احتفل المجتمع البشري قبل أيام بميلاد المسيح نبي الله عيسى(ع)، وهو أحد أنبياء أولي العزم الذين جاءوا برسالة مخصوصة لمن بعثوا إليهم، وقد تحدث القرآن الكريم عن شخصيته من جوانب متعددة، فذكر أنه عبد الله ونبيه(ص)، قال تعالى:- (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله)[1]، وأنه كلمته ألقاها إلى مريم(ع)، وقد خلقه الله سبحانه وتعالى من دون أب ورفعه تعالى إليه، قال سبحانه:- (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه)[2].
وقد دلت النصوص أنه ينـزل في آخر الزمان، وسوف يصلي خلف الإمام صاحب الزمان(عج) كما نعتقد نحن الشيعة الإمامية.
وقد سمي بعيسى، وذكر في معناه أقوال، فقيل أنه بمعنى: السيد، وقيل: المُخلص، وقيل: المُنجي. وأما لقب المسيح، فقد اختلف في سبب إطلاقه عليه، فذكرت فيه أقوال:
منها: أن ذلك يعود إلى كونه معصوماً من كل ذنب وخطيئة، فقد مسحت عنه الذنوب والأرجاس.
ومنها: أن التعبير المذكور يشير إلى واحدة من المعاجز التي كانت تجري على يديه، فإنه(ع) كان يمسح على المرضى بيده، فيشفيهم مما هم فيه بإذن الله تعالى.
ومنها: أن ذلك يعدّ لما كان يمارسه من سياحة في الأرض، لأنه كان يسيح في الأرض من أجل تبليغ الدعوة.
ولا ريب أن الحديث عن كافة الجوانب التي عرضها القرآن الكريم في الحديث عن شخصية نبي الله(ع) يستوجب طولاً لا يسعه هذا المختصر، لذا سوف نقصر الحديث على جوانب من سيرته المباركة.
الولادة ومتعلقاتها:
وقع الخلاف في تحديد تأريخ ولادته(ع) وأنه في أي وقت، كما وقع الخلاف في تحديد اليوم الذي ولد فيه، فقيل أنه الجمعة، وقيل غير ذلك.
وليس في القرآن الكريم شيء حيال ذلك، وهذا لما ذكرناه غير مرة من أن القرآن الكريم ليس كتاب قصة بمعنى استعراضه لكل الحيثيات والجزئيات المرتبطة بالقصص، وإنما هو كتاب عظة وعبرة، فيعرض من القصة ما يكون مرتبطاً بتحقيق الغرض الذي جاء من أجله.
وكيف ما كان، فهنا جوانب جديرة بالوقوف عندها حين التعرض لولادة نبي الله عيسى(ع).
منها: كيفية خلقه:
كما هو معروف، فإن المسيح عيسى(ع) خلقه الله سبحانه وتعالى من دون أب، وهذا من الأمور المثيرة للتعجب والاستغراب، لأن المعروف أن يكون الإنجاب عن طريق التقاء العنصر الذكوري بالعنصر الأنثوي، ولا يتصور وجود المخلوق من دون التقاء لهذين العنصرين بعضهما مع بعض، ولهذا قلنا بأن ولادة المسيح عيسى(ع) مثار للاستغراب والتعجب، لأنه قد ولد من أم وبدون أب، قال تعالى:- (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وصدقت لكلمات ربهاا وكتبه وكانت من القانتين)[3]، وقال سبحانه:- (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)[4]، فإن المستفاد منها أنه تم خلقه بواسطة النفخ من روح الله سبحانه عن طريق الفرج. وليس المقصود من النفخ النفخ المتعارف، بل هو تعبير كنائي عن الأمر الإلهي الذي ألقي إلى مريم العذراء(ع)، قال تعالى:- (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)[5]. والروح المنفوخ منه هو الروح المخلوق بالأمر الإلهي وهو نفسه الروح الذي تمثل لمريم وتكلم معها.
ويزول الاستغراب والتعجب، عند الرجوع للقرآن الكريم، فإن المستفاد من آياته الشريفة أن إيجاد الله سبحانه وتعالى لمخلوقاته يتم عن طريقين:
الأول: الخلق، وهذا الذي يكون بالصورة الطبيعية التي تتمثل في التقاء العنصر الذكوري بالعنصر الأنثوي.
الثاني: الأمر، وهو الذي لا يخضع إلى لقاء العنصرين المعروفين، بل يكون خاضعاً للإرادة الإلهية، ولقانون كن فيكون.
ويشير لهذين الأمرين قوله تعالى:- (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)[6]، ولم يكن وجوده(ع)، بواسطة الطريق الأول، بل كان من خلال الطريق الثاني، أعني بصورة الأمر الإلهي وهو كلمة(كن)، ولهذا يشير قوله تعالى:- (ولنجعله آية للناس)[7]، فإن أحد موجبات كونه آية لهم أن يكون خلقه بصورة إعجازية مخالفة لما هو المعروف والمتعارف بينهم، ولهذا كان وجوده وفقاً لقانون كن، والأمر الإلهي.
ومنها:
مدة الحمل:
لما كان إيجاد المسيح عيسى(ع) من خلال الأمر الإلهي، وليس الخلق، فلا يلزم أن يمر بحال التخلق الجنينية المعروفة، وأطوارها، بأن يبقى تسعى أشهر في رحم أمه، لأن من خلقه بدون أب قادر على أن يوجده دون حاجة إلى ذلك. إلا أنه وقع الخلاف بين المفسرين في تحديد مدة الحمل، وقد ذكر الشيخ الطبرسي(ره) أقوالاً في ذلك: قال(ره): واختلفوا في مدة حملها، فقيل: ساعة واحدة، قال ابن عباس، لم يكن بين الانتباذ والحمل إلا ساعة واحدة، لأنه تعالى لم يذكر بينهما فصلاً، لأنه قال:- (فحملته فانتبذت به فأجاءها)، والفاء للتعقيب.
وقيل: حملت به في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة حين زاغت الشمس من يومها، وهي بنت عشر سنين، عن مقاتل.
وقيل: كانت مدة حملها تسع ساعات، وهذا مروي عن أبي عبد الله(ع). وقيل: ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وكان ذلك آية أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره[8].
وقد عنى بالمروي عن أبي عبد الله(ع)، ما جاء في كتاب روضة الكافي، بسند عن أبان عن رجل، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن مريم حملت بعيسى(ع) تسع ساعات، كل ساعة شهراً[9]. وهو واضح في تحديد مدة الحمل بأنها تسع ساعات كما لا يخفى.
إلا أن الخبر مرسل، وهذا يمنع من الاستناد إليه، إلا أن يقرر أن المقصود هو حدث تاريخي، وليس مطلباً تفسيرياً، ولا عقدياً، فلا يحتاج النظر في السند، بل يكفي توفر موجبات الاعتبار للخبر التاريخي فيه ليستند إليه، فتأمل.
وقد جاء تحديد مدة الحمل بتسع ساعات في التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم، من دون أن ينسبه لنص عن معصوم.
ويدل على أن مدة حملها به ستة أشهر خبر محمد بن عمرو الزيات عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله(ع) قال: لم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم، والحسين بن علي(ع)[10].
ولم يتضح مستند بقية الأقوال المذكورة، لعدم تعرض القرآن الكريم لشيء حول ذلك، وحتى ما استظهره ابن عباس(رض) من الآية يمكن منعه، لأنه يقوم على حصول التعقيب دون تراخٍ، وهو غير واضح، لأن التعقيب كما يكون بدون تراخٍ يكون معه بنحو لا ينفي عنه عنوان التعقيب.
وكيف ما كان، قد يتمسك لقول ابن عباس، أنه لما كان مخلوقاً من دون أب، فيلزم أن يكون تخلقه بهذه الكيفية. وتماميته تتوقف على تمامية الملازمة، وللتأمل في منعها مجال.
وبالجملة، لعل أقرب الأقوال للقبول هو قول ابن عباس، ويمكن انسجامه مع الخبر المروي عن الإمام الصادق(ع)، لعدم تضمن المصادر المتعرضة لقصته(ع) ذكراً لحصول سفر أو لطول غياب من السيدة مريم(ع)، ويساعد على ذلك حالة التعجب التي أصابت قومها عندما شاهدوها تحمل غلاماً، فلو كانت قد غابت عنهم مدة من الزمن لم يكن وجه للتعجب، إذ يحتمل أنها خلال هذه المدة قد تزوجت وأنجبت، لكن الحالة التي كاوان عليها لما شاهدوها تحمل طفلاً تساعد على أنهم فارقوها قبل قليل وهي فتاة بكر، لم تعرف الرجال، فكيف تأتي الساعة تحمل طفلاً.
ومنها: مكان الولادة:
وكما لم يتعرض القرآن الكريم لتحديد زمان الولادة، كذلك لم يتضمن تحديد مكانها، نعم أشار القرآن إلى خروج السيدة مريم(ع) إلى مكان بعيد، قال تعالى:- (فانتبذت به مكاناً قصياً)[11]، والقصي هو المكان البعيد. وقد تضمنت النصوص تحديداً لمكان الولادة، فاشتملت على ذكر أماكن:
أحدها: أنها قد وقعت في بغداد، وبالتحديد في مسجد براثا، فقد جاء في أمالي الشيخ الطوسي(ره) عن حميد بن قيس، عن علي بن الحسين(ع) قال: إن أمير المؤمنين(ع) لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء، فقال للناس: إنها الزوراء، فسيروا وجنبوا عنها، فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة، فلما أتى يمنة السواد إذا هو براهب في صومعة له فقال له الراهب: لا تنـزل هذه الأرض بجيشك. قال: ولم؟ قال: لأنها لا ينـزلها إلا نبي أو وصي نبي يقاتل في سبيل الله عز وجل، هكذا نجد في كتبنا، فقال له أمير المؤمنين(ع): أنا وصي سيد الأنبياء، وسيد الأوصياء. فقال له الراهب: فأنت إذن أصلع قريش، ووصي محمد. فقال له أمير المؤمنين(ع): أنا ذلك، فنـزل الراهب إليه، فقال: خذ عليّ شرائع الإسلام، إني وجدت في الإنجيل نعتك وأنك تنـزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى(ع)، فأتى أمير المؤمنين(ع) موضعاً فلكزه برجله فانبجست عين خرارة، فقال: هذه عين مريم التي اُنبعت لها، ثم قال: اكشفوا ههنا على سبعة عشر ذراعاً، فكشف فإذا بصخرة بيضاء، فقال(ع): على هذه وضعت مريم عيسى(ع) من عاتقها وصلت ههنا، ثم قال: أرض براثا هذه بيت مريم(ع)[12].
ثانيها: أن مكان ولادتها كان في الكوفة، وقد خصها بعضهم بنجف الكوفة، ففي معتبرة حفص بن غياث، قال: رأيت أبا عبد الله(ع) يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد، فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة، ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات، ثم قال: يا حفص إنها والله النخلة التي قال الله جل ذكره لمريم:- (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً)[13]. ومع أن النص قد تضمن التعبير ببساتين الكوفة، إلا أنه يمكن حمل ذلك على ربوة النجف الأشرف، فيكون المعتبر صالحاً للدلالة على تحديد مكان الولادة بذلك. وإن أبي فإن هناك نصاً صريحاً في كون النجف هي محل الولادة، فعن يحيى بن عبد الله قال: كنا بالحيرة، فركبت مع أبي عبد الله(ع) فلما صرنا حيال قرية فوق الماصر، قال: هي هي، حين قرب من الشط وصار على شفير الفرات، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم قال: أتدري أين ولد عيسى(ع)؟ قلت: لا، قال: في هذا الموضع الذي أنا فيه جالس، ثم قال: أتدري أين كانت النخلة؟ قلت: لا، فمد يده خلفه فقال: في هذا المكان، ثم قال: أتدري ما القرار وما الماء المعين؟ قلت: لا، قال: هذا هو الفرات، ثم قال: أتدري ما الربوة؟ قلت: لا، فأشار بيده عن يمينه. فقال: هذا هو الجبل إلى النجف، وقال: إن مريم ظهر حملها وكانت في واد فيه خمسمائة بكر يتعبدن، وقال: حملته تسع ساعات، فلما ضربها الطلق خرجت من المحراب إلى بيت دير لهم، فأجاءها المخاض إلى جزع النخلة فوضعته فحملته فذهبت به إلى قومها، فلما رأوها فزعوا فاختلف فيه بنو إسرائيل، فقال بعضهم: هو ابن الله، وقال بعضهم: هو عبد الله ونبيه، وقالت اليهود: بل هو ابن الهنة، وبقال للنخلة التي أنزلت على مريم العجوة.
وعن أبي عبد الله(ع) في قول الله عز وجل:- (وآويناههما إلى ربوة ذات قرار ومعين) قال: الربوة: نجف الكوفة، المعين الفرات.
ثالثها: أنه واقع في أرض كربلاء المقدسة، ففي خبر أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين(ع) في قوله تعالى:- (فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً)، قال: خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين(ع)، ثم رجعت من ليلتها[14].
رابعها: أن الولادة قد وقعت في بيت لحم في بيت المقدس بأرض فلسطين. ويدل عليه ما ورد في التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم، بسند معتبر عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله(ع)-في حديث طويل في صفة المعراج-: ثم قال لي جبرئيل: انزل فصل، فنـزلت وصليت، فقال لي: تدري أين صليت؟ فقلت: لا، فقال: صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى تكليماً، ثم ركبت فمضينا ما شاء الله، ثم قال لي: انزل فصل، فنـزلت وصليت، فقال لي: أتدري أين صليت؟ فقلت: لا، فقال: صليت في بيت لحم وبيت لحم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم(ع)[15].
وقد يمنع القبول بشيء من الأقوال الثلاثة كون مريم(ع) كانت مقيمة في أرض فلسطين، وقد عرفت أنه لم يكن بين وقت ولادتها ووقت عودتها لقومها زمناً طويلاً، فكيف يتصور أن تقطع مريم كل هذه المسافات، وتعود في نفس الوقت، ولم تكن وسائل التنقل بالأمس كما هي عليه اليوم؟
ويجاب عنه، بأن موضوع ولادة السيد المسيح عيسى(ع) كله قد تدخلت فيه العناية الإلهية الخاصة بدءاً من أصل التكوين كما عرفت، وأن وجوده خاضع لقانون كن، إلى مدة الحمل، وما سيظهر عليه من معجزات وهو بعدُ في المهد، وعليه فلا يوجد ما يمنع أن تصل السيدة مريم(ع) لواحد من هذه الأماكن الثلاثة لشرافة فيها، وليضاف لشرفها شرف ولادتها أيضاً فيها، وهذا يكون من باب الإعجاز والولاية التكوينية.
وقد أشار لهذا الإشكال الشيخ المجلسي(ره)، في تعقيبه على النص الذي تضمن أن ولادته(ع) كانت على نهر الفرات، فقال(قده): وربما يستبعد ذلك بأنه تواتر عند أهل الكتاب بل عندنا أيضاً أن مريم كانت في بيت المقدس، وكانت محرراً لخدمته، وخرجت إلى بيت خالتها أو أختها زوجة زكريا، فكيف انتقلت إلى الكوفة وإلى الفرات مع هذه المسافة البعيدة في هذه المدة القليلة.
والجواب: أن تلك الأمور إنما تستبعد بالنسبة إلينا، وأما بالنسبة إليها وأمثالها فلا استبعاد، فيمكن أن يكون الله تعالى سيرها في ساعة واحدة آلاف فراسخ بطي الأرض، ويؤيده قوله تعالى:- (فانتبذت به مكاناً قصياً)، أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد، وقال بعضهم: أن يوسف النجار ابن عم مريم لما علمت بحملها احتملها على حمار له فانطلق بها حتى إذا كان متاخماً لأرض مصر في منقطع بلاد قومها أدرك مريم النفاس فألجأها إلى أصل نخلة يابسة فوضعت عندها عيسى.
وأقول: هذا مبنى على أن مدة حملها لم تكن ساعات قليلة، بل تسعة أشهر أو ثمانية، أو ستة كما مر، وقد مر أن الوارد في أكثر أخبارنا تسع ساعات، وقيل: ثلاث ساعات، وقيل: ساعة واحدة، فعلى الأقوال الأوّلة يمكن أن يكون ذهابها إلى الكوفة بغير طي الأرض أيضاً، والمشهور بينهم أن ولادته(ع) كانت في بيت لحم بقرب بيت المقدس[16].
وقد يقرر وجود معارضة بين الطوائف الأربعة التي استند إليها القائلون بالأقوال الأربعة، وعليه لما لم يكن الجمع العرفي بينها متصوراً، فلا مناص من البناء على الترجيح لأحدها.
وعندها قد يدعى سقوط القول الرابع عن البحث، لأن مستنده نص قد ورد في كتاب التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم، وقد عرفت في محله عدم صحة النسبة، وهذا يجعل المصدر غير معروف، مما يجعل الاستناد لمروياته من الصعوبة بمكان.
وعندها سوف تدور المعارضة بين الأقوال الثلاثة والنصوص المستدل بها عليها، وقد يقرر أن الترجيح للقول الثاني، وهو كون الولادة في النجف الأشرف، أو لا أقل في الكوفة، لتقديم كتاب الكافي على غيره من المصادر الحديثية لما له من امتياز.
وهو ممنوع، لما ذكرناه غير مرة، من أن الكافي وإن كان كتاباً جليلاً، إلا أن ترجيحه على بقية الكتب الحديثية الأخرى بنحو الموجبة الجزئية، وليس بنحو الموجبة الكلية، كما يلحظ ذلك أهل الخبرة والدراية بكتب الحديث. وعليه، فمجرد كون الرواية في كتاب الكافي، لن يكون موجباً لتقدمه على غيرها. نعم يمكن البناء على أن ما جاء في كتاب التهذيب معرض عنه من قبل الأصحاب، وذلك لأن المفروض أنها من النصوص التي ظفر بها الكليني(ره)، إلا أنه لم ينقلها في كتابه، وهذا يوجب سقوطها عن الحجية.
ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن الإعراض المذكور لو تم، فإنه لن يخرج عن كونه إعراضاً صناعياً، نجم من خلال تقديم الخبر الآخر عليه، لموجبات لو اطلعنا عليها قد لا نقبلها.
والإنصاف، عدم وجود معارضة في المقام، وذلك لأننا لو تأملنا في نصوص الأقوال الثلاثة الأول، لا نجدها تضمنت التعبير بكلمة الولادة، وإنما تضمنت التعبير بكلمة الوضع، ومن المعلوم أن الوضع أعم من الولادة، وغيره، ودلالة اللفظة على الولادة إنما هي بالظهور، وليست بالنص، فإذا وجد ما يساعد على التصرف في ظهور اللفظ ولو بحمله على غير معناه، كان ذلك متعيناً، وهذا بخلاف النص الدال على القول الرابع، فقد تضمن التعبير بولدت، وهو نص في كون محل الولادة في بيت لحم، وعليه لو سلمنا بظهور لفظة الوضع في النصوص الثلاثة الأول، ظاهرة في تحديد مكان الولادة، لزم أن تحمل على خلاف ظاهرها ليكون المقصود به الوضع بعد الولادة، على الشيء، من باب الجمع العرفي حملاً للنص على الظاهر.
وعليه، سوف يلتـزم أن محل ولادته(ع) في بيت لحم كما هو المشهور والمعروف.
والعجب من بعضهم عدم القبول بمثل هذا القول، والإصرار على كون محل الولادة في مسجد براثا، مدعياً أنه المستفاد من نصوص أهل البيت(ع)، وكأن القول بأن ولادته في بيت لحم لم ترد عنهم(ع).
وإن أبيت عن البناء على ما ذكرنا، فلا مناص من استقرار المعارضة، وليس في البين ما يوجب المرجحية، ما دام ليس هناك شهرة لأحد الأقوال الأربعة على البقية، فسوف تسقط جميعها، فلا يكون محل ولادته(ع) معروفاً.
وقد يتمسك لكون محل الولادة في منطقة براثا، بكثرة النصوص الواردة في ذلك، وهذا يوجب شهرة روائية له على بقية الأماكن الأخرى.
ويدفعه، عدم وجود كثرة في النصوص، بل الموجود كثرة في نقل القضية التي ذكرناها، ومع البناء على تعدد النصوص، إلا أن كثرتها لم تبلغ حدّ الاستفاضة، وهذا لا يكفي لتحقق شهرة روائية توجب ترجيح أحد الأقوال على البقية.
رابعها: ما بعد الولادة:
بعدما ولدت السيدة مريم(ع) رجعت تحمل وليدها على يديها إلى قومها، فلما رأوها تحمل طفلاً حديث الولادة ولم تكن امرأة متـزوجة سارعوا إلى اتهامها بالفحشاء، قال تعالى:- (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً* يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً)[17]، وللمفسرين كلام في تحديد المقصود من هارون الذي ورد ذكره في الآية المباركة، بعد اتفاقهم على أنه ليس شقيقاً للسيدة مريم(ع)، والذي ورد به النص عن النبي(ص) أنه رجل صالح، وقد كانت مريم تشبّه به، قال(ص): كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف الصلاح[18].
وقد أظهر الله تعالى براءتها من خلال حصول المعجزة بكلام الطفل حديث الولادة في المهد على خلاف المتعارف، وقد تضمن كلامه(ع) أموراً ثلاثة:
1-أنه عبد الله، قد آتاه الله تعالى الكتاب وجعله نبياً.
2-أنه نبي من الأنبياء، وهو فيا لمهد، وقد آتاه الأنجيل وعلمه الحكمة.
3-ذكره جملة من الوصايا المهمة: الصلاة، الزكاة، البر بالوالدة، وعدم التجبر، وعدم الشقاء. قال تعالى:- (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلن نبياً* وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً* وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً)[19].
مصير المسيح:
لقد وقع الخلاف بين المسلمين والنصارى في مصير المسيح عيسى بن مريم(ع)، وما أنتهى إليه أمره، فالمعروف بين أكثر النصارى أنه قد قتل وصلب، وأختار جملة منهم والمسلمون عدم حصول ذلك، فهم ينفون وقوع عملية القتل، ويقررون أنه لا زال على قيد الحياة، وقد رفعه الله سبحانه وتعالى إليه، قال تعالى:- (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه في شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً* بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)[20]. والآية الشريفة صريحة الدلالة في نفي القتل والصلب عنه، وتثبت تحقق رفعه إلى السماء وأن رفعه لم يكن رفعاً معنوياً، بل كان الرفع رفعاً بالجسد والروح معاً. ولم تنف الآية حصول عملية القتل والصلب، وإنما أشارت إلى أن المصلوب شخص آخر غير المسيح عيسى(ع).
وقد وقع الكلام في سبب الاشتباه في قتلهم المسيح(ع)، فذكرت أقوال:
أحدها: إن شبهه قد ألقي على رجل من أصحابه، فظن اليهود أنه المسيح، فأقدموا على قتله ومن ثمّ قاموا بصلبه.
وهذا يعني أن العناية الإلهية الخاصة قد تدخلت، فألقى الله تعالى شبهه على الرجل المذكور لينال سعادة الدنيا والآخرة بالشهادة.
وبكلمة، إن عملية الاشتباه لم تكن حقيقة، لأنهم فعلاً قد وجدوا شخصاً شبيهاً للسيد المسيح، وظنوا أنه هو السيد المسيح لاتفاقه وإياه في الملامح والصفات.
ثانيها: إن اليهود قد اشتبهوا في رجل فقتلوه بزعم أنه المسيح(ع).
وهذا الوجه يحتمل أمرين:
1-أن يكون منشأ الاشتباه هو إلقاء الله تعالى صفات السيد المسيح وملامحه على الشخص المشتبه فيه، فيعود هذا القول للقول الأول.
2-أن يكون منشأ الاشتباه عدم احاطتهم بصفات السيد المسيح بصورة دقيقة، فعمدوا إلى قتل الشخص حدساً منهم أنه السيد المسيح، أو أن الصفات كانت واضحة ومعلومة لديهم، إلا أنهم أرادوا أن يقتلوا السيد المسيح فوقع القتل خطأ واشتباهاً على شخص غيره، وعلى كلا المحتملين سوف يكون هذا القول مغايراً للقول الأول.
ولا ينحصر الأمر في خصوص القولين الذين ذكرنا، بل هناك أقوال أخر يجدها القارئ عند الرجوع لكلمات الفسرين.
وكما وقع الاختلاف في منشأ الاشتباه، وقع الاختلاف أيضاً في الرجل الذي ألقي عليه شبه المسيح(ع)، أو الرجل الذي قتل عوضاً عنه، فذكرت أقوال أيضاً، فقيل: أنه يهوذا، وقيل: أنه طيفانوس، وقيل: غير ذلك.
وقد تضمنت النصوص أن زمان رفعه كان في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك.
وقد اختلف في عمره الشريف حين الرفع، والمعروف أنه ثلاث وثلاثون سنة، وقيل: أنه اثنان وخمسون سنة، وقيل: أنه أربعة وستون سنة.
إن قلت: ما ذكرتموه من رفع المسيح عيسى(ع) وبقائه حياً ينافي ما جاء في القرآن الكريم، فلاحظ قوله تعالى:- (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك وافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا)[21]، فإنها تدل صراحة على حصول الوفاة، وليس هذا إلا معنى موته وعدم بقائه على قيد الحياة، لأنه لا يقال للمتوفى أنه لا زال على قيد الحياة.
قلنا: لا كلام في اشتمال الآية الشريفة على التعبير بكلمة(متوفيك)، إلا أن الكلام في دلالة هذا التعبير على الموت من عدمه.
وإن شئت، قل: لقد تضمنت الآية الحديث عن وفاته، وليس الحديث عن مماته، وحتى تكون الآية الشريفة دالة على المدعى وهو موت المسيح عيسى(ع)، يلزم أن يكون بين التعبيرين اتحاد في المعنى، فيكون اللفظان مشيرين إلى معنى واحد، وحقيقة واحدة. أما لو كان بين المفردتين اختلاف وفرق، فلن يتم القول بموته.
والصحيح هو وجود الفرق بينهما، لأن الوفاة أعم من الموت، فإن الوفاة مأخوذة من وفى أي أخذ الشيء وافياً تاماً. فكل ما أخذ تاماً من دون نقص يقال عنه بأنه وفى. نعم من معانيها النوم، ومن معانيها الموت، وقد شاع استعمالها في الموت، لوجود جهة مشابهة في ذلك بينهما، فإن الإنسان عندما يموت يكون قد استوفى أيامه في الحياة الدنيا، فينتقل إلى العالم الآخر. ويساعد على ذلك قوله تعالى:- (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)[22]، فإن (التي) في الآية الشريفة معطوفة على الأنفس، وعليه يكون معنى الآية الشريفة: أن الله تعالى يتوفى الأنفس حين موتها، ويتوفى الأنفس التي في منامها، فلو كان المقصود من التوفي في الآية هو الموت لن يكون معنى الآية مستقيماً، لأنه لن يكون بين الموردين فرق، إذ كلاهما قد أماته الله تعالى، فما هو وجه عرضهما بنحو الافتراق والاختلاف؟! وهذا يستدعي أن يكون المقصود من التوفي في الآية الشريفة معنى يختلف عن الموت حتى يستقيم معناها، وهذا يساعد على أن يكون المقصود منه هو المعنى اللغوي الذي ذكرناه، من الأخذ للشيء تاماً ومستوفياً لجميع أجزائه وما يرتبط به.
وعليه، سوف يكون معنى توفي عيسى(ع) أنه قد أخذ تاماً كاملاً من دون نقص، وقد أخذ بكل شيء كان مرتبطاً به، حتى قد ذكر أنه أخذت معه ملابسه الدنيوية.
وقد برر بعض الأعيان(قده) رفعه إلى السماء بأنه قد خلق من مادة أرضية متكونة من مريم العذراء، ومادة ملكوتية هي نفخة جبرائيل، وتجاذبت المادتان، فالأولى تجذب عيسى إلى عالمها، والثانية كذلك، وغلبت الثانية ورفعت عيسى(ع) إلى السماء. نعم قد أوقف هذا الرفع العلوي في خصوص السماء الرابعة، بسبب ما كان معه من حطام الدنيا، وهو مدرعة صوف، ولأن قلبه كان متوجهاً إلى أمه الحنينة الرؤوفة به، ولولا هذان الأمران ما كان لرفعه حد معين، وقد توقف في السماء الرابعة[23].
ومقتضى التعليل المذكور جريانه في آدم(ع) فإنه أيضاً قد خلق من نفحتين مادية، وملكوتية، ومع ذلك لم يرفع للسماء، وهذا يشير إلى أن موجب الرفع من الأسرار الإلهية الخاصة، والتعليل المذكور لا شاهد عليه، ولا دليل.
المسيح في آخر الزمان:
وقد تحدثت النصوص عن نزول المسيح عيسى بن مريم(ع) في آخر الزمان، وهذا يؤكد ما ذكر من أنه لا زال على قيد الحياة، ولم يقتله اليهود. ويمكن تصنيف النصوص المتعرضة للحديث عن نزوله إلى طوائف ثلاث:
الأولى: ما تضمنته أنه ينـزل عند ظهور ولي النعمة الإمام صاحب الزمان(روحي لتراب حافر جواده الفداء).
الثانية: ما تضمنت نزوله عند خروج الدجال ليقوم بقتله.
الثالثة: ما تضمنت أن نزوله يكون من أشراط الساعة.
فمن الطائفة الأولى، ما جاء في أمالي الصدوق(ره) وغيره، عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: أتى يهودي النبي(ص)، فقام بين يديه يحد النظر إليه فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلَّه بالغمام؟ فقال له النبي(ص): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكني أقول إن آدم(ع): لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفرها الله له. وإن نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله عنه. وإن إبراهيم(ع) لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. وإن موسى(ع) لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني، فقال الله جل جلاله: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى. يا يهودي، إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته النبوة. يا يهودي ومن ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه[24]. ودلالته واضحة على أن المسيح(ع) إذا نزل من السماء صلى خلف الإمام صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء).
ومثله ذكر الكراجكي(ره) في التفضيل: قال: ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي(ع) إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح(ع) فإنهما يجتمعان فإذا حضرت صلاة الفرض قال المهدي للمسيح: تقدم يا روح الله يريد تقدم للإمامة، فيقول المسيح: أنتم أهل بيت لا يتقدمكم أحد فيتقدم المهدي(ع) ثم يصلي المسيح خلفه.
وقد أشير لهذا الأمر أعني صلاة المسيح(ع) بعد نزوله خلف صاحب الناحية المقدسة(عج) في كتاب كمال الدين، وغيره من المصادر الحديثية.
ومن الطائفة الثانية، ما جاء في تفسير فرات الكوفي، عن جعفر بن محمد الفزاري، عن أبي جعفر الباقر(ع)، قال: يا خيثمة، سيأتي على الناس زمان-إلى أن قال-وحتى ينـزل عيسى بن مريم من السماء، ويقتل الدجال على يديه، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت.
وهذا النص لم يتضمن ذكر مولاي ولي النعمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، إلا أنه قد نص على كونه شخصاً من أهل البيت(ع)، وهذا الإجمال يرفع من خلال ما تضمنته النصوص الأخرى من التصريح باسمه، فإنه لم يذكر أحد سواه. نعم قد تضمن أن الذي يتولى قتل الدجال هو المسيح عيسى بن مريم(ع)، وهذا موافق لما جاء في مصادر الجمهور، والذي عليه أعلام الطائفة أن الذي يتولى قتله هو الإمام صاحب الزمان(عج)، وعليه، لو أمكن رفع اليد عن هذا المقطع من باب التفكيك في الحجية، لو قيل به وقبل، أمكن الاستناد لبقية النص، وإلا لزم رفع اليد عنه، لتضمنه ما لا يمكن الالتـزام به من أن قاتل الدجال هو عيسى(ع).
ولا أقل من كونه معارضاً للنصوص المتضمنة أن قاتله هو ولي النعمة(عج)، والترجيح سيكون لتلك النصوص عليه.
وأما نصوص الطائفة الثالثة، فهي ما تمسك به بعض الجمهور، إنكاراً منهم للقضية المهدوية تارة، ولصلاة المسيح خلفه بأبي وأمي مرة أخرى، ولدعوى ضعف النصوص التي تضمنت نزوله(ع) وصلاته خلفه(بأبي وأمي)، ولهذا جعل نزول المسيح لعالم الدنيا في آخر الزمان، واحدة من أشراط الساعة.
حتى أن التفتازاني، أوجد إشكالاً مفاده: كيف يصلي نبي من أنبياء أولي العزم خلف المهدي بن الحسن الذي سيظهر في آخر الزمان. قال: فما يقال إن عيسى يقتدي بالمهدي شئ لا مستند له فلا ينبغي أن يعول عليه، نعم هو وإن كان حينئذ من أتباع النبي فليس منعزلاً عن النبوة فلا محالة يكون أفضل من الإمام، إذ غاية علماء الأمة الشبه بأنبياء بني إسرائيل.
ولسنا بحاجة للرد عليه، إذ أن الرجوع لكلمات أصحابه يفيد بطلان دعواه، فقد أجاب عنه السيوطي في الحاوي للفتاوي، فقال: هذا من أعجب العجب! فإن صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بإخبار رسول الله وهو الصادق المصدق الذي لا يخلف خبره[25].
وقد ألتـزم ابن حجر في صواعقه بتواتر النصوص الدالة على نزول المسيح عيسى(ع) من السماء، وصلاته خلف الإمام صاحب الزمان(عج)[26]، فكيف يبقى مجال لمقولة التفتازاني.
خاتمة:
بقي أن نشير في نهاية المطاف للحديث حوله إلى نقطتين بنحو الخاتمة لهذا الموضوع، وإن كان حديث نزوله(ع) وصلاته خلف الناحية المقدسة(عج)، يحتاج بسطاً أكثر، نحيله إلى وقت آخر إن شاء الله.
الأولى: تحديد موضع نزول المسيح عيسى(ع):
وهذا ما لم تتعرض إليه النصوص، إذ لا يجد المراجع إليها إشارة فيها من قريب أو بعيد حول ذلك.
وقد احتمل بعضهم أن يكون ذلك في إحدى البلدان الغربية معللاً ذلك بتوفر أتباعه ووجودهم، والذين يدعون فيه الألوهية.
والاحتمال المذكور لا يخرج عن كونه احتمالاً، وما ذكر لا يصلح دليلاً، ولهذا لن ينفي غيره من المحتملات كإمكان نزوله في مكان آخر غير ما ذكر.
نعم تضمنت كتب الجمهور تحديد موضع نزوله، وهو دمشق، فإن تعاملنا مع ذلك على أنه قضية تاريخية أمكن الاستناد إليها، وهذا بخلاف ما لو كان قضية عقدية، فإنه يعتبر في النص صحة السند وعدم تضمنه ما لا يمكن الالتزام به.
الثانية: مدة بقائه في الأرض:
وقد اختلفت النصوص في تحديد مدة بقائه على الأرض بعد نزوله، مع اتفاقها على موته في عصر الإمام المنتظر(عج)، وأن الذي سوف يتولى الصلاة عليه هو الإمام صاحب الزمان(عج)، فحددت مدة بقائه بثلاثين سنة، كما أنها حددت بأربعين سنة. وليس مهماً جداً الإحاطة بمدة البقاء، ما دام أنه يموت بعد الانتصار المطلق للمولى ولي النعمة(بأبي وأمي).
[1] سورة النساء الآية رقم 172.
[2] سورة النساء الآية رقم 157.
[3] سورة التحريم الآية رقم 12.
[4] سورة الأنبياء الآية رقم 91.
[5] سورة النساء الآية رقم 171.
[6] سورة الأعراف الآية رقم 54.
[7] سورة مريم الآية رقم 21.
[8] مجمع البيان ج
[9] بحار الأنوار ج 14 باب ولادة عيسى(ع) ح 28 ص 219.
[10] المصدر السابق ح 2 ص 207.
[11] سورة مريم الآية رقم 22.
[12] بحار الأنوار ج 14 ب ولادة عيسى(ع) ح 7 ص 210-121.
[13] المصدر السابق ح 5 ص 208.
[14] المصدر السابق ح 8 ص 212.
[15] المصدر السابق ح 4 ص 208.
[16] مرآة العقول ج 6 ص 50-51.
[17] سورة مريم الآيتان رقم 27-28.
[18] نور الثقلين ج 4 ص 364.
[19] سورة مريم الآيات رقم 30-32.
[20] سورة النساء الآيتان رقم 157-158.
[21] سورة آل عمران الآية رقم 55.
[22] سورة الزمر الآية رقم 42.
[23] مواهب الرحمن ج 5 ص 402.
[24] أمالي الصدوق ص 181.
[25] الحاوي للفتاوي ج 2 ص 167.
[26] الصواعق المحرقة ص 99.