س: كثيراً ما نسمع أن فلاناً أصابته عيناً، أو احذر من العين، فهل لذلك حقيقة؟

لا تعليق
مسائل و ردود
212
2

العين واقعيتها وأثرها

س: كثيراً ما نسمع أن فلاناً أصابته عيناً، أو احذر من العين، فهل لذلك حقيقة؟

عرفت العين بأنها: النظرة إلى الشيء على وجه الإعجاب. وقد أخذ بعضهم قيداً آخر في تعريفها وهو: الإضرار به، بحيث لم يكتف في تحديد المقصود منها بالإعجاب بالمنظور إليه، وإنما تكون الغاية من النظر إليه مضافاً إلى الإعجاب به الإضرار به.

والظاهر عدم اعتبار القيد المذكور، لأن المستفاد من حقيقتها وما يذكر من ترتب الأثر عليها عدم اعتبار ذلك، خصوصاً كما سيأتي في بيان الفرق بينها وبين الحسد، وأن العائن قد يصيب نفسه، ومن الواضح أن المصيب نفسه لا يكون قاصداً الإضرار بها.

وهذا يعني أن العين قد تؤدي إلى إسقاط الحمل، كما أنها قد تؤدي إلى طمس البصر، مضافاً إلى أنها قد تسبب الإصابة بالجنون، أو تؤدي إلى الهلاك والموت، وهكذا.

وقد تضمنت النصوص الشريفة ذكر العين والإشارة إليها، فقد روي أن بني جعفر بن أبي طالب(رض) كانوا غلماناً بيضاً، فقالت أسماء بنت عميس(رض): يا رسول الله، إن العين إليهم سريعة، أفأسترقي لهم من العين؟ فقال(ص): نعم، فلو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين.

ويمكن من خلال التعريف المذكور، تحديد النسبة بينها وبين الحسد، وأن العين أعم منه، وهو أخص منها، ذلك أن الحاسد يقصد دائماً وأبداً زوال نعمة الغير، وليس هذا القيد معتبراً في العائن، بل ربما لا يكون مريداً لذلك أصلاً إلا أنه يصدر منه الأثر كما لا يخفى.

ومن خلال عرض النسبة بين العين والحسد يتضح مقدار الفرق بينهما، نعم في بعض الكلمات تصور اتحادهما من حيث المفهوم، وأنهما يؤولان إلى شيء واحد، فلا فرق بينهما.  وهذا يستوجب الالتـزام بكون حقيقتهما واحدة.

والصحيح وفقاً لما تقدم من بيان النسبة، ولما جاء في كلمات أهل الاختصاص البناء على المغايرة بينهما، وقد عددوا مجموعة من الفروق بينهما:

منها: إن العين والحسد يشتركان في الأثر، لكنهما يختلفان في الوسيلة، فالحاسد قد يحسد ما لم يره، فلا يعتبر في حصول الحسد منه أن يكون الشيء المحسود مرئياً بالنسبة إليه، بل يمكنه أن يحسد الشيء بمجرد سماعه عنه، كما أنه يحسد ما رآه أيضاً، وكذا قد يحسد الأمر المتوقع الحصول قبل وقوعه، فلو سمع أن شخصاً سوف يحصل له أمر ما، فإنه يمكن أن يوقع حسده عليه، كما يحسد الأمر الواقع خارجاً، وأما العاين، فإنه لا يصيب إلا ما يراه خارجاً، وما يكون موجوداً فعلاً. وهذا يعني أنه لا يصيب بعينه ما يكون متوقع الحصول، كما أنه لا يصيب الأمر الذي ليس مرئياً له في الخارج.

وقد وقع الخلاف بين الأعلام في أن للعين تأثيراً خاصاً وواقعية في الخارج إذا نظرت إلى شيء ما بإعجاب، أوجب ذلك ترتب الأثر، فيكون كتأثير اللسع والسم والنار في البدن، فلو كان المنظور إليه إنساناً، فقد يصاب بالمرض، أو يصاب بالجنون، أو قد يموت، ولو كان المنظور إليه شيئاً من الأشياء فقد ينكسر، أو قد يتلف أو قد يعطب فلا يكون صالحاً للاستفادة منه، أو يلتـزم بعدم ثبوت شيء من ذلك، وإنما مرجع كل ما يقع إلى القدرة الإلهية، وتأثيرها، وما يكون موجوداً في الخارج هو نحو من أنحاء الإيحاءات النفسانية؟ هناك قولان بينهم:

المعروف والمشهور هو البناء على ثبوت الأثر الخاص لها، وأن إصابتها واقعية، وخالف الجبائي وبعض الأعلام المعاصرين، فبنوا على عدم ثبوت التأثير إليها، وإنما الموجود خارجاً هو تأثير قدرة الله سبحانه وتعالى.

وظاهر النصوص البناء على القول المشهور، ولهذا يحتاج أصحاب القول الآخر حمل النصوص المذكورة على خلاف ظاهرها.

والبناء على تأثيرها في ما حولها لا يعدّ أمراً مستحيلاً من الناحية العقلية، بل يحكم العقل بإمكان ذلك وقابلية تحققه خارجاً كما هو واضح. وهذا يعني أن القائلين بالثبوت في راحة من إقامة الدليل على مدعاهم، إذ بعد ثبوت الإمكان العقلي، لا يحتاجون إلى أكثر من إيجاد الإمكان الوقوعي من خلال ذكر بعض النماذج التي وقعت في الخارج كي ما يلتـزم بثبوت التأثير المذكور، ولا أظن أحداً يكاد ينكر وقوع ذلك خارجاً، نعم القائلون بالعدم سوف يعمدون إلى تأويل ما وقع في الخارج، وليس شرطاً أن يكون التأويل المذكور تاماً.

وكيف كان، فقد استند القائلون بثبوت ذلك خارجاً إلى أدلة:

منها: ما حكاه الرازي عن الفلاسفة، وحاصله: إن التأثيرات في الأشياء قد يكون تأثيراً مادياً، وقد يكون تأثيراً نفسانياً، فمن التأثيرات المادية تأثير الكيفيات المحسوسة، من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في الجسم. ومن التأثيرات النفسانية تأثير العوامل الخارجية على الإنسان، كعامل الخوف أو القلق، أو الغضب، فإن امتناع الإنسان من البقاء في دار مظلمة كاشف عن كونه خائفاً من أمر مجهول، جعله لا يبقى في الدار منفرداً. كما أن منشأ وجود الغضب على الآخرين عند الإنسان في قلبه، والموجب لحصول السخونة في مزاجه يرجع إلى تصوره أن فلاناً يؤذيه.

وأما القائلون بعدم واقعية العين وتأثيرها، فانقسموا إلى فريقين:

الأول: من أنكر واقعيتها وتأثيرها، لعدم قيام حجة يستند إليها في إثبات ذلك، وهم الجبائي ومن وافقه.

الثاني: من عمد إلى حمل النصوص المتضمنة لتأثير العين وواقعية ذلك على خلاف ظاهرها، معالجة منه لدلالتها على الواقعية والتأثير.

فأول السيد الرضي(ره) ذلك بالتالي: لا ريب في أن الله تعالى يفعل ما يكون موافقاً لمصالح العباد طبقاً لما يعلمه من الصلاح لهم، في تلك الأفعال التي فعلها، وعليه فلا يمتنع أن يغير نعمة زيد مصلحة لعمرو إذا علم سبحانه أنه لو لم يسلبها زيداً أقبل على الدنيا بوجهه، ونأى عن الآخرة بعطفه، ومتى سلبه سبحانه تلك النعمة عوضه عنها وأعطاه بدلها عاجلاً وآجلاً، وعلى هذا يحمل قوله(ص): إن العين حق، فالله سبحانه يزيل ما أعجب الآخرين، لأنه قد يكون سبباً لانحراف المعجب بما عنده فيركن للدنيا. ويشهد لهذا التأويل والحمل، ما روي عنه(ع) من أن الشيء إذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره، وصغر أمره.

تنبيه وإيقاظ:

هذا ولا يتصور أحد أن الالتزام بثبوت الواقعية والتأثير للعين يعني الاعتقاد بما ينتشر بين عامة الناس، وخصوصاً النساء، من أعمال لا تخلو عن خرافة وشعوذة، فإنه مضافاً لمخالفة ذلك للشرع المقدس، يعدّ تعطيلاً للعقل البشري أيضاً، والله سبحانه العالم بحقائق الأمور.

جنة الرضا(ع)

مشهد المقدسة

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة