مدخل:
انتخب علماء السنة من بين جميع ما كتب في الحديث ومسانيده ستة كتب منها فقط، فجعلوها في الدرجة الأولى من الاعتبار والصحة، وسموها بالصحاح الستة، أي المطابقة للواقع، وقد شكلت هذه الكتب الصحاح الستة البنية الأولى والأساس الأصلي في أحكامهم وعقائدهم، والتفسير والتاريخ.
وقد نشأت تسميتها بالصحاح، لأنه يعتقد أن جميع ما ورد فيها من الأحاديث والروايات صحيحة ومطابقة للواقع، سواءً من وجهة نظر مؤلفيها، أم من وجهة نظر علماء أهل السنة.
فهم يعتقدون أن كل ما جاء في هذه الصحاح الستة ونسب إلى رسول الله(ص)، فإنه قد خرج من بين شفتي الرسول الكريم(ص)، أو أمضاه، وقرره عملياً.
وأما سائر كتب الحديث الأخرى فإنها فاقدة لهذه الخصوصية، إذ يحتمل أن تكون فيها أحاديث وقعت سهواً، أو عمداً، ثم نسبت إلى الرسول الكرم(ص).
ومن هذا المنطلق قال فضل بن روزبهان: لو أن أحداً حلف يميناً بأن كل ما ورد في الصحاح الستة من الأحاديث، فهو صحيح، وهو قول رسول الله(ص) لكان يمينه صحيحاً، ولا عليه الحنث[o1] .
وقال في موضع آخر: فقد وقع إجماع الأئمة على صحتها-الصحاح الستة-[o2] .
ومن هنا قال بعضهم في ما يخص سنن الترمذي: من كان في بيته هذا الكتاب، كان في بيته نبي يتكلم[o3] .
وقالوا في سنن أبي داود: كتاب الله أصل الإيمان، وسنن أبي داود عهد الإسلام[o4] .
وأما الصحيحان-البخاري ومسلم- فقد وقعا موضع اهتمام أهل السنة أكثر من الصحاح الأربعة الأخرى، وحازا قصب السبق ونالا الدرجة الأولى من الاعتبار، ومن ثمّ تلاهما سائر الصحاح الأربعة.
هذا وقد أثيرت في الآونة الأخيرة شبهة كانت مثارة من قبل، وهي أنه لم لا يكون للشيعة الإمامية كتب صحاح كما للسنة كتب صحاح، فهذان البخاري ومسلم شاهدان على ذلك، فيمكن لمن أراد المناقشة أن يرجع إليهما، ليعرف ما هو صحيح وما هو سقيم.
ولا يخفى على الخبير بعلم الحديث ودرايته وهن هذه الشبهة، وضعفها، وما إعراض علمائنا الأجلاء منذ القدم عن الجواب عنها، إلا لذلك.
لكن لما كررت هذه الشبهة، وأعيدت، حبذنا أن نقف عندها بعض الوقت، تأكيداً للحقيقة، وتعميماً للفائدة، من خلال دراسة –ولو مختصرة موجزة- في الصحيحين، من خلال بيان حقيقة القول بصحة كل ما جاء فيهما، وموقف علماء السنة من ذلك.
ولنقدم لذلك مقدمة، نـتعرف فيها على الكتابين، بصورة موجزة.
خصائص صحيح البخاري:
يحتوي صحيح البخاري على تسع مجلدات، وأكثر من مائة كتاب، وأبوابه تزيد على ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسين باباً، وأحاديثه تبلغ سبعة آلاف ومائتين وخمس وسبعين حديثاً، مع عدّ المكررات منها، وأما إذا أسقطناها فإن أحاديثه تبلغ أربعة آلاف حديث[o5] .
هذا وقد بلغت الشروح التي كتبت على صحيح البخاري إلى الآن سواء الكامل منها، أم الناقص تسعة وخمسين شرحاً، وقد طبع منها أحد عشر.
وأما التعليقات عليه، فقد بلغت ثمان وعشرين تعليقة، وقد كتب خمسة عشر عالماً خلاصة للصحيح كل حسب مذاقه، في حين كتب ستة عشر عالماً مقدمة له[o6] .
خصائص صحيح مسلم:
يحتوي صحيح مسلم على ثمان مجلدات، وخمسين كتاباً، ويشمل ألف ومائتين وخمسة أبواب، وعدد أحاديثه مع إسقاط المكررات يـبلغ أربعة آلاف حديث، ومع المكررات يـبلغ سبعة آلاف ومائتين وخمسة وسبعين حديثاً[o7] .
وصنف كثير من العلماء كتباً في شرح صحيح مسلم، والتعليق عليه، إلا أن أهمها هو شرح الفاضل النووي.
المغالاة في الصحيحين:
قال علماء العامة في الصحيحين وفي تصحيحهم وتوثيقهم لجميع أحاديثهما وتعديل مؤلفيهما، من المدائح والإطراء كثيرا، وأطنبوا في ذلك حتى بلغ بهم مبلغ الغلو والإفراط فيهما، وكان نصيب البخاري من هذه المدائح والإطراءات أكثر من مسلم.
فتارة تراهم يـبعثون سلام وتحية النبي(ص) إلى البخاري، وتارة أخرى يقصون الرؤى والأحلام في شأن صحيحه، وينسبون إليه وإلى مسلم وصحيحيهما شتى الكرامات الفاضلة حتى أن بلغ الأمر بهم أن قالوا: إن رسول الله أيد صحة كتابيهما وأمضاهما.
ولكن الواقع أن هذه المنسوبات والكرامات والمدائح والإطراءات والمغالاة بحقهما لا تـتوافق مع متن الصحيحين، وأسلوب مؤلفيهما فيهما، كما سنتعرض لإثبات ذلك في مطاوي هذا البحث إن شاء الله تعالى.
مما قيل في الكتابين:
هذا وقبل أن نقوم بالتحقيق في الصحيحين، نورد بعض المدائح والإطراءات التي قيلت فيهما، كنماذج وأمثلة:
قال الجلبي: أما الكتب المصنفة في علم الحديث، فأكثر من أن تحصى، إلا أن السلف والخلف قد أطبقوا على أن أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم[o8] .
وقال محمد بن يوسف الشافعي: أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه، فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز[o9] .
وقال الذهبي: وأما جامع البخاري الصحيح، فأجلّ كتب الإسلام، وأفضلها بعد كتاب الله عز وجل[o10] .
وقال الجلبي عن صحيح مسلم: جامع مسلم الصحيح من حيث الصحة هو ثاني كتاب، وهو أحد الكتابين اللذين ليس أصح منهما شيء بعد كتاب الله[o11] .
وقال أبو علي النيشابوري: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم[o12] .
وقال الفاضل النووي في تقريب: إن أصح الكتب بعد القرآن الصحيحان: البخاري ومسلم، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، وإن رجح البعض تقديم صحيح مسلم عليه، ولكن الصواب والمختار هو الذي ذكرناه[o13] .
وقال ابن حجر في صواعقه: الصحيحان هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به[o14] .
وقال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته-هي مطابقة للواقع-وهي ما حكاه رسول الله(ص) كان حلفه صحيحاً، ولا كفارة عليه، لأن الأمة أجمعت على صحة أحاديثهما[o15] .
وقال محمد فريد وجدي: وغلا بعضهم فرأى أن يستأجر رجالاً يقرأون الأحاديث النبوية في كتاب الإمام البخاري استجلاباً للبركات السماوية-تماماً كالقرآن-[o16] .
وقال القاسمي في قواعد الحديث: صحيح البخاري عدل القرآن، إذ لو قرئ هذا الكتاب بدار في زمن شاع فيه الوباء والطاعون، لكان أهله في مأمن من المرض، ولو اختـتم أحد هذا الكتاب، لنال ما نواه، ومن قرأه في واقعة أو مصيبة، لم يخرج حتى ينجو منها، ولو حمله أحد معه في سفر البحر لنجا هو والمركب من الغرق[o17] .
دفاع مرير:
وقد أفرط علماء السنة في ثنائهم على الصحيحين حتى بلغ الأمر بهم حد التعسف والغلو، وحفظاً لمقامهما وشأنهما فقد حظروا على الباحثين والمحققين أن يقوموا بالبحث والتنقيب فيهما، واعتبروهما كالوحي المنـزل والقرآن الكريم، من حيث العصمة عن الخطأ، ومنـزهاً من أن تنالهما الآراء والأفكار وإبداء الرأي فيهما، وأن البحث والتحقيق فيهما، يكاد يكون توهيناً لهما، وهذا بمثابة التوهين للقرآن، ولا توبة ولا غفران لمن يقوم بذلك.
ولا يخفى على القارئ العزيز أن هذا الدفاع المستميت في تقديس الصحيحين، ما هو إلا سداً لأبواب التحقيق على المحققين الباحثين في الصحيحين كيلا يتجرأ أحد فيكشف الحقائق.
نظرة مغايرة:
وفي مقابل هذا التقديس والتفضيل والكرامات المنقولة في شأن البخاري ومسلم والغلو، الذي طالما حوصر بين الخيال والوهم، هناك علماء من أهل السنة أنفسهم قد نظروا إلى الصحيحين نظرة المحقق البحاثة، فوضعوا ما احتواه الصحيحان على طاولة التشريح، ووازنوهما بالمعيار الواقعي وخرجوا بعد ذلك بالنـتيجة التالية:
إن بعض أحاديث الصحيحين من جهة الإسناد، وبعضها الآخر من جهة النص والمتن مرفوضة، ومخالفة للأصول العلمية والدينية.
وهناك آخرون أيضاً من علمائهم أزاحوا حجب العصبية عن بصائرهم، ونظروا إلى شخصية البخاري ومسلم بمنظار الواقعية، وأصبحت نظرتهم تماماً على عكس الفئة الأولى المغالين، الذين رووا أن رسول الله(ص) بلغ سلامه إلى البخاري.
هذا وقبل أن أنقل بعض الكلمات الصادرة عنهم، أود التنويه إلى أنه لم يكن الشيعة هم السباقون إلى فتح باب الانـتقاد على الصحيحين ومؤلفيهما، وتفنيد رواياتهما، بل أن علماء العامة أنفسهم لهم السبق، فهم من تعرض لنقدهما وبينوا الحقيقة بصراحة، وفتحوا باب نقد الصحيحين على مصراعيه.
ومن هؤلاء الناقدين جمع من العلماء والمحدثين والحفاظ وشراح الصحيحين الذين تعتمد العامة أقوالهم، وتعترف بعلو مقامهم العلمي عندما أبدوا نظرياتهم العلمية والتحقيقية.
رأي الذهلي في الصحيحين:
قال ابن خلكان: محمد بن يحيى المعروف بالذهلي، من أكابر العلماء والحفاظ وأشهرهم، وهو أستاذ وشيخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه[o18] .
وقد كان الذهلي يرى كما هو رأي أكثر المتكلمين في كلام الله أنه قديم، وقد قالوا بكفر وارتداد مخالفيهم الذين يرون بأن كلام الله حديث.
وكان البخاري خلافاً لأكثر متكلمي عصره يقول بأن لفظ القرآن مخلوق، ولما ورد مدينة نيسابور أفتى الذهلي الذي تقلد منصب الإفتاء والإمامة بنيسابور، قائلاً: من ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه.
وقد كان البخاري في نظر الذهلي وأكثر علماء نيسابور في ذلك الوقت مطروداً، ومضلاً منحرفاً عن العقيدة، ووصل الإنزجار والنفور منه إلى حد لم يمكنه البقاء في نيسابور فرحل عنها، وقال بعض: إنهم أبعدوه عن نيسابور، وتفرق كل تلامذته وأصحابه عدا مسلم وأحمد بن مسلمة، وفروا منه كفرارهم من النار كيلا يمسهم لهيب الإنزجار العام، وغضب الناس كما أصاب البخاري.
ويمكننا أن نستنـتج من هذه الحادثة التاريخية، أن صحيح البخاري وكذا صحيح مسلم، قد وقعا معرض النقد والإبرام والذم ما لا يوصف من قبل العلماء والحفاظ مثل الذهلي، وإن هذين الكتابين اللذين عرفا واشتهرا اليوم باسم الصحيحين، ويعدان مرجعاً للتعاليم الدينية عند أهل السنة، قد كان مؤلفاهما آنذاك محل انزجار، واتهام المسلمين إياهما بالكفر والزندقة.
ولم يكتف الذهلي بفساد عقيدة البخاري فحسب، بل كان يرى انحراف صاحبه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، عن العقيدة السليمة، ولذا طرده عن مجلسه، وحرم على الناس حضور مجلسه.
قال ابن خلكان: كان مسلم على أثر اعتقاده هذا مرفوضاً ومنفوراً في الحجاز والعراق[o19] .
موقف أبي زرعة من الصحيحين:
أبو زرعة أحد حفاظ الحديث، وعلم من أعلام علم الرجال والعلوم الأخرى، قال الفاضل النووي فيه: انتهى الحفظ-حفظ الحديث-إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة و…[o20] .
كان أبو زرعة بمكانته العلمية هذه ينـتقد مسلم ونظائره، واعتبرهم متظاهرين بالحديث ومتاجرين به، وكان يقول بأن بعض أحاديث صحيح مسلم ليس بصحيح.
قال الخطيب البغدادي عن سعيد بن عمرو قال: شهدت أبا زرعة الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج، ثم المصوغ على مثاله، صحيح البخاري، فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتشوفون به، ألفوا كتاباً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رئاسة قبل وقتها.
وأتاه ذات يوم، وأنا شاهد رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم، فجعل ينظر فيه، فإذا حديث عن أسباط بن نصر، فقال أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر، ثم رأى في كتابه قطن بن نصير، فقال لي: وهذا أطم من الأول[o21] .
وفي ميزان الاعتدال للذهبي عند ذكر كلمة أبي زرعة، جاء فيه بدل كلمة يتشوفون، يتسوقون، أي يتاجرون[o22] .
موقف النووي من الصحيحين:
وممن شكك في صحة جميع ما في الصحيحين، وتردد في صحة بعض أحاديثهما، بل ربما أبدى رأيه في بعضها ببطلانها بصراحة، هو أحد شرّاح الصحيحين الفاضل النووي، صاحب الصيت في علم الرجال، وله مؤلفات عدة في علم الحديث والرجال، وتعد كتبه مرجعاً، فقد قال في مقدمة شرحه على صحيح مسلم: وأما قول مسلم، وادعاؤه في صحيحه بأن ليس كل شيء صحيح عندي وضعته فيه فحسب، بل جمعت في كتابي الصحيح كل ما اتفق الجمهور على صحته.
فمشكل، فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلف في صحتها، لكونها من حديث من ذكرناه، ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه[o23] .
وفي ذيل شرحه لحديث أبي سلمة في باب بدء الوحي، بأن أول سورة نـزلت على رسول الله(ص) هي سورة المدثر( يا أيها المدثر) قال النووي: إنه ضعيف، بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق(اقرأ باسم ربك)[o24] .
موقف ابن حجر من الصحيحين:
قال ابن حجر: وعدة ما اجتمع الناس على قدحه من الأحاديث، مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة حديثاً، منها ما وافقه مسلم على تخريجه، وهو اثنان وثلاثون حديثاً[o25] .
وقال أيضاً: فقد تناول جماعة من المحدثين وعلماء الرجال أكثر من ثلاثمائة من رجال البخاري فضعفوهم، وأشار-بعد سرد أسمائهم- إلى حكاية الطعن والتنقيب عن سبب ضعفهم[o26] .
رأي القاضي الباقلاني:
أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحة حديث صلاة النبي(ص) على جنازة عبد الله بن أُبي، واعتراض عمر عليه(ص)-الحديث الذي رواه الصحيحان-
وقال إمام الحرمين: لا يصححه-أي الحديث المذكور- أهل الحديث.
وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح.
وقال الداودي: هذا الحديث غير محفوظ[o27] .
رأي ابن همام:
قال كمال الدين بن همام في شرح الهداية: وقول من قال: أصح الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما أشتمل على شرط أحدهما….تحكم باطل، لا يجوز التقليد فيه[o28] .
هذا وتوجد هناك بعض الآراء المعاصرة التي ترى لزوم نقد الصحيحين، ولا تؤمن بصحة كل ما جاء فيها، كنظرية الشيخ محمد عبده المصري، التي أبرزها تلميذه السيد رشيد رضا في تفسيره المنار. وكذا نظرية أحمد أمين الكاتب المصري في كتابه ضحى الإسلام، وغيرهما، نـترك التعرض لها خيفة الإطالة.
رأي مسلمة في صحيح البخاري:
ولنختم حديثنا هذا بما يراه مسلمة في صحيح البخاري، حيث أنه يعتبر تأليف البخاري للصحيح عملاً خلافاً وسيئاً، وحسب المصطلح، أن البخاري قد ارتكب سرقة علمية، وهذا مما يحط من شخصيته العلمية والخلقية، ويسقط قيمته والاعتبار بكتابه، ويضعهما في موضع بين القبول والرد.
يقول مسلمة:
ألف علي بن المديني -شيخ البخاري- كتاب العلل، وكان ضنيناً به، ومهتماً به كل الاهتمام لكي لا تناله الأيدي، فغاب يوماً في بعض ضياعه-خارج المدينة-فجاء البخاري-منتهزاً الفرصة-إلى بعض بنيه وراغبه بالمال على أن يرى الكتاب-العلل-يوماً واحداً، فأعطاه له، فدفعه البخاري إلى النساخ، فكتبوه له، ورده إليه، فلما حضر علي بن المديني وجلس في مجلسه تكلم بشيء، فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً ففهم القضية-استنساخ الكتاب-واغتم لذلك فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير.
واستغنى البخاري بذلك الكتاب عن البحث والتنقيب في الأحاديث، وخرج إلى خراسان، ووضع كتابه الصحيح، فعظم بذلك شأنه وعلا ذكره[o29] .
هذه كلمات أبناء العامة حول الصحيحين، وبيان حالهما، ومدى مقبوليتهما من عدمها، قد عرضنا لها في هذه الكلمة الموجزة حول الكتابين، من خلال كلمات أبناء العامة أنفسهم، وأما التأمل في الصحيحين، بملاحظة الأدلة المثبتة لضعفهما، وعدم قبول المقالة القائلة بصحة كل ما جاء فيهما، فنعرض له في وقت آخر إن شاء الله تعالى.
——————————————————————————–
[o1]إحقاق الحق ذيل حديث(علي صاحب الحوض واللواء).
[o2]المصدر السابق ج 2 ص 235.
[o3]تذكرة الحفاظ ج 2 ص 634، ترجمة رقم 658.
[o4]المصدر السابق ج 2 ص 593، ترجمة رقم 615.
[o5]تدريب الراوي في شرح التقريب للنووي ج 1 ص 102.
[o6]مقدمة صحيح البخاري المطبوع عام 1376 هـ، بمكة المكرمة.
[o7]ذكر النووي في كتابه التقريب عدد الأحاديث الغير مكررة فقط.
[o8]كشف الظنون ج 1 ص 641، باب علم الحديث.
[o9]هدى الساري ص 8.
[o10]إرشاد الساري ج 1 ص 29.
[o11]كشف الظنون ج 1 ص 641، باب علم الحديث.
[o12]وفيات الأعيان ج 4 ص 208، تذكرة الحفاظ ج 2 ص 589، كشف الظنون ج 1 ص 642.
[o13]التقريب للنووي ص 3.
[o14]الصواعق المحرقة ص 9.
[o15]شرح النووي على صحيح مسلم ج 1 ص 19.
[o16]دائرة معارف القرن العشرين ج 3 ص 482.
[o17]قواعد التحديث ص 250.
[o18]وفيات العيان ج 4 ص 282، ترجمة الذهلي.
[o19]وفيات الأعيان ج 2 ص 281.
[o20]تهذيب الأسماء واللغات ج 1 ص 68.
[o21]تاريخ بغداد ج 4 ص 273.
[o22]ميزان الإعتدال ج 1 ص 126، ترجمة أحمد بن عيسى المصري التستري رقم 507.
[o23]مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي ص 16.
[o24]شرح صحيح مسلم للنووي ج 2 ص 207.
[o25]هدى الساري مقدمة فتح الباري ص 345.
[o26]المصدر السابق ص 382.
[o27]المصدر السابق ج 8 ص 272 تفسير سورة براءة.
[o28]أضواء على السنة المحمدية ص 312.
[o29]تهذيب التهذيب ج 9 ص 54.