القضية الحسينية والطائفية

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
115
0

القضية الحسينية والطائفية

مع حلول شهر محرم الحرام، تحيي الطائفة الشيعية الذكرى الأليمة لفاجعة الطف التي استشهد فيها المولى الإمام الحسين(ع)، والفئة الصالحة من أهل بيته وأنصاره، وتأخذ عملية الإحياء صوراً متعددة، فقد يكون ذلك من خلال إقامة مجالس الحزن والعزاء، والتي تتضمن البكاء والنوح واللطم، وقد يكون ذلك من خلال الإطعام على حب الإمام الحسين(ع)، كما يكون بغير ذلك، كما هو معروف.

وربما أوجب ما يقوم به أبناء الطائفة الشيعية من عملية الإحياء والممارسة لشعيرة عاشوراء، أن يسم الآخر من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى ما يقومون به من ممارسات بأنها دعوة للطائفية وإثارة إلى نيرانها واذكاء لها.

ومع وجود هكذا احتمال، لابد من الوقوف على حقيقة الطائفية وتحديد المقصود منها، وهل ينطبق ذلك على الشعائر الحسينية أم لا.

حقيقة الطائفية:

الطائفية[1] مفهوم مشتق من طاف يطوف، طواف، فهو طائف، وهي تعني انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية من دون دخالة للعرق في ذلك، فقد تجتمع قوميات مختلفة في طائفة واحدة مع اختلاف لغاتهم وأوطانهم.

وهي بهذا المفهوم لا تمثل مشكلة، لأنها لا تتنافى مع أحد، ولا تعارضه.

نعم مزج مع هذا المفهوم مفاهيم أخرى ذات مضمون فكري، أو فلسفي، أو مذهبي، وصار يستخدم بديلاً لمفاهيم الملة والدين والعرق.

وقد عرّف معجم أوكسفورد الشخص الطائفي بأنه، الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، فهو يرفض الطوائف الأخرى ويغبنها حقوقها، أو يعطي حقوقها لطائفته تعالياً على بقية الطوائف، أو تجاهلاً لها وتعصباً ضدها.

أما مجرد الانتماء لفرقة، أو مذهب لا يجعل الإنسان طائفياً، كما أن سعيه لتحسين وضع طائفته أو منطقته دون الاضرار بالآخرين لا يجعله كذلك.

ومقتضى التعريف المذكور للطائفي يتضح أنه يعتبر في مفهوم الطائفية أخذ حيثية الإقصاء، فلا يصدق على أي عمل أنه طائفي ما لم يكن متضمناً لهذا القيد، ويساعد على ذلك ما تضمنه التعريف المذكور من أن المطالبة بالحقوق، ولو كانت لبلد ما، أو لفئة معينة المشعر بأن هناك تميـيزاً ووجوداً مغايراً للآخر لا ينطبق عليه المفهوم ما لم يكن متضمناً لذلك.

وهذا يعني أن الطائفية ليست مجرد وجود مجموعة من الأمور الكاشفة عن فئة معينة نتيجة انتمائها لجانب ديني أو سياسي، وإنما هي ما يكون متضمناً عملية الإلغاء للآخر إما بإقصائه، والتعدي على حقوقه أياً ما كانت تلك الحقوق، أو بتهميشه، أو غير ذلك.

تقسيم الطائفية:

ثم إنه يمكن ذكر قسمين للطائفية: أحدهما سياسي، والآخر ديني.

أما القسم الأول، وهو قسم الطائفية السياسية: فتنشأ من خلال اعتماد سياسة التميـيز الطائفي بين المواطنين، وتشجيع حالات الصراع المذهبي، لأغراض سياسية.

وهو يعني العمد إلى تغذية الصراعات المذهبية لكن لا بلحاظ الأثر الديني المترتب عليها، وإنا الغاية من ذلك إيجاد جنبة سياسية تعمد من خلالها السلطة الحاكمة إلى استقرار حكمها وعرشها، بحيث أنها تشغل الفئات الإسلامية بمثل هذا الصراع حتى تنشغل عن ملاحظة الخلل السياسي والعيوب الموجودة في السلطة.

وأما الطائفية الدينية، وهي القسم الثاني، فقد يذكر في تعريفها أنها تنشأ من نهج الخطاب الديني الذي يعتمد على التعبئة المذهبية من خلال التركيز على نقاط الخلاف والاستدعاء للتاريخ والتراث من أجل تغذية المشاعر المذهبية والتحريض ضد الآخر.

وهذا التعريف يشير إلى أن الحديث عن أية نقطة خلافية بين المذاهب الإسلامية مدعاة لتحقق الطائفية، لأنها توجب حصول صراع بين المذهبين، وهذا يستدعي العمد إلى ترك الحديث في المفردات الخلافية بين المسلمين، والاقتصار على عرض نقاط الاشتراك والاتفاق بينهم.

وخالف الكثير من المفكرين الإسلاميـين، فلم يقبلوا بتعدد في الطائفية، بل حصروها في خصوص الطائفية السياسية، فلا يوجد ما يسمى بالطائفية الدينية، وبرروا ذلك بأن وجود الخلافات بين المذاهب الإسلامية مثلاً ليس من صغريات المفهوم، لأن ذلك يوجب قوة في الإسلام، وتطويراً في البحث العلمي جراء فتح باب الاجتهاد.

على أنه لو سلم بالقبول بوجود طائفية دينية، فإنه لن يكون مختلفاً مع التعريف الذي قدم للطائفية، وهذا يعني أنه يؤخذ في المفهوم المذكور حيثية الإقصاء وقيدية الإلغاء للآخر والتعدي عليه وسلب حقوقه، وهذا يظهر واضحاً من أخذ قيدية التعبئة المذهبية في التعريف، فإن هذا لا يكون إلا بلحاظ إلغاء الآخر كما لا يخفى.

وعليه، فلن يكون القيام بأي عمل من الأعمال التي تكشف عن مذهب معين، أو تشير إلى خصوصية فيه عملاً طائفياً، أو دعوة للطائفية، إلا إذا كان متضمناً لإلغاء الآخر كما لا يخفى.

القضية الحسينية والطائفية:

ثم إنه بعد وضوح أخذ قيدية الإلغاء والإقصاء للآخر في مفهوم الطائفية، يتضح أنه لن يكون مجرد الإحياء للشعائر الحسينية عملاً طائفياً، ما دام لم يكن المقصود منه عملية الإلغاء للآخر، وإقصائه.

وبعبارة أخرى، إن احياء الشعائر الحسينية، لا يصلح أن يكون صغرى لكبرى الطائفية.

ومع ذلك ليبنى على عدم أخذ هذا القيد دخيلاً في حقيقة المفهوم، فلا يعتبر في صدق عنوان الطائفي والطائفية اعتبار الإقصاء للآخر، وليقتصر في تعريف المفهوم على ما يوجب الاستفزاز للآخر، من خلال عرض ما لا يرضيه ويوجب النفرة بين الأطراف والمباعدة بينهما.

ومع ذلك، فإنه يقرر عدم انطباق عنوان الطائفية على عملية الإحياء للشعائر الحسينية، وذلك بملاحظة الأمور التالية:

النظرة الطائفية للتأريخ:

ومن الواضح أن منشأ توهم انطباق العمل الطائفي على ما يقوم به أبناء الشيعة من إحياء لشعائرهم المذهبية المتمثلة في إحياء مصاب عاشوراء وفجائعه وما جرى فيه من جرائم نكراء، هو ضيق الأفق الفكري عند بعضهم خلال قراءتهم التاريخ والشخصيات التي تضمنها، فيتدخل العامل الفكري الذي يؤمنون به، والانتماء المذهبي الذي ينتمون إليه في ذلك، فيعمدون لقراءة الشخصية من خلال هذه الزوايا المحددة، ولا ريب أن مثل ذلك يؤثر تأثيراً كبيراً ما يوجب افتقار القراءة التاريخية والأحداث للموضوعية والانصاف، فلا يكون لأي شخصية ورد ذكرها في المصادر التاريخية قيمة أو منزلة فضلاً عن عناية إلا إذا كانت في دائرة المذهب الذي ينتمي إليه، ويهمل بقية الشخصيات الأخرى ما دامت تصب في خانة المذهب الآخر، وهذا ما نراه من أبناء الجمهور في محاولتهم التقليل من شأن أمير المؤمنين علي(ع)، وفضائله، ومحاولة إبرازه بصورة عادية جداً، مع نقل له التاريخ من امتيازات على بقية الصحابة، وكل ذلك لا لشيء إلا لأنه يمثل المذهب الآخر.

وهذا بنفسه يجري عندهم في شأن القضية الحسينية، إذ تجد أنهم يعمدون لمحاولة التقليل من شأن ما جرى في يوم كربلاء ومحاولة التخفيف من حجم الفاجعة العظمى التي وقعت فيها، لا لشيء إلا لأن الإمام الحسين(ع) في نظرهم يرتبط بالمذهب الآخر، وليس في حدود دائرة المذهب الذي ينتمون إليه. ولهذا نجدهم يتعاملون مع القضية الحسينية وكأنها قضية مذهبية، أو موضوع يخص الشيعة فقط، وليس لبقية المسلمين علاقة به.

مع أن الأمر على خلاف ذلك، لأن الإمام الحسين(ع) ليس مختصاً بالشيعة فقط، بل هو عام لكافة المسلمين، لأن قضية الإمام الحسين(ع)، قضية سماوية لا تختلف عن قضية بقية الأنبياء(ع)، فإنه وإن لم يكن نبياً، لكنه يحمل رسالتهم، ويسير على نفس النهج الذي ساروا عليه في الدعوة للتغيـير والإصلاح. ويشهد لذلك أن الإمام(ع) موضع تقدير واحترام ومحبة عند جميع الطوائف الإسلامية وليس عند الشيعة فقط. كما أنهم يدينون ما جرى عليه(ع) يوم عاشوراء من عملية القتل بتلك الصورة الإجرامية البشعة، وما جرى على أهل بيته وأصحابه(ع)، وكذا سلب وسبي عياله(ع).

ولهذا نجد أنهم متفقون على إدانة يزيد بن معاوية ومن تبعه في ذلك العمل الوحشي البشع، بل يلتزمون بجواز لعنه، وإن اختلفوا في كفره وعدمه.

احياء المسلمين للشعائر الحسينية ينفي الطائفية عنها:

ومما يساعد على عدم انطباق عنوان الطائفية على ما يقوم به أبناء الطائفة الشيعية في إحيائهم لمراسيمهم العاشورئية، احياء المسلمين لهذه الشعائر، وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن الإمام الحسين(ع) ليس مختصاً بمذهب معين، أو فرقة محددة.

فقد كانت تقام المراسم الحسينية مثلاً في أيام الحكم العباسي، فشملت رقعة جغرافية واسعة امتدت من بلاد فارس شرقاً وحتى بلاد الأندلس غرباً.

وقد ذكر القزويني صاحب كتاب نقض فضائح الرافضة، أن أصحاب أبي حنيفة والشافعي، كانوا يقرأون مراثي شهداء كربلاء، وهي لا تحصىى عدداً.

وقد كان قدوة المذهب السني في أصفهان في زمانه، يقيم مراسيم عاشوراء كل سنة مع النياحة والبكاء والعويل.

وكان الخواجة على الغزنوي الحنيفي في بغداد، يقيم هذه المراسم إلى درجة أنه كان يبالغ في لعن السفيانيـين يوم عاشوراء.

ومع كثرة المشبهة في همدان، إلا أن مجد الدين الواعظ الهمداني، كان يقيم العزاء يوم عاشوراء كل عام بشكل كان يعجب منه القميون.

وكان الخواجة الإمام نجم أبو المعالي بن أبي القاسم البزاري يقيم العزاء في أحسن صوره بنيسابور، مع أنه كان حنيفياً، وكان يأخذ المنديل وينوح ينشر عليه التراب، ويصرخ عالياً خارجاً من طوره.

وأما الري فقد كان يقام العزاء فيها في المساجد الكبيرة وفي محط القوافل من قبل كل من الشيخ أبو الفتوح نصر أبادي، والخواجة محمود الحدادي الحنيفي، وغيرهما، كما كانوا يعمدون إلى لعن الظالمين. ومثل ذلك كان الخواجة الإمام شرف الأئمة أبو نصر الهسنجاني يقيم مراسم العزاء يوم عاشوراء سنوياً بحضور الأمراء والأتراك والوجهاء والكبار، والحنفيـين المعروفين.

ورأى الناس الخواجة الإمام أبا منصور حفيده وهو مقدم بين أصحاب الشافعي عندما كان في الري، كيف كان يتلو قصة عاشوراء في جامع سرهنك، ويفضل الحسين على عثمان، ويسمي معاوية باغياً، وكذلك كان يفعل القاضي عمدة ساوي حنيفي المتكلم المعروف في جامع طغرل بحضور عشرين ألف من الناس، إذ يتلو قصة عاشوراء، ويقيم العزاء برأس حاسر وثوب ممزق.

وبالجملة، إن ملاحظة تاريخ المسلمين من أصحاب المذاهب الاخرى، كالحنفيـين، والشافعيـين مثلاً، يكشف عن فعلهم مثل ما يفعله الشيعة في إقامة مجالس العزاء الحسيني.

وقد كان لبلاد الشام نصيب أيضاً في إقامة الشعائر الحسينية، فقد كان خطباؤها يقرأون في محرم وينعون الإمام الحسين(ع) على منابرها، والظاهر أن القراءة فيها للفاجعة كانت مستمرة منذ حصول وواقعة الطف ودخول السبايا إلى الشام.

ولا يختلف أحد في إحياء الشعائر الحسينية في مصر خصوصاً خلال مدة حكم الفاطميـين، ولم يقتصر الإحياء على الشيعة منهم، بل كان المصريون بجميع فئاتهم يشاركون في ذلك.

والحاصل، إن المراجعة التاريخية لكيفية تعامل المسلمين مع القضية الحسينية، وقيامهم بعملية الإحياء لذكرى شهادته(ع)، تمنع أن يكون ما يمارسه الشيعة خلال أيام عاشوراء من صغريات العمل الطائفي[2].

زيارة الإمام الحسين(ع):

ولم تنحصر عملية المشابهة بين المسلمين والشيعة في إحياء المجالس الحسينية والبكاء على المولى أبي عبد الله(ع) والنياحة، بل كانوا يشاركون الشيعة أيضاً في مراسيم الزيارة، فقد ذكر ابن الجوزي: اجتمع كلمة أهل السنة والشيعة واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين[3].

وتحدث مرة أخرى عن خروج المسلمين جميعاً إلى زيارة الإمام الحسين(ع) في يوم عرفة، التي هي إحدى الزيارات المهمة والخاصة التي أكد عليها الأئمة الأطهار(ع).

وذكر ابن الأثير خروج عامة المسلمين في بغداد شيعة وسنة إلى زيارة الإمام الحسين(ع) في ليلة النصف من شعبان سنة(502 هـ)[4].

ولم تقتصر زيارة القبر الشريف للإمام الحسين(ع) على خصوص عامة الناس، بل قد كان الجهاز الحاكم يمارس هذه الشعيرة أيضاً، وقد كان الخلفاء من بني العباس، وكذا من جاء بعدهم، والوزراء والأمراء يقوون بالزيارة، كما حظي الحرم الشريف للإمام(ع) بعناية خاصة من بعضهم من حيث العمارة، وما شابه ذلك[5].

ثار الله:

على أنه لو رفعت اليد عن ملاحظة رؤية المسلمين للقضية الحسينية، وما يرتبط بها من شعائر، وأنها مرتبطة بهم جميعاً، وليست مختصة بفئة الشيعة فقط، فإن النصوص الموجودة تساعد على هذا المعنى العام أيضا، ولا نقصد بذلك النصوص التي دلت على كونه ابناً لرسول الله(ص)، وأنه سبطه، وأنه سيد شباب أهل الجنة، بل النصوص التي دلت على أنه(ع) ثار الله، فإن هذا التنصيص على هذا المعنى يعني عدم الاختصاص بجماعة دون أخرى، بل هو قضية إلهية سماوية، ومن الخطأ حصر نهضته المباركة(ع)، على فئة معينة، أو جماعة خاصة.

ومن هنا ينبغي أن يكون العرض للقضية الحسينية عرضاً شمولياً بصورة إسلامية وليس عرضاً منحصراً في مذهب معين أو فئة خاصة من المسلمين، كالشيعة مثلاً دون غيرهم.

إن قلت: إننا نسلم بكل ما ذكرتموه من كون القضية الحسينية قضية إسلامية، وليست منحصرة في الطائفة الشيعية، وأنه ينبغي أن يعمد المسلمون جميعاً إلى إحيائها، إلا أن ما لا ينكر أن هناك جملة من الشعائر والممارسات التي تصدر من الشيعة حال إحيائهم لذكرى واقعة الطف الأليمة، مستفزة للآخر، مثل شعار: يا لثارات الحسين، فإن الآخر يقرأ أنه المقصود بهذا الشعار، وأنه المعني بأخذ الثأر منه. وكذا ما تضمنته بعض النصوص، من أن صاحب الزمان(عج)، سوف يقوم بقتل ذراري أبناء قتلة الإمام الحسين(ع) بمجرد خروجه، وظهوره، وانتهاء فترة الغيبة المظلمة. فلماذا لا يعمد إلى ترك هذه الأمور، وعدم الحديث عنها رغبة في وحدة الصف واتحاد الكلمة.

قلت: من الواضح أن الغاية التي يرغبها المستشكل هي تحصيل وحدة الصف والكلمة بين المسلمين، الموجب لحصول التعايش بينهم، ولا ريب أن السعي لتحقيق ذلك أمر حسن لا يختلف عليه اثنان. إلا أن هذا التقارب من أجل التعايش بين المسلمين، لا يوجب ترك البحث وإغلاق ملف الدراسة خصوصاً إذا تجرد البحث عن الشخصنة، وأتخذ الناحية الموضوعية وامتاز بالنزاهة، لأنه والحال هذه يكون مؤثراً في تحقيق وحدة الصف، وتقريب الخطى بين الطوائف الإسلامية، لأن كل طائفة سوف يتسنى لها التعرف على ما عند الطائفة الأخرى من العقائد والأصول، فيحقق ذلك تقارباً بين الطائفتين، فلو أن أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى مثلاً حاولوا التعرف على المذهب الشيعي، لوجدوا أنهم لا يختلفون وإياهم في اعتبار أن يكون السجود على ما يكون متخذاً من الأرض والشجر مما لا يؤكل ولا يلبس، وليست التربة الحسينية على مشرفها آلاف التحيات والصلوات، إلا مصداق من مصاديق الأرض، نعم هي أشرف بقاع الأرض، وأكثرها قدسية، ما أوجب أن تكون موضعاً للسجود حال أداء تلك العبادة، لكي تربطهم بالقيم والمبادئ التي خرج الإمام(ع) من اجلها. وهكذا بقية الأمور الأخرى.

وبالجملة، إن عرض كل مذهب ما لديه من مفاهيم، وإبرازه لما يتضمنه من أمور، وقيام أصحاب المذهب الآخر بالتعرف على ذلك من المصدر المباشر، يوجب التقارب والتلاحم، لا التباعد.

وعلى العكس تماماً فإن إغلاق الملفات الخلافية بين الطوائف الإسلامية، ومحاولة التكتم عليها، وعدم العمد إلى التعرف عليها، موجبة لبقاء شيء من الأمر في النفوس، وبالتالي تبقى النار تحت الرماد، يمكن أن تُحرك في أية لحظة من اللحظات، لبقاء عنصر سوء الظن، متواجداً عندهم.

بعض الشعائر مسائل فقهية:

قد اتضح مما تقدم أن جملة من الشعائر الحسينية موضع اتفاق بين المسلمين من حيث المشروعية، وجواز الفعل والممارسة، كالبكاء على الإمام الحسين(ع)، وزيارة قبره الشريف، وإقامة المأتم عليه، والنوح، وما شابه ذلك.

وأما بقية الشعائر الأخرى، فهي لا تخرج عن كونها من صغريات المسائل الفقهية ذات البعد العقدي، ومثل هذه المسائل موضع خلاف داخل المذهب الشيعي نفسه، فبين من يبني على قبولها، وبين من يبني على رفضها.

ولا يتوهم من أحد البناء على كون ممارستها عملاً طائفياً يوجب الشحناء والبغضاء بين المسلمين أنفسهم، وهي لا تمثل الطائفة كافة، لا تمثل المذهب كاملاً، وإنما تمثل فئة منه، والأمثلة لذلك كثيرة لسنا بصدد التعرض لذكرها، لكونها جلية واضحة عند الجميع.

[1] موقع ويكيبيديا.

[2] -245(بتصرف)

[3] المنتظم ج 9 ص 122.

[4] الكامل في التاريخ ج 10 ص 470.

[5] الشعائر الحسينية في العصرين الأموي العباسي304-313(بتصرف).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة