كتاب سليم بن قيس

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
332
2

 

من أهم المصادر التي أرخت للأحداث التي وقعت بعد رحلة النبي الأكرم محمد(ص) من الدنيا، هو كتاب سليم بن قيس الهلالي، وقد تعددت الأراء حول الكتاب المذكور، واختلفت أقوال العلماء حوله، فنجد من يعمد إلى إثباته، والتسليم به، ويقابله من لا يرضى بثبوته.

ولا تنحصر أهمية الكتاب في خصوص اشتماله على الأحداث الدامية التي وقعت على البيت المطهر لآل العصمة والطهارة(ع)، من الهجوم على بيت أمير المؤمنين(ع)، وعصر السيدة الطاهرة الزهراء(ع)، وكسر ضلعها، واسقاط جنينها، ولطم خدها، وإحراق بيتها، لأنه لا يخرج كتاب سليم عن كونه أحد المصادر المتعرضة لهذه الحادثة، نعم هو من أقدمها،

إلا أن الأمر ليس منحصراً فيه، خصوصاً مع تعدد الطرق التي يمكن إثبات الحدث المذكور منها، بل إن الرجوع لمتابعة بعض الأحداث التاريخية المصاحبة لفترة حياة أمير المؤمنين(ع)، والأئمة من بعده تفيد حصول الحادثة المذكورة، لأن سيرتهم(ع) قد اشتملت على ما يشير إلى ذلك، فهذا معاوية يعيّر أمير المؤمنين(ع) بسحبه من داره، ومن المعلوم أن هذا العمل، إنما وقع يوم هجم على بيت الزهراء(ع)، وهذا السحب يمثل مفردة مما وقع، وهكذا.

وهذا ما يعبر عنه تاريخياً بجمع القرائن للدلالة على الحدث التاريخي.

وبالجملة، لا تنحصر أهمية الكتاب المذكور في كونه أحد المصادر لنقل حادثة الهجوم على الدار، بل هو يعدّ واحد منها.

سليم بن قيس:

وسليم، هو سليم-بضم السين، وفتح اللام، ثم الياء الساكنة، والميم بصيغة التصغير- بن قيس الهلالي، كانت ولادته قبل الهجرة النبوية بسنتين، وقد كان عمره يوم رحلة النبي(ص) عن عالم الدنيا أثني عشر سنة.

ولم يسكن المدينة خلال حياة النبي(ص)، كما أنه لم يكن موجوداً فيها أيام أبي بكر، وقد دخلها في أوائل أيام عمر بن الخطاب، قبل السنة السادسة عشر من الهجرة النبوية.

أسباب تأليف الكتاب:

وقد كان داعيه إلى تأليف الكتاب، هو ما رآه من ظروف ثقافية، وخذلان لأهل البيت(ع) من أكثر الناس، لهذا عمدّ إلى تأليف كتابه.

وقد اعتمد في نقله للحقائق والأحداث التي جرت خلال تلك الفترة في يوم السقيفة، على ثلاثة أشخاص، وهم: سلمان، وابن عباس، والبراء بن عازب.

وقد كان هؤلاء الثلاثة ممن عايش القضية وعاشها، وشهد أحداثها وجميع فصولها بعينه، وقد اتفقت كلمتهم على مظلومية الإمام أمير المؤمنين(ع)، والسيدة الطاهرة الزهراء(ع)، وهضم حقيهما من قبل الأمة.

وقد روى سليم بن قيس عن كل من سلمان، وأبي ذر والمقدار، وقد كانت روايته عنهم على نوعين:

الأول: أن يروي عن كل واحد منهم منفرداً، فيروي عن سلمان مثلاً، أو عن أبي ذر، أو عن المقداد.

الثاني: أن تكون روايته عنهم جميعاً مجتمعين، فيروي عن الثلاثة في مجلس واحد، دفعة واحدة. وقد أكثر من الرواية عنه(رض) مجتمعين.

وبعد خروج سلمان(رض) من المدينة والياً على المدائن، كان يجتمع مع المقداد وأبي ذر، ويأخذ عنهما.

وكان مما نقله سليم من وقائع تلك الأيام، تغريم عمر جميع عماله نصف أموالهم، واستثنى قنفذاً، وقد سأل أصحاب أمير المؤمنين(ع) الإمام(ع)، بعدما عظم عليهم ذلك، فأجاب(ع): أن ذلك مكافاة له على جرأته وضربه فاطمة(ع)، تلك الضربة التي ماتت شهيدة منها.

وعاصر سليم الكبت الفكري والثقافي في عهد الرجل الثالث، وتعذيبه ونفيه لكل من خالفه من الصحابة، فضرب عمار حتى غشي عليه وأصابه الفتق، ونفى أبا ذر إلى الربذة.

وشارك سليم أمير المؤمنين(ع) حروبه الثلاثة، وعاش معه محنته مع الأمة، حتى خر شهيداً في محراب صلاته، ليكون بعدها في خدمة الإمامين الحسنين(ع). وبقي معهما وبعدهما يكابد الحكم الأموي، ويعيش مرارته.

وفي عهد الحجاج هرب إلى أرض فارس بمدينة كبيرة تسمى نوبندجان بالقرب من شيراز، وهناك تعرف على شاب اسمه أبان بن عياش، وقد كان عمره أربعة عشرة سنة، وقد كان عمر سليم حينها خمسة وسبعين سنة، ولم يعرف سبب الالتقاء بينهما، هل كان صدفة، أم كان ذلك لوجود نسب بينهما، فنـزل في داره واستأنس به، ولما كان أبان طالب حقيقة كما كان سليم عندما دخل المدينة، خصوصاً وأن معارفه كانت مقتصرة على خصوص القرآن الكريم، وما ينقل إليه تحديثاً بواسطة الحاكمين متضمناً التشويه والتحريف للحقائق، لذا وجد في سليم ضالته، فأخذ يسأل سليماً عن الحقيقة، وهو يجيبه حتى فتح الله على بصيرته.

وبعدما استوثق سليم من أبان وأطمأن إليه، ووجد فيه حرية الرأي وحب الوصول إلى الحقيقة، عندها قام سليم بمناولة أبان كتابه، واشترط عليه شروطاً ثلاثة:

1-أن لا يخبر به أحداً ما دام سليم حياً.

2-أن لا يحدث به أحداً من وفاته إلا بعد أن يثق به كثقته بنفسه.

3-أن يدفعه إلى من يثق به من شيعة علي بن أبي طالب(ع) ممن له دين وحسب، إذا ألمت به ملمة.

وبعدها بمدة وجيزة فارق سليم الحياة وكان ذلك سنة 76 هـ، وعمره 78 سنة، وهاجر أبان يبحث عن الحقائق ليجدها موافقة لما جاء في كتاب سليم.

الأقوال حول الكتاب:

هناك رأيان أساسيان حول الكتاب المذكور:

الأول: الرأي المعروف، ولعله المشهور بين علماءنا، من البناء على ثبوت نسبة الكتاب لسليم بن قيس، والاعتناء به، والاهتمام بما جاء فيه.

الثاني: ما أختاره ابن الغضائري(ره) من البناء على عدم ثبت نسبة الكتاب إلى سليم، وأنه موضوع، قال(ره): والكتاب موضوع لا مرية فيه، وعلى ذلك علامات تدل على ما ذكرنا:

منها: ما ذكر أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت.

ومنها: أن الأئمة ثلاثة عشر، وغير ذلك.

وأسانيد هذا الكتاب تختلف تارة برواية عمر بن أذينة، عن إبراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم. وتارة يروي عمر عن أبان بلا واسطة[1].

وقد استند في مختاره بنفي النسبة إلى أمرين:

أحدها: ما تضمنه الكتاب من أن محمد بن أبي بكر، قد وعظ أباه عند موته، وهذا لا ينسجم والثابت تاريخياً من أن عمر محمد في ذلك الوقت لا يزيد على أربع أو خمس سنوات، فكيف يتصور صدور الوعظ منه في هذا العمر؟!

ثانيهما: اشتماله على بعض الروايات التي تدل على أن الأئمة الأطهار بعد النبي الأكرم محمد(ص) ثلاثة عشر إماماً، وهذا مخالف لما عليه الضرورة من أن عددهم أثنا عشر إماماً.

والظاهر أن نظر ابن الغضائري(ره) إلى ما جاء في الحديث الخامس والأربعين، حيث جاء فيه: ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين أحدهما أنا فبعثني رسولاً ونبياً، والآخر علي بن أبي طالب وأوحى إلي أن اتخذه أخاً خليلاً ووزيراً ووصياً وخليفة-إلى أن قال-ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فأختار بعدنا اثني عشر وصياً من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي واحداً بعد واحد مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم[2].

واحتمال نظره(ره) إلى ما جاء في الحديث السادس عشر في ما نقله عن كتاب الراهب: فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله-إلى أن قال-أحمد رسول الله، واسمه محمد….ثم أخوه صاحب اللواء….ثم أحد عشر إماماً من ولد أول الاثني عشر[3].

أو ما جاء في الحديث الخامس والعشرين، من قول رسول الله(ص): إنما عنى بذلك ثلاثة عشر إنساناً، أنا وأخي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولدي، واحداً بعد واحد، كلهم أئمة، القرآن معهم، وهم مع القرآن لا يفترقون حتى يردوا عليّ الحوض، قالوا: اللهم نعم[4]. كما عن بعض الباحثين، بعيد جداً، ذلك أن الحديثين المذكورين لم يتضمنا عدّ الأئمة(ع) ثلاثة عشر إماماً، ومجرد إطلاق لفظ الإمام على رسول الله(ص) في الحديث الثاني منهما، وكونه(ص) أحد الثلاثة عشر، لا يثبت الأمر، لأنه(ص) لا يختلف عن أبي إبراهيم الخليل(ع) في كونه إماماً، بعد كونه نبياً ورسولاً، كما أنه(ص) أحد الثلاثة عشر الذين اصطفاهم الله تعالى وانتخبهم، وجعلهم حجة على العباد.

وكلام ابن الغضائري(ره) في الأئمة الخلفاء بعد رسول الله(ص)، وليس في مطلق الأئمة، أو المعصومين، كما لا يخفى.

وبالجملة، يتعين ما يصلح شاهداً لكلامه(ره) في خصوص المورد الذي ذكرناه، دون الموردين المشار إليهما.

ولعل هذا هو منشأ ما صدر من المفيد(قده) في كتاب تصحيح الاعتقاد، حيث قال: وأما ما تعلق به أبو جعفر(ره) من حديث سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه برواية أبان بن أبي عياش، فالمعنى فيه صحيح، غير أن هذا الكتاب غير موثوق به، ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس، فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه، ولا يعول على جملته والتقليد لرواته، وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد، والله الموفق للصواب[5].

إجابات الأعلام:

وقد تصدى العديد من الأعلام(رض) للإجابة عما ذكره العلمان، ابن الغضائري، والمفيد(ره)، من التشكيك في ثبوت نسبة الكتاب المذكور لسليم، محاولين إثبات النسبة، ودفع ما تضمنه كلامهما من إشكال.

جواب كلام ابن الغضائري:

واتخذت الإجابة عن كلام ابن الغضائري، نحوين من الجواب:

الأول: التشكيك في المصدر الذي تضمن التشكيك في نسبة كتاب سليم لسليم، وعدم التعويل على ما تضمنه.

الثاني: رد الإشكالين الذين استند إليهما.

أما النحو الأول، ففيه جوابان:

أولهما: نفي نسبة الكتاب لابن الغضائري، فقد ذكر بعض الأعاظم(ره) وغيره من الأعلام، أن كتاب الضعفاء لم تثبت نسبته لابن الغضائري(ره)، وهذا يجعل الكلام ساقطاً عن الاعتبار والقيمة العلمية، توضيح ذلك:

من المعلوم أن مصدر الكلام المحكي عن ابن الغضائري من التشكيك في صحة نسبة الكتاب لسليم بن قيس، هو كتاب الضعفاء المنسوب للشيخ ابن الغضائري، سواء قصد بذلك ابن الغضائري الابن، أم كان المقصود به الأب، إلا أن نسبة الكتاب المذكور لأي منهما غير ثابتة كما حقق في محله، وهذا يجعل المصدر المنقول منه الكلام غير معروف المؤلف، ولا القائل، فلا يعول عليه.

بل إن بعض الأعلام، قد ألتـزم أن الكتاب المذكور، مما وضعه المخالفون ونسبه لابن الغضائري(ره) رغبة منه في الإساءة للطائفة، والنيل من علماء المذهب الحق.

والجواب المذكور، جواب مبنائي، وليس جواباً بنائياً، فإنه يجري بناء على الالتزام بعدم صحة نسبة الكتاب لابن الغضائري(ره) كما أختار ذلك بعض الأعاظم(قده)، وغيره من الأعلام، أما بناء على القول بثبوت نسبة الكتاب إليه، كما هو مختار جملة من الأعلام، بينهم بعض أساطين العصر من المحققين(أطال الله في عمره الشريف)، فإنه لا يجدي نفعاً وعلاجاً للمشكلة كما لا يخفى.

ثانيهما: بعد التسليم بثبوت نسبة الكتاب لابن الغضائري(ره)، إلا أنه لا يعول على ما جاء فيه من أراء وأقوال، توضيح ذلك:

لقد بنى جملة من الأعلام على أن ما تضمنه كتاب الضعفاء لابن الغضائري، لم يصدر منه على وفق القواعد العلمية المعتمدة والمتبعة في التوثيقات والتضعيفات وملاحظة نسبة الكتب لمؤلفيها من تلقي ذلك من قبل المشائخ والأساتذة، ونقلها بالرواية كابراً عن كابر، بل كانت له طريقته الخاصة التي يعتمدها في الوصول للنتائج، وهي تقوم على دراسته للراوي بملاحظة مروياته، ليعطي قراراً فيه من حيث الوثاقة وعدمها، وكذا ملاحظة منهج الكتاب، كي ما يقدم تقيـيماً له، ليقبل به من عدمه، وهكذا.

ومن الواضح، أن هذا اجتهاد شخصي منه(ره)، فلا يكون ملزماً لأحد من الأعلام، لأن النتائج التي يتوصل إليها مبنية على حدسه واجتهاده.

وبناء عليه، سوف يقرر أن نفيه(ره) لصحة نسبة كتاب سليم لسليم، مبني على ما قام به من نظر في الكتاب المذكور، ووجده لا ينسجم مع القواعد المتبعة عنده، لهذا عمد إلى رده، ونفي نسبته.

ومع التسليم بأن الصادر من ابن الغضائري(ره) أمر حدسي، وليس حسياً، إلا أن ذلك يوجب ملاحظة النظر في مبعداته التي جعلته يرفض الكتاب المذكور، لأن من الممكن جداً أن يكون منشأ ذلك تضمنه ما لا يمكن الالتزام به من أمر ينافي أصول المذهب ودعائمه، أو ينافي الإسلام وقواعده، أو ينافي ما ثبت علمياً، أو تسالم عليه المؤرخون، فيكون مانعاً من القبول.

وهذا ما يظهر منه(ره)، فإنه جعل اشتمال الكتاب على عدّ الأئمة(ع) ثلاثة عشر إماماً، مانعاً من القبول به، لأنه تضمن ما ينافي المتسالم عليه في المذهب الحق، وهذا يعني أن القضية ليست مجرد إعمال للحدس، كما يدعى.

على أن أصل الدعوى المذكورة، وهي كون الصادر منه(ره) من الأمور الحدسية، عهدتها على مدعيها، إذ قد استند القائلون بذلك لبعض الموارد التي وجدت في الكتاب، والتي أوجبت الشبهة إليهم بتوهم ذلك، مع أن الأمر ليس كما توهم، كما فصل ذلك في محله من البحوث التخصصية.

وأما النحو الثاني، ففيه جوابان أيضاً، إجمالي، وتفصيلي:

أما الجواب الإجمالي منهما: ما أشير إليه في كلام غير واحد من الأعلام(رض)، من أن اشتمال كتاب ما على ما لا يمكن الالتزام به، لا يوجب وضع الكتاب بأكمله، وإلا لن يسلم عندنا كتاب أبداً.

وبعبارة أخرى، إن وجود بعض ما لا يمكن الالتزام به في كتاب ما، لا يجعل الكتاب موضوعاً ومكذوباً على مؤلفه، لأن من الممكن أن يدّس فيه ما ليس صادراً عنه، فيعمد إلى رفع اليد عما لا يمكن الالتزام به، ويبقى الباقي على حاله. قال غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(ره) في التعقيب على الحديث الذي تضمن أن الأئمة ثلاثة عشر إماماً بعدما نقله في كتاب البحار: وهذا أحد وجوه القدح في كتاب سليم بن قيس مع اشتهاره بين أرباب الحديث، وهذا لا يصير سبباً للقدح، إذ قلما يخلو كتاب من أضعاف هذا التصحيف والتحريف، ومثل هذا موجود في الكافي وغيره من الكتب المعتبرة كما لا يخفى على المتتبع[6].

وقال بعض الأعاظم(ره): إن اشتمال كتاب على أمر باطل في مورد أو موردين لا يدل على وضعه، كيف ويوجد أكثر من ذلك في أكثر الكتب حتى كتاب الكافي الذي هو أمتن كتب الحديث وأتقنها[7].

ولعل العلمين يشيران إلى ما تضمنه الكافي في الروضة، عن بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج، فبعث إلى رجل من قريش، فأتاه، فقال له يزيد: أتقرّ لي أنك عبد لي إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك؟ فقال له الرجل: والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت بأفضل مني في الدين، ولا بخير مني، فكيف أقرّ لك بما سألت فقال له يزيد: إن لم تقرّ لي والله، قتلتك، فقال له الرجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي(ع) ابن رسول الله(ص)، فأمر به فقتل. ثم أرسل إلى علي بن الحسين(ع)، فقال له مثل مقالته للقرشي، فقال له علي بن الحسين(ع): أرأيت إن لم أقرّ لك، أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس؟ فقال له يزيد-لعنه الله-: بلى، فقال له علي بن الحسين(ع): قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك، وإن شئت فبع، فقال له يزيد-لعنه الله-: أولى لك، حقنت دمك، ولم ينقصك ذلك من شرفك[8]. فإنها مع صحتها سنداً، إلا أنه لا يمكن الالتزام بها[9]، وهذا لا يوجب عدم ثبوت نسبة كتاب الكافي لشيخنا الكليني(ره).

كما يحتمل أن يكون نر شيخنا المجلسي(ره) لما تضمنته بعض مرويات الكافي من أن الأئمة(ع) ثلاثة عشر إماماً.

ويمكن دفع هذا الجواب بأنه قياس مع الفارق، لأنه يفرق بين ثبوت نسبة الكتاب لمؤلف ما، ويوجد في الكتاب شيء لا يمكن الالتزام به، فعندها يمكن رفع اليد عن ذلك الشيء، ويبقى الكتاب تام النسبة لمؤلفه، وبين ما إذا لم يحرز نسبة الكتاب لمؤلفه، ويكون الكتاب مشتملاً على ما لا يمكن الالتزام به، فإنه يكون مبعداً من ثبوت النسبة، وواضح جداً أن مقامنا من الثاني، فإن المانع من ثبوت النسبة، يجعل أحد مبعدات النسبة وجود ما لا يلتـزم به، وأين هذا من القياس المذكور في كلام العلمين.

وأما الجواب التفصيلي: فأجيب عن كل واحد من المانعين الذين استند إليهما لمنع صحة نسبة الكتاب لسليم.

فأجيب عن الأمر الأول، وهو وعظ محمد ابن أبي بكر لأبيه، وحديثه معه عند موته وهو صغير السن، فإن المعروف أن ولادته في السنة الثامنة أو التاسعة من الهجرة، فيكون عمره يوم وفاة والده ما بين الأربع والخمس، ولازم صدور هذا الكلام منه ووعظ أباه أن يكون نابغة ومعجزة ولم ينقل المؤرخون شيئاً من هذا في شأنه، بأجوبة:

منها: عدم تسليم صغر سن محمد عند وفاة أبيه، لأن ما دل على ذلك ليس متواتراً، ولا محط إجماع، بل كثرة نقل المؤرخين والمحدثين من الفريقين لحادثة تكلمه مع أبيه عند وفاته، تساعد على أنه لم يكن بهذا العمر عند وفاته، بل كان أكبر من ذلك. نعم المصادر المذكورة وإن لم تشر إلى عمره تصريحاً، إلا أنه يستنتج منها ذلك[10].

وبعبارة أخرى، إن ملاحظة المذكور في المصادر العلمية، يساعد على عدم القبول بتأريخ ولادة محمد، فلا يكون عند وفاة أبيه صغيراً بهذا المقدار كما لا يخفى، بل سوف يكون أكبر من ذلك.

ولا يذهب عليك، أن الجواب المذكور تسليم بالإشكال، وليس جواباً عنه، فهو يقرر أنه لو كان محمد بهذا العمر حال الوفاة لكان وجود هذا الخبر شاهداً على عدم صحة النسبة. وإنما هو ينفي صحة الخبر لكذب مضمونه بأن محمداً له من العمر أكثر من ذلك.

والإنصاف، عدم تمامية الجواب المذكور، وذلك:

أولاً: لأن أم محمد كما هو المعروف أسماء بنت عميس، وإنما تزوجها الرجل الأول بعد شهادة سيدنا جعفر بن أبي طالب(ع)، فلو بني على أنها علقت بمحمد من بداية زواجها، فلن يخرج تاريخ الولادة عن السنة الثامنة أو التاسعة من الهجرة النبوية، فكيف يبنى على أنه أكبر من ذلك؟

إلا أن يلتـزم أنه من أبناء الرجل الأول، إلا أن أمه ليست أسماء بنت عميس، وهذا خلاف الثابت، كما هو واضح.

ثانياً: إن من الثابت تاريخياً أن محمداً كان ربيب أمير المؤمنين(ع)، وهو الذي تولى تأديبه بعدما بنى بأمه بعد وفاة أبيه، وهل يتصور أن يؤدب الكبير، أو يربى من في غنى عن التوجيه والتأديب؟ إن هذا يساعد على أن محمداً عن زواج أمير المؤمنين(ع) بأمه لا يخرج عن الرابعة أو الخمسة من العمر.

ومنها: ما ألتـزمه غير واحد كبعض الأعاظم(ره)، من أن محمد بن أبي بكر من النوابغ الذين تصدر عنهم الأفعال العجيبة، أو لا أقل أن يصدر منه فعل عجيب واحد مرة في عمره فيبقى ولا ينساه إلى آخر حياته، خصوصاً إذا كان الحديث مهماً بالنسبة إليه كوفاة والده[11].

والجواب المذكور من حيث الثبوت قوي لا غبار عليه، إلا أنه يحتاج ما يسنده في مقام الإثبات.

ومنها: أن ما صدر عنه كان تلقيناً من أمه أسماء بنت عميس، ليظهر بذلك ما كان عليه أبوه من الخطأ، وقد كانت أمه على اتصال بأهل بيت العصمة(ع)، لأنها أرملة مولانا جعفر(ع).

ومنها: أن يكون الصادر من محمد خرقاً للعادة، لكن لا لشخص محمد، وإنما لأمير المؤمنين(ع)، فأظهر الله تعالى آية من الآيات التي لعلي(ع) بواسطته[12].

ومنها: أن هناك خطأ وقع فيه النساخ، والموجود في الكتاب هو وعظ عبد الله بن عمر لأبيه، وليس محمد بن أبي بكر، فلا يكون هناك ما يمنع من القبول بالكتاب.

وأجيب عنه بوجود كلا القصتين في الكتاب، فكما وجد وعظ عبد الله بن عمر لأبيه، يوجد فيه أيضاً وعظ محمد لأبيه.

ومنها: لم يتضمن الخبر المذكور أعني وعظ محمد، وعظاً، وإنما اشتمل على تلقينه لأبيه أشهد أن لا إله إلا الله، وحكايته لبكاء والده، وهذا أمر طبيعي جداً[13].

ولم يقبل هذا الجواب، لأن الحديث المتضمن لعملية الوعظ اشتمل على ذكر عدة تفصيلات وبيان جملة جزئيات، فليس الأمر منحصراً في قضية الوعظ[14].

وأجيب عن الأمر الثاني، وهو كون الأئمة(ع) ثلاثة عشر إماماً، بإجابات:

منها: لقد تضمن الكتاب موارد متعددة تبلغ أربعة وعشرين مورداً اشتملت على تحديد الأئمة الأطهار بعد النبي(ص) أنهم اثنا عشر إماماً، وليس ثلاثة عشر إماماً، وهذا يمنع من القبول بالمورد المذكور، فيحتمل فيه احتمالان:

أحدها: أن يكون النص المذكور قد تعرض لتحريف وعبث من بعض العابثين والمحرفين الذين عبثوا بالعديد من المصادر ومنها كتاب سليم، فالموجود فيه هو اثنا عشر، إلا أنهم حرفوه وجعلوه ثلاثة عشر.

ولازم هذا الاحتمال، تولد علم إجمالي باشتمال الكتاب على نصوص موضوعة لا يحرز صحة نسبتها لمؤلف الكتاب، لأنه كما طالت أيدي هؤلاء هذا الخبر فعمدت لتغيـيره، فإنه يمكن قيامهم بتغيـيره غيره من الأخبار بالزيادة فيها مثلاً، أو النقيصة أو التغيـير. ولا مجال للبناء على حجية خبر إلا بعد انحلال العلم الجمالي المذكور، وهو وإن كان ممكناً، إلا أنه سوف يضيق دائرة النصوص التي يمكن الاستناد إليها في المقام، وهذا خلف الغرض الذي يراد الوصول إليه، وهو حجية الكتاب والاستناد إليه، وعدّه مصدراً أصلياً يرجع إليه.

ثانيها: أن يكون الموضع المذكور قد تعرض لخلل بسبب النساخ، أو أنه نشأ من اختلاف نسخ الكتاب، وليس أمراً ثابتاً، ولا مسلماً، وعليه لا يكون وجوده كاشفاً عن اعتقاد مؤلفه به، فلا يضر في صحة نسبة الكتاب لمؤلفه.

ويجري في هذا الجواب عين ما تتقدم ذكره في الاحتمال السابق كما لا يخفى.

ولعل هذا ما قصده شيخنا المفيد(ره) بقوله في كلامه السابق: غير أن هذا الكتاب غير موثوق به، ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس، فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه، ولا يعول على جملته والتقليد لرواته، وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد، والله الموفق للصواب[15]. فإن قوله(قده): قد حصل فيه تخليط وتدليس، يشير إلى العبث به من قبل المدلسين، ما يوجب تولد علم إجمالي مانع من العمل بمروياته، إلا إذا انحل هذا العلم، وقد أشار إلى أن طريق انحلاله يتم من خلال مراجعة الخبراء من العلماء في هذا المجال.

والحاصل، إن الجواب المذكور يقوم على منع وجود نص يشتمل على عدّ الأئمة الأطهار(ع) ثلاثة عشر إماماً في كتاب سليم، لأن النص المشار إليه في كلام ابن الغضائري(ره) ليس صادراً عن سليم، لأنه إما من الوضاعين، أو من اختلاف نسخ الكتاب، أو النساخ، وبالتالي لا يوجب رفع اليد عن صحة نسبة الكتاب لمؤلفه.

وقد عرفت عدم تمامية الأمرين المستند إليهما، في نفي وجود الخبر المذكور في الكتاب، فلا نعيد.

وعليه، لن يكون الجواب المذكور صالحاً لعلاج المشكلة تاماً.

ومنها: أن يلتـزم بثبوت النص المذكور في الكتاب، وأنه صادر عن سليم بن قيس، وليس موضوعاً، ولا يتضمن تصحيفاً من النساخ، وليس فيه اختلاف نسخ، وإنما تفسيره ليس كما تصوره ابن الغضائري(ره)، إذ المقصود من الثلاثة عشر في الخبر المذكور، هم الحجج الإلهية، وهذا كما يشمل الأئمة الأطهار(ع) يشمل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع)، فإنها إحدى الحجج الإلهية على البشرية، كزوجها، وأبنائها الأطهار(ع)، وعليه لن يكون الخبر المذكور مخالفاً لما عليه معتقد الطائفة المحقة من أن الأئمة(ع) اثنا عشر إماماً. ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث الخامس والعشرين من الكتاب، في تفسير آية التطهير حيث قال(ص): إنما نزلت فيّ وفي أخي علي وأبنتي فاطمة وإبنيّ الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني خاصة ليس معنا غيرنا[16]. وعليه سوف يكون معنى الحديث: إن الله تعالى بعدما اختارنا أي محمداً وعلياً(ص) من بين خلقه اختار اثني عشر ولياً وهم فاطمة وأحد عشر شخصاً من ولده المعصومين فجعلهم خيار أمتي واحداً بعد واحد[17].

وفيه: إنه خلاف ظاهر النص بل صريحه، فإنه قد تضمن التعبير بالأوصياء، قال(ص): ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً من أهل بيتي فجعلهم خيار امتي واحداً بعد واحد[18]. نعم يصح الجواب المذكور لو تضمن التعبير بالحجج. وأما التأيـيد المذكور فهو أجنبي، إذ ليس البحث في عصمة السيدة الزهراء(ع)، وعدمه، ليكون ذكر آية التطهير دليلاً على ذلك، وأنها أحد المعنيـين فيها.

ومنها: أن يلتـزم بتعرض بعض كلمات الحديث المذكور للتصحيف، وهي كلمة(بعدنا)، فإنها(بعدي)، وقد صحفت لذلك، ويساعد على استعمال ضمير المتكلم في كلامه(ص) بعد ذلك، فقال: أهل بيتي، ولم يقل بيتنا، وقال: أمتي، ولم يقل أمتنا، فهذا يساعد على أن الوارد في الحديث هي كلمة: بعدي، وليس بعدنا، إلا أنها قد صحفت كما سمعت[19].

وحاصل هذا الجواب، إنه يقوى البناء على وجود تصحيف في كلمة(بعدنا) بقرينة تضمن الحديث للكلام بصيغة المتكلم في قوليه(ص): أهل بيتي، وأمتي، ومقتضى وقوع الكلام كله ف سياق واحد يستجب البناء على وحدة العرض بأن يكون كله جائياً بصيغة المتكلم، فتكون كلمة(بعدنا) في حقيقتها بعدي، وعليه يكون الحديث متضمناً للتصحيف، بأن العدد هو أثنا عشر، وليس ثلاثة عشر، فيثبت المطلوب.

ويتم الجواب المذكور لو صلحت القرينة المذكورة لإحراز حصول التصحيف في كلمة(بعدنا) ليكون الوارد في الخب حقيقة هو: بعدي، وليس بعدنا.

والإنصاف، أن البناء على ذلك، فضلاً عن الجزم به من الصعوبة بمكان، ذلك أن ما جعل قرينة لا يصلح لذلك، لأنه لم يعهد استعماله(ص) بيتنا، نسبة إليه وإلى أخيه أمير المؤمنين(ع) في كلامه، وكذا لم يعهد استعماله: أمتنا، كذلك، بل إن مقتضى تنصيصه على الفضل لهم، بما فيهم أمير المؤمنين(ع) يقتضي استعماله كلمة أهل بيتي، بالإضافة إل نفسه الشريفة دونه، كما هو واضح.

وأما تأيـيد ثبوت التصحيف، ليكون الواقع في الحديث حقيقة هو: بعدي، وليس بعدنا، بما جاء في الحديث الرابع عشر، بقوله(ص): إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصياً من أهل بيتي وهم خيار امتي[20]. فعجيب، لأن وجود مثل هذا الاستعمال لا يعني حصره في خصوصه دون الاستعمال الآخر، وليس الاستعمال الثاني أعني: بعدنا، ليس معهوداً، وأعجب من ذلك البناء على وحدة الحديثين.

ومنها: ما حكي عن المير حامد حسين(ره)، وحاصله: لما كان كتاب سليم مشتهراً بالنص على أن الأئمة اثنا عشر إماماً، بل قد ذكر أسمائهم في بعض الموارد، وأن العبارة محل البحث ليست نصاً في التحديد بالثلاثة عشر، لوجود إيهام في ذلك، يحصل اليقين بوجود تصحيف فيها، نشأ من سوء نقل الرواة، لأن الراوي لم يكن مريداً إلا للتنصيص على الاثني عشر، وغفل عن كلمة بعدنا التي ذكرها قبله، ونظائر هذا كثير في سائر الكتب. قال(ره) ما معربه ملخصاً: إنه بعد التفحص في كتاب سليم بن قيس من أوله إلى آخر وملاحظته لفظاً بلفظ اتضح أنه لم يذكر فيه إمامة ثلاثة عشر أبداً، بحيث يلزم منه إمامة غير رسول الله والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم. بل فيه تصريحات على أن الأئمة الأطهار اثنا عشر ما اختلف الليل والنهار، وأنهم أحد عشر من أولاد وصي خير الأنام عليه آلاف التحية والسلام-إلى أن قال-فإذا اتضح ما في الكتاب من التصريحات والنصوص الواضحة فكيف يذكر إمامة الثلاثة عشر الذي يكذبه الأحاديث الواردة في مختلف مواضيع الكتاب نفسه[21].

وبهذا الجواب أيضاً أجاب بعض الأعلام(قده)، قال: إنه من سوء تعبير الرواة، وإلا فمثله في الكافي أيضاً موجود، ففي باب ما جاء في النص على الاثني عشر في خبر عن النبي(ص): إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض[22].

ولم يتضح منشأ عدم وضوح عبارة الثلاثة عشر في التحديد، خصوصاً وأنها نص صريح في العدد المذكور. اللهم أن يكون مقصوده أنه بعد الجزم باعتقاد سليم أن الأئمة اثنا عشر إماماً، يكون التحديد بالعدد المذكور لس مراداً له جزماً، فيكون اللفظ محمولاً على خلاف معناه، ليكون ناظراً إلى شيء آخر.

وهذا وإن كان متصوراً، لكنه تسليم بوجود التحديد، وظهور اللفظ في المطلوب، إلا أنه لوجود قرينة يعمد لرفع اليد عن الظهور المذكور.

وكيف ما كان، لا يخرج الجواب المذكور عن التسليم بوجود النص المتضمن للعدد المانع من البناء على صحة النسبة، ولو في الجملة، وعلاج ذلك من خلا دعوى حصول التصحيف، وقد عرفت جواب ذلك عند الحديث عن الجواب الأول، فلا نعيد.

والاستشهاد لصحة الجواب المذكور بوقوع مثل التعبير المذكور في الكافي-كما عن بعض الأعلام(ره)-في غير محله، ضرورة أن وجود هذه التعبيرات في الكتاب المذكور تستدعي الحاجة لمعالجتها، وقد عرفت أن ما يصلح للعلاج به هناك لا يصلح في المقام[23]، فتأمل.

ومنها: ما جاء في كلام المجلسي الأب(ره)، من أن التعبير المذكور صحيح، وليس فيه إشكال، لأن أمير المؤمنين(ع) داخل في الاثني عشر، وليس مستقلاً عنهم، وهذا يكون من باب التغليب، فهو(ع) بمنـزلة أولاد رسول الله(ص)، كما أنه أخوه(ع)، وأمثال هذا التعبير موجود في الكافي أيضاً[24].

ومثله ذكر ابنه غواص البحار(ره) في التعقيب على الحديث محل البحث. قال(قده): أو يكون الاثنا عشر بضم أمير المؤمنين(ع) مع الأحد عشر تغليباً[25].

ومن الواضح أن الجواب المذكور يلتـزم بوجود مجاز في التعبير المذكور، وعليه متى دلت القرينة على إرادة المقصودة منه، ألتـزم به، وإلا كان اللفظ مجملاً، هذا كله بعد التسليم بأن اللفظ مجاز، وليس حقيقة، كما لا يخفى.

ومنها: إنكار وجود الرواية المذكورة في الكتاب أساساً، وقد حكي ذلك عن عدة من الرجاليـين منهم الأستربادي والتفريشي[26] والسيد إعجاز حسين، وغيرهم من أنهم قد تصفحوا الكتاب من أوله إلى آخره ولم يجدوا فيه ما يدل على أن الأئمة ثلاثة عشر[27].

وما ذكر ليس جواباً عن أصل المانع من ثبوت النسبة، بل هو يتضمن البناء على وجود اشتباه عند ابن الغضائري(ره)، إذ ربما كان ناظراً في كتاب وجد فيه هذه الرواية، وقد توهم أنه كتاب سليم بن قيس، وليس الأمر كذلك.

وقد يكون الاكتفاء بالجواب المذكور تسليماً بالإشكال لو أحرز وجود الرواية في الكتاب المنسوب لسليم بن قيس، فتأمل.

ومنها: ما جاء في كلام بعض الأعلام(ره)، من أن الحديث المذكور يفيد نفي الولاية عن أمير المؤمنين وآله الطاهرين(ع)، هذا مانع من الأخذ بظاهره، فإما أن يؤول إلى ما يكون منسجماً وما عليه الطائفة المحقة من المعتقد، أو يضرب به عرض الجدار[28].

والجواب المذكور تسليم بالإشكال، وأن الحديث مشتمل على ما لا يمكن الالتزام به، وهو مانع من البناء عليه، فيقوى قول ابن الغضائري، كما لا يخفى. ولا يرفع الإشكال بالبناء على تأويل الخبر ليكون منسجماً مع ما نعتقد، كما لا يكون العلاج بإسقاطه من الكتاب، لما عرفت جواب ذلك في ما تقدم.

نتيجة مهمة:

وقد تحصل من جميع ما تقدم وجود المانعين الذين ذكرهما ابن الغضائري، وأن العلاج الذي اتكأ عليه أكثر الأعلام يقوم على البناء على وجود اختلاف في نسخ الكتاب، أو تعرض الكتاب للتحريف، ولا يظن بابن الغضائري(ره)، وهو خريت هذا الفن وفارس مضمار علم الرجال أن لا يكون ملتفتاً لهذه الناحية، وهذا لعله السبب الذي جعله يتوقف في ثبوت النسبة، إذ أنه بعد التسليم بكون الكتاب قد تعرض لتصحيف وتحريف، لن يكون هناك جزم بالبناء على شيء من مروياته بنحو الموجبة الكلية، ومجرد البناء على شيء مما جاء فيه بنحو الموجبة الجزئية، لا يعني ثبوت نسبة الكتاب لمؤلفه، لأنه قد يكون كتاباً ضمّن بعض مرويات كتاب سليم بن قيس، نظير ما بني عليه في التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي. وهذا كله بعد التسليم بوجود كتاب لسليم، وقد عرفت الكلام فلا نعيد.

ومع قوة ما ذكره ابن الغضائري(ره) من المانع لثبوت النسبة، وشهرة النسبة بين أعلام الطائفة المحقة، وهم الأركان والأوتاد، والذين حفظ المذهب بهم، وحمية الشريعة من طريقهم، فيصعب البناء على اشتباههم جميعاً، وهذا لو لم يكن مورثاً للاطمئنان بصحة نسبة الكتاب، ولو في الجملة، فإنه موجب للتوقف، وعدم الجزم بالنفي، والله العالم العاصم.

مع الشيخ المفيد:

وأما الشيخ المفيد(ره)، فإنه لم ينفِ نسبة الكتاب لسليم بن قيس بالجملة، بل إن كلامه صريح في القبول بالنسبة إلا أنه يقبله في الجملة لا بالجملة، وذلك لإصابته بيد التحريف والتصحيف، وهذا صريح عبارته كما أشرنا لذلك في ما تقدم، فلاحظ قوله(ره): وليفزع إلى العلماء في ما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد[29]. وهذا يعني أن نسبة النفي إليه(ره) مطلقاً، ليست على مقتضى الصناعة.

ولهذا نجد عدّ بعض الأساتذة(دام ظله) مختاره(ره) رأياً ثالثاً، فقد ذكر: الثالث: أن في الكتاب خلطاً بين الصحيح وغيره، وكأنه قد دس فيه واختلطت الروايات فيه[30].

وقد وسمت عبارته(ره) بالتشويش، وأنها متضمنة للمتناقضين، على أساس أنه قد جمع فيها الإقرار بصحة ما جاء في الكتاب إجمالاً، واقراره عدم الوثوق به، وعليه يوجد عندها احتمالان في العبارة المذكورة:

أحدها: حصل الاشتباه في كتابتها من قبل النساخ، أو من الشيخ المفيد(ره)، والثاني بعيد، فيتعين الأول بمقتضى القسمة الحاصرة.

وبناءاً عليه، لن تكون العبارة المذكورة صالحة للمدعى من التشكيك في نسبة الكتاب لسليم.

ثانيها: أنها من الموضوعات والمدسوسات على الشيخ المفيد(ره).

ولا يخفى ما فيه، إذ أنه لم يتضح وجه المناقضة في كلامه(ره)، لأنه لم يقر بالصحة بقول مطلق، ولم يثبت الوضع كذلك، بل قد عرفت أنه قائل بالكتاب في الجملة، ونافٍ له كذلك، فلا منافاة بين الالتزامين، ولا تناقض بين القولين.

وأما علاج المنافاة والتناقض بما ذكر، فهو حيلة العاجز، لأن البناء على وجود التصحيف والتحريف موجب لحصول العلم الإجمالي المانع من الاستناد للكتاب، لجريان الاحتمال في كل مورد من موارده، وبالتالي لابد من العمد إلى حل هذا العلم الإجمالي بوجود علم تفصيلي بعدم حصولا لتحريف لهذا المورد.

واحتمل بعضهم أن يكون نظر المفيد(ره) للتوقف في الكتاب في الجملة، ما جاء في كلام ابن الغضائري(ره).

وكأن القائل يريد الإشارة إلى أن الموجود عندنا دعوى واحدة، وليست متعددة، وبالتالي لن يكون قائلان، بل هو في الحقيقة قائل واحد، وهو ابن الغضائري(ره)، والمفيد إنما هو تابع ومقلد له.

والإنصاف، أن الجزم بوحدة المنشأ للدعوى عهدتها على مدعيها، خصوصاً وأنك قد سمعت أن المفيد(ره) لا ينفي الكتاب الجملة، وإنما ينفيه فيا لجملة، وهذا يعني اختلاف الدعويـين قد أشرنا لذلك في مطاوي ما تقدم.

وربما استشهد لكون المفيد لا ينفي صحة نسبة الكتاب لمؤلفه، بأنه قد استند إليه في كتابه المقنعة في بحث الخمس.

وهذا ينسجم مع ما أشرنا إليه من بناءه على ثبوت النسبة في الجملة، لا بالجملة، ومنعه إليها في الجملة لا بالجملة.

الطريق إلى الكتاب:

ثم إنه بعد الفراغ عن صحة نسبة الكتاب لسليم بن قيس، وأنه لا يوجد ما يمنع من ذلك، يبقى الكلام في كيفية التعامل مع الروايات التي وردت فيه.

وقد يمنع من ذلك بسبب ضعف الطريق، ذلك أن الطريق المعروف للكتاب يمرّ بواسطة أبان بن أبي عياش، فقد ذكر السيد العقيقي(ره) أن رواية الكتاب تنحصر في أبان بن أبي عياش وهو الراوي الوحيد له[31]. وهو لم تثبت وثاقته، ما يمنع من الاستناد للكتاب المذكور.

وقد ذكر بعض الأساتذة (دام ظله)، أنه لو انحصر الطريق في رواية أبان بن أبي عياش، كان الطريق للكتاب ضعيفاً[32].

وقد يعالج ذلك بأن المستفاد من كلامي الشيخ والنجاشي(ره) وجود طريق متعددة للكتاب، فقد ذكرا أن حماد بن عيسى، وعثمان بن عيسى، حماد بن عثمان، رووا الكتاب عن أبان تارة، وعن إبراهيم بن عمر، وعن سليم، تارة أخرى، كما أن بعض روايات الكتاب مروية عن علي بن جعفر الحضرمي، كما في بصائر الدرجات، والاختصاص، وهذا يساعد على عدم حصر الطريق في أبان بن أبي عياش. وبعض المروي عنهم الكتاب كإبراهيم بن عمر اليماني ثقة، فيحكم باعتبار الطريق.

وقد ذكر أن العلاج المذكور لا يجدي، لأنه لن يثبت صحة الطريق للكتاب، لأن الضعف الموجود في طريقي الشيخ والنجاشي، ليس منحصراً في خصوص أبان بن أبي عياش، بل يوجد سبب آخر وهو وقوع محمد بن علي الصيرفي فيهما، وهو ضعيف، فلن يثبت اعتبار الطريق[33].

قد يعالج ضعف الطريق بعلاجين:

الأول: البناء على كون الكتاب مشهوراً، فلا يحتاج إلى طريق معتبر إليه، فإن الحاجة للكتاب عادة غايته إثبات صحة نسبة المؤلف لمؤلفه، فمتى كان الكتاب مشهوراً لم يكن بحاجة إلى ذلك، وهذا نظير كتاب الكافي، وغيره، فإنه لا يمنع من الاستناد لمروياته، عدم وجود طريق منا إليها.

وقد عرفت عدم إمكانية الاستناد لهذا الطريق، بسبب الاختلاف في نسبته، وإن كان المشهور بين الأعلام منذ القديم البناء على صحة النسبة، وأنه من الأصول الأصيلة المعتمدة.

الثاني: البناء على اعتبار الطريق، وذلك إما بالبناء على وثاقة أبان، أو بتعويض الطريق بطريق آخر.

وقد ذكر بعض الأساتذة(دام ظله)، أنه بعد التتبع في الإجازات، ظفر بطريق آخر غير ما ذكره صاحب الوسائل(ره) في إجازته للفاضل المشهدي وهو طريق صاحب الوسائل نفسه إلى الكليني(ره)، وهذا الطريق وإن كان ينتهي إلى أبان، وهو لم يوثق، إلا أنه يمكن تعويضه، للقاعدة الملتـزم بها وهي أنه إذا كان لأحد مشائخ النجاشي طريقان، وكان أحدهما معتبراً، ولم ذكر اختلاف النسخ، أمكن تركيب السند، وتصحيح الطريق.

وتطبيق ذلك في المقام بواسطة رواية حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس، وهو طريق صحيح ذكره النجاشي، إلا أن صدره ضعيف بالصيرفي، ولما كان طريق الكليني الذي ينتهي إلى حماد صحيح، وذيله الذي ينتهي إلى أباب ضعيف بأبان، فحينئذٍ نرفع اليد عن صدر سند النجاشي المشتمل على الصيرفي، ونضع مكانه صدر سند الكليني إلى حماد، ونبقي ذيل سند النجاشي المنتهي إلى إبراهيم بن عمر على حاله فيصح السند[34].

وتعتمد تمامية العلاج المذكور على أمرين:

الأول: التسليم بتمامية مبنى تركيب الأسناد، والذي أشير إليه في كلمات الأستاذ (دام عطاؤه)، والحديث حول الكبرى المذكورة يطلب من البحوث التخصصية، وأن ما أفيد للبناء على الكبرى في كلماته (دام ظله) تام أو لا.

الثاني: التسليم بوجود طريق لإبراهيم بن عمر الصنعاني للكتاب، وعدم القبول بحصر الطريق في خصوص رواية أبان إليه.

وعليه، لو سلم بتمامية الأمر الأول، وبني على القبول بنظرية تركيب الأسناد، ولم يتم الأمر الثاني منهما فلن يتم العلاج المذكور.

[1] خلاصة الأقوال ص 83.

[2] كتاب سليم ج 2 ص 856-857.

[3] كتاب سليم ج 2 ص 706-708.

[4] المصدر السابق ص 762-763.

[5] تصحيح الاعتقاد ص

[6] بحار الأنوار ج 22 ص 150 ذيل ح 142 من تاريخ نبينا(ص) باب ما جرى بينه وبين أهل الكتاب.

[7] معجم رجال الحديث ج 8 ص 225.

[8] الروضة من الكافي ج 15 ص 536 تحقيق قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث ح 15130.

[9] تعرضنا للحديث عن الرواية بصورة مفصلة، وأشرنا لموانع القبول بها، في الأسئلة الواردة في الموقع الشخصي، ومن أراد يمكنه المراجعة هناك.

[10] كتاب سليم بن قيس ج 1 ص 195. تهذيب المقال ج 1 ص 186.

[11] معجم رجال الحديث ج 8 ص 235، كتاب سليم بن قيس ج 1 ص 196.

[12] كتاب سليم بن قيس ج 1 ص 196.

[13] المصدر السابق ص 197.

[14] المصدر السابق.

[15] تصحيح الاعتقاد ص

[16] كتاب سليم ج 2 ص 761.

[17] كتاب سليم بن قيس ج 1 ص 181.

[18] المصدر السابق ج 2 ص 857.

[19] المصدر السابق ج 1 ص 181.

[20] المصدر السابق ج 2 ص 686.

[21] استقصاء الإفحام ج 1 ص 540-550. كتاب سليم بن قيس ج 1 ص 182.

[22] قاموس الرجال ج 4 ص 452.

[23] أشرنا في ما تقدم أنه لا يوجد تشكيك في صحة نسبة كتاب الكافي، وبالتالي يمكن البناء على دس هذه النصوص، وهذا لا يجري في كتاب سليم لأنه لم تثبت النسبة، فرع اليد عن النص المذكور لن يثبت النسبة.

[24] روضة المتقين ج 14 ص 371.

[25] بحار الأنوار ج 22 ص 150.

[26] راجعت كتابه نقد الرجال في ترجمة سليم بن قيس ج 2 ص 355 برقم 2387 فلم أجد لهذا الكلام المنسوب إليه عيناً ولا أثراً، ولعل الحاكي نقل عنه في موضع آخر.

[27] كتاب سليم بن قيس ج 1 ص 184.

[28] تهذيب المقال ج 1 ص 186.

[29] تصحيح الاعتقاد ص

[30] أصول علم الرجال ج 1 ص 489.

[31] خلاصة الأقوال ص 83.

[32] أصول علم الرجال ج 1 ص 490.

[33] أصول علم الرجال ج 1 ص 490.

[34] أصول علم الرجال ج 1 ص 491.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة