الغروب الشرعي(4)

لا تعليق
خواطر حوزوية
108
2

الغروب الشرعي(4)

هذا ولو لم يقبل بما ذكرنا من تقدم الطائفة الأولى على الثانية، وبالتالي حكم بعدم صلوح المانعين للمانعية لكلتا الطائفتين، فلا مناص من ثبوت المعارضة، إلا أنها معارضة غير مستقرة، ولذا ذكرت عدة جموع عرفية بينهما:

منها: إن نصوص الطائفة الثانية حاكمة على نصوص الطائفة الأولى، ومفسرة لها وموضحة للمراد منها، توضيح ذلك: يوجد في نصوص الاستتار احتمالات أربعة:
الأول: أن يكون المراد من الاستتار هو استتار الشمس وغيبوبتها عن نظر المصلي، ولو كان هناك حاجب من الجبل والطل ونحوهما.
الثاني: أن يكون الاعتبار باستتارها عن أرض المصلي، بحيث لا يكاد يراها أحد من الساكنين في أرضه ولو لم يكن حاجب ومانع.
الثالث: أن يكون الاعتبار باستتارها عن أرض المصلي، وكذا عن جميع الأراضي الموافقة لها من حيث الأفق.
الرابع: أن يكون المراد استتارها عن الأفق الحقيقي المنصف للكرة.

ولا يخفى أن كلمة الاستتار من المفاهيم المبينة الواضحة، ولا إجمال فيها، إلا أنه يجري فيها باعتبار المستور عنه هذه الاحتمالات الأربعة، فتصبح الروايات مجملة من هذه الجهة.
وعليه، فيمكن القول أن أخبار الحمرة ترفع الإجمال، لأن التنافي بين الطائفتين إنما يتوقف على أن المراد من أخبار الاستتار هو أحد الاحتمالين الأولين، لأنه لو كان المقصود منها  أحد الاحتمالين الأخيرين، فلن يكون بين الطائفتين معارضة أصلاً.

وعليه، فلا مانع من الالتـزام بأن أخبار الحمرة حاكمة على أخبار الاستتار، ومفسرة لها، وشارحة لما هو المستور عنه، وناظرة إلى أن المراد من الغيبوبة ليس هي الغيبوبة عن نظر المصلي، أو عن أرضه فقط، بل المقصود منها الغيبوبة عن جميع الأراضي المتساوية لها في الأفق، أو عن جميع نقاط الأفق الحقيقي[1].

وقد يؤيد هذا الجمع بمعتبرة بريد بن معاوية المتقدمة[2]، لدلالتها على الملازمة بين غيبوبة الحمرة المشرقية، وغيبوبة الشمس من شرق الأرض وغربها، فتدل على أن الاعتبار ليس بمجرد الغيبوبة، بل الاعتبار بالغيبوبة من شرق الأرض وغربها، لأن المقصود من الشرق والغرب هو جميع الأراضي التي تتوافق في الأفق حذراً من لزوم الكذب.
وبالجملة، تدل المعتبرة على أمرين، وهما: عدم الاكتفاء بمجرد الغيبوبة، وأن الغيبوبة الموجبة لدخول وقت المغرب لا تكون إلا بذهاب الحمرة المشرقية.

إلا أن هناك نصوصاً في الطائفة الأولى، والتي تضمنت كفاية استتار القرص، تأبى عن هذا الجمع، فلاحظ مرسلة علي بن الحكم عن أحدهما(ع) أنه سئل عن وقت المغرب؟ فقال: إذا غاب كرسيها، قلت: وما كرسيها؟ قال: قرصها، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره[3]، فإنها تدل على أن غيبوبة القرص تكون بأن تنظر إليه فلا تره، وكذا صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر(ع): وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة، ومضى صومك، وتكف عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً[4]، لدلالتها على أنه يتحقق الغروب بمجرد استتار القرص، فلو رآه المصلي بعدما صلى أعاد، مما يعني أن المعيار على عدم رويته له لو نظر في الأفق، فيكون المقصود من الغيبوبة هو عدم رؤيته، وكذا رواية أبان بن تغلب عن الربيع بن سليمان، وأبان بن أرقم، وغيرهم قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلي ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه، ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد(ع)، فنـزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي؟! فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت[5]، ويتضح المقصود منها بملاحظة الاعتراض الصادر منهم، لأنه لو كان المعتبر هو غيبوبة الشمس استتارها عن جميع الأراضي المتساوية في الأفق، لم يكن وجه لما صدر منهم من اعتراض عليه(ع)، ولما كان وجه لبقاء شعاع الشمس ونظرهم إليه، فإنه مما لا ريب فيه أنه متى ذهبت الحمرة المشرقية، لا يبقى لشعاع الشمس أثر، فلا محيص من أن يكون المقصود من الاستتار للقرص هو الاستتار عن أرض المصلي ونظره.
ومنها: ما ذكره(ره) أيضاً من الالتـزام بأن المقصود من زوال الحمرة هو انفصالها عن نقطة المشرق ولو بقدر أصابع وإن لم يصل إلى قمة الرأس، فضلاً عن التجاوز عنها، لأن زوال الحمرة بهذا المعنى مقارن لاستتار القرص عن النظر[6].

وهذا الجمع يمنع القبول به صراحة جملة من النصوص، ولا أقل من ظهورها في اعتبار التجاوز عن قمة الرأس، فلاحظ مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة عمن ذكره عن أبي عبد الله(ع) قال: وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص[7]، وكذا أكثر النصوص فإنها ظاهرة في زوال الشمس من ناحية المشرق بالكلية، بحيث لا يرى الناظر حمرة في تلك الناحية أصلاً.

ومنها: ما ذكره بعض الأساطين(قده)، وحاصله: لا ريب في أن نصوص زوال الحمرة المشرقية تعدّ طريقاً قطعياً يكشف عن حصول غياب الشمس عن دائرة الأفق، بحيث لا يبقى احتمال احتجابها بحائل من جبل أو غيره، ولا سيما وقد تصرف الشارع المقدس في الغروب وفي الليل ونحوهما مما جعل مبدأ الوقت لو كان ثابتاً لاشتهر النقل عنه، لتوفر الدواعي إليه للابتلاء به في كل يوم، فحمل لزوم الانتظار على كونه حكماً ظاهرياً عند الشك أولى من حمله على كونه حكماً واقعياً لتصرف الشارع المقدس في مفهوم الغروب, ويشير إليه اختلاف أخبار الذهاب في التعبير عنه تارة: بزوال الحمرة، وأخرى بتغيّرها، وثالثة: بالتأخير قليلاً، كما في رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة[8]، وملاحظة التعليلات الواردة فيها[9].

ولا يخفى بعدُ ما أفاده(ره)، فإن نصوص الحمرة لا تتضمن شيئاً، بل ولا تشعر بكونه حكماً ظاهرياً مجعولاً لخصوص الشاك في الاستتار، بل إن الظاهر منها أنه حكم واقعي مجعول للجميع، وهذا يعني أن حملها على الحكم الظاهري يحتاج إلى قرينة، وإلا كان حملاً بدون قرينة.

على أن اللازم مما ذكره(ره)، جعل انفصال الحمرة المشرقية، أمارة للشاك، لملازمة سقوط القرص مع انفصالها عن نقطة المشرق، فلا وجه لجعل الأمارة زوالها عن قمة الرأس، المستلزم لتأخير صلاة المغرب عن أول وقتها بما يتجاوز عن عشر دقائق مع شدة العناية بوقوعها في أول وقتها، خصوصاً وقد ورد التبري واللعن على من أخرها طلباً لفضلها.

ومنها: ما ذكره المحقق الحائري(ره) في صلاته، من حمل نصوص الحمرة على الاستحباب والفضيلة[10].

ولا يخفى أن هذا الجمع يعتمد على التصرف في ظواهر النصوص، فإن كان في البين ما يوجب ذلك عمد إليه وقبل به، وإلا كان من الجموع التبرعية. مضافاً إلى أن ملاحظة النصوص التي جاءت في بيان فضيلة أول الوقت، وشدة الاعتناء بالإتيان بالصلوات فيه، تنافى هذا الجمع، خصوصاً صلاة المغرب، وقد سمعت ما جاء في شأن ذلك فيها، فلاحظ.

ومنها: الجمع بين الطائفتين من باب إعمال قاعدة تقديم النص على الظاهر، فإن المقرر في الأصول أنه حال تعارض النص والظاهر، يعمد إلى تأويل الظاهر بما يكون متناسباً ومنسجماً مع النص، وبالتالي يكون التقديم للنص على الظاهر، فتقدم نصوص الاستتار على نصوص اشتراط ذهاب الحمرة المشرقية، لأن نصوص الاستتار صريحة ونص في تحقق الغروب بذلك، بينما نصوص ذهاب الحمرة ظاهرة في اعتبار حصولها، ولما كان النص مقدماً على الظاهر، فعندها تقدم نصوص الطائفة الأولى على الثانية.

إلا أن بعض الأصحاب-كصاحب الوسائل-جعل الصغرى بخلاف ذلك، فجعل النصوص الصريحة هي نصوص ذهاب الحمرة، بينما نصوص الاكتفاء بغياب القرص ظاهرة، ويؤول الظاهر بقرينة النص، كما عرفت.

والإنصاف، عدم وضوح كون أحدهما ظاهراً، بل الواضح كون كليهما صريحاً ونصاً في المدعى، فلا مجال لجريان القاعدة المذكورة في المقام، فتدبر.
إن قلت: إن الشارع قد تدخل في تحديد ماهية وحقيقة الغروب، فليس المقصود منه معناه العرفي، وهذا المعنى المحدد من قبل الشارع لا يتحقق إلا بزوال الحمرة، فلاحظ.

قلت: إن ما ذكر صحيح في نفسه إذا كان هناك ما يشير إليه من قريب أو بعيد، أو كانت هناك قرينة مساعدة للتصرف في اللفظ وحمله على خلاف معناه. وهذا يعني أن الأصل أن تحمل الألفاظ على معانيها العرفية، ولا تحمل على المصطلحات الفقهية.

ومنها: ما ذكره المحقق النائيني(قده)، من جعل المقام من صغريات حمل المطلق على المقيد، فإن روايات الاستتار تدل بإطلاقها على تحقق المغرب بالاستتار سواء انعدمت الحمرة أم لا، وأما روايات الحمرة، فإنها تحدد المغرب بالاستتار وزيادة، وهي انعدام الحمرة، فيكون ذلك من قبيل قولك: جاءني الأمير، فإنه لا يمتنع تقيـيده بما دل على مجيء الأمير مع أتباعه[11].

ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن النسبة بين الطائفتين هي نسبة التباين، وليست نسبة العموم والخصوص المطلق، وذلك لأن كل واحدة من الطائفتين واردة في مقام التحديد، فينعقد لكل واحدة منهما مفهوم، فيحصل التباين بينهما بسببه، فإن الأولى منهما تقرر أن الغروب يتحقق بمجرد استتار القرص، سواء انعدمت الحمرة، أم لا، بينما تقرر الثانية أن الغروب لا يتحقق بمجرد الاستتار، بل لابد من ذهاب الحمرة. فإن ما جاء في كل واحدة منهما يمثل تحديداً نافياً لما تضمنته الثانية، والمثال المناسب أن يقال: متى وقت الدرس؟ فأجيب: تارة وقته هو الساعة الواحدة، وأخرى بأن وقته هو الساعة الثانية، ولا يختلف اثنان في أن هذا التحديد من التعارض بين الخبرين، وأنهما ليسا من باب المطلق والمقيد، بل من باب التباين[12].

ومنها: الالتـزام بكون نصوص الطائفة الأولى ليست بصدد بيان الحكم الواقعي، مما يستوجب رفع اليد عن تحقق أصالة الجد فيها، وبالتالي تحمل على التقية وإن كانت كثيرة، بل إن كثرتها مع كون المسألة ابتلائية، وذهاب الجمهور لذلك يساعد على كونها صادرة كذلك. ويدل على عدم كون مفادها حكماً واقعياً أمور:

الأول: معتبرة جارود قال: قال لي أبو عبد الله(ع): يا جارود ينصحون فلا يقبلون وإذا سمعوا بشيء نادوا به أو حدثوا[13]. فإنها صريحة في أمره(ع) شيعته تأخير صلاة المغرب عن سقوط القرص والتمسية بها قليلاً، الموجب لذهاب الحمرة المشرقية، إلا أنهم لما أذاعوا ذلك وتركوا إقامة المغرب إلى اشتباك النجوم، فقد التجأ(ع) إلى التقية فصار يقيم المغرب عند سقوط القرص، فيكشف ذلك عن أن الحكم الواقعي لدخول المغرب ليس سقوط القرص.

وأجيب عنه، أولاً: إن قوله(ع): مسوا بالمغرب قليلاً، لا دلالة فيه على أن وقت المغرب لا يدخل بسقوط القرص، وإنما بزوال الحمرة المشرقية، لأن من المحتمل جداً أن يكون الوجه فيه إحراز سقوط القرص كي لا يقع المصلي في محذور إقامة الصلاة قبل وقتها، وعليه لا يكون التجاؤه(ع) إلى إقامة المغرب عند سقوط القرص كاشفاً عن عدم كون الحكم بذلك هو الحكم الواقعي حتى لو كان ذلك من أجل التقية بمعنى أنه(ع) أصبح يقيم صلاة المغرب عند سقوط القرص وهو أول وقتها المقرر لها شرعاً، ولا يؤخرها قليلاً، لدفع توهم مخالفة العامة الذي قد يحدثه إذاعة الأمر بتأخير المغرب قليلاً، لا أنه يقيمها قبل وقتها المقرر لها شرعاً تقية.   

ثانياً: إن قوله(ع): فأنا الآن أصليها إذا سقط القرص، متفرع على قوله(ع): فتركوها حتى إذا اشتبكت النجوم، وهو لا يستلزم أن تكون إقامتها عند سقوط القرص للتقية، لأن من الممكن أن يكون الموجب لإقامتها في هذا الوقت هو الردع عن تأخيرها إلى اشتباك النجوم وبيان صحة إقامتها عند سقوط القرص ودفع ما يتوهم من عدم دخول الوقت بسقوط القرص.

الثاني: إن من المرتكزات الثابتة لدى الشيعة عدم تحقق دخول وقت صلاة المغرب بمجرد سقوط القرص، وهذا الارتكاز ثابت منذ عصر الرواة إلى العصور المتأخرة، كما يكشف عن ذلك رواية الربيع بن سليمان وأبان بن أرقم[14] المتقدمة، بل جاء في شرح المقدس البغدادي أن هذا كاد أن يكون في سواد الإمامية ضرورة يعرفون بها، بل في الجواهر: أن سواد المخالفين يعرفون ذلك منا فضلاً عن الموافقين، كما أن سوادنا بالعكس حتى أنهم إذا أرادوا معرفة الرجل من أي الفريقين امتحن بصلاته وإفطاره[15].

ولا ريب في أن هذه الارتكازية تكشف عن الحكم الواقعي كشفاً قطعياً مما لا مجال له للأخذ بالأخبار المخالفة، فلابد من حملها على التقية.

وقد ذكر بعض الأعاظم(ره) التسليم بأن من شعارات الشيعة القول بكون وقت صلاة المغرب هو ذهاب الحمرة المشرقية، وأن ذلك صار رمزاً للتشيع، إلا أن ذلك لا يوجب البناء على لزومه، ووجوب العمل على طبقه، لأنه لم يقم دليل على أن ما كان كذلك فهو واجب، لأن مجرد كون شيء شعاراً للشيعة أعم من الندب والوجوب، فالقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع من مختصات الشيعة وتركه موجب للاتهام، غير أنه أمر مندوب، وكذا الشهادة الثالثة في الأذان من الشعارات المختصة بالشيعة، إلا أننا لم نسمع أحداً من الفقهاء قال بوجوبها فيه، فغاية ما يستفاد من ذلك أن تأخير الصلاة أمر مرغوب فيه عند الشيعة، لا أنه يفيد الوجوب، فلاحظ[16]. 

والإنصاف، عدم تناسب التوجيه المذكور مع خبر الربيع بن سليمان وأبان بن الأرقم المتقدم، لأن المستفاد منه اعتقادهم بعدم دخول الوقت بمجرد سقوط القرص، ولزوم الانتظار إلى حين ذهاب الحمرة المشرقية، ويشهد لذلك دعائهم على من وجدوه يصلي في ذلك الوقت، فلو كان التأخير مجرد أمر مرغوب فيه، لم يكن المصلي في ذلك الوقت مستحقاً للدعاء عليه.

نعم الصحيح أن يجاب عن هذا الوجه، بما ذكر، أولاً: إن ضعف سند خبر الربيع مانع من الاستناد إليه، مما يعني عدم ثبوت الارتكاز المدعى، لأن ثبوته متوقف على ثبوت صحة النقل، ومجرد احتماله غير كافٍ لإثباته. وعليه، سوف تكون دعوى الارتكاز بعدم دخول الوقت بمجرد سقوط القرص مجازفة واضحة.

ثانياً: لو سلمنا ثبوت الارتكاز بالنحو المتقدم استناداً للخبر المذكور، إلا أنه معارض بثبوت ارتكاز على خلافه استناداً لرواية إسماعيل بن جابر قال: كنت مع أبي عبد الله(ع) حتى إذا بلغنا بين العشاءين، قال: يا إسماعيل، امض مع الثقل والعيال حتى ألحقك، وكان ذلك عند سقوط الشمس، فكرهت أن أنزل فأصلي وأدع العيال وقد أمرني أن أكون معهم، فسرت ثم لحقني أبو عبد الله(ع)، فقال: يا إسماعيل، هل صليت المغرب بعد؟ فقلت: لا، فنـزل عن دابته وأذن وأقام وصلى المغرب وصليت معه، وكان من الموضع الذي فارقته فيه إلى الموضع الذي لحقني ستة أميال[17]، فإنها تكشف بوضوح عن ارتكازية دخول الوقت بسقوط القرص في ذهن الراوي، وقد كان تأخيره الصلاة مستنداً إلى أمر الإمام(ع) له بذلك بأنه يكون مع العيال، لا أن الوقت لا يدخل بسقوط القرص. ومثل ذلك معتبرة محمد بن مسلم، فإنه لولا ارتكاز دخول وقت صلاة المغرب بغروب الشمس في ذهن السائل لم يكن وجه للسؤال عن تقديم صلاة الطواف أو تأخيرها.

ثالثاً: إن الجزم بكون المنشأ لاعتقاد هؤلاء بعدم صحة دخول الوقت مبني على ارتكاز عدم دخول الوقت بسقوط القرص في أذهانهم كحكم واقعي، صعب، لأنه مجرد احتمال، يقابله احتمال آخر، وهو أن يكون منشأ ذلك هو قول الخطابية لعنهم الله تعالى، فاعتقدوا أن الحكم وهو وجوب تأخير الصلاة إلى اشتباك النجوم.

على أن ثبوت الخلاف بين أصحابنا في تحديد دخول وقت صلاة المغرب، وهل أنه يتحقق بمجرد سقوط القرص، أم بذهاب الحمرة المشرقية مانع من الالتـزام بثبوت ارتكاز بعدم دخول الوقت بمجرد سقوط القرص، وأنه من المسلمات، إذ ذهاب من عرفت من أعيان المذهب وفقهاء الطائفة لما ذهبوا إليه يستلزم خفاء مثل هذا الارتكاز عليهم، وهو بعيد.

لا يقال: إن ما جاء في كلمات العلمين، المقدس البغدادي، وصاحب الجواهر(ره)، موجبة للبناء على ثبوت الارتكاز المذكور، إذ تضمن كلامهما معروفية سواد الإمامية بذلك؟
فإنه يقال: إن منشأ معروفية سواد الإمامية بذلك يعود لكون فتوى الأشهر من فقهائهم على ذلك، فكأن الأمر يعود لكونها فتوى مرجع تقليد يعمل على وفقها، فلاحظ.
 
                                                 

 

[1] نهاية التقرير ج 1 ص 130-131.
[2] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 1.
[3] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 25.
[4] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 17.
[5] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 23.
[6] نهاية التقرير ج 1 ص 133-134.
[7] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 4.
[8] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 13.
[9] مستمسك العروة ج 5 ص 77-81.
[10] كتاب الصلاة للمحقق الحائري(ره) ص 14.
[11] كتاب الصلاة ج 1 ص 28، تقرير الشيخ الآملي.
[12] دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي ج 1 ص 184-185.
[13] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 15.
[14] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 22، 23.
[15] جواهر الكلام ج 7 ص 110.
[16] مستند العروة ج 11 ص 179.
[17] وسائل الشيعة ب 19 من أبواب المواقيت ح 7.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة