يجوز للزوجة أن تـتصرف فيما تـتملكه من أعيان نفقتها كيفما تشاء،فيصح لها أن تنقل مثل المسكن والكرسي والفراش ونحوها،إضافة إلى ما هو مثل القمح والأرز،عن ملكها ببيع أو هبة أو إجارة أو نحوها،إلا إذا اشترط الزوج عليها ترك ذلك التصرف صراحة أو ضمناً ولو اعتماداً على ما هو المتعارف في مثل هذا المقام،فإذا نقلته عن ملكها لم يكن زوجها ملزماً بتأمين غيره لها بعد ما بذل لها نفقتها الواجبة عليه بالنحو المطلوب منه.
وأما ما تـتسلمه من دون تمليك فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرف فيه بغير الوجه المتعارف إلا بإذن من الزوج،ومن ذلك ما لو نهاها عن استقبال أشخاص معينين في مسكنها،فإنه لا يجوز لها إدخالهم داره التي بذلها لها لا على نحو التمليك،وهكذا سائر الأعيان المبذولة لها.
هذا وإذا انتهت العلاقة الزوجية بين الزوجين التي توجب النفقة للزوجة على الزوج،بطلاق أو موت،أو نحوهما،فإن كان ما عندها من الأعيان التي تبقى عينها بالانتفاع-بما في ذلك الكسوة-قد بذلها لها لا على نحو التمليك،جاز له استردادها،وإن كان قد ملكها إياها لم يجز له استردادها رغم بقائها على ما هي عليه،فلا تجري عليها أحكام الهبة من جهة جواز استرجاع الموهوب مع بقاء عينه ومع كون الموهوب له غير ذي رحم،وذلك لخاصية كونه نفقة واجبة عليه،وهو ما يخـتلف عن ما يهبها إياه من الأعيان التي لا تستحقها بالنفقة،وذلك كأن لا تكون بحاجة إلى سيارة،فيهبها سيارة،فيجوز له الرجوع بها مع بقاء عينها ومع كونها ليست رحماً له،وهكذا سائر الموارد.
ثم إن النفقة التي تستحقها الزوجة هي نفقة يومها،فليس لها أن تطلب من الطعام والشراب ونحوهما أكثر من نفقة يوم واحد،ولو دفع لها نفقة أيام كأسبوع أو شهر،وانقضت المدة ولم تصرفها على نفسها،إما لأنها صرفت من مالها أو أنفق عليها شخص آخر،كان ما أخذته ملكاً لها وليس للزوج استرداده،وأما لو إذا خرجت عن الاستحقاق قبل مضي المدة فإنه يجوز للزوج استرداد ما يساوي نفقة الأيام التي خرجت فيها عن الاستحقاق،إن رغب الزوج في ذلك.
المال المنفق:
يعتبر في المال الذي ينفقه الرجل على زوجته،أو ما ينفقه المتبرع على المرأة مع قدرة الزوج على الإنفاق عليها،من خالص المال فلا يصح أن ينفق الزوج عليها من أموال الحقوق الشرعية الواجبة عليه من خمس أو زكاة أو كفارات أو نحوها،حتى لو كانت الزوجة فقيرة في ذاتها.
كما لا يصح أن ينفق عليها غير الزوج من أموال الحقوق الشرعية مع قدرة الزوج،لأن الزوجة حينئذٍ تكون غنية بزوجها حتى لو كانت في ذاتها فقيرة،نعم يجوز عند عجز الرجل عن الإنفاق عليها،ولو لغيـبة تمنعه من إيصال النفقة إليها،أن يُنْفَقَ عليها من الحق الشرعي بتسليمه لها لتصرفه على نفسها وعلى من تحب،إلا أن يستغني زوجها بالحق الشرعي الذي يدفع إليه ويصبح قادراً على الإنفاق عليها مما يأخذه منه،فإنه لا يصح حينئذٍ إعطاؤها من الحق الشرعي.
هذا ويجب على الزوج أن يسعى جهده لتأمين نفقة زوجته بالتكسب اللائق بحاله وشأنه،فإن لم يكن متمكناً منه أخذ من حق الفقراء من الخمس والزكاة ونحوهما بمقدار حاجته للقيام بنفقتها،فإن لم يجد،لزمه الاقتراض مع قدرته على الوفاء،فيما يشكل القول بوجوبه إذا لم يكن احتمال تمكنه من الوفاء معتداً به،فإن لم يجد لم يجب عليه استجداء الناس وسؤالهم من أجل ذلك.
ولو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً،جاز لها إعطائه من الحق الشرعي الواجب في مالها،وصح منه الإنفاق على نفسه وعليها،بلا فرق بين كون هذه المال مال زكاة أو غيره من الحقوق الشرعية.
أحكام العجز:
يجب على الزوج كما عرفنا أن يدفع المقدار المحدد بحسب العرف كنفقة للزوجة،فلو لم تحصل الزوجة على جميع ذلك المقدار،أو بعضه،كماً أو كيفاً،لعجز الزوج أو لامتناعه،لم يسقط عنه المقدار الذي لم يدفعه لها،وبقي ديناً في ذمته،فيجب عليه أداؤه لها مدة حياته،فإن مات وجب على ورثـته إخراجه من أصل تركته كسائر ديونه،ولو ماتت هي انتقل إلى ورثتها كسائر تركتها،سواء طالبته بالنفقة في حينه أم سكتت عنها،وسواء كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم فقدّرها لها وحكم لها بها أم لا.
نعم لو تبرع لها الغير بالنفقة عليها عن زوجها،أو ديناً عليه بإذن الحاكم الشرعي،لم يكن لها على زوجها شيء وصار زوجها مشغول الذمة لمن أنفق عليها.
هذا ومتى أراد الزوج أن يدفع لها ما في ذمته من نفقة قدّر قيمة ما كانت تحتاجه منها مما تذهب عينه بالانتفاع كالطعام والشراب،وأجرة الأعيان التي تبقى بالانتفاع كأجرة المسكن والأثاث والخادم وغير ذلك،ويكون الدفع وفقاً لعملة البلد التي كان ينبغي أن يسكنها فيها.
إسقاط النفقة:
ويجوز للزوجة أن تفرغ ذمة زوجها من النفقة،بأن تسقطها عنه،فلا يجب عليه حينئذٍ أن يدفع لها النفقة.
ولا يختص إسقاطها عنه بوقت دون وقت،فيجوز لها أن تسقط عنه النفقة في الوقت الحاضر،كما يجوز لها أن تسقطها عنه بالنسبة للمستقبل،ومتى أسقطتها عنه،فليس لها الحق في مطالبته بأدائها.
امتناع الزوج:
إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته،فعندنا حالتان:
الأولى:أن يمتنع عن الإنفاق عليها مع قدرته على الإنفاق،وحينئذٍ تكون مخيرة بين أن تأخذ نفقتها من ماله من دون إذنه مع الإمكان والأمن من الأذى الجسدي أو النفسي،وبين أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ليجبره على الإنفاق.
الثانية:أن يكون عاجزاً عن الإنفاق عليها،فإنها مخيرة بين أن تصبر وتدبر أمر نفقتها بكل طريق من خلال التكسب باللائق بحالها،وبين أن تطلب الطلاق،فإن أمتنع رفعت أمرها للحاكم الشرعي،فيأمره بطلاقها.