المجتمع المثالي
قال تعالى:- (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً).(سورة النور الآية رقم 55).
مدخل:
إن تصور مجتمع مثالي، قد فتن مجموعة من العلماء والمفكرين في العالم منذ أقدم أزمنة التاريخ البشري ولحد الآن، فنجد أن كل واحد من هؤلاء قد دوّن مخططاً مستقلاً للمجتمع المثالي وأذاعه بين الناس،ومن أقدم الأسماء التي تظهر في هذا المجال يبرز اسم أفلاطون،ومن بعده انصرف فريق من العلماء والمفكرين الإسلاميـين لتصوير المجتمع المثالي،كالفارابي في كتابه أراء أهل المدينة الفاضلة،وغيره.
والآية القرآنية التي جعلناها افتـتاحاً لحديثنا هذا، تشير إلى وعد الله سبحانه وتعالى بتحقق المجتمع الإسلامي المثالي على وجه الأرض.
في ظلال الآية القرآنية:
الظاهر من الآية الشريفة أنها وعد جميل للذين آمنوا وعملوا الصالحات، بأن الله سيجعل لهم مجتمعاً صالحاً يختص بهم، فيستخلفهم في الأرض ويمكن لهم دينهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً.
معنى الاستخلاف:
هذا وينبغي معرفة ما هو المراد من الاستخلاف في الآية الشريفة،ومن هم المستخلفون من الأمم السابقة؟…
هناك عدة احتمالات، نشير إلى أهمها وهي ثلاثة:
الأول:أن المراد من الاستخلاف هو عبارة عن إعطاء الخلافة الإلهية كما ورد في حق نبي الله آدم(ع)، قال تعالى:- (قال إني جاعل في الأرض خليفة).(سورة البقرة الآية رقم 30 )
وكما ورد في حق داود، قال تعالى:- (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض).(سورة ص الآية 26).
وسليمان لقوله تعالى:- (وورث سليمان داود).(سورة النمل الآية رقم 16).
لكن هذا الاحتمال بعيد، لأن التعبير الوارد في الآية الشريفة(الذين من قبلهم)لا يناسب مقام الأنبياء، إذ أن القرآن لم ترد فيه هذه العبارة بخصوص الأنبياء.
الثاني:إن المراد من الذين استخلفوا من قبل هم بنوا إسرائيل، وذلك لما أهلك الله فرعون وجنوده، فأورثهم الله أرض مصر والشام ومكنهم فيها، كما قال تعالى:- (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض).(سورة القصص الآية رقم 6).
ويمنع هذا الاحتمال، أن الآية الشريفة تركز على نقطة رئيسية وهي أن هذا المجتمع المستخلف، قد تهيئة له السبل لتطبيق الشريعة السماوية، وتنفيذها في كافة المجالات.
وهذا لا ينسجم مع المجتمع الإسرائيلي، لكون مجتمع بني إسرائيل في تلك الفترة لم يخلو من الكفر والنفاق.
الثالث:إن المراد من الاستخلاف، هو إيراث الأرض وتسليط قوم عليها بعد قوم كما قال تعالى:- (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).(سورة الأعراف الآية رقم 128).
وقال سبحانه:- (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).(سورة الأنبياء الآية رقم 105).
فالمراد من الذين من قبلهم المؤمنون من أمم الأنبياء الماضين الذين أهلك الله الكافرين والفاسقين منهم، ونجى الخلص من مؤمنيهم كقوم نوح وهود وصالح وشعيب، فهؤلاء هم الذين أخلصوا لله فنجاهم فعقدوا مجتمعاً صالحاً وعاشوا فيه حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم.
ثم إنه بعد معرفة الاستخلاف والمستخلفين السابقين، نحتاج التعرف على المقصودين في الآية الشريفة بهذا الوعد الإلهي.
وقد وقع الخلاف بين المفسرين هنا أيضاً، على عدة أقوال واحتمالات نشير إلى أهمها:
الأول:إن المقصودين في الآية الشريفة هم أصحاب النبي(ص)، ويشهد لذلك سبب النـزول المروي في كتب التفسير، إذ جاء في غير واحد، أن سبب نزول الآية الشريفة هو أنه لما هاجر الرسول(ص)والمسلمون إلى المدينة، استقبلهم الأنصار بترحاب، ولكن العرب تحالفوا ضدهم، لهذا كان المسلمون يبيتون ليلتهم والسلاح إلى جانبهم لا يفارقهم، إذ كانوا في حالة تأهب تام، وقد شق على المسلمين ذلك، حتى تساءل البعض:إلى متى يدوم هذا الوضع؟وهل يأتي زمان نستريح وتطمئن أنفسنا، ولا نخشى إلا الله؟فنـزلت الآية الشريفة تبشرهم بتحقق ما يصبون إليه.
وقد أنجز الله لهم ما وعدهم وأبدلهم من بعد خوفهم أمناً، واستخلفهم في الأرض ومكن لهم دينه الذي ارتضى لهم.
الثاني:وهو ما أختاره الفخر الرازي في تفسيره الكبير، وهو أن المراد بالمستخلفين والاستخلاف هو استخلاف الخلفاء الراشدين بعد النبي(ص)، لأنه كانت في أيامهم الفتوحات الإسلامية العظيمة، وحصل التمكين وظهور الدين والآمن، ولم يحصل ذلك في أيام علي(ع).(التفسير الكبير ج 23-24 ص 25).
الثالث:إن المستخلفين عامة أمة النبي محمد(ص)، والمراد باستخلافهم وتمكين دينهم وتبديل خوفهم أمناً إيراثهم الأرض، كما أورثها الله الأمم الذين كانوا من قبلهم.
ولا يخفى أنه على هذه الاحتمالات الثلاثة، تكون الآية القرآنية من ملاحم القرآن لكونه أخبر عن أمر غيبي، وقبل أوان حصوله وحدوثه، ولم يكن مرجواً تحققه يوم ذلك.
هذا ومقتضى التأمل في الآية الشريفة عدم قبول أي من هذه الاحتمالات، وذلك بملاحظة الأمور التالية:
الأول:إن الآية الشريفة بصدد الحديث عن فئة خاصة من المؤمنين، لا عمومهم، ويشهد لذلك استخدام(من)التبعيضية في الآية المباركة، حيث عبر سبحانه وتعالى(وعد الله الذين آمنوا منكم).
فالمجتمع الإسلامي في عصر الرسالة، كان يحتوي مضافاً للمسلمين على المنافقين.
بينما الآية بصدد الحديث عن مجتمع لا يتضمن إلا خصوص المؤمنين.
الثاني:لقد تضمنت الآية قيداً احترازياً، يمنع من العمومية والإطلاق، وهو قوله تعالى:- (وعملوا الصالحات)، ومن المعلوم أن بعض المؤمنين لا يعمل الصالحات، والوعد مختص بالذين آمنوا، وعملوا الصالحات.
الثالث:إن تمكين الدين المرتضى لهم من قبل الله تعالى، يعني إقراره، وهو كناية عن ثبوت الشيء من غير زوال واضطراب وتزلزل، وهذا يعني أن تمكن الدين في ذاك المجتمع الموعود عبارة عن كونه معمولاً به من غير كفر به، واستهانة بأمره، مأخوذاً بأصول معارفه من غير اختلاف وتخاصم.
وهذا المجتمع الطاهر بهذه الصفات والقداسة، لم يتحقق ولم ينعقد منذ بعث النبي(ص)إلى يومنا هذا.
وبالجملة، ليس في الآية الشريفة قرينة من لفظ أو عقل، يدل على أن المراد منها أي واحد من الاحتمالات السابقة المذكورة.
مجتمع الإمام الحجة(عج):
والذي يعطيه سياق الآية الشريفة، أن المراد من الاستخلاف هو عقد مجتمع مؤمن صالح يرث أهله الأرض كما ورثها من قبلهم من الأمم الماضين أولي القوة والشوكة.
والمراد من تمكين دينهم الذي ارتضى لهم، هو ثبات الدين على ساقه بحيث لا يزلزله اختلافهم في أصوله، ولا مساهلتهم في إجراء أحكامه، والعمل بفروعه وخلوص المجتمع من وصمة النفاق فيه.
والمراد من تبديل خوفهم أمناً، انبساط الأمن والسلام على مجتمعهم بحيث لا يخافون عدواً في داخل مجتمعهم أو خارجه متجاهراً أو مستخفياً على دينهم أو دنياهم.
وهذا لن يكون إلا في وقت ظهور المهدي الموعود(عج)الذي تواترت الأخبار على أنه سيظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً،وفي المجتمع الذي سينعقد بظهوره.
فهذا المجتمع الطيب الطاهر المشتمل على صفات الفضيلة والقداسة، لن يتحقق إلا في زمن ظهور ولي العصر(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
خصائص مجتمع الإمام المنتظر(عج):
لما كان كل إنسان خلال فترة حياته في هذا العالم يتمتع بأربعة أنواع من العلاقات هي:
1-علاقته مع الله سبحانه وتعالى.
2-علاقته بنفسه.
3-علاقته بالطبيعة.
4-علاقته بالناس الآخرين.
فإنه يمكن استعراض خصائص المجتمع المثالي الصالح، الذي سوف ينشأه المولى المهدي المنتظر(عج)من خلال ذكر خصائص العلاقات الأربع لكل فرد من أفراد هذا المجتمع.
علاقة الفرد بالله تعالى:
في مجتمع الإمام الحجة(عج)يكون كل فرد مؤمناً بوجود ووحدة خالق العالم، ومن ناحية معرفة الوجود لابد أن يكون معتقداً بأنه المنبع الأخير لوجود سائر الموجودات، ومن جملتها الإنسان، وأن ينظر إلى نفسه بما أنه موجود يكتسب وجوده منه سبحانه.
فهو مذعن بعلاقة الخالق والمخلوق بين الله تعالى وجميع الأشياء والأشخاص، ومن جملتهم هو.
ويعتقد كذلك بأن الله تعالى، قد أقام علاقة مع الإنسان بواسطة الوحي، وتـنزيل الآيات، ويتعين على الإنسان أن يقيم علاقة معه سبحانه بواسطة الدعاء والمناجاة والصلاة، وسائر مناسك العبادة وشعائرها.
ويعترف أيضاً بأن الله تعالى ربه، وهو عبد خالص لله جل وعلا، فلله سبحانه القوة والقدرة والسلطة والجبروت والشوكة والجلال بشكل مطلق، والإنسان لابد أن يظهر له غاية الضعف والعجز والخضوع والخشوع والطاعة والإتباع.
ولا ينبغي للإنسان في مقابل الله تعالى أن يظهر العجب والكبر والتمرد والعصيان والغنى والاستقلال.
ويعتقد بأن لله تعالى عفواً وغفراناً وإحساناً ولطفاً ورحمة وإنعاماً، وله كذلك بلاء وعذاب وقهر وغضب وعدالة ومجازاة وانتقام، ومن هنا يجب على الإنسان أن يكون شاكراً ومتـّفياً ورعاً خائفاً من الله أيضاً.
وبالجملة يمكن القول أن كل فرد في مجتمع المولى(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)هو موحد مؤمن ومشمئز حقيقة من الشرك والكفر وهارب منهما، فالشرك والكفر هما اللذان يؤديان إلى هلاك المجتمعات ودمارها.
وقد عدّ الله تعالى السبب في هلاك كثير م المجتمعات هو إشراك أكثرية أفرادها، قال تعالى:- (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين).(سورة الروم الآية رقم 42).
وقد عدّ الله سبحانه وتعالى في سورة الشعراء، وفي سبعة مواضع منها أن السبب في نزول العذاب على بعض الأقوام السابقين وتدميرهم هو عدم إيمان أكثر أفراد كل من هذه الأقوام، أي كفرهم وشركهم.
قال تعالى:- (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، ثم أغرقنا الآخرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).(سورة الشعراء الآيات 65،66،67،ولاحظ الآيات التالية:103،121،139،158،174،190).
والحاصل إن أهم ميزة في مجتمع الإمام المنتظر(عج)هي عبادة الواحد ونفي الكفر والشرك.
علاقة الفرد بنفسه:
كل فرد في ذلك المجتمع، يعلم أن ما عنده وما تحت تصرفه سواء أكان جسماً وبدناً، أم نفساً وروحاً، فهو أمانة إلهية، ولابد من التعامل معه كما يتعامل الأمين مع الأمانة والوديعة المودعة لديه، فالإنسان لا يحق له التصرف في بدنه وروحه كما يشاء هو ويحلو له، وإنما هو مكلف بالاعتراف بالتصرفات التي أجازها الله تعالى، ثم العمل بها بعينها فحسب.
علاقة الفرد مع الطبيعة:
ونقصد بالطبيعة الجمادات والنباتات والحيوانات.
وفي مجتمع الإمام المهدي(عج)يتخذ كل فرد لنفسه في مقابل الطبيعة موقفين مهمين جداً:
الأول:كونه أميناً من قبل الله سبحانه.
الثاني:أنه خليفة الله تعالى في الأرض.
وهذا يعني أن عليه أن يبذل غاية جهده لئلا تضيـيع النعم الإلهية في الطبيعة، ولئلا يهلك الحرث والنسل، وهو يحاول بكل ما أوتي من قوة لتنمو وتـتكامل الموجودات الطبيعية وتـتفتح قواها واستعداداتها وتصل إلى الفعلية بشكل أكبر وأفضل مهما أمكن ذلك، وصحيح أن للطبيعة مسيرة خاصة وإن لم يتدخل الإنسان فيها فهي تـتجه نحو كمالها ونضجها، إلا أن الله سبحانه قد أراد من الإنسان أيضاً أن يساهم ويكون له تأثير في هذه المسيرة، فهو يحول دون تضيـيعها وإتلافها والإسراف والتبذير بها، ويقوم أيضاً بتعمير الأرض ويحسن بذور النباتات وأجيال الحيوانات حتى تظهر وتبرز النعم الإلهية بشكل أفضل، وأكثر.
إذن فالناس في مجتمع صاحب الزمان(عج)أمناء وخلفاء لله بالنسبة للطبيعة، ولكي ينهضوا بهذين الأمرين المهمين والخطيرين، لابد أن يتعلموا بشكل أكبر وأفضل الأحكام والتعاليم الإلهية المتعلقة بهذا المجال، وأن يلموا بالعلوم والفنون والصنائع والحرف ذات العلاقة بالموضوع.
علاقة الفرد بسائر الناس:
فكل فرد في مجتمع الإمام ولي الأمر(عج)يبني جميع علاقاته مع سائر الأفراد على أساس أصلين هما:
1-القسط والعدل.
2-الإحسان.
ومقتضى أصل القسط والعدل، وهو أهم بكثير من أصل الإحسان، هو أن يلاحظ كل فرد حقوق وصلاحيات وكذا تكاليف ووظائف نفسه والآخرين دائماً ويراعيها في مقام العمل بشكل مستمر.
وقد عدّ الله سبحانه أن من أسباب زوال المجتمعات وهلاكها، الجور، قال سبحانه:- (هل يهلك إلا القوم الظالمون).(سورة الأنعام الآية رقم 47).
ركائز مجتمع الإمام صاحب الزمان(عج):
ولما كانت علاقات الفرد مع سائر الأفراد تـتم في إطار الركائز الاجتماعية، لذا نحتاج أن نلقي نظرة موجزة وسريعة على الركائز في مجتمع الإمام المهدي(عج):
ركيزة العائلة:
ففي مجتمعه(ع)تبذل جهود جبارة في سبيل تحكيم وتقوية بناء العائلة والحيلولة دون تبعثر وتشتت هذه النواة الاجتماعية المهمة جداً.
وبالإضافة إلى هذا ففي هذا المجتمع يجري الحث والترغيب في تشكيل العائلة ولا يدخرون وسعاً في بناء هذه النواة الاجتماعية بصورة تحقق جميع الأهداف المقصودة منها على أفضل وجه.
ركيزة الاقتصاد:
فيتم في مجتمعه(عج)ترويج وإشاعة جميع العلوم والمعارف والفنون والصنايع النافعة لتحسين نشاطات الأفراد الاقتصادية، حتى يعرف الناس بشكل جيد كيف يستطيعون إصلاح أوضاعهم وأحوالهم الاقتصادية.
ركيزة السياسة والحكومة:
وفي ذلك المجتمع الطاهر يتم تعيـين كل فرد في مكانه المناسب له في سلسلة مراتب موظفي ومسئولي شؤون المجتمع بكل دقة، وحسب كمية وكيفية ما يتمتع به من علم وأخلاق وعمل.
فهناك مجموعة أمور دخيلة في تصدي الشخص للمنصب الذي يشغله، وهي مدى علم كل فرد بتعاليم وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، وبالأوضاع والأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع وفي العالم،وإحاطته بواحد من العلوم والفنون المختلفة،وكذا مدى إيمانه وتعبده وتقواه وعدالته.
ركيزة الحقوق:
ومن الواضح أهمية هذه الركيزة، حيث أن الركائز الثلاث السابقة بحاجة إليها لكي تنتظم أمورها وشؤونها على وجه صحيح ومشروع.
فالذين يعيشون في مجتمع الإمام المنتظر(ع)ويتمتعون بأكبر قسط من العلم بالتعاليم والأحكام الإسلامية عموماً والقوانين والمقررات الفقهية والحقوقية الإسلامية خصوصاً، يعرفون جيداً الأوضاع والأحوال السائدة في مجتمعهم وسائر المجتمعات والعالم بأجمعه في الأبعاد المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويكونون مؤمنين متعبدين متقين عدولاً، ومتميزين بالعقل والتدبير اللازمين، ويقومون بتطبيق الأصول والأسس والمعايـير والموازين الحقوقية الإسلامية بعد معرفتها على الأوضاع والأحوال الموجودة، وبهذه الطريقة يعينون نظاماً حقوقياً كاملاً وعادلاً بحيث يستطيع تبيـين ما للأفراد من حقوق وما عليهم من واجبات اجتماعية، ويتمكن أيضاً من حل وفصل الاختلاف والمنازعات التي تحدث بينهم.
ركيزة التربية والتعليم:
وتحتاج الركائز السابقة إلى هذه الركيزة، حيث تقوم هذه الركيزة في مجتمع الإمام(ع)بتعريف كل فرد بكم وكيف علاقته بالله تعالى وبنفسه وبالطبيعة وتربيته بشكل لا ينحرف معه في كل مورد عن المواقف العقائدية والأخلاقية والعملية التي يجب أن يتخذها، وتعلمه كمية وكيفية العلاقات الاجتماعية التي تقوم بين الأفراد، وتربيه بحيث يتعود على احترام حقوق الآخرين وواجبا تهم الاجتماعية ولا يدوس عليها بقدمه في مقام العمل.
فتنهض ركيزة التربية والتعليم في ذلك المجتمع الصالح بتعليم كل فرد من الأفراد أصول وأسس الرؤية الكونية، والإيديولوجية الإسلامية قبل كل شيء، فما يجب معرفته بالنسبة لله تعالى هو أن للإنسان بغض النظر عن جسمه وبدنه، نفساً وروحاً يشكل حقيقته وهو أبدي وخالد، ولا يحصل تكامله إلا نتيجة لأفعاله الاختيارية، وسيجد الإنسان جزاء أعماله الحرة المختارة ، من ثواب أو عقاب،في عالم آخر وهو المعاد.
ثم إن الذي يؤدي إلى السعادة الخالدة والكمال هو العقائد والأخلاق والأفعال المطابقة لتعاليم وأحكام الله تعالى مما أنزله بواسطة الوحي على جميع أنبيائه، ولا سيما نبي الإسلام محمد(ص).
وأن الهدف من خلق الإنسان هو أن يكسب رضا الله تعالى ويتقرب إليه وينال كماله الحقيقي بواسطة أفعاله الاختيارية، وأن بعض كمالات الإنسان قابلة للتحصيل في الحياة المنفردة والمنعزلة أيضاً، وإن كان حصولها أسهل في الحياة الجماعية، بينما البعض من كمالاته لا يمكن أن تظهر إلا في الحياة الاجتماعية، وأساساً فإن موضوعها هو العلاقات والارتباطات الاجتماعية.
وبعد تعليم الناس أصول وفروع دينهم ومذهبهم وتربيتهم على أساسها يصل الدور إلى تعليم العلوم والمعارف والفنون والحرف والصنايع اللازمة لسد الاحتياجات المادية والاقتصادية.
خاتمة:
بقي أن نشير في الختام، إلى أن الفرد في مجتمع الإمام الحجة(عج)لا ينحصر تفكيره في مصالحه ومنافعه الشخصية ولا يتصور أن سائر الأفراد وسائل لتأمين وتحصيل مشتهياته واحتياجاته، وإنما ينظر إلى الآخرين بعنوان أنهم عباد الله تعالى ويحاول جهد إمكانه تحقيق الهدف من الوجود، وهو الرقي والتكامل الحقيقي لجميع الناس على أفضل وجه، ولهذا فهو يشعر بالمسؤولية إزاء سائر الأفراد أيضاً.
وبناء على هذا فجميع الأفراد في ذلك المجتمع بلا استثناء يتبادلون فيما بينهم التعليم والتربية، ويخصص جانب عظيم من علاقاتهم وارتباطاتهم للتزكية والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
والنتيجة أن مجتمع الإمام المهدي(عج)يتركب من مجموعة أفراد وأعين مؤمنين متعبدين ومتقين عدول يعتبرون مصاديق لقوله تعالى:- (الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات).