التبعيض في الاحتياطات الوجوبية

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
202
0

 

تشتمل الرسائل العملية للفقهاء نوعان من الاحتياطات في الفتوى:

 

الأول: الاحتياط الوجوبي.

الثاني: الاحتياط الاستحبابي.

 

ومن المعلوم أن المكلف مخير في الإحتياط الاستحبابي بين العمل على وفقه أو تركه، ولا يجوز له الرجوع فيه إلى فقيه آخر.

وأما الاحتياط الوجوبي، فيتخير المكلف فيه بين العمل على وفقه، أو الرجوع إلى فقيه آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم.

 

وعند الرجوع للفقيه الآخر في الاحتياط الوجوبي، يلزم أن يكون الرجوع إليه رجوعاً في الحكم والموضوع، فلا يجوز الرجوع له في الحكم، مع البقاء في تقليد الموضوع على المرجع الأول. فلو كان مرجع التقليد مثلاً يحتاط وجوباً في إخراج الزكاة من أموال التجارة، فإن للمكلف أن يرجع لمرجع آخر مع مراعاة الأعلمية، يلتزم بعدم وجوب الزكاة في أموال التجارة.

 

وحتى يتضح المطلب في كيفية التبعيض بالرجوع في الإحتياط لفقيه في الحكم ولآخر في الموضوع، نذكر مثالين:

 

الأول: في مسإلة كثير السفر، وفق فتوى السيد السيستاني(دامت بركاته)، فإن المذكور في فتواه أنه يلزم المكلف الجمع بين القصر والتمام مدة خمسة عشر يوماً على الأحوط، حتى يصلي بعدها تماماً وينطبق عليه عنوان كثير السفر، إذا توفرت الشروط المعتبرة في ذلك.

ولما كان الموجود احتياطاً وجوبياً فقد يتوهم البعض مشروعية الرجوع لفقيه آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم، وهو في غير محله، لأنه سوف يلزم منه التبعيض في الإحتياط حيث سيبقى في الموضوع وهو صدق عنوان كثير السفر على السيد السيستاني(دامت بركاته)، ويرجع لفقيه آخر في الحكم وهو البناء على التمام بمجرد صدق عنوان العمل.

 

الثاني: نذر الإحرام من جدة، فإن فتوى السيد السيستاني(أطال الله في عمره الشريف) جواز الإحرام من جدة بالنذر، لكنه يشترط عدم ارتكاب المكلف لمحرم حال الإحرام، وإلا لم يصح نذره على الأحوط وجوباً فلا ينعقد إحرامه. وهذا النذر أيضاً لا يجوز الرجوع فيه لفقيه آخر، لأنه تبعيض في الرجوع في الاحتياط، فإن المكلف سيبقى على تقليد مرجعه في الموضوع وهو جواز الإحرام من جدة، والرجوع لفقيه آخر في الحكم وهو عدم مانعية ارتكاب المحرم في انعقاد الإحرام.

 

تنبيهان:

الأول: إن منشأ جواز الرجوع في الإحتياطات الوجوبية لمجتهد آخر يعود لعدم وجود فتوى لمرجع التقليد، لأن الإحتياط الوجوبي لا يعد فتوى له، بل هو لم يفت في المسألة، وهذا نظير الامتناع عن الفتوى، والعمل وفق الإحتياط إنما هو عمل بحكم العقل.

الثاني: لا ينبغي التوهم أن الرجوع في الإحتياط من التبعيض في التقليد، لأن الرجوع في الإحتياط في الحقيقة تقليد لمرجع واحد في المسألة وهو من قلده بعد الأعلم، وهو لا يكون إلا بإحراز الأعلم بين الأحياء وهذا بخلاف التبعيض في التقليد فإنه تبعيض بين الفقيهين المتساويين، ليختار تقليد من شاء منهما، كما هو مفصل في محله.

 

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة