القصة في القرآن الكريم (1)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
119
0

[size=6][/size]

[font=arial]قال تعالى : (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) [1] .[/font]
يعتبر القرآن الكريم رسالة دينية تهدف بصورة أساسية إلى التغيير الاجتماعي وبجوانب مختلفة.

ومن الوسائل التي استخدمها القرآن الكريم في عملية التغيير هذه أسلوب القصة في القرآن الكريم.

ولذا نرى أن القصص القرآني يختلف عن غيره من القصص في الجهة الأساسية وهي الهدف والغرض الذي جاء من أجله.

إذ نلاحظ أن القرآن لم يتناول القصة كعمل فني مستقل في موضوعه وطريقة التعبير فيه كما أنه لم يأت بالقصة لغاية الحديث عن أخبار الماضين وتسجيل حياتهم وشؤونها ليكون عملا تاريخيا يحاكي ما يفعله المؤرخون.

بل كان ذكر القرآن للقصة مساهمة في الأساليب العديدة التي سلكها لكي يحقق أهدافه وأغراضه الدينية التي جاء من أجلها ، بل يمكن القول أن القصة من أهم هذه الأساليب.

وعلى هذا نحتاج دراسة القصة القرآنية مع ملاحظة الهدف الذي جاء من أجله القرآن الكريم.

أغراض القصة في القرآن
ذكرنا أن أحد الأساليب والطرق لتحقيق الهدف القرآني هي القصة حيث جاءت لتساهم في عملية التغيير الإنساني بجوانبه المتعددة ، فما هي الأغراض الرسالية التي استهدفتها القصة القرآنية ؟

إن المتأمل يكاد يصل إلى أن القصة القرآنية تستوعب في مضمونها وهدفها جميع الأغراض الرئيسية التي جاء القرآن من أجلها.

ولما كانت هذه الأغراض متشعبة وكثيرة نتعرض لخصوص المهم منها حتى نتعرف أهمية ذكر القصة في الكتاب العزيز وما يترتب على ذلك من فوائد ، ولا بأس أن نشير لذلك بنحوين :

الأول : إشارة موجزة.

الثاني : إشارة مفصلة.

أما النحو الأول :

فيمكن أن نقسم أغراض القرآن للقصة إلى قسمين رئيسيين :

1-الأغراض ذات المدلول الموضوعي :

مثل محاولة القرآن إثبات صحة النبوة أو إثبات وحدة الرسالات الإلهية من وراء ذكر القصة ، وكذا شرحه لبعض القوانين والسنن التاريخية التي تتحكم في مسيرة المجتمع الإنساني.

2-الأغراض ذات المدلول التربوي :

مثل محاولة القرآن الكريم تربية الإنسان على الإيمان بالغيب أو خضوعه للحكمة الإلهية أو التزامه بالأخلاق الإسلامية أو الإعتبار أو الإقتداء بسيرة الماضين من وراء سردها.

وأما النحو الثاني :

فهي عدة أمور يجدها المتأمل في كتاب الله العزيز ، ولكن كما قلنا نشير لبعض منها :

1-إثبات الوحي والرسالة :

فهذا الذي يخبرنا به النبي ليس من عنده وإنما هو من أمر السماء فالقرآن ليس من عند النبي ، بل هو وحي أوحاه الله عز وجل إليه وأنزله هداية للبشرية ، ويتضح هذا بملاحظة أمرين :

أ-ظروف النبي الاجتماعية والثقافية .

ب-إخباره عن الأمم السابقة وأنبيائهم ورسلهم بدقة وتفاصيل وثقة وطمأنينة.

فإن ذلك يكشف عن حقيقة ثابتة وهي تلقيه هذه الأنباء والإخبار عن مصدر غيـبي مطلع على الأسرار وما خفي من بواطن الأمور والمصدر هو الله سبحانه وتعالى.

وقد أشار القرآن إلى هذا الغرض في عديد من آياته ، فقال تعالى : (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين (.1

وبعد تعرضه قصة موسى في سورة القصص قال تعالى : (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين . ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين . وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون (.2 وفي بداية قصة مريم في سورة آل عمران قال تعالى: )ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يـكـفـل مريم وما كـنـت لديـهـم إذ يختصمون (.3

وغير ذلك من الآيات الكريمة وكلها تشير إلى أن القصة إنما جاءت في القرآن من أجل تأكيد فكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في الشريعة الإسلامية.

2-وحدة الدين والعقيدة لجميع الأنبياء

إذ نلاحظ تأكيد القصص على أن الدين كله لله سبحانه وأن الأساس الذي جاء به الأنبياء المتعددون للدين أساس واحد لا يختلف فيه نبي عن آخر وكما أن الدين واحد فإن مصدره واحد أيضا.

ومن المعلوم أن هذا الغرض هدف رئيسي للقرآن لأن من جملة ما يهدف القرآن إليه إبراز الصلة الوثيقة بين الإسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهية الأخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء حتى يحتل الإسلام منها مركز الخاتمية التي يجب على الإنسانية الانتهاء إليها.

مضافا إلى ذلك ، تظهر الدعوة على أنها ليست بدعا في تأريخ الرسالات بل هي وطيدة الصلة في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها ، كما أنها تمثل امتدادا لتلك الرسالات الإلهية وتلك الرسالات تمثل الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية فهي رسالة أخلاقية وتغييرية لها هذا الامتداد في التأريخ الإنساني ولها هذا القدر من الأنصار والمضحين والمؤمنين.

وبناءا على هذا الغرض تكرر ورود عدد من قصص الأنبياء في سورة واحدة ومعروضة بطريقة خاصة وذلك لتأكيد هذا الارتباط الوثيق بينهم في الوحي والدعوة الجائية عن طريق الوحي وخير مثال على ذلك سورة الأنبياء فلاحظ الآيات من رقم 81 – 92.

وكذلك يمكن تحصيل نفس الهدف وهو وحدة العقيدة الأساسية التي استهدفها الأنبياء في تأريخ نضالهم الطويل والمتواصل بالدعوة إلى الإيمان بالله إلها واحدا من سورة الأعراف ، قال تعالى : (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (.1 وقال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( .2 وهكذا بقية الآيات .

فالإله واحد والعقيدة واحدة والدين واحد لله سبحانه وتعالى.

3-تشابه طرق الدعوة والمجابهة

وهذا أحد أغراض القصة ببيان أن وسائل الأنبياء وأساليبهم في الدعوة واحدة وأن الطرق التي جابههم بها قومهم واستقبلوهم بها متشابهة .

وأن القوانين والسنن الاجتماعية التي تتحكم في تطور الدعوة وسيرها واحدة أيضا.

فكما أن الأنبياء يدعون إلى التوحيد ومكارم الأخلاق نجد الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد البالية ويصر على ذلك أصحاب المنافع الشخصية والأهواء الخاصة بشكل خاص والطواغيت والجبابرة منهم بشكل أخص ، فلاحظ ما ذكر في سورة هود حينما تعرض الله سبحانه وتعالى قصة نوح وبعده قصة هود وقصة صالح من بعد ذلك . ونجد نفس هذه المواقف في سورة الشعراء.

4-النصر الإلهي للأنبياء :

فنهاية المطاف يكون في صالح أنبياء الله ورسله مهما لاقوا من العنت والجور والتكذيب تثبيتا لرسول الله وأصحابه وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان . وقد أشار لذلك الكتاب الكريم ، فقال تعالى : )وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين( .[2]

ولهذا نجد أن قصص الأنبياء تأكد على هذا الجانب بل تضمن بعضها بيان خاتمة أعدائهم ومصارعهم وقد يتكرر عرض القصة نتيجة لذلك فلاحظ ما جاء في سورة هود والشعراء والعنكبوت.

5-تصديق التبشير والتحذير :

حيث بشر الله سبحانه وتعالى عباده بالرحمة والمغفرة لمن أطاعه وحذرهم من العذاب الأليم لمن عصاه ولهذا تعرض القرآن لبعض الوقائع الخارجية التي تتمثل البشارة والتحذير فيها فلاحظ سورة الحجر حيث جاء التبشير والتحذير فيها أولا ، ثم عرض النماذج الخارجية لذلك ثانيا ، وفي العرض للنماذج الخارجية يبدو موقف الرحمة للمطيعين كما يبدو موقف العذاب للمكذبين.

6-اللطف الإلهي بالأنبياء

وبيان نعمه عليهم ورحمته وتفضله عليهم للتوكيد على ارتباطهم وصلتهم معه.

إذ أن تعرض الأنبياء لمختلف ألوان الآلام والمحن والعذاب يوهم بعض السذج والبسطاء من الناس أن ذلك إعراضا من الله عنهم.
فتكون الإجابة ببيان النعم والألطاف الإلهية الشاملة لهم تأكيدا لعلاقة الله سبحانه وتعالى بهم.

ومن هنا نلاحظ أن بعض قصصهم تبرز فيها النعمة في مواقف شتى بل يكون الغرض الأول هو إبرازها وما سوى ذلك يكون ذكره عرضا.

7-عداوة الشيطان :

الأبدية للإنسان وتربصه به الدوائر وغوايته له وتنبيه الإنسان لهذا الموقف.

ولهذا نجد تكرر قصة آدم بأساليب مختلفة للتأكيد على هذا الغرض بل يكاد أن يكون هذا الغرض هو الهدف الأساسي من قصة آدم.

8-أهداف بعثة الأنبياء :

بيان أن الغاية من إرسال الأنبياء هو هداية الناس وإرشادهم وحل الاختلافات والحكم بالعدل ومحاربة الفساد في الأرض وفوق ذلك كله إقامة الحجة على الناس ولهذا جاء استعراض قصص الأنبياء بشكل واسع لبيان هذه الحقائق وقد أشار القرآن لهذا الهدف من القصة في مواضيع عديدة.

منها : قوله تعالى : )كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( .1ومنها قوله عز وجل : )رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكـون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيـما (.2

9-أهداف تربوية أخرى :

ترتبط بالتربية الإسلامية وجوانبها المتعددة فقد استهدف القرآن بشكل رئيسي تربية الإنسان على الإيمان بالغيب وأن القدرة الإلهية شاملة لكل شيء فلا حظ القصص التي تتعرض لذكر الخوارق والمعاجز كقصة خلق آدم وولادة عيسى.

كما استهدف تربيته على التوحيد والأخلاق كما في قصة يوسف وكذلك على الأعمال الصالحة كالعفة في الأمانة كما في نفس القصة والصبر والسماحة أيضا واستهدف تربيته أيضا على تجنب الشر والفساد من خلال بيان العواقب المترتبة على هذه الأفعال كما يستفاد ذلك من قصة صاحب الجنتين وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم وقصة سد مأرب وقصة أصحاب الأخدود .

ومما استهدفه القرآن الكريم في التربية الاستسلام للمشيئة الإلهية والخضوع للحكمة التي أرادها الله سبحانه من وراء العلاقات الكونية والاجتماعية في الحياة وذلك ببيان الفارق بين الحكمة الإلهية ذات الهدف البعيد والعميق في الحياة الإنسانية والفهم للظواهر في الحياة الدنيا والحكمة الإنسانية القريبة العاجلة كما جاء في قصة موسى التي جرت مع عبد من عباد الله قال تعالى : (…من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ( 2. وغير ذلك من الأغراض الوعظية والتربوية الأخرى .

——————————————————————————–

[1] سورة يوسف الآية رقم 3

1 سورة يوسف الآية رقم 3

2 سورة القصص الآيات 44 – 46

3 سورة آل عمران الآية رقم 44

1 سورة الأعراف الآية رقم 59

2 سورة الأعراف الآية رقم 65

[2] سورة هود الآية رقم 120.

1 سورة البقرة الآية رقم 213

2 سورة النساء الآية رقم 165

2 سورة الكهف الآية رقم 65.

القصة في القرآن الكريم(1)

قال تعالى : (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) [1] .

يعتبر القرآن الكريم رسالة دينية تهدف بصورة أساسية إلى التغيير الاجتماعي وبجوانب مختلفة.

ومن الوسائل التي استخدمها القرآن الكريم في عملية التغيير هذه أسلوب القصة في القرآن الكريم.

ولذا نرى أن القصص القرآني يختلف عن غيره من القصص في الجهة الأساسية وهي الهدف والغرض الذي جاء من أجله.

إذ نلاحظ أن القرآن لم يتناول القصة كعمل فني مستقل في موضوعه وطريقة التعبير فيه كما أنه لم يأت بالقصة لغاية الحديث عن أخبار الماضين وتسجيل حياتهم وشؤونها ليكون عملا تاريخيا يحاكي ما يفعله المؤرخون.

بل كان ذكر القرآن للقصة مساهمة في الأساليب العديدة التي سلكها لكي يحقق أهدافه وأغراضه الدينية التي جاء من أجلها ، بل يمكن القول أن القصة من أهم هذه الأساليب.

وعلى هذا نحتاج دراسة القصة القرآنية مع ملاحظة الهدف الذي جاء من أجله القرآن الكريم.

أغراض القصة في القرآن
ذكرنا أن أحد الأساليب والطرق لتحقيق الهدف القرآني هي القصة حيث جاءت لتساهم في عملية التغيير الإنساني بجوانبه المتعددة ، فما هي الأغراض الرسالية التي استهدفتها القصة القرآنية ؟

إن المتأمل يكاد يصل إلى أن القصة القرآنية تستوعب في مضمونها وهدفها جميع الأغراض الرئيسية التي جاء القرآن من أجلها.

ولما كانت هذه الأغراض متشعبة وكثيرة نتعرض لخصوص المهم منها حتى نتعرف أهمية ذكر القصة في الكتاب العزيز وما يترتب على ذلك من فوائد ، ولا بأس أن نشير لذلك بنحوين :

الأول : إشارة موجزة.

الثاني : إشارة مفصلة.

أما النحو الأول :

فيمكن أن نقسم أغراض القرآن للقصة إلى قسمين رئيسيين :

1-الأغراض ذات المدلول الموضوعي :

مثل محاولة القرآن إثبات صحة النبوة أو إثبات وحدة الرسالات الإلهية من وراء ذكر القصة ، وكذا شرحه لبعض القوانين والسنن التاريخية التي تتحكم في مسيرة المجتمع الإنساني.

2-الأغراض ذات المدلول التربوي :

مثل محاولة القرآن الكريم تربية الإنسان على الإيمان بالغيب أو خضوعه للحكمة الإلهية أو التزامه بالأخلاق الإسلامية أو الإعتبار أو الإقتداء بسيرة الماضين من وراء سردها.

وأما النحو الثاني :

فهي عدة أمور يجدها المتأمل في كتاب الله العزيز ، ولكن كما قلنا نشير لبعض منها :

1-إثبات الوحي والرسالة :

فهذا الذي يخبرنا به النبي ليس من عنده وإنما هو من أمر السماء فالقرآن ليس من عند النبي ، بل هو وحي أوحاه الله عز وجل إليه وأنزله هداية للبشرية ، ويتضح هذا بملاحظة أمرين :

أ-ظروف النبي الاجتماعية والثقافية .

ب-إخباره عن الأمم السابقة وأنبيائهم ورسلهم بدقة وتفاصيل وثقة وطمأنينة.

فإن ذلك يكشف عن حقيقة ثابتة وهي تلقيه هذه الأنباء والإخبار عن مصدر غيـبي مطلع على الأسرار وما خفي من بواطن الأمور والمصدر هو الله سبحانه وتعالى.

وقد أشار القرآن إلى هذا الغرض في عديد من آياته ، فقال تعالى : (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين (.1

وبعد تعرضه قصة موسى في سورة القصص قال تعالى : (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين . ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين . وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون (.2 وفي بداية قصة مريم في سورة آل عمران قال تعالى: )ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يـكـفـل مريم وما كـنـت لديـهـم إذ يختصمون (.3

وغير ذلك من الآيات الكريمة وكلها تشير إلى أن القصة إنما جاءت في القرآن من أجل تأكيد فكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في الشريعة الإسلامية.

2-وحدة الدين والعقيدة لجميع الأنبياء

إذ نلاحظ تأكيد القصص على أن الدين كله لله سبحانه وأن الأساس الذي جاء به الأنبياء المتعددون للدين أساس واحد لا يختلف فيه نبي عن آخر وكما أن الدين واحد فإن مصدره واحد أيضا.

ومن المعلوم أن هذا الغرض هدف رئيسي للقرآن لأن من جملة ما يهدف القرآن إليه إبراز الصلة الوثيقة بين الإسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهية الأخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء حتى يحتل الإسلام منها مركز الخاتمية التي يجب على الإنسانية الانتهاء إليها.

مضافا إلى ذلك ، تظهر الدعوة على أنها ليست بدعا في تأريخ الرسالات بل هي وطيدة الصلة في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها ، كما أنها تمثل امتدادا لتلك الرسالات الإلهية وتلك الرسالات تمثل الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية فهي رسالة أخلاقية وتغييرية لها هذا الامتداد في التأريخ الإنساني ولها هذا القدر من الأنصار والمضحين والمؤمنين.

وبناءا على هذا الغرض تكرر ورود عدد من قصص الأنبياء في سورة واحدة ومعروضة بطريقة خاصة وذلك لتأكيد هذا الارتباط الوثيق بينهم في الوحي والدعوة الجائية عن طريق الوحي وخير مثال على ذلك سورة الأنبياء فلاحظ الآيات من رقم 81 – 92.

وكذلك يمكن تحصيل نفس الهدف وهو وحدة العقيدة الأساسية التي استهدفها الأنبياء في تأريخ نضالهم الطويل والمتواصل بالدعوة إلى الإيمان بالله إلها واحدا من سورة الأعراف ، قال تعالى : (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (.1 وقال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( .2 وهكذا بقية الآيات .

فالإله واحد والعقيدة واحدة والدين واحد لله سبحانه وتعالى.

3-تشابه طرق الدعوة والمجابهة

وهذا أحد أغراض القصة ببيان أن وسائل الأنبياء وأساليبهم في الدعوة واحدة وأن الطرق التي جابههم بها قومهم واستقبلوهم بها متشابهة .

وأن القوانين والسنن الاجتماعية التي تتحكم في تطور الدعوة وسيرها واحدة أيضا.

فكما أن الأنبياء يدعون إلى التوحيد ومكارم الأخلاق نجد الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد البالية ويصر على ذلك أصحاب المنافع الشخصية والأهواء الخاصة بشكل خاص والطواغيت والجبابرة منهم بشكل أخص ، فلاحظ ما ذكر في سورة هود حينما تعرض الله سبحانه وتعالى قصة نوح وبعده قصة هود وقصة صالح من بعد ذلك . ونجد نفس هذه المواقف في سورة الشعراء.

4-النصر الإلهي للأنبياء :

فنهاية المطاف يكون في صالح أنبياء الله ورسله مهما لاقوا من العنت والجور والتكذيب تثبيتا لرسول الله وأصحابه وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان . وقد أشار لذلك الكتاب الكريم ، فقال تعالى : )وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين( .[2]

ولهذا نجد أن قصص الأنبياء تأكد على هذا الجانب بل تضمن بعضها بيان خاتمة أعدائهم ومصارعهم وقد يتكرر عرض القصة نتيجة لذلك فلاحظ ما جاء في سورة هود والشعراء والعنكبوت.

5-تصديق التبشير والتحذير :

حيث بشر الله سبحانه وتعالى عباده بالرحمة والمغفرة لمن أطاعه وحذرهم من العذاب الأليم لمن عصاه ولهذا تعرض القرآن لبعض الوقائع الخارجية التي تتمثل البشارة والتحذير فيها فلاحظ سورة الحجر حيث جاء التبشير والتحذير فيها أولا ، ثم عرض النماذج الخارجية لذلك ثانيا ، وفي العرض للنماذج الخارجية يبدو موقف الرحمة للمطيعين كما يبدو موقف العذاب للمكذبين.

6-اللطف الإلهي بالأنبياء

وبيان نعمه عليهم ورحمته وتفضله عليهم للتوكيد على ارتباطهم وصلتهم معه.

إذ أن تعرض الأنبياء لمختلف ألوان الآلام والمحن والعذاب يوهم بعض السذج والبسطاء من الناس أن ذلك إعراضا من الله عنهم.
فتكون الإجابة ببيان النعم والألطاف الإلهية الشاملة لهم تأكيدا لعلاقة الله سبحانه وتعالى بهم.

ومن هنا نلاحظ أن بعض قصصهم تبرز فيها النعمة في مواقف شتى بل يكون الغرض الأول هو إبرازها وما سوى ذلك يكون ذكره عرضا.

7-عداوة الشيطان :

الأبدية للإنسان وتربصه به الدوائر وغوايته له وتنبيه الإنسان لهذا الموقف.

ولهذا نجد تكرر قصة آدم بأساليب مختلفة للتأكيد على هذا الغرض بل يكاد أن يكون هذا الغرض هو الهدف الأساسي من قصة آدم.

8-أهداف بعثة الأنبياء :

بيان أن الغاية من إرسال الأنبياء هو هداية الناس وإرشادهم وحل الاختلافات والحكم بالعدل ومحاربة الفساد في الأرض وفوق ذلك كله إقامة الحجة على الناس ولهذا جاء استعراض قصص الأنبياء بشكل واسع لبيان هذه الحقائق وقد أشار القرآن لهذا الهدف من القصة في مواضيع عديدة.

منها : قوله تعالى : )كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( .1ومنها قوله عز وجل : )رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكـون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيـما (.2

9-أهداف تربوية أخرى :

ترتبط بالتربية الإسلامية وجوانبها المتعددة فقد استهدف القرآن بشكل رئيسي تربية الإنسان على الإيمان بالغيب وأن القدرة الإلهية شاملة لكل شيء فلا حظ القصص التي تتعرض لذكر الخوارق والمعاجز كقصة خلق آدم وولادة عيسى.

كما استهدف تربيته على التوحيد والأخلاق كما في قصة يوسف وكذلك على الأعمال الصالحة كالعفة في الأمانة كما في نفس القصة والصبر والسماحة أيضا واستهدف تربيته أيضا على تجنب الشر والفساد من خلال بيان العواقب المترتبة على هذه الأفعال كما يستفاد ذلك من قصة صاحب الجنتين وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم وقصة سد مأرب وقصة أصحاب الأخدود .

ومما استهدفه القرآن الكريم في التربية الاستسلام للمشيئة الإلهية والخضوع للحكمة التي أرادها الله سبحانه من وراء العلاقات الكونية والاجتماعية في الحياة وذلك ببيان الفارق بين الحكمة الإلهية ذات الهدف البعيد والعميق في الحياة الإنسانية والفهم للظواهر في الحياة الدنيا والحكمة الإنسانية القريبة العاجلة كما جاء في قصة موسى التي جرت مع عبد من عباد الله قال تعالى : (…من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ( 2. وغير ذلك من الأغراض الوعظية والتربوية الأخرى .

——————————————————————————–

[1] سورة يوسف الآية رقم 3

1 سورة يوسف الآية رقم 3

2 سورة القصص الآيات 44 – 46

3 سورة آل عمران الآية رقم 44

1 سورة الأعراف الآية رقم 59

2 سورة الأعراف الآية رقم 65

[2] سورة هود الآية رقم 120.

1 سورة البقرة الآية رقم 213

2 سورة النساء الآية رقم 165

2 سورة الكهف الآية رقم 65.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة