التغيـير هدف القرآن(2)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
93
0

الهدف من نزول القرآن في كلمات الأعلام:

بعد العرض السابق تظهر أهمية معرفة الهدف الذي نزل من أجله القرآن الكريم، وكثرة الفائدة المترتبة على ذلك، ومع قلة، أو ندرة المتعرضين لهذا البحث على نحو الاستقلال، إلا أن أغلب الأعلام ذكر الهدف من نزوله بنحو الاستطراد، وإن لم يعقد له بحثلاً مستقلاً، وقد تعددت الأهداف من نزوله في كلماتهم:

منها: أن الهدف الذي نزل القرآن الكريم من أجله، لأنه يمثل معجزة النبي محمد(ص) الخالدة، ومن المعلوم أن كل نبي من الأنبياء، ولا سيما أولي العزم لابد وأن يكونوا مزودين بمعجزة، فقد كانت معجزته(ص) الأساسية، هي القرآن الكريم.

والحاصل، لقد كان الهدف من نزوله، هو إثبات حقانية الدعوة المحمدية، وصدق النبي الأكرم(ص).

ومنها: أن الهدف من نزوله، لأنه يمثل الدستور المتكامل الذي سوف يكون العمل على وفقه عند قيام الدولة الإسلامية، وتطبيق نظام الحكم الإسلامي فيها، لأن كل دولة لابد لها من قوانين وأنظمة، وقد تضمن القرآن الكريم جميع ما يحتاجه النظام الإسلامي من قوانين، وأنظمة تعالج كافة الشؤون الحياتية وفي جميع مجالاتها.

ومنها: لما كان القرآن الكريم يخاطب العقل البشري، فقد كان الهدف من نزوله دعوته العقل الإنساني إلى التفاعل من خلال التفكر والتدبر والتأمل[1]، ويستفاد هذا من قوله تعالى:- (كتاب أنزلناه إليك مباركاً ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب)[2].

ومنها: إن الهدف الذي نزل القرآن الكريم من أجله هو بناء الشخصية الإيمانية، وذلك بإعطاء الإنسان المؤمن البصيرة والرؤية السليمة في الحياة.

ومنها: كلنا يعلم أن الله تعالى قد خلق الجنة من أجل السعادة، وأنه قد خلقه من أجل أن يدخله الجنة، ولم يخلقه ليدخله النار، وقد دعاه تعالى لأن يبلغ أعلى درجات التكامل، لينال أعلى مراتب الفوز والسعادة، ولما كان ذلك يحتاج وجود منهج يخط له الطريق الذي يمكنه من الوصول إلى ذلك، أنزل سبحانه القرآن، وعليه فيكون الهدف الذي نزل القرآن من أجله، هو هداية العباد إلى السعادة والفوز والفلاح في الدنيا، ونيل العقبى[3].

ومنها: إن للقرآن الكريم أهدافاً متعددة، ولا ينحصر داعي نزوله في خصوص هدف واحد، ويمكن تصنيف تلك الأهداف التي نزل القرآن من أجلها إلى ثلاثة أصناف بحسب أهميتها:

الأول: الأهداف العامة، وتتمثل في الهداية إلى طريق الحق والصواب لعامة البشر. قال تعالى:- (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)[4].

الثاني: الأهداف الخاصة، وتتمثل تلك الأهداف في توجيه الإنسان إلى الارتباط بالقادة الهداة الميامين، أعني الأئمة الأطهار، والسيدة الطاهرة الزهراء(ع)، كما يستفاد هذا من خلال النصوص التي فسرت قوله تعالى:- (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين)[5]، فقد ورد في تفسيرها أنه يهدي إلى الإمام(ع)، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) وقد سأل عن قوله تعالى:- (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، قال: يهدي إلى الإمام[6].

الثالث: الأهداف الأخص، ويتمثل ذلك في وصول الإنسان إلى الارتباط بالله سبحانه وتعالى من خلال تحقيقه لقانون الاستخلاف القرآني الذي تضمنته الآيات الشريفة[7].

ولا يذهب عليك، تداخل جملة من الأهداف المذكورة مع بعضها، كما أن بعضها قد يكون مقدمة للآخر، ويكون الآخر نتيجة مترتبة عليه.

وما ذكر وإن كان مستفاداً من الآيات، كما سيتضح في ما يأتي، إلا أن الحديث في عدّه هدفاً أساسياً مقصوداً للقرآن بعينه، أو أنه هدف تكميلي ثانوي، ذكر من أجل تحقيق الهدف الأساس والأصل.

إن الإجابة عن هذا تتوقف على عدم وجود هدف آخر يمكن تحصيله من خلال التدبر في الآيات الشريف، وإلا فلن يكون المذكور في كلمات الأعلام هدفاً أساسيا، بل سوف يكون هدفاً ثانوياً تكميلياً، فلاحظ.

هدف النـزول في الآيات الشريفة:

أشير في بعض الكلمات[8] إلى اشتمال الآيات الشريفة على ذكر هدف لنـزول القرآن الكريم، وقد اختلفت الآيات الكريم بعضها مع بعض، فمن تلك الأهداف، أنه قد نزل من أجل الإنذار والتذكير، قال تعالى:- (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)[9]، لأنها تدل على أن الهدف من نزول القرآن على قلبه(ص) كونه وسيلة إنذار، فيكون هدفه ذلك. وقال سبحانه:- (طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى* إلا تذكرة لمن يخشى)[10]، إن المستفاد من الآية الثالثة أن هدف نزوله هو التذكرة والتذكير.

والإنصاف أن عدّ هذا هدفاً لنـزول القرآن في غير محله، بل إن أقصى ما يمكن البناء عليه أنه أحدى الوسائل المستخدمة في عملية إيصال الهدف القرآني من نزوله، وليس هو هدفه، ويساعد على هذا وقوعه في بعض الآيات القرآنية المتضمنة لذكر أهداف أخرى، يظهر منها أنه وسيلة تحقيقها.

ومنها: أن هدف نـزوله هو ضرب الأمثال وأخذ العبر والدروس، قال سبحانه:- (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل)[11]، ومن المعلوم أن ضرب الأمثال للناس هدفه أخذهم العبرة والدروس منها، فيكون هدف نزول القرآن هو ضربه الأمثال لتحصيل ذلك.

لكن الإنصاف، عدم وضوح كون ضرب الأمثال المذكور في الآية الشريفة هدفاً لنـزول القرآن الكريم، بل إن أقصى ما يستفاد منها، اشتماله على الأمثال التي كان سبب ذكرها أخذ الدروس والعبر منها، فلاحظ.

ومنها: أن هدف نزوله هو إقامة الحجة والبرهان على الحقائق الإلهية، قال عز من قائل:- (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبيناً)[12]، على أساس أن البرهان هو نفسه النور المبين، فيكون الهدف هو تحصيل البرهان في مقام الاثبات، فتأمل.

وللتأمل في الدلالة المذكورة مجال، إذ أن المستفاد من الآية الشريفة، أنه سبحانه وتعالى بصدد ذكر مجيء البرهان منه، لا أنه بصدد بيان الهدف من نزول القرآن، فلاحظ.

وأبعد من ذلك في عدم الدلالة على المدعى الاستدلال بقوله تعالى:- (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون)[13]، لأن المستفاد منها الدعوة إلى اتباع القرآن الكريم، وليس فيها ما يشير من قريب أو بعيد لعملية تحديد الهدف من نزوله، فلاحظ.

ومنها: أن الهدف الذي أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن من أجله يتمثل في بيان تفاصيل الشريعة السمحاء، لأنه كتاب دستور فهو يتعرض لبيان الأحكام، وقد استشهد له بقوله تعالى:- (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)[14]. وسوف تكون دلالتها على المدعى بلحاظ ما تقدم عند الحديث عن الفوائد المترتبة عن البحث عن هدف نزول القرآن الكريم، وعليه سوف يكون المقصود بها أن تشير إلى تضمن القرآن الكريم كل ما يكون سبباً لتحقيق الهدف، ولما كان الهدف من نزوله هو بيان أحكام الشريعة، فيكون معنى الشمولية المستفادة منها اشتماله على كل ما يكون محققاً لذلك[15].

ولا يذهب عليك، غرابة الاستدلال المذكور، مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، فإن الآية الشريفة ليست بصدد بيان الهدف من نزول القرآن الكريم، بل إن المستفاد منها عرضها لواحدة من خصائصه، وأنه يتضمن بيان كل شيء، أما أن هدف نزوله ذلك، فليس واضحاً، فتأمل. نعم الاستدلال لذلك بقوله تعالى:- (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)[16]، في محله، لأن المستفاد من الآية المباركة، أن الهدف من نزول القرآن، هو قيامه(ص) بعملية الفصل وحل الخصومة والمنازعة، وهذا شيء من أحكام الشريعة، فتدبر.

ومنها: حل المنازعات وفصل الخصومات، ويختلف هذا الهدف عن سابقه بلحاظ أن السابق مناط بعالم التشريع، ويناط هذا بعنصر الحكومة والإدارة، وهو المعبر عنه بالشؤون السلطانية التي ترتبط بحاكم الدولة، وليس لازماً أن تكون هذه الأمور خاضعة للجوانب الشرعية، بل قد تخضع لقضايا تنظيمية، كما يلحظ ذلك في العديد من الأحكام الولائية، فلاحظ.

وعلى أي حال، فيدل على أن الهدف من نزول القرآن الكريم، ما ذكر، قوله تعالى:- (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه)[17].

والإنصاف، تمامية دلالة الآية الشريفة على أن الهدف من نزوله هو علاج ما وقع فيه المجتمع البشري من اختلاف، وقد أشير لهذا في بعض الكلمات[18].

إلا أن الكلام في تحديد المقصود من الاختلاف، فإنه إنما يصلح الاستدلال بها لو كان المقصود من الاختلاف الوارد فيها هو المنازعة ويكون الهدف من نزول القرآن عندها هو حل الخصومة[19]. أما لو جعل المقصود منه معناه الواسع، ولم يحصر في خصوص مورد المنازعة، بل هو كل اختلاف ينشأ من الأهواء وما شابه ذلك[20]. فسوف تكون الآية الشريفة أجنبية عن المقام، وإن كانت تتضمن ذكراً لبيان الهدف من نزول القرآن، لكنه ليس ما نحن بصدده، فلاحظ.

وأما الاستدلال بقوله تعالى:- (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون)[21]، فأجنبي عن المقام بالكلية، لأنه ليس لسان الآية لسان بيان هدف لنـزول القرآن الكريم، فلاحظ.

نعم يمكن الاستدلال للمورد بالآية التي أشرنا لها في الهدف السابق، وهي قوله تعالى:- (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)[22]، على أساس أن المقصود من الحكم الوارد فيها هو القضاء وفصل الخصومة، وهو غير بعيد.

ومنها: تصديق الرسالات السابقة وإمضاؤها وتصحيحها والهيمنة عليها، وهذا يجعل للقرآن الكريم دوراً تكميلياً وتصحيحياً، واستند لكون الهدف من نزوله ما ذكر إلى قوله تعالى:- (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه)[23].

وليس الهدف المذكور واضحاً، فإن الظاهر من الآية الشريفة عرضها لبعض الصفات الثابتة للقرآن الكريم، وأن إحداها تصديقه لما تقدم من الكتب السماوية السابقة، وهيمنته عليها، والظاهر أنه لا يتصور حصول الهيمنة من القرآن على ما تقدمه من كتب، إلا بعد أن يكون مصدقاً بها، وأين هذا من جعل ذلك هدفاً من نزوله، فلاحظ.

وكذلك لا مجال للاستدلال بقوله تعالى:- (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل* من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان)[24]، لعين ما تقدم، فتدبر.

ومنها: إنزال الهداية والرحمة، وقد أشير إلى كون ما ذكر هدفاً لنـزوله في قوله تعالى:- (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)[25]. وقوله تعالى:- (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)[26].

والإنصاف، عدم ظهور ما تضمنته الآيتان في الهدف من نزوله، فلاحظ.

ومنها: بيان الفصول التاريخية لتطور حركة الإنسان، بالتأريخ له على أساس ذكر فصول هذه الحركة والعوامل والقوانين والسنن التي تؤثر فيها، وليس على أساس ذكر تفاصيل الأحداث، ويساعد على هذا ما تضمنه القرآن من ذكر لقصص السابقين والأمم المتقدمة، قال تعالى:- (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)[27].

والحال فيه كسابقه، فلا حاجة إلى زيادة التأمل فيه، وعرض الجواب عنه، لأنه خلاف الظاهر جداً.

ثم إنه لو سلم بتمامية دلالة الآيات الشريفة المتقدمة على بيان الهدف من نزول القرآن الكريم، فإنه لا مجال لأن يقال: إن بين الآيات الشريفة في عرضها لبيان الهدف من نزول القرآن الكريم تعارضاً.

لأنه يقال: إن التعارض المذكور يتصور لو قرر أن ما تضمنته كل آية آية من هدف مأخوذ على نحو العلة التامة للنـزول، بحيث يكون ذكره منافياً لذكر غيره من الأهداف الأخرى، أما لو أخذ على نحو المقتضي، والسبب المؤثر بنحو جزء العلة، وليس العلة التامة، فلن يكون تعارض في المقام.

ولا ريب أن المقام من الثاني، إذ أن الأهداف التي تضمنتها الآيات الشريفة، مأخوذة على نحو جزء العلة، وليست العلة التامة، بل يمكن أخذها على نحو الاقتضاء أيضاً، وليس على نحو جزء العلة أيضاً، كما سيتضح عند ذكر الهدف من نزول القرآن الكريم، فأنتظر. ويساعد على ذلك تداخل الكثير من الأهداف بعضها مع بعض، وارتباطها، وإن كان ظاهرها يشير إلى التعدد عند طرح الآيات الشريفة.

وكيف ما كان، فقد تبين عدم وضوح ما عدّ هدفاً لنـزول القرآن الكريم من خلال الآيات الشريفة بأنه هدف له.

[1] نفحات القرآن ج 1 ص 57.

[2] سورة ص الآية رقم 29.

[3] مواهب الرحمن ج 14 ص 157.

[4] سورة النحل الآية رقم 89.

[5] سورة الإسراء الآية رقم 9.

[6] أصول الكافي ج 1 ص 216 ح 2.

[7]منطق فهم القرآن ج 1 ص 130، 172، 182.

[8] علوم القرآن ص 47-49، تفسير سورة الحمد ص 70-74.

[9] سورة الأنعام الآية رقم 19.

[10] سورة طه الآيات رقم 1-3.

[11] سورة الزمر الآية رقم 27.

[12] سورة النساء الآية رقم 174.

[13] سورة الأنعام الآية رقم 155.

[14] سورة النحل الآية رقم 89.

[15] لم يرد هذا التقريب في كلامه(ره)، لكن الظاهر أن هذا هو مقصوده، والله العالم.

[16] سورة النساء الآية رقم 105.

[17] سورة النحل الآية رقم 64.

[18] الأمثل في تفسير القرآن المنـزل ج 8 ص 209.

[19] علوم القرآن ص 48، تفسير سورة الحمد ص 73.

[20] الأمثل في تفسير القرآن المنـزل ج 8 ص 209.

[21] سورة النمل الآية رقم 76.

[22] سورة النساء الآية رقم 105.

[23] سورة المائدة الآية رقم 48.

[24] سورة آل عمران الآيتان رقم 3-4.

[25] سورة البقرة الآية رقم 2.

[26] سورة الإسراء الآية رقم 82.

[27] سورة يوسف الآية رقم 3.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة