أحوالها وما يصلحها وما يفسدها، يتعين على من يريد تهذيب نفسه ويشخص عيوبها أن يتعرف على ما ورد عن الشارع المقدس في تحديد العيوب النفسية حذراً من أن يجاهد نفسه ويتعبها من أجل أن يضاعف عيوبها من حيث لا يعلم.

 

ولا تنحصر معرفة العيوب النفسية في باب أو فصل من أبواب وفصول العلوم الإسلامية، لاشتراك جميع العلوم الإسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر في تهذيب النفس من العيوب حتى تجعلها راضية مرضية.

وحتى يتسنى للإنسان الإقلاع عن العيوب سواءً أكان العيب صفة نفسية أم كان العيب فعلاً خارجياً يصر عليه فاعله، يلزمه ملاحظة النصوص الشريفة لأنها قد تضمنت حثاً على تشخيص العيب وتمهيداً للإقلاع عنه، كما تضمنت أيضاً ذكراً لبعض العيوب، وهذا سوف يختصر الحديث عن العيوب وتشخيصها، أما لو لم يرجع الإنسان إلى النصوص فإن الحديث عن تحديد العيوب، وتشخيص مصاديقها سوف يطول.

 

ومن النصوص الدالة على ذلك، ما روي عن أبي جعفر(ع) أنه قال: قال رسول الله(ص) ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم، ورجل لم يقدم رجلاً ولم يؤخر رجلاً حتى يعلم أن ذلك لله رضاً، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه فإنه لا ينفي منها عيباً إلا بدا له عيب وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس[1].

 

وقد تضمن النص خصالاً ثلاث، والمربوط منها بمحل البحث هي الخصلة الثالثة، وتلك الخصال هي:

الأولى: اعطاء قاعدة عظيمة في التكافؤ الاجتماعي في الحقوق والواجبات، وذلك بأن يعطي الإنسان الناس من نفسه مثل ما يريد الحصول عليه منهم، فهو يريد منهم احترامهم إياه، ومساعدتهم له، وتعاطفهم معه، ومواساتهم له في أفراحه وأحزانه، وغير ذلك، وعليه وفقاً لهذه القاعدة أن يعطيهم مثل ما يطلب منهم.

الثانية: التسليم التام لله سبحانه دون أن يكون للنفس أو للآخرين عدى الله تعالى سلطان في كل حركة وسكون، فلا يفعل إلا ما يرضي الله تعالى ولا يترك إلا لرضاه عز وجل، لأنه السيد، والمرء عبده، وهو سيد عادل، وغني حكيم، لا يأمر إلا بما يأمر، أو ينهى عما ينهى ظلماً لعبده، أو لحاجة له، أو عبثاً دون هدف لصالح العبد وغاية إسعاده.

الثالثة: وهي المرتبطة بمحل البحث، أن يراجع الإنسان قبل الإقدام على إعابة شخص ما نفسه، ليرى إن كان العيب فيها أولا، فلا يعيب شخصاً من الأشخاص بعيب إلا بعد أن يقف على عدم توفره عليه، فإن كان مصاباً بذات العيب الذي أراد إعابة الشخص به، كان عليه أن يصب اهتمامه على تهذيب نفسه من عيبها قبل أن يهتم بعيب الغير، لأنه مسؤول عن عيوب نفسه قبل أن يسأل عن عيوب غيره، أما إذا تصدى إلى عيوب الآخرين ولم يكن غرضه إصلاحها، فإن هذا يعدّ عيباً آخر في نفسه يحتاج فيه إلى تهذيب نفسه منه.

 

ومن المعلوم أنه متى اشتغل الإنسان بعيبه عن عيوب الآخرين كان ذلك سبباً لطهارة نفسه من ذلك العيب، وأوجب ذلك نقاءها مما كان له من آثار، وحصلت لها الاستنارة بمقدار ما كان عليها منه من ظلمة، فتدرك عندها ما لم تكن تدركه من عيب فيها، ليزداد نورها ويدرك عيباً آخر يسعى إلى علاجه وإصلاحه، وهكذا تتصاعد النفس في الإدراك والتهذيب لما تنشغل عن الناس بالارتقاء والسمو إلى الولوج في العالم العلوي.

ومنها: ما رواه(ع) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: إن رسول الله(ص) مر بنا فوقف وسلم ثم قال: ما لي أرى حب الدنيا قد غلب عليه كثير من الناس-إلى أن قال-: طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس، طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه[2].

 

ومنها: ما رواه أبو ذر عن رسول الله(ص)-في حديث- قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: زدني، قال: عليك بطول الصمت، قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك، قلت: زدني، قال: عليك بحب المساكين ومجالستهم، قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مراً، قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي مثله، ثم قال: كفى بالمرء عيباً أن يكون فيه ثلاث خصال: يعرف من الناس ما يجهل من نفسه، ويستحيي لهم مما هو فيه، ويؤذي جليسه فيما لا يعنيه. ثم قال: يا أذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق[3].

ومنها: ما ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله[4].

 

وبالجملة، فإن المستفاد من هذه النصوص وغيرها أن إهمال تفقد عيوب النفس والانشغال بتتبع عيوب الآخرين من أكبر العيوب.

وأما تحديد ما هو العيب، فقد عرفت أن ذلك يحتاج إلى تعلم ما ورد في الشريعة ببيانها له، ويعدّ هذا التعلم بنفسه عبادة، بل هو أصل العبادات.

ومن أوضح وأجلى العيوب النفسية في منظار الشارع المقدس، هو الذنوب وسيما الكبائر منها، وقد ورد ذكر بعضها بالاسم والتنصيص عليه في النصوص، وهذا يدعو للتعرف على حقيقة الذنب وما يتعلق به[5].

 

الذنب في الشرع والوضع:

إن المتابع للبحوث العلمية يقف على وجود مفاهيم ثلاثة: الذنب، الجناية، الجريمة، والوقوف على تغاير المفاهيم الثلاثة وتداخله يستدعي الإحاطة بالمقصود بكل واحد منها، ولا أقل من الإحاطة ببعضها.

الذنب لغة وإصطلاحاً:

أما لغة، فهو الإثم والجرم والمعصية، وقد استعملها القرآن على بعض مصاديق الذنب فأطلقها على الخمر والقمار وعمل ما لا يحل، وهذا من قبيل استعمال ما وضع للمفهوم العام في أظهر مصاديقه.

وأما في الاصطلاح، فيقصد منه ارتكاب فعل منهي عنه، أو ترك فعل مأمور به.

 

وأما الجناية، فإنها عبارة عن كل ذنب وضع الشارع المقدس له عقوبة في الدنيا كالقصاص مثلاً، أو الحدّ.

وهذا يعني أن الجناية أخص حقيقة من الذنب، وأنها لا تطلق على كل ذنب، وإنما يختص اطلاقها بخصوص الذنوب التي لها عقوبة في عالم الدنيا بالقصاص أو الحد.

وترد في كلمات الفقهاء أحياناً كلمة الجريمة، وقد عرفها بعضهم بأنها مرادفة لكلمة الذنب، فيكون المقصود منها كل المحظورات الشرعية، سواء استوجبت عقاباً دنيوياً أم لم تستوجب. ووفقاً لهذا التعريف سوف تكون الجريمة أوسع دائرة من الجناية، ولن تكون مغايرة للذنب من حيث المفهوم، بل سوف تكون مساوية له.

 

وقد عرفها آخرون بما يجعلها مساوية للجناية، لتكون أخص من الذنب، إذ جاء في تعريفها أنها: المحظورات التي زجر الله سبحانه وتعالى عنها بحدٍ أو تعزير.

الذنب في القانون الوضعي:

وأما القانون الوضعي، فقد قسم الذنب حسب شدّته إلى جناية، وجنحة، ومخالفة.

وقد عرّف الذنب بأنه: خروج عن دائرة القوانين والمقررات الموضوعة لحفظ مصلحة الجماعة، وصيانة نظامها، وضمان بقائها.

ومع خلو الآيات القرآنية من التعبير بمفردة الخروج عن دائرة القوانين، إلا أنها قد تضمنت تعبيراً مشابها لها، وهو تعدي حدود الله.

 

الفرق بين الذنب في الشريعة والقانون الوضعي:

ومع أن الشريعة تتفق مع القانون الوضعي في أن الغرض من تقرير الجرائم والعقاب عليها هو حفظ مصالح المجتمع وأفراده وبقائهم، إلا أن هناك فروقاً بينهما نشير لبعضها:

منها: ينحصر إطلاق مفهوم الجريمة في القوانين الوضعية على خصوص الأعمال المحظورة التي تسيء إلى مصالح المجتمع بشكل مباشر كالسرقة والقتل والاغتصاب، وما شابه ذلك.

 

وأما الجريمة في التشريع الإسلامي، فإنها أوسع، لأنها تشمل جميع الأعمال التي تسيء لمصالح المجتمع، سواء كان ذلك بشكل مباشر، أم لا، فالرذائل الأخلاقية التي يمارسها الانسان لوحده، أو يضمرها داخل نفسه، هي ذنوب وجرائم في رأي الشريعة الاسلامية، لأنها تحط من قيمة الإنسان وشرفه وكرامته، وبالتالي تؤدي إلى انهدام المجتمع الإسلامي بشكل غير مباشر. فإن هناك ذنوباً تنخر في المجتمعات البشرية، وتهدد وجودها مثل: الكذب، والغيبة، والتهمة، والافتراء والغضب، والحسد والرياء والحرص والتكبر والحقد، لا يعتبرها القانون الوضعي ذنوباً ولم يضع لها عقوبة، بل لا تستطيع يد القانون الوضعي أن تمتد إلى مثل هذه الذنوب، بينما يتسع نطاق التشريع الإسلامي ليشمل كل ما تنطوي عليه النفس الإنسانية، وكل ما يصدر عن الإنسان في خلواته، فعلى سبيل المثال نجد الشريعة تقف موقفاً صارماً من الكذب، فعن الإمام الباقر(ع) قال: إن الله عز وجل جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب.

وعن الإمام العسكري(ع) قال: حطت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب.

 

ولعلماء النفس والاجتماع اليوم دراسات يتحدثون فيها عن أخطار الكذب ودوره في ازدواج الشخصية الانسانية وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع، مع أن علماء القوانين الوضعية لا يستطيعون القضاء على هذه الظاهرة الخطرة في المجتمع.

ومثل ذلك ما ورد في الحرص والاستكبار، والحسد حتى عدت في النصوص الشريفة أصول الكفر، وكذلك جاء في الغضب أيضاً.

ولا يختلف أثنان أن هذه الذنوب أمراض نفسية تعصف بالمجتمعات البشرية اليوم، وتهددها بالفناء والإبادة، وتثير الفتن، وربما أدت إلى وقوع الحروب الطاحنة والمجازر الدموية، وتؤدي إلى أنتشار الأمراض النفسية والعقلية، ومع ذلك لا نجد للقوانين الوضعية حيالها أي عقوبة أو موقف، بل نراها تقف أمامها عاجزة.

 

ومنها: إن الشريعة الإسلامية لا ينحصر دورها في وضع العقوبة المترتبة على الجرائم المختلفة فقط، بل إنها تسعى إلى استئصال الجريمة من الروح والفكر، وتقضي على استفحال روح ارتكابها من المحتوى الداخلي للإنسان، وأما القوانين الوضعية فإن دورها ينحصر غالباً في تعيـين العقوبات للمذنبين. ذلك أن الإسلام يردع الإنسان عن التفكير في ارتكاب الذنب حتى لا يتحول التفكير فيه إلى واقع عملي، يقول أمير المؤمنين(ع): من كثر فكره في المعاصي دعته إليها. فالإسلام يتجه إلى تربية الإنسان روحاً وفكراً ويبعده عن كل ما يعكر صفو نفسه، ويخلق العقد في وجوده، ولذلك يدعوه أولاً إلى الإيمان، فإن به تتحقق القاعدة التربوية اللازمة للعمل الصالح، ولعل هذا يفسر تعقيب القرآن الكريم عادة العمل الصالح بعد الإيمان.

وهذا ما أكدت عليه بحوث علم الاجتماع اليوم من ضرورة قيام القوانين على قاعدة إيمانية ثابتة في نفوس أفراد المجتمع.

 

ومنها: تحدد القوانين الوضعية عقوبات معينة للجرائم المختلفة كالسجن أو الغرامة وأمثالها، بينما يجعل الإسلام عاقبة الجريمة خسران الدنيا والآخرة ما لم تتحقق من الفاعل التوبة الصادقة، وذلك بالكف عن سيئاته كفاً تاماً، لأن الإسلام يرى علاقة وارتباطاً بين أفعال الانسان، فالسيئة تؤثر على سلوك الإنسان، ويؤدي الاستمرار عليها به إلى مستنقع الرذيلة، يقول تعالى:- (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)[6]، ويقول سبحانه:- (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)[7].

 

وحتى يتضح ما ذكرناه، نقرب ذلك بمثال:

إن الذي يشجع بعض الأفراد على السرقة في المجتمعات التي تخضع للقوانين الوضعية أمران:

الأول: عدم الإحساس بالرقابة غير المنظورة في حياته، فإنه يعتقد أن بإمكانه الفرار من وجه العدالة والحصول على الغنيمة دون عقاب.

الثاني: استهانته بالعقاب لو وقع في يد الجهات المسؤولة، لأن العقوبة لن تعدو فترة زمنية يقضيها في السجن، يأكل خلالها وينام ولا ينغص حياته شيء.

 

وهذا بخلافه في القانون الإسلامي، فإن الإسلام يربي في الأفراد الشعور بالرقابة الإلهية المطلعة على كل حركات الإنسان وسكناته، كما أنه يجعل العقاب شديداً في الدنيا، فإن السارق تقطع يده أمام الناس، وينال عذاب الآخرة الذي هو أشد وأنكى[8].

 

الذنوب أمراض تحتاج علاجاً:

لقد أكدت دراسات علم النفس الحديث على أنه لا يوجد انسان سيء بطبعه، وإنما تعرض عليه بعض الظروف التي تجعله يقدم على فعل الجرائم ويتعدى على القوانين والمقررات. فالمجرمون مجموعة من المرضى الذين يحتاجون إلى علاج، نعم لا تعدّ أمراضهم أمراضاً عضوية، وإنما هي أمراض نفسية.

 

وقد تحدثت النصوص الدينية عن وصف الذنوب بالأمراض، وأشارت إلى أن المذنبين مرضى، فقد ورد في غير واحدة من الآيات القرآنية هذا المعنى، فقد قال عز من قائل:- (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً)[9]، وقال تعالى:- (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)[10]، ويقول سبحانه:- (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)[11].

وورد عن أمير المؤمنين علي(ع) أنه قال: لا وجع أوجع للقلوب من الذنب[12]. وقال(ع) أيضاً: الذنوب داء، والدواء الاستغفار، والشفاء أن لا تعود[13].

 

وقال(ع) عن الحسد: الحسد داء عياء لا يزول إلا بهُلك الحاسد أو موت المحسود[14].

وقال في الحقد: الحقد داء دوي ومرض موبي[15].

ووفقاً لما توصلت إليه الأبحاث النفسية من أن الجرائم والجنايات والذنوب أمراض، عمدوا إلى الدعوة إلى علاجها، وقد كان ذلك من خلال الحث على مراجعة أصحابها للعيادات النفسية، فعلى كل مجرم أو مقترف لجناية أو جنحة أو ذنب أن يقصد العيادة النفسية ويجلس إلى طبيبها النفسي، يعرض عليه مشكلته، ويقوم الطبيب بعد ذلك بعلاجها.

 

ونحن لا ننكر ما للأطباء النفسيـين من أدوار حسنة في علاج المرضى، وقدرة بعضهم على الغور في أعماقهم لعلاج ما يعانون منه، إلا أن العلاج المذكور لا يخلو عن نقص ولو في الجملة، وذلك للأسباب التالية:

أحدها: إن مراجعة الأطباء النفسيـين ليس أمراً متوفراً لكل أحد من الناس، فإن بعضهم لا يقدرون على ذلك بسبب الظروف الحياتية والانشغالات، خصوصاً وأن مراجعة العيادات النفسية يستدعي قضاء ساعات طوال فيها، وهذا يستلزم توفر إمكانيات علمية واسعة، ونفقات باهظة يصعب على كثير من الناس تحملها.

 

مضافاً إلى أن هناك حاجة ملحة منذ البداية إلى اقناع المرضى بأنهم مرضى حتى يقنعوا بمراجعة الأطباء النفسيـين، فإن كثيراً من المذنبين لا يعتقدون أنهم مرضى بحاجة إلى مراجعة الأطباء.

 

ثانيها: يعجز بعض الأطباء النفسيـين من الغور في أعماق المرضى والوصول إلى الأسباب الرئيسة الداعية لهم للوقوع في ما وقعوا فيه من ذنوب وخطايا، ومن الأمثلة لذلك قصة الفتاة مع الرقم ثلاثة عشر، والتي كانت تعتقد أنه رقم شؤم عليها، لأنها قد ولدت في اليوم الثالث عشر من الشهر، وقد أوجب ذلك لها قلقاً وراجعت طبيباً نفسياً مدة من الزمن ولم يتمكن من الوصول معها لنتيجة، وبعد مدة وجدها في أحد المنتزهات وحولها أطفال وعلم أنهم أطفالها، فجاء يحدثها أن الرقم ثلاثة عشر لم يفعل لها شيئاً، ولن يفعل لها شيئاً، فانفجرت باكية، وقالت له أنها لا زالت تعتقد أنه يلاحقها وسوف ينتقم منها.

 

ثالثها: ابتلاء بعض الأطباء النفسيـين أنفسهم بهذه الأمراض، وبالتالي حاجتهم إلى أطباء يتصدون لعلاجهم.

نعم لا يمنع أن يكون المريض بمرض أن يقوم بعلاج المريض به. وهذا قد يكون في الأمراض العضوية دون الأمراض النفسية، وذلك لأن المرض النفسي على  ما يبدو يختلف عن المرض العضوي، لأن المرض النفسي يعتمد على الثقة والاطمئنان للطبيب بصورة أساسية، فإذا لم يكن المريض مقتنعاً ولا مطمئناً للطبيب لأنه يراه مريضاً بذات المرض وعاجزاً عن علاج نفسه، فكيف يقنع بقدرته على علاجه ليسلم نفسه إليه؟!.

 

رابعها: إن بعض الأمراض النفسية سيما التي تكون ناجمة من عقد يصعب على الطب النفسي حلها وعلاجها، لأن لها آثاراً تكون متجذرة في النفس البشرية، كجريمة القتل والاغتصاب مثلاً[16].

من هنا، لابد من أن يكون علاج المرضى بالذنوب والخطايا والسيئات من خلال طريق آخر، وهذا ما عرضت له الشريعة السمحاء، وذلك من خلال التوبة، وهو ما يحتاج حديثاً مفصلاً نوفق لعرضه إن شاء الله تعالى.

 

 

 

 

————————————————————————————

[1] وسائل الشيعة ج 15 ب 36 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 1 ص 288.

[2] وسائل الشيعة ج 15 ب 36 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 2 ص 289.

[3] وسائل الشيعة ج 15 ب 36 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 4 ص 289.

[4] المصدر السابق ح 8 ص 291.

[5] من هدى النبي والعترة في تهذيب النفس ج 2 ص72-77(بتصرف).

[6] سورة الروم الآية رقم 41.

[7] سورة الشورى الآية رقم 30.

[8] عقاب الذنوب ص 10-20(بتصرف).

[9] سورة البقرة الآية رقم 10.

[10] سورة الأحزاب الآية رقم 32.

[11] سورة الأحزاب الآية رقم 12.

[12] بحار الأنوار ج 73 ص 342.

[13] غرر الحكم ص 79.

[14] المصدر السابق ص 79.

[15] المصدر السابق ص 56.

[16] عقاب الذنوب 25-29(بتصرف).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة