المنبر الحسيني عَبرة وعِبرة

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
290
1

لا يـبعد القول أن الوسيلة الأساسية لرفد المجتمع بالمعارف الدينية في كافة مجالاتها، هو المنبر الحسيني في ظل غياب القراءة في الأوساط الاجتماعية. ومن الطبيعي أن يكون هذا موجباً لإلقاء مسؤولية إضافية على المنبر حتى يتسنى له تأدية ما هو الملقى عليه من دور خصوصاً في موسم عاشوراء.

إلا أننا نجد من يرفض هذا المعنى، من خلال إصراره على حصر المنبر الحسيني في خصوص البعد العاطفي، ليس إلا.

من هنا يمكن القول أن الناس يختلفون في نظرتهم للمنبر في أطروحتين تلتقيان في الجملة، مع اختلافهما في بعض التفصيلات:

الأطروحة الأولى:

وهي التي تقرر أن الذي ينبغي أن يقتصر عليه المنبر الحسيني طيلة الموسم العاشورائي خلال عشرة محرم الحرام هو خصوص الجانب العاطفي المتمثل في عنصر البكاء، فلا يتعرض فيها لأي شيء آخر عدا ما يوجب إثارة الجانب العاطفي، وتحريك الأحاسيس والمشاعر، فيقتصر الخطيب طيلة أيام عاشوراء على استعراض الجوانب المأساوية، وعرض تفاصيلها.

ويتمسك أصحاب هذه الأطروحة لإثبات صحة مدعاهم بالنصوص الشريفة التي تضمنت الدعوة للبكاء على سيد الشهداء(ع)، والحث على ذلك، وبيان ما لمن بكى أو تباكى من الثواب، ومقدار الأجر الذي يكون لمن خرج من عينه مقدار جناح ذبابة، وما شابه ذلك، وأنه تغفر ذنوبه، وله الجنة، معللين أن هذه النصوص لم تتضمن الدعوة للخطب ولا المواعظ، أو الإرشاد، فضلاً عن بعض الموضوعات التي يطرحها بعض أرباب المنابر مما يكون بعيداً عن هذا المضمار.

وبالجملة، إن التأمل في هذه النصوص يعطي صورة واضحة بمطلوبية خصوص البكاء للبكاء، دون غيره من الأمور.

الأطروحة الثانية:

وفي مقابل هذه الأطروحة هناك أطروحة أخرى تختلف عن الأطروحة السابقة في المضمون وإن كانت تشترك معها في لزوم البعد العاطفي، وضروريته، والتأكيد على مطلوبيته، وحاصل هذه الأطروحة أنه لابد وأن يستفاد من الموسم العاشورائي ومن خلال المنبر الحسيني أكبر قدر ممكن، لأن كربلاء مدرسة العطاء، فينبغي للمؤمنين خلال هذه المدة الزمنية أن يغرفوا من نمير معارفها، خصوصاً وأن المنبر كان ولا زال أحد أبرز الوسائل الرافدة للفكر والثقافة والتعاليم المعرفية والدينية.

ويتمسك أصحاب هذه الأطروحة لعرض أطروحتهم من خلال أن الإمام الحسين(ع) عَبرة وعِبرة، وأنه(ع) لم يكن هدفه من نهضته المباركة مجرد تحريك الجانب العاطفي فقط، بل هناك دوافع ودواعي أخرى كانت محط اهتمامه(ع)، وهذا يعني لزوم الاستفادة توعوياً من هذه المجالس الحسينية بما يتوافق وأهداف الإمام الحسين(ع).

هذا ونحتاج النظر في كلتا الأطروحتين، والتأمل في حجتيهما حتى يتضح لنا أيهما هي الصائبة.

دراسة الأطروحة الأولى ودليلها:

ولنبدأ بالأطروحة الأولى، من خلال ملاحظة الدليل الذي اتكأت عليه، وهي النصوص التي تضمنت الحديث حول البكاء على المولى أبي عبد الله الحسين(ع). ويمكننا تقسيمها إلى طوائف حسب ما تضمنـته من أثرٍ مترتب:

الأولى: ما ورد من أن البكاء على أبي عبد الله الحسين(ع) يوجب غفران كل ذنب، كصحيح الريان بن شبيب عن الإمام أبي الحسن الرضا(ع)-في حديث- قال: يا بن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي(ع)، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله-إلى أن قال-يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين(ع) حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً قليلاً كان أو كثيراً[1].

الثانية: ما ورد من أن البكاء عليه(ع) يوجب غفران الذنوب العظام، ففي خبر إبراهيم بن أبي محمود قال الرضا(ع)-في حديث-: فعلى مثل الحسين فليـبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام[2].

الثالثة: ما تضمنت أن البكاء عليه(ع) يمنع دخول النار، كخبر الفضل(الفضيل)وفضالة عن أبي عبد الله(ع) قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار[3].

ودلالتها من خلال شمول قوله(ع): ذكرنا، للمولى أبي عبد الله الحسين(ع)، كما هو واضح.

الرابعة: ما تضمنت أن البكاء عليه(ع) يوجب دخول الجنة، فعن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله(ع)-في حديث-ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله، ولم يرض له بدون الجنة[4].

الخامسة: ما تضمنت أن البكاء عليه(ع) يوجب حضور الأئمة الأطهار(ع) عنده حال الاحتضار، فعن مسمع بن عبد الملك قال: قال لي أبو عبد الله(ع)-في حديث-: أما تذكر ما صنع به-يعني الحسين(ع)-قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: أي والله، وأستعبر بذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، فقال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، أما إنك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها[5].

السادسة: ما تضمنت أن البكاء عليه(ع) يسعد فاطمة(ع): جاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع)-في حديث-: يا أبا بصير، إذا نظرت إلى ولد الحسين(ع) أتاني ما لا أملكه بما أُتي إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة(ع) لتبكيه وتشهق-إلى أن قال-يا أبا بصير، أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة(ع)، فبكيت حين قالها، فما قدرت على المنطق، وما قدرت على كلامي من البكاء[6].

هذا وقد تفاوتت النظرات حول هذه النصوص، فتوجد ثلاث رؤى حولها:

الأولى: هي الرؤية التي تمسك بها أصحاب الأطروحة الأولى، وهذا يقضي البناء على صدور هذه النصوص عن المعصوم(ع)، لأنها وإن كانت تشتمل على ما هو ضعيف سنداً، إلا أن بينها الحسان، والصحاح، بل هي متواترة، ولو إجمالاً، إن لم تكن متواترة بالتواتر المعنوي.

الثانية: وهي التي تنفي صدور هذه النصوص عن المعصوم(ع)، مدعية كونها من موضوعات الغلاة ودسهم إياها في أخبار أهل البيت(ع)، ترويجاً لدعواهم ومسلكهم في أن ولاء أهل البيت(ع) إنما هو بمحبتهم، لا أن المقصود من ولائهم الدخول تحت سلطانهم، والالتزام بأوامرهم ونواهيهم.

ويشهد لكونها من الموضوعات ما تضمنـته من مضامين تغري الفساق والعصاة على ارتكاب الذنوب واقتراف الخطايا، وتشجعهم على ترك الفرائض والواجبات.

بل إن عدم التناسب بين الجزاء والأجر المعطى مع العمل المأتي به يكشف أيضاً عن عدم صدورها من المعصوم(ع)، وبالتالي وضعها وكذبها.

والحاصل، إن هذه الرؤية تنفي صدور هذه النصوص عن المعصومين(ع)، وهي بهذا تكون متعارضة مع الرؤية الأولى، كما هو واضح.

الثالثة: وهي التي تتفق مع الرؤية الأولى في البناء على صدور هذه النصوص عن المعصومين، ونفي كونها من موضوعات ومدسوسات الغلاة، لكنها تخـتلف عنها في الدلالة، ضرورة أن الطائفة الأولى تقرر الإطلاق في هذه النصوص لتكون جارية في كل زمان ومكان، وعدم كونها محددة بوقت دون آخر، أو عصر دون آخر، بينما يقرر أصحاب هذه الرؤية عدم ثبوت إطلاق لهذه النصوص، بل هي نصوص خاصة بعصر زمني محدد صدرت فيه وفق معطيات وظروف خاصة دعت إلى ذلك، وذلك عندما كان البكاء على الحسين(ع)، وزيارته وإنشاد الشعر فيه، إنكاراً للمنكر، ومجاهدة في ذات الله، ومحاربة مع أعداء الله، بني أمية الظالمة، وهدماً لأساسهم، وتقبيحاً وتنفيراً من سيرتهم[7].

هذا ولسنا بصدد الحديث حول هذه الرؤى وبيان نقاط الخلل فيها، ضرورة أننا نبني على تمامية الرؤية الأولى من حيث صدورها، ومن حيث دلالتها على أنها تفيد الإطلاق في البكاء على الإمام أبي عبد الله الحسين(ع) مطلقاً، وفي كل عصر وزمان.

وأما بالنسبة للرؤيتين الأخريـين، فيكفي للجواب عنهما، أن الثانية منهما، وفقاً لما جاء فيها، فإن القرآن الكريم عندما يشير إلى فتح باب التوبة الواسع على مصراعيه لكل من تاب إلى ربه، فهل يقال عندها أنه يغري الناس بارتكاب المعاصي.

على أن هذه النصوص يمكن جعلها إما من باب الاقتضاء، أو أنها من باب التكفير، والتفصيل يطلب من محله.

وأما ما جاء أخيراً من عدم تناسب الثواب والعمل الصادر من المكلف، فقد أجبنا عن ذلك مفصلاً في حديث عندما تحدثنا حول موضوع بعنوان في رحاب شهر رجب، فراجع[8].

وأما الرؤية الثالثة، فإنها تحتاج إلى دليل وبرهان يساعد عليها، خصوصاً وأن النصوص التي بأيدينا لا تتضمن قرينة تخصصها بذلك العصر دون البقية، كما أنه لا يوجد في البين قرينة حالية، أو مقامية تعين على ذلك، فضلاً عن أن دراسة المرحلة التاريخية للنصوص تأبى عن الحمل على الخصوص، بل إن تعدد صدور هذه النصوص عن المعصومين(ع) إلى قائم آل بيت محمد(روحي لتراب حافر جواده الفداء)ينفي عنوان الاختصاص، كما أن بكاء الأنبياء(ع) من لدن آدم إلى آخر الحجج على الأرض يؤكد العموم، وينفي الاختصاص، وللمجال تفصيل أكثر يطلب أيضاً من محله.

والمتحصل، أن القراءة الأولى بالمقدار الذي أشرنا له، هي القراءة المتعينة، ولا مجال لرفع اليد عنها، كما لا يخفى.

شعيرة المنبر بين النص والاختراع:

ثم إنه بعد البناء على الرؤية الأولى لنصوص البكاء، ينبغي لنا بعد ذلك أن نشير لأمرين مهمين يساعدان على دراسة الأطروحة الأولى:

الأول: الإجابة على سؤال مفاده: هل أن المجلس أو المنبر الحسيني من الشعائر المنصوصة، أم من الشعائر المخترعة والمبتكرة؟…

كنا قد ذكرنا غير مرة أن الشعائر الحسينية تقسم إلى قسمين:

الأول: الشعائر المنصوصة، ونقصد بها الشعائر التي ورد النص فيها من قبل الشارع المقدس، مثل شعيرة البكاء، وشعيرة التباكي، وشعيرة الزيارة، فإنها شعائر ورد النص عليها من قبل الشارع المقدس.

الثاني: الشعائر المخترعة، ونقصد بها الشعائر التي لم تكن موجودة على عصر المعصوم(ع) في وقت الحضور، لكنها وجدت في زمان الغيـبة المظلمة، وهي في نفس الوقت متوافقة مع الأدلة الدالة على مشروعية الشعائر، مثل المسرح، والتمثيل، واللطم على الصدر، وأمثال ذلك.

وعندما نود الإجابة على هذا السؤال، نجد احتمالين في المقام، إذ يحتمل أن يكون المنبر الحسيني من الشعائر المنصوصة، وذلك بملاحظة المآتم العائلية التي عقدت من قبل العائلة العلوية طيلة أيام الأسر والسبي، وبعد العودة إلى المدينة المنورة، وقد ابتدأت هذه المآتم منذ وقوع المولى أبي عبد الله(ع) صريعاً على أرض كربلاء.

كما يحتمل أن يكون المنبر الحسيني من الشعائر المبتكرة والمخترعة، وليس من المنصوصة، وذلك لأن المنبر بالشكل الذي هو عليه اليوم، لم يكن موجوداً في عصر المعصوم، ولو فرضنا وجوده، إلا أنه لم يرد في شيء من النصوص المباركة، وبالتالي لم يتعرض له المعصوم(ع)، فيـبنى على كونه من المخترعات التي تشملها أدلة المشروعية.

والإنصاف، أن كلا الاحتمالين وجيه، والبناء على أي منهما لا ضير فيه، والجزم بأحدهما يحتاج تأملاً أكثر، وإن كان الأقرب القول بأنه من الشعائر المنصوصة، التي أمضاها الشارع المقدس، بعدما كانت تعقد من قبل العلويات بمرأى من الإمام زين العابدين، وكذا في عصور الأئمة الذين بعده، فإن الشيعة كانوا يعقدونها، وكان هناك إقرار منه(ع) لها، فهذا الإمضاء يوجب دخولها في الشعائر المنصوصة، فتأمل.

نعم يـبقى لزوم البحث عن أن المنبر هل له حقيقة شرعية، أم لا، وهذا ما سيكون محط البحث في السؤال الثاني.

ليس للمنبر حقيقة شرعية:

والسؤال الآخر، وهو هل للمنبر حقيقة شرعية، أو متشرعية، أم أنه ليس له حقيقة شرعية ولا متشرعية، ونعني بوجود حقيقة شرعية، أن هذا العنوان لم يكن له ذكر من ذي قبل، ولم يكن معروفاً لدى أحد، وأول من استعمله هو الشارع المقدس، أو لا أقل أنه كان يستخدم في معنى من المعاني، لكن الشارع المقدس نقله ليستخدم في هذا المعنى، بحيث يكون منقولاً.

والمقصود من الحقيقة المتشرعية، أن للمتشرعة بما هم متشرعة مرتبطين بالدين، تعريف وتفسير خاص بهم للمنبر، مقابل ما يفسره به العقلاء بما هم عقلاء.

ونقصد بعدم ثبوت كلا الحالتين السابقتين، أن المقصود من المنبر هو المعنى الموجود عند العرف، من دون أن يكون الشارع المقدس قد غاير هذا المعنى أو تصرف فيه، بل هو لا زال باقياً على حقيقته العرفية المحضة من دون أن يتدخل الشارع فيه أصلاً، فيكون عندها موضوع عرفي صرف محض.

وتظهر الثمرة في موارد عديدة، وفقاً للاحتمالات الثلاثة:

منها: أنه لو ثبت للمنبر حقيقة شرعية تتمثل مثلاً في كيفية خاصة، فلابد من الالتـزام بتلك الكيفية لأنه يكون موضوعاً شرعياً كبقية الموضوعات الشرعية، فلو قيل أن الحقيقة الشرعية للمنبر أن يـبتدأ الخطيب بشيء من الشعر العربي، ثم شيئاً من الشعر الدارج، ثم الموضوع، ويختم بذكر المصيـبة، وأخيراً بأبيات حسينية. فهذا يعني أنه لو لم يأتِ بما ذكر لا يكون الخطيب محققاً لعنوان المنبر، ولذا لو كان المال المنفق على المنبر مبنياً على وقفية، يشكل حينئذٍ الصرف فيه، لعدم انطباق عنوان المنبر عليه حينئذٍ.

ومنها: لو أوصى المتوفى أن يعقد له منبر طيلة أيام الفاتحة بالكيفية المعروفة للمنبر، فلم تقرأ الكيفية المعروفة وفقاً للطريقة التي عرضناها، لا يكون الوصي محققاً ومنفذاً للوصية.

ومنها: ما لو نذر شخص أن يعقد منبراً حسينياً مثلاً، فلم يأت بالكيفية المشار إليها، فإنها لا تفرغ ذمته عندها من النذر، ولا يكون محققاً للمنذور، وهكذا.

وهذا بخلاف ما إذا لم يلتـزم بثبوت حقيقة شرعية للمنبر، بل ولا متشرعية، فإن المرجع في صدق عنوان المنبر خارجاً هو العرف، ومن الطبيعي أن للعرف قابلية للتغير والتبدل وفق معطيات الزمان، بل والمكان، فيمكن أن يتغير ما كان بالأمس عما هو عليه اليوم، فلا يلتـزم بما كان بالأمس يحقق المنبر اليوم، وهكذا.

هذا ولو أردنا تنقيح أي المحتملات الثلاثة التي ذكرناها، لوجدنا أن الأقرب هو المحتمل الثالث، أعني عدم ثبوت حقيقة شرعية ولا متشرعية للمنبر، بل إنه موضوع عرفي صرف محض، لم يتدخل الشارع المقدس فيه، فلم يعمد لإضافة قيد له، ولم يتصرف بحذف قيد منه، بل أبقاه على ما هو عليه خارجاً وفقاً لما تبانى عليه العقلاء، وقد أمضى الشارع هذه السيرة العقلائية، ولا أقل من كونه لم يردع عنها، لتـتسع الدائرة لتغيره فيشمل زماننا أيضاً.

ووفقاً لما ذكرناه، سوف نحتاج الرجوع للعقلاء لنرى ما هي حقيقة المنبر عندهم، ومن ثمّ يمكننا ترتيب الأثر كما هو واضح.

وعندما نعود للعقلاء كي ما نتعرف منهم على عنوان المنبر عندهم، نجدهم يقررون أنه عبارة عن كل ما يصدق عليه مجلس يعقد لتذاكر أمر ما يكون فيه منفعة للحاضرين فيه، ولا يعتبر فيه أكثر من وجود عنوان جامع يوجب الاجتماع للحاضرين، وطلب الفائدة المرجوة.

وهذا المعنى لو طبقناه على المقام، لوجدنا أن العنوان الجامع للاجتماع يتمثل في ذكر المولى أبي عبد الله الحسين(ع)، وعرض ما يكون فيه المنفعة للحاضرين، من دون وجود قيود خاصة، أو كيفية معينة.

والحاصل، إن العنوان البارز إذاً في هذا المنبر واللازم التوفر عليه أن يكون مشتملاً على الحديث عن النهضة المباركة للمولى أبي عبد الله الحسين(ع)، من خلال الإشارة لما جرى عليه، وعلى أهل بيته(ع)، من مصابٍ وأسرٍ ونهبٍ وسلبٍ وسبى.

ويمكن تأكيد هذا المعنى، بل يدل عليه ملاحظة ما ورد عن أبي جعفر الباقر(ع) حيث يقول: رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا في أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلتم بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا، ودعا إلى ذكرنا[9].

فإن المستفاد منه أن هناك عقداً لمجالس يقوم بها أصحابه(ع)، تشتمل تلك المجالس على إحياء أمرهم(ع)، والاشتغال بالذكر، وهو معنى أبعد من كونه مجرد تهليل أو تسبيح، وتكبير، بل الاشتغال بالذكر يشمل ذكر الخير، والتواصي بالأمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، قال تعالى:- (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)[10].

وبالجملة، يستفاد من النص المذكور سعة عنوان المنبر الحسيني، وعدم تأطره بخصوص البكاء كما يدعي ذلك صاحب الأطروحة الأولى، فتدبر.

لا يقال: إن الوارد في كلامه(ع) تحديد لماهية المنبر، وهذا يكشف عن وجود حقيقة شرعية له، لأن ما ذكره(ع) مما ينبغي أن يكون في المنبر يدل على ذلك.

قلت: إنه(ع) ليس بصدد بيان أصل المنبر حتى يقال بما قيل، وإنما هو بصدد ذكر أن المجالس التي تعقد كمنابر متى تضمنت هكذا أمر، كان للمجتمعين الأجر والثواب.

وأوضح من ذلك ما جاء في محادثة الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، مع الفضيل بن يسار، قال(ع): يا فضيل! تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم سيدي. قال: يا فضيل: هذه المجالس أحبها، أحيوا أمرنا، رحم الله امرءاً أحيا أمرنا[11].

وكذا أيضاً ما ورد عنه(ع) في شأن الزيارة ليلة النصف من شهر شعبان، قال(ع): بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة، وناساً من غيرهم، ونساء يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاص يقص، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي.

فقلت: نعم، جعلت فداك، قد شهدت ما تصف. قال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا، ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا(وغيرهم يهدونهم)ويقبحون ما يصنعون[12].

ودلالة هذا النص واضحة على المدعى أيضاً، إذ يستفاد منه أن القصاصين كان لهم دور في المنبر الحسيني، بمعنى أنه تطور في عصر الإمام أبي عبد الله(ع) فأخذ شكلاً مختلفاً بحيث صار للقصاصين دور فيه، فأدخل الحديث عن غزوات رسول الله(ص)، وبعض القضايا التاريخية، وهكذا.

بل يمكن أن يستكشف ذلك أيضاً من خلال النصوص التي تضمنت حث الإمام أبي عبد الله(ع) على قول الشعر، إذ لا يخفى على أحد أن قول الشعر يحتاج إلى تجمع كي ما ينشد فيه ما قاله الشاعر، وهذا يستلزم عقد مجالس يتجمع فيها المستمعون، فيثبت وجود المنبر، مع أن نصوص الحث على الإنشاد لم تعرض كيفية معينة لتك المجالس التي سوف تعقد، بل أحالت ذلك لما هو المتعارف بين العقلاء خارجاً، وهو يؤكد ما ذكرناه من أنه ليس للشارع المقدس حقيقة شرعية، ولا متشرعية بالنسبة للمنبر الحسيني.

عود لدراسة الأطروحة الأولى:

ثم إنه ووفقاً لما تقرر في هذين الأمرين والإجابة عن هذين السؤالين، من أن المنبر يحتمل أن يكون من الشعائر المنصوصة، كما يحتمل كونه من الشعائر المخترعة، وإن كنا للأول أميل، وكذا ثبوت حقيقة عرفية محضة للمنبر، وليست شرعية، ولا متشرعية، يتضح لنا عدم تمامية الأطروحة الأولى، وذلك لعدة جهات نشير إليها تباعاً:

الأولى: أن البناء على الأطروحة الأولى وفقاً للدليل المذكور في غير محله، وذلك، لعدم تمامية دلالة النصوص المذكورة في المدعى أصلاً، ضرورة أن أقصى ما يستفاد منها الحث والترغيب على البكاء، وبيان ما يكون للباكي، أما أنه ينحصر الأمر في المنبر الحسيني فيه دون غيره، فلا ظهور، بل لا دلالة لها على ذلك، لكونها ليست بصدد البيان من هذه الجهة، بل هي واردة كما ذكرنا في بيان الحث على البكاء، وما يكون للباكي من أجر وفضل.

الثانية: إن التسليم بدلالة النصوص المذكورة على المدعى يتوقف على تمامية مقدمتين، وهما:

الأولى: أن يكون المنبر الحسيني من الشعائر المنصوصة.

الثانية: أن يثبت للمنبر حقيقة شرعية، ولا أقل متشرعية.

وقد عرفت المنع عن المقدمة الثانية، ووجود احتمالين في الأولى، وإن كنا للأول منهما أقرب.

الثالثة: إنه لو سلم دلالة النصوص المذكورة على المدعى، فإنها تتنافى والنصوص الأخرى التي أشرنا لها، والتي تضمنت الدعوى لعرض المنبر الحسيني بصورة أوسع، ومقتضى الجمع بينهما من خلال تقيـد الإطلاق المستفاد من مفهوم كل واحدة منهما بمنطوق الأخرى، وهو يقضي البناء على أن المنبر الحسيني ما كان مشتملاً على الأمرين معاً، أعني العَبرة، والعِبرة.

الرابعة: إنه مع رفع اليد عن جميع ما تقدم، والبناء على تمامية نصوص الأطروحة الأولى للدلالة على المدعى، فإنه يصعب البناء عليها، وذلك لمعارضتها للأهداف والدوافع التي قام من أجلها المولى أبي عبد الله(ع) بنهضته المباركة، كالإصلاح، وطلب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسير بسيرة جده(ص)، وأبيه(ع)، وهي التي كانت تتضمن التعليم والإرشاد، والإخراج من الضلالة إلى الهدى، وعليه لابد من التصرف في ظهور تلك النصوص وحملها على ما إذا كانت مشتملة على مثل هذه التوجيهات، لا أن يعمل بها بصورة مطلقة، كما هو واضح.

والمتحصل، مما ذكر، أنه لا يمكن المساعدة على نصوص الأطروحة الأولى وفقاً للدعوى المذكورة في بيانها، لما عرفت من عدم تمامية الأطروحة المذكورة، لعدم تمامية دليلها، فلاحظ.

ومن خلال ما ذكرنا يتضح تمامية الأطروحة الثانية، فمضافاً إلى أنها الموافقة لمقتضى الأصول الأولية والقواعد الفقهية،إذ أن مقتضى أصالة الإباحة، هو القول بها، والأطروحة الأولى هي التي تحتاج دليلاً، وقد عرفت عدم نهوضه، فإنه يمكن الاستدلال للأطروحة الثانية بالنصوص التي تقدمت الإشارة إليها في بيان أن المنبر الحسيني ليس له حقيقة شرعية ولا متشرعية، بل هو من الموضوعات العرفية الصرفه والمحضة.

كما يمكن الاستشهاد لما ذكرنا، بالثورات التي حصلت بعد النهضة المباركة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)، ولم تهدأ لا في أيام حكومة بني أمية، ولا في خلافة بني العباس، إذ يتضح منها أنها كانت لغاية تحقيق الهدف المنشود التي نهض المولى أبي عبد الله(ع)، من أجله، وهو الصرخة في وجه الظالم ورفض الظلم والاستبداد، ولزوم تطبيق الحق وإقامة العدل، بجعل الأمور في نصابها.

ولا يخفى أن جميع هؤلاء لم يثوروا بثوراتهم راغبين في أن تعقد لهم مجالس البكاء والندب، واستدرار العواطف، بل كانت الغاية القصوى عندهم هي ما ذكرناه.

وهذا المعنى، أعني إقامة الحق والعدل، بل حماية الإسلام، ورعاية قيمه وقوانينه، وتطبيق أحكامه، لا يـبعد استظهاره من النصوص الصادرة من أئمتنا(ع)، والمتضمنة الحث على إنشاد الشعر في أبي عبد الله الحسين(ع). ومن المعلوم أن الشعر أفضل وسيلة إعلامية يتناقل الناس من خلالها الأخبار في ذلك العصر، فإن قول شعر في الحسين(ع)، يستوجب من المستمع التساؤل عن موجب قول الشعر ومناسبته، وهذا سيؤدي إلى ذكر أحداث فاجعة كربلاء، ومن الطبيعي جداً أن يثار تساؤل آخر في أسباب حصول هذه الفاجعة العظمى، فيتعرف الناس من خلال ذلك على أهداف النهضة، وهذا يثبت أن هذه المنابر كانت تعقد لتمثل مدرسة فكرية، روحية تربوية، عقدية، لتربية الأمة.

هذا كله، مع الإغماض عن المآتم العائلية التي عقدتها الأسرة العلوية في كربلاء، مروراً بالكوفة والشام، حتى الوصول إلى المدينة المنورة، فإن التأمل في تلك الخطب التي كانت تلقى في تلك المحافل تـثبت بصورة واضحة جداً ما ذكرنا من كون المنبر الحسيني أوسع دائرة من الأطروحة الأولى، ويكفينا ما جاء في كتاب والي المدينة من قبل يزيد عمرو بن سعيد بن العاص: إن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وإنها فصيحة، عاقلة، لبيـبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين[13].

ولا ريب أن هذا الكلام الصادر من عمرو بن سعيد إنما هو بلحاظ المنبر الحسيني الذي كان يعقد في دار السيدة الحوراء(ع)، كما أن القيام الذي يتحدث عنه المذكور لا يـبدو أنه قيام عسكري، إذ لم يحدثنا التاريخ عن مثل هكذا فكرة كانت تدور في خلد العترة الطاهرة بعد واقعة كربلاء، وهذا يعتبر قرينة على لزوم التصرف في اللفظ بما يتوافق والواقع الخارجي، فيحمل بما لا يدع مجالاً للشك على القيام المعنوي، وهو الذي يتضمن الفضح والتشهير وإبراز الحقائق للنهضة المباركة، وما للحكومة الأموية من سمات وصفات نفسانية يفقدها الأهلية لقيادة الأمة.

تقسيم الثواب إلى أقسام:

يمكننا تقسيم الثواب الوارد في النصوص الشريفة بصورة مطلقة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الثواب الكبير مقابل العمل اليسير، كما ورد أن الله سبحانه وتعالى مثلاً يثيب على ذكر أو دعاء ما، ألف حسنة، ويمحو ألف سيئة، ويرفع مثلها من الدرجات.

الثاني: مساواة ثواب العمل اليسير لثواب الأعمال الكبيرة، بأن يعطى على عمل، كدعاء أو ذكر معين، ثواب ألف حجة، وألف عمرة، وألف غزوة، ونحو ذلك من الأعمال,

الثالث: مساواة العمل الصادر لأعمال الأنبياء والأوصياء والشهداء، بأن يعطى على عمل كصلاة أو ذكر، ثواب مئة نبي، ومئة صديق وشهيد.

وعند التأمل يمكننا معالجة ما ذكر من الأقسام الثلاثة وتوجيهها بنحو ينسجم والعقل البشري ويدعوه للتصديق بذلك، وعدم رفضه، حيث يمكن توجيه القسم الأول من الأقسام الثلاثة بالتالي:

لابد من التفريق بين العطاء المادي الصادر من الإنسان وبين العطاء المعنوي الصادر من الباري سبحانه وتعالى، وموجب التفريق أمران:

أولهما: محدودية العطاء البشري مهما بلغت عظمة المعطي وسعة ملكه، فإن لعطائه حداً.

ثانيهما: ضيق دائرة الكرم الإنساني، فإن الإنسان مهما بلغ من الكرم، فإنه لا يخرج عن دائرة ضيقة ومحدودة.

وأما بالنسبة للقسم الثاني، فتوجيهه يمكن من خلال أحد توجيهات ثلاثة:

الأول: لا ريب أن هناك نوعين من الأعمال، أحدهما واجب والآخر مندوب ومستحب، وهذا التفريق بين النوعين من العمل يشير إلى وجود فرق بينهما أيضاً من حيث الثواب، فثواب العمل الواجب ليس نفسه ثواب العمل المستحب، بل إن ثواب العمل الواجب أعظم بكثير من ثواب العمل المستحب، ويشير لهذا المعنى ما ورد عن أمير المؤمنين(ع) في فضل المشي خلف الجنازة: إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع[8].

وكذا ما جاء في فضل صلاة الجماعة: يا محمد، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من سبعين حجة وألف عمرة سوى الفريضة[8].

عليه نقول: إن الثواب الذي يجعل في هذا القسم على عمل ما مساوياً لثواب عمل أعظم وأكبر، يقصد به الثواب المجعول على العمل المستحب، وليس الثواب المجعول على العمل الواجب، وبالتالي يمتاز العامل للعمل الواجب عن العامل لهذا العمل الصغير أو اليسير من حيث الثواب وفقاً لما ذكرنا.

الثاني: ما يستفاد من كلمات غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(قده)، وحاصله: إن الثواب قسمان:

1-ثواب استحقاقي، الاستحقاقي هو الأجر المقدر من قبل الباري سبحانه وتعالى تجاه كل عمل من الأعمال الصالحة الواجب منها والمستحب، مثل أنه سبحانه قد قدّر لصلاة الصبح ألف حسنة.

2-ثواب تفضلي، يقصد منه ما يزيد على الأجر المقدر للعمل من مضاعفات.

فالثواب الذي يكون لعامل العمل هو خصوص الثواب الاستحاقي فلا يشمل الثواب التفضلي، فيقتصر ثوابه على خصوص ما قدر من ثواب استحقاقاً للعمل، فلا يشمل المضاعفات المجعولة للعبد، خصوصاً إذا لاحظنا أن الثواب الاستحقاقي هو جزء من سبعمائة جزء، بينما الثواب التفضلي يبدأ بجزئين وعشرة ومئة إلى سبعمائة جزء، بل إلى ما هو أكثر من ذلك بما لا يحصيه إلا الباري سبحانه وتعالى.

الثالث: من المعلوم أن كل تكليف صادر من الله سبحانه وتعالى يشتمل على مستحب وواجب، فلا ينحصر التكليف في خصوص الواجب، ومقتضى هذا أن المكلف إذا أتى بالعمل الموجه إليه مشتملاً على المستحب والواجب، كان إتيانه بالمستحب مكملاً للعمل، وعليه يكون له أجر على المستحب يكمل أجر الواجب نفسه، فالحاج مثلاً متى أتى بالأعمال المستحبة، كالنوافل أثناء فترة الحج، فإنه يحصل على ثوابها مضافاً لحصوله على ثواب الأعمال الواجبة، وعلى كل مشقة خطوة بخطوة منذ خروجه من المنـزل إلى رجوعه إليه.

والثواب المعطى لمصلي نافلة أجرها أجر حجة، ينحصر في خصوص الثواب الثابت للحاج على الواجب من العمل دون ما يرافقه من مستحب، وما يكون عليه من ثواب.

وهذا يعني أن الثواب سوف يكون محصوراً في خصوص المقدار الواجب فقط دون المستحب، فلا يتحصل على ثواب المستحبات المرافقة للحج.

وأما القسم الثالث، فيمكن توجيهه بما سبق وذكرناه في توجيه القسم الثاني، وهو ما حكيناه عن غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(قده).

——————————————————————————–

[1] وسائل الشيعة ب 66 من أبواب المزار ح 5.

[2] المصدر السابق ح 8.

[3] المصدر السابق ح 19.

[4] المصدر السابق ح 14.

[5] المصدر السابق ح 16.

[6] كامل الزيارات ب 26 ح 9.

[7] حاشية بحار الأنوار للشيخ البهبودي ج 44 ص 293-295.

[8] حاصل ما ذكرناه هناك، أنه يمكن التوفيق بين مقدار الثواب الذي يتحصل عليه الإنسان، وبين مقدار العمل الصادر منه، إذ أنهما لا يتناسبان.

[9] وسائل الشيعة ح 10 من ج 16 ص 348.

[10] سورة العصر الآية رقم 3

[11] كامل الزيارات ب 33.

[12] المصدر السابق ب 108.

[13] أخبار الزينبيات ص 20.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة