المنهج القرآني في الفراغ من العمل

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
133
0

المنهج القرآني في الفراغ من العمل

 

ليس المطلوب من الإنسان بعد فراغه من عمل كلف به خلوده للراحة، بل يطلب العقلاء منه السعي للوصول لمكتسبات أعلى، وتحصيل ملكات أكمل، ولا أقل من حفاظه على ما حصل عليه، وعدم تفريطه فيه. فلا يقبل ممن صرف جهداً كبيراً في الدعاء والمناجاة والعبادة في ليلة القدر مثلاً حتى بلغ مرتبة عالية في النشاط الروحي، والتوبة والاستغفار، أن ينتكس فيرجع لما كان عليه من الفغلة وما  كان فيه من الاشتغال بالدنيا.

ومثل ذلك يقال لمن أنجز أعمال الحج وأتم النسك، فإن عوده كيوم ولدته أمه كما في النصوص، وغفران ما تقدم من ذنبه، كما في أخرى، أو الدعوة للاستقبال في ما يأتي في صنف ثالث، موجب لمواصلة الانسان ما بلغه في مدارج الكمال وصعوده مراتب أخرى أعلى، ولا أقل من الحفاظ على ما هو فيه.

ولا يختلف الحال بالنسبة لصيام شهر رمضان المبارك، إذ أن الله تعالى قد كفل للصائمين حقا أن يجللهم بلباس التقوى، فقال سبحانه:- ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[1]، فأحد الأهداف التي يبلغها الصائم بعد فراغه من أداء هذه الفريضة بلوغه مرتبة التقوى ووصوله إليها، وهي من المفاهيم المشككة التي قد ينحصر ما يحصل عليه الصائم فيها في أدنى مراتبها، فيطلب منه الرقي لبقية مراتبها الأخرى، وهكذا.

وهكذا يجري الكلام أيضا في إحياء شعيرة عاشوراء المباركة، والتوفيق للبكاء على الإمام الحسين(ع) واللطم على مصابه الأليم.

ومع أهمية الحفاظ على المكتسبات، فضلاً عن تطويرها، تبقى الحاجة للإحاطة بالطريقة المثلى التي يلزم اتباعها، والطريقة التي على الإنسان سلوكها، حتى يمكنه ذلك.

منهج القرآن بعد الفراغ:

وللقرآن الكريم منهج يشير للطريقة المتبعة في الحفاظ على المكتسبات بعد الفراغ من العمل، ويظهر ذلك من قوله تعالى:- (فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب)[2]، فإن المستفاد من هاتين الآيتين أنه ينبغي على الإنسان حال الفراغ من عمل ما، أو مهمة من المهمات ، قيامه بمهمة جديدة، لا أن يخلد للراحة والدعة والكسل، ويظهر ذلك بملاحظة المعنى اللغوي للفراغ فإن المقصود منه خلو الشيء. والمقصود من النصب هو التعب والجهد، وهذا لا يكون إلا بوضع الإنسان نفسه في مهمات جديدة، فيكون مدلول الآية الشريفة، أنه حال حصول الفراغ وتحقق الانتهاء والخلو من عمل ما، على الإنسان أن يلتحق بعمل جديد، ولا يتوقف.

ومقتضى عدم ذكر المتعلق لكلا المفردتين، الفراغ والنصب، البناء على العموم، القاضي بعدم اختصاص الفراغ فيها بشيء محدد، بل يكون شاملاً لكل فراغ، كما أن الاشتغال لما لم يحدد بذكر متعلقه، فلن يكون مختصاً بشيء ما، بل يلتزم فيه بالعموم.

ومنه يتضح أن المنهج القرآني قائم على عدم الاكتفاء بالإنجاز، بل لابد من البدء في عمل جديد، لبدء مرحلة جديدة، ومن مصاديق ذلك الأمور العبادية فبعد أن يفرغ الانسان منها يطلب منه الدخول في عمل جديد، وهكذا. ويساعد على ذلك لسان الخطاب في الآية الشريفة الموجه للنبي الأكرم محمد(ع)، فإن مهامه(ص) متعددة، وليست مختصة بواحدة ولا متعينة في بعض دون بعض، فالمطلوب منه أنه كلما أنجز عملاً أن يؤدي عملاً آخر، ولا يتوقف.

وهذا المعنى من سعة المدلول للمفهومين المذكورين في الآيتين أولى مما ذكره المفسرون في تفسيرها، إذ يلحظ القارئ لما ذكروه من أقوال، عمدهم لتحديد متعلق المفهومين المذكورين في الآية، ما أوجب ضيق مدلولهما، ومن الواضح أن تحديد المتعلق بعد حذفه يحتاج قرينة واضحة كي ما يلتزم بكونه المقصود في الآيتين، مع أن الاختلاف في تحديده بتعدد الأقوال شاهد على عدم وضوح القرينة المتصورة، وموجب للدغدغة في الأقوال المذكورة لو لم يكن مانعاً من قبولها.

الآراء التفسيرية في الفراغ والنصب:

وكيف ما كان، فقد وقع الاختلاف بينهم في تحديد المقصود بالفراغ والنصب، فذكرت أقوال[3]:

منها: أن المقصود من الفراغ هو الفراغ من التكاليف الإلهية الموجهة للنبي(ص) من تبليغ الرسالة، وهداية الأمة ونشر الإسلام وأخيراً فتح مكة، وعليه الآن أن ينتصب متفرغاً للعبادة والدعاء والشكر والتضرع والامتنان.

وهذا التفسير لا ينسجم مع عالمية الرسالة المحمدية، فإن مقتضاها عدم الانتهاء من العمل بمجرد فتح مكة، بل لا زال العمل مستمراً ومطلوباً فلم يحن وقت التفرغ للعبادة.

والحاصل، حتى يقبل التفسير المذكور لابد من رفع اليد عن عالمية الرسالة المحمدية، وهذا لا يمكن الالتزام به لخلافه لظاهر الآيات الشريفة.

ومنها: أن المقصود هو انتصابه(ص) لطلب الشفاعة بعد انتهائه من أداء الرسالة ومهماتها.

والتفسير المذكور يحدد متعلق المفهومين الواردين في الآية الشريفة، وهذا يحتاج قرينة مانعة من انعقاد العموم، وهي مفقودة في المقام. مضافاً إلى الحاجة لتحديد المقصود من الفراغ في أداء الرسالة، فإن كان يقصد به الانتهاء فيرد عليه ما تقدم في القول الأول، وإن قصد به معنى آخر كان بحاجة إلى قرينة موجبة للحمل عليه، وهي مفقودة في المقام.

ومنها: البناء على أن المقصود من متعلق الفراغ في الآيتين هو أداء الفرائض الواجبة كالصلاة، ومتعلق النصب هو أداء النوافل، فيكون المطلوب منه(ص) أنه بعد فراغه من أداء الفرائض يقوم بأداء النوافل.

وقد سمعت توقف القبول بهذا المعنى على وجود قرينة واضحة في المقصود وليس الأمر كذلك، لحذف المتعلق في كليهما. نعم قد يكون منشأ ذلك ملاحظة بعض النصوص التي أشارت لذلك، فلو كانت النصوص المذكورة في مقام التفسير أمكن جعلها قرينة. أما لو بني على أنها من صغريات قاعدة الجري والتطبيق، فلن تصلح للمدعى.

ومنها: جعل متعلق الفراغ هو الصلاة، وجعل متعلق النصب هو التعقيب، فيكون المقصود إذا فرغت من الصلاة، فاشتغل في الدعاء بالتعقيب.

وعليه، قد تجعل الآية الثانية أحد أدلة التعقيبات المذكورة في كتب الأدعية دبر كل صلاة، بل قد يدعى لزومها خلف كل صلاة لظهور الآية في الوجوب بمقتضى الأمر.

وقد ينشأ القول المذكور من وجود نصوص دالة عليه، فقد ذكر الشيخ الطبرسي(ره) أنه المروي عن الإمامين الباقرين(ع)، وقال الصادق(ع): هو الدعاء في دبر كل الصلاة وأنت جالس[4].

فمن النصوص التي أشار لها، ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله(ع) قال: كان أبي يقول في قول الله تبارك وتعالى:- (فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب)، فإذا قضيت الصلاة بعد أن تسلم وأنت جالس، فانصب في الدعاء من أمر الدنيا والآخرة. فإذا فرغت من الدعاء، فارغب إلى الله عز وجل أن يتقبلها منك[5].

وحتى يستند للنصوص المذكورة في استفادة المعنى من الآيتين، لابد من ظهورها في التفسير، لا أن ذكرها لهذا المعنى بنحو المصداق، فيندرج في صغريات قاعدة الجري والتطبيق.

ولا مجال للمنع من التفسير المذكور بعدم وجود القرينة الموجبة لترجيحه، لأن مقتضى ظهور النصوص الدالة عليه في التفسير سوف تكون رافعة لما في الآيتين من اجمال وغموض.

والحاصل، وفقاً للقول المذكور سوف تكون غاية الآيتين تشريع التعقيبات الصلاتية دون أي شيء آخر، وهذا يعتمد على وجود ما يدل عليه من نصوص بالمعنى الذي ذكرناه، مضافاً لكونها تامة الصدور، بعدم وجود خدشة سندية في شيء منها، ليحرز صدورها.

ومنها: أن يكون متعلق الفراغ هو الجهاد، ومتعلق النصب هو العبادة فيكون المعنى يا محمد(ص) إذا فرغت من الجهاد وقتال الكفار والمشركين، واليهود، فانتصب للعبادة واشتغل بها.

ومانع القبول بهذا القول، أن جهاد رسول الله(ص) لا ينحصر في حدود الجزيرة العربية ومشركيها وكفارها عرباً ويهوداً بل إن مقتضى عالمية الرسالية المحمدية، كما قرر في محله، يستوجب استمرارية جهاده(ص) ليشمل العالم كله، وهذا يعني عدم تحقق الشرط المعلق عليه التفرغ للعبادة، لأنه لن ينتهي جهاده.

ولو قيل: أن المقصود بالجهاد خصوص ما كان في الجزيرة العربية لا مطلقاً ليختص بأهل مكة ومن حولها من العرب، أو ليشمل اليهود أيضاً فيكون موضوع النصب متحققاً، لأنه(ص) سيفرغ من هؤلاء.

قلنا: أن هذا يتنافى وما أشير إليه سابقاً من عالمية الرسالية، وعدم اختصاصها بالجزيرة العربية. مع أن مقتضى عالمية الرسالة شمول دعوته للفرس والروم وكافة سكنة المعمورة.

ومنها: البناء على أن متعلق الفراغ هو ما تقدم في القول السابق وأنه الفراغ من قتال الأعداء والدعوة للتوحيد، وهذا ما يعبر عنه بالجهاد الأصغر، ومتعلق النصب هو الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس.

وليس في البين ما يشير من قريب أو قريب لما ذكر خصوصاً وأنك قد عرفت دلالة الآيتين على العموم لحذف المتعلق، وتخصيصه بشيء متوقف على وجود قرينة واضحة وليس في البين شيء من ذلك.

ومنها: إن المقصود من العمل المفروغ منه هو الفراغ من الأمور الدنيوية، والعمل الذي يلزم الاستعداد له بالانتصاب إليه هو الأمور الأخروية. وعليه سوف يكون المعنى أنه إذا فرغ الإنسان من أموره الدنيوية فعليه الاشتغال بالأمور الأخروية، وهذا التفسير كأنه يشير إلى عدم الاستقلال من أحد الجانبين دون الآخر، فكما ينبغي للإنسان الاستفادة من الدنيا، كذلك عليه التوجه للآخرة، ورغبة الإنسان في الآخرة لا تمنع من الاستفادة من الدنيا.

وقد يمنع القبول بالتفسير المذكور بناء على دعوى أن الرؤية القرآنية قائمة على تقديم الآخرة على الدنيا، وهو خلاف التفسير المذكور لكونه يقدم الدنيا على الآخرة.

والحق أن الرؤية القرآنية والاسلامية رؤية وسطية تعطي عناية بالنيات والاستفادة منها وفق معايير معينة كما تهتم بالآخرة وتوليها أهمية خاصة أيضاً فجعل رؤية الدين تقديم الأمور الأخروية مطلقاً في غير محله.

نعم لا مجال للقبول بالتفسير المذكور، ضرورة أن تحديد المتعلق في الفراغ والنصب بما ذكر لا دليل عليه، فيبقى العموم أو الاطلاق المستفاد من المفهومين في الآيتين على حاله.

الفراغ من التبليغ والنصب للخلافة:

ومنها: البناء على العموم في مفردة الفراغ فلا يحدد متعلقه في شيء معين، ويحدد متعلق النصب ليكون مختصاً بموضوع ما وهو الخلافة بعد النبي(ص)، وعليه يكون معنى الآية المباركة، يا محمد إذا فرغت من المهام الموكولة إليك فابذل الوسع والجهد والطاقة في تنصيب علي(ع) خليفة على المسلمين من بعدك.

وقد يكون منشأ التفسير المذكور الالتزام بعدم السعة في مفهوم النصب، ليكون المقصود منه غير ما ذكرناه، وهو بذل الوسع والجهد والطاقة لحصول التعب، بل يكون المقصود منه التنصيب والجعل والإقامة لفرد موضع فرد اخر، فيكون المعنى انصب علياً(ع) خليفة من بعدك.  قال بعض المعاصرين: والمروي عن أئمة أهل البيت(ع) مستفيضاً صريح في النصب، وإن كان النصَب أيضاً يشمله، ومن النصب أيضاً هو جعل النصيب، أو تولية المنصب، وهما يناسبان نصب الخلافة الإسلامية، فإنها نصيب للرسول، يستمر به بعد مماته كما كان قبله، وكما عن الصادقين(ع) تفسيراً للآية: فإذا فرغت من نبوتك فانصب علياً وإلى ربك فارغب في ذلك، وهو الوجه الوحيد الموافق لمقام الآيات واللغة[6].

وما ذكره من موافقة للغة، عنى به ما ذكره قبل ذلك بقوله: ثم(فانصب)لغوياً-على الصحيح أو الأصح-أمر بالنصْب لا بالنَّصبَ، وإلا كان فانصِب. وفي المنجد: نصب-نصباً الشيء: رفعه وأقامه، والأمير فلاناً: ولاه منصباً[7].

وقد تضمنت النصوص المعنى المذكور، ففي التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله(ع)، في قوله تعالى:- (فإذا فرغت)من نبوتك، (فانصب) علياً،(وإلى بك فارغب)في ذلك[8].

وفيه أيضاً: في تفسير قوله تعالى:- (فإذا فرغت فانصب) قال: إذا فرغت من حجة الوداع فانصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب[9].

وفي خبر عبد الحميد بن أبي الديلم المروي في الكافي، عن أبي عبد الله(ع) في حديث طويل عن رسول الله(ص) فاحتج عليهم حين أُعلم بموته ونعيت إليه نفسه، فقال الله جل ذكره:- (فإذا فرغت فانصب*وإلى ربك فارغب) يقول: فإذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيك، فأعلمهم فضله علانية، فقال(ع): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات. ثم قال: لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار، يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه[10].

ومن الواضح أن هذا يقوم على الالتزام بأن كلمة(فانصب) تقرأ بالكسر لتفيد معنى الجعل والتنصيب، بخلاف ما لو كان القراءة لها بالفتح فلن تكون ظاهرة في ذلك. نعم قال بعضهم بعدم وجود فرق بين القراءتين في الدلالة على النصب بمعنى الجعل والإقامة، وهو غير واضح، خصوصاً وأن أكثر اللغويين على الفرق بينهما.

وعليه يتضح أن القول المذكور يقوم على أمر اجتهادي وليس أمراً مسلماً لتحديد المعنى المقصود، وهذا مانع من البناء عليه والقبول به.

وبالجملة لا مجال للبناء على التفسير المذكور للمفردتين ليكون المقصود منهما ما ذكر، كيف وقد عرفت عدم وجود ما يصلح للدلالة عليه، ويسنده للبناء عليه.

وأما بالنسبة للنصوص المذكورة، فبعيداً عن ضعفها السندي، لما عرفت في محله من عدم صحة نسبة الكتاب الموجود بأيدينا لعلي بن إبراهيم القمي، وضعف رواية الكافي سنداً بعبد الحميد، فإنه يمكن حملها على الجري والتطبيق، ليكون مفادها مصداقاً من مصاديق الفراغ والنصب، وليس تمام المقصود بهما.

ومنها: أن يكون متعلق الفراغ هو الفراغ من الدور الرسالي المتمثل في تبليغ الشريعة السمحاء، فعندها يأتي دور الانتصاب للعبادة والارتباط بالله سبحانه وتعالى.

وكأن الثاني ناتج عن الأول بحيث يكون الانتصاب للعبادة فرع الفراغ، ليكون نحواً من أنحاء الشكر لله عز وجل بعد توفيقه للقيام بأداء المهمة وعمل الوظيفة.

وقد تحصل بعد استعراض الأقوال التفسيرية المذكورة بعدها عن المقصود من المفردتين في الآيتين الشريفتين، وتعين المعنى الذي ذكرناه القاضي بعرض منهجية قرآنية يلزم اتباعها في التعاطي مع الفراغ من كل عمل يقوم به المكلف[11].

الشكر مبدأ عقلائي مطلوب:

ولا يبعد أن يكون هذا العرض القرآني للوظيفة المطلوبة من الإنسان حال فراغه من عمل من الأعمال بالانتقال لعمل جديد مع الحفاظ على المكتسبات الحاصلة من العمل السابق، نحو تربية لشكر المنعم على هذا التوفيق، بطريقة عملية، ذلك أن كثيراً من الأفراد يغيب عنهم الشكر للباري سبحانه وتعالى على التوفيق للعبادة والطاعة، فيحصرون شكره سبحانه في حصول تلبية حوائجهم وتحقيق رغباتهم دون القضايا المعنوية، بل يغفلون عن أن التوفيق لسؤاله عز وجل بنفسه عمل يستحق الشكر عليه، فجاء الحفاظ على المكتسبات الحاصلة بعد الفراغ من العمل، والاشتغال بعمل جديد نحو من أنحاء الشكر العملي كما ذكرنا لله سبحانه وتعالى.

ويعتبر هذا الأسلوب التربوي نقلة نوعية في علاج المرض الأخلاقي عند الإنسان وتربية لتحقيق الهدف بأسلوب مختلف. ويساعد على ما ذكرناه ما جاء في ختام السورة المباركة، فقد قال تعالى:- (وإلى ربك فارغب)[12]، فهي تدعو العبد إلى اللجوء للباري سبحانه والرغبة فيه وذلك بشكره على هذه التوفيق.

ولا يختلف اثنان في أن الشكر مبدأ وقانون عقلائي يدعو له العقلاء قبل دعوة القرآن الكريم إليه فهم يرون لزوم شكر كل صاحب نعمة على المنعم عليه، كما أنهم يلومونه لو أخل أو قصر في شكره، فما بالك بصاحب النعم كلها[13].

[1] سورة البقرة الآية رقم 186.

[2] سورة الشرح الآيتان رقم 7-8.

[3] استقرأ أكثرها لو لم تكن كلها، صاحب تفسير البصائر ج 56 ص 686-691.

[4] مجمع البيان ج 10 ص 772.

[5] وسائل الشيعة باب التعقيب

[6] الفرقان في تفسير القرآن ج 30 ص 215.

[7] المصدر السابق.

[8] تفسير القمي ج 2 ص 429.

[9] المصدر السابق ص 428.

[10] أصول الكافي ج 1 كتاب الحجة ح 3 ص 293.

[11] وقد أختار هذا الرأي أيضاً آية الله الشيخ مكارم(حفظه الله) في تفسيره الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل ج 20 ص 274. مناهج البيان في تفسير القرآن ج 30 ص 565.

[12] سورة الشرح الآية رقم 8.

[13] اعتمد في نقل الأقوال المذكورة، وملاحظة المناقشة فيها على ما ذكر حول تفسير سورة الشرح، مع القيام بشيء من التصرف في المادة المذكورة.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة