اعتبار حد الترخص في التقصير

لا تعليق
خواطر حوزوية
111
0

إعتبار الوصول إلى حد الترخص في القصر هو المشهور بين الأصحاب. ولم ينسب فيه خلاف إلا من علي بن بابويه لقوله بثبوت القصر بمجرد الخروج من المنـزل. ولا ريب في شذوذه فلا يعبأ به.

وقد ذكر الأصحاب في تحديد ذلك أمرين:

1- خفاء أذان البلد على المسافر.

2- تواري الجدران عنه. ولا بأس بذكر كلمات الأصحاب فنقول:

قال ابن أبي عقيل: على من سافر عن آل الرسول 9 إذا خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره وغاب عنه صوت الأذان يصلي صلاة السفر ركعتين[1].

وقال الصدوق: ويجب التقصير على الرجل إذا توارى من البيوت[2].

وقال المفيد: فلا يجوز له فعل التقصير في الصلاة والإفطار حتى يغيب عنه أذان مصره على ما جاء به الأثار[3].

وقال السيد المرتضى: إبتداء وجوب التقصير عليه من حيث يغيب عنه أذان مصره ويتوارى عنه بنيان مدينته[4].

وعن الشيخ في النهاية: ولا يجوز التقصير للمسافر إلا إذا توارى عنه جدران بلده وخفي عليه أذان مصره[5].

وقال سلار: إبتداء وجوب التقصير من حيث يغيب عنه أذان مصره[6].

وقال ابن البراج: ومن سافر سفراً يلزمه فيه التقصير فلا يجوز له ذلك حتى يخفى عليه أذان مصره أو يتوارى عليه جدران مدينته[7].

وعن السرائر: وابتداء وجوب التقصر على المسافر من حيث يغيب عنه أذان مصره المتوسط أو يتوارى عنه جدران مدينته والإعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران[8].

وقال المحقق: لا يجوز للمسافر التقصير حتى يتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذن[9].

وقال ابن سعيد: ويتم المسافر ما إذا سمع أذان مصره أو كان في بنيانه وإن طال ويقصر إذا غاب عنه الأذان فإذا قدم من سفره فمثل ذلك[10].

أقول: يمكن تصنيف هذه الكلمات إلى أقوال أربعة:

الأول: الإقتصار على خفاء الأذان فقط كابن أبي عقيل والمفيد وسلار وابن أدريس وابن سعيد.

الثاني: إشتراط توفر كلا الأمرين معاً كالمرتضى والشيخ S.

الثالث: الإكتفاء بتحقق أحدهما كالمحقق في الشرائع.

الرابع: إشتراط خفاء المسافر عن البيوت، وهو مختار الصدوق. وقد جاء عنه في المقنع أنه أعتبر خفاء الحيطان.

وكيف كان فينبغي ملاحظة النصوص:

منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله B الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت[11].

أقول: وقد رواها الكليني S بطريق آخر بواسطة الحسين بن سعيد، وفي كلا الموردين لا يـبعد أن مصدرها كتاب العلاء بن رزين.

ورواها الشيخ S تارة بإسناده عن الحسين بن سعيد، وأخرى بإسناده عن محمد بن يعقوب وكلاهما معتبر.

وقد رواها الصدوق S بإسناده عن محمد بن مسلم بطريق ضعيف كما ذكر في محله فلاحظ.

وأما الدلالة: فإن الظاهر منها خفاء المسافر عن البيوت وأهلها لا خفائهما عنه كما هو الوارد في كلمات الأصحاب (رض). وما ذكرناه مبني على تقدير الأهل بمعنى تواري المسافر عن أهل البيوت. وقد يجعل المورد من موارد القلب فيكون تواري البيوت عن المسافر بلحاظ أن الموارة متضايفة بين الطرفين.

وقد يوجه عدول الأصحاب عن لفظ النص إلى غيره بغير ما ذكرناه، بأن المراد من البيوت هو البيوت الرائجة في عصر صدور الرواية من بيوت الأعراب وخيمهم التي لم يكن إرتفاعها أزيد من إرتفاع قامة الإنسان بكثير فيلازم خفاؤها المسبب عن البعد مع تواري المسافر عنها إذ المؤثر في سرعة الخفاء وبطئه هو طول الإرتفاع وقصره ولا دخالة لعرض الشيء في ذلك كما لا يخفى.

ولكنه لا يخلو عن تأمل لأنه يـبتني على كون البيوت في عصر صدور النص كانت على طول قامة الإنسان أو أرفع مع أن وضع الأبنية في البلاد كان غير وضعها في القرى وضفاف الأنهار ومعنى ما ذكر عدم وجود بيت متعدد الطوابق إلا نادراً وهو كما ترى.

نعم قد يقال بأن منشأ العدول عن ذلك وقوف الأصحاب على نص خاص قد تضمن ذلك لكنه لم يصل إلينا فتأمل.

ومنها: صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله B قال: سألته عن التقصير؟ قال: إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك[12].

أقول: هذه الصحيحة من متفردات الشيخ S، والوارد فيها هو خفاء الأذان فقط دون تعرض إلى خفاء البيوت والجدران.

ومنها: صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبدالله B قال: إذا سمع الأذان أتم المسافر [13].

أقول: وهي منقولة من كتاب المحاسن للبرقي وهو يعدُّ من مصنفات أصحابنا المعدودة في الطبقة الثانية. كما أن أحداً من المحمدين الثلاثة لم ينقلها. ودلالتها على خفاء الأذان بالمفهوم، لأن مفاده أنه إذا لم يسمع الأذان فلا يتم.

ومنها: خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه أن علياً B كان إذا خرج مسافراً لم يقصر من الصلاة حتى يخرج من أحلام البيوت وإذا رجع لم يتم الصلاة حتى يدخل أحلام البيوت[14].

أقول: لا يـبعد حمل كلمة (حتى يخرج) على تحقق أحد المعرفين إما خفاء المسافر عن البيوت وأهلها، أو خفاء الأذان عليه. فتكون داخلة في موضوع البحث. ويؤيد ما ذكرناه أن الحلم يفسر بالرؤيا، فيكون المراد يخرج عن رؤية البيوت وبه يقتصر على المعرف الأول.

نعم الرواية منقولة من كتاب قرب الإسناد ولم ترد في شيء من الكتب الأربعة، كما أن سندها قد تضمن أبا البختري وهو ضعيف.

ومنها: مرسلة حماد عن رجل عن أبي عبدالله B في الرجل يخرج مسافراً قال: يقصر إذا خرج من البيوت[15].

أقول: وهي دالة على قول ابن بابويه من كفاية الخروج من البيت. نعم هي مرسلة من جانب كما أن مصدرها هو كتاب المحاسن. نعم قد يقال أن المراد منها هو التواري عن البيوت.

ومنها: مرسلة الصدوق قال: وروي عن أبي عبدالله B أنه قال: إذا خرجت من منـزلك فقصر إلى أن تعود إليه[16].

أقول: وهي كسابقتها من حيث الدلالة والسند. نعم قد يصح سندها بناءاً على قبول مراسيل الصدوق مطلقاً. لا التفصيل في ذلك. إلا أن الصحيح عدم تمامية كليهما كما ذكرنا ذلك في الفوائد الرجالية فراجع.

ومنها: معتبرة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى F في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منـزله؟ قال: إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منـزله[17].

أقول: وهي دالة على مدعى ابن بابويه. كما أنها يمكن علاجها سنداً لتعويض سند الشيخ لابن فضال بسند النجاشي. فترفع مشكلة جهالة علي بن الزبير. ولا حاجة لما ذكره شيخنا التبريزي من كونه من المعاريف فيتم السند لما ذكرناه في كتاب الإجتهاد والتقليد من عدم تمامية هذا المبنى فراجع. نعم المانع من قبولها مضافاً لكونها من متفردات الشيخ S، وجود ابن عبدون في سندها، ولا توثيق له إلا بناءاً على تمامية كبرى وثاقة جميع مشائخ النجاشي، وقد حقق في محله عدم تماميتها.

نعم يحتمل في هذه الرواية إحتمال، وهو أن يكون المراد من قوله (خرج من منـزله) كناية عن الخروج عن البلد.

ثم إنه نتيجة للخلاف المتقدم بين النصوص أدرج الأصحاب المقام في باب الشرطيتين المتعارضتين ومثلوا به في الأصول حيث أن مفهوم قوله: إذا لم تسمع الأذان فقصر عدم التقصير مع سماع الأذان أخفيت الجدران أم لا. كما أن مفهوم قوله: إذا خفيت الجدران فقصر عدم التقصير مع عدم الخفاء سواء سمع الأذان أم لا. فتقع المعارضة بين منطوق كل منهما مع مفهوم الأخرى لا محالة.

وعليه ذكروا الإحتمالات المذكورة في الأصول فراجعها.

والتحقيق أن يقال: بأن المورد ليس صغرى للكبرى المذكورة هناك، ولذا قد أشرنا في بحث المفاهيم إلى خطأ التمثيل للبحث بما جاء في المقام. والوجه في ذلك هو:

إن تقيـيد منطوق أحد الخبرين بمفهوم الأخر-بناءاً على عدم تمامية الجمع بالواو كما حرر في محله- إنما يتم في مورد تكون كلتا القضيتين مسوقتين لبيان موضوع الحكم. مثلاً ما ورد في الذبيحة فإنه على نحوين:

الأول: إذا تحركت الذبيحة فكل. الثاني: إذا خرج الدم الكثير فكل.

فإن الحلية مناطة في الدليل الأول بحركة الذبيحة، بينما جعل سبب الحلية في الدليل الثاني هوخروج الدم الكثير، فهنا تقع المعارضة بين منطوق كل منهما ومفهوم الأخر فيجري الكلام المذكور في الأصول من تقييد المنطوق بالمفهوم-على القول به-أو الجمع بالواو.

وهذا بخلاف المقام لأن المذكور في الشرطيتين ليس بنفسه موضوعاً للحكم، بل هو بيان ومعرف لحد يكون هو الموضوع واقعاً، لأن مفاد الاخبار هو الإشارة إلى بيان حد خاص من الإبتعاد يكون هو المبدأ للتقصير. فالنصوص تشير إلى بيان كمية البعد من خلال إحدى العلامتين المذكورتين. ولذا لا خصوصية ولا موضوعية لهما لشيء منهما في الحكم. بل المناط هو تحقق الإبتعاد الخاص ولذا لو منع مانع من خفاء الأذان أو لم يكن وقته مثلاً أو حجبت الغيوم البيوت فلا محيص عن الحكم بالتقصـير

بتحقق ذلك. ويؤيد هذا المعنى من عدم موضوعية شيء من العلامتين خبر الرفقة المتقدم: أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه[18].

فإنها دلت صريحاً على أن العبرة ببلوغ موضع لا يسمع فيه الأذان فتشير إلى مقدار من الإبتعاد.

فتحصل إلى هنا أن إحالة المسألة على الكبرى المذكورة في باب المفاهيم وهي إذا تعدد الجزاء وأتحد الشرط عرية عن التحقيق.

فيلزم من ذلك سلوك طريق آخر لعلاج المسألة فنقول:

لا يمكن الإكتفاء بأحدهما لما هو المعلوم من التفاوت بينهما إذ أنه قد يختفي الصوت قبل إختفاء الرؤية وهذا غالباً. نعم قد تختص الرؤية قبل الصوت في المواضع المنحفضة أو التي يوجد فيها مانع عن ذلك. بل لا يـبعد الجزم بأن الرؤية متأخرة عن الصوت فتكون أبعد منه في البقاء فتأمل.

وقد يجمع بينهما بأن يقال: إن المعرفين مطلوبان بمعنى الإكتفاء بتحقق أحدهما تسهيلاً على المكلف وذلك لأن الأذان لا يتيسر في كل وقت إذ ربما أنشىء السفر في وقت لا يكون وقت أذان، مضافاً إلى أن المتعارف أن يكون محل الأذان وهو المسجد في وسط البلد. فجعل الإمام B معرفاً أخر تسهيلاً للمكلفين بحيث يمكنهم الإعتماد عليه[19].ومن الواضح أن كلامه(ره) ينحل إلى دعويـين:

الأولى: إن الداعي إلى جعل معرف آخر وهو التواري عن البيوت، يعود للتسهيل على المكلفين، ضرورة صعوبة إحراز المعرف الأول وهو خفاء الآذان في كل وقت، لأن الآذان لا يكون إلا في خصوص أوقات الصلاة، ولا يكون السفر دائماً في أوقات، بل تتفاوت أوقات إنشائه من حين لآخر.

الثانية: إن من المألوف والمتعارف أن تكون المساجد في أواسط القرى والبلدان، وهذا يوجب صعوبة التعويل عليها في مقام المعرفية، لتحديد الخفاء، فلابد من إيجاد معرف آخر، يمكن التعويل عليه.

ويمكن الخدشة فيما أفاده(ره)، بالتالي:

أولاً: إن بين الدعويـين المذكورين في مقام العلاج تهافت بيّن، إذ مقتضى الدعوى الأولى صلوح أمارية الآذان للمعرفية، عمدة ما كان أن أوقاتها مختلفة، بينما مقتضى الدعوى الثانية، عدم صلوح أمارية الآذان للمعرفية، لصعوبة التعويل عليها بسبب كون المساجد في أواسط البلدان، فلاحظ.

ثانياً: إن هذا ليس جمعاً عرفياً، بل هو تبرعي، مضافاً إلى أنه يستلزم إلغاء معرفية الأذان والإكتفاء بمعرفية خفاء أهل البيوت.

والحاصل أن المعارضة في المقام متحققة فلا محيص عن الترجيح. وقد رجح بعض الأعاظم S بينهما بتقديم روايات الأذان لكثرتها وشهرتها، بل لأنه أمر مغروس في أذهان أصحاب الأئمة F بحيث كان أمراً مسلماً كما يظهر من خبر إسحاق بن عمار المتقدم وهي تصلح للتأيـيد، كما أنها موافقة لنصوص التقصير ويقتصر في مقام الترخيص على القدر المتيقن وهو بلوغ الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان لأن تلك النصوص تكون مخصصة لأدلة عموم القصر لكل مسافر[20].

والمستفاد من كلامه(قده) أمران:

الأول: الالتـزام بكون المعارضة مستقرة، ومقتضى ذلك العمد إلى إعمال الترجيح، وفقاً لمجريات باب التعارض.

الثاني: إن الترجيح لروايات الآذان، لدواعي توجب ذلك:

منها: أن روايات الآذان أمثر عدداً.

ومنها: أن روايات الآذان أشهر.

ومنها: أنها من الأمور الارتكازية المغروسة في أذهان المتشرعة، بحيث بلغت من الوضوح والظهور ما يفي بعدم الحاجة إلى السؤال عنها.

ومنها: أنها موافقة لنصوص التقصير، لأننا سوف نرفع اليد عن عموم ما دل على أن وظيفة المسافر التقصير، بهذه النصوص إذ تصلح للتخصيص، إعمالاً لقاعدة التمسك بالقدر المتيقن.

وفيه: أولاً: إن الذي ذكره Q من الترجيح لروايات الأذان لأكثريتها وشهرتها مخالف لما بنى عليه في الأصول من عدم مرجحية الشهرة فراجع.

وبعبارة أخرى، بعد التسليم بالكبرى الواردة في مقبولة عمر بن حنظلة أو غيرها من النصوص الدالة على إعمال المرجحات، فإن ما بني عليه(ره) أن الشهرة الروائية، ليست من المرجحات، بل هي من المميزات، وبالتالي لا معنى لأن يقال في البين بالترجيح، فتأمل[21].

ثانياً: لو سلم ذلك فقد عرفت فيما تقدم أن رواية تواري البيوت رواها المشايخ الثلاثة بسندين للكليني وبسندين للشيخ في أحدهما الكليني. وهي مؤيدة بمرسلة حماد كما أحتملنا ذلك وبخبر أبي البختري.

وفي المقابل صحيح ابن سنان من متفردات الشيخ S وصحيح حماد منقول عن المحاسن ورواية الرفقة ضعيفة سنداً كما أفاد Q. فمن أين لها الشهرة. بل الذي يقوى في النفس جداً هو القول بالإعراض عنها. خصوصاً بملاحظة أنه لم يعمل بمضمونها منفردة فلاحظ.

فتحصل أن الصحيح هو الإقتصار على معرفية خصوص تواري أهل البيوت. ثم إن هنا وجهاً آخر لكون المعرف هو خصوص خفاء الجدران وأهل البيوت ولا بأس بالإشارة إلى مقدمة فنقول:

إن كل تحديد ورد في لسان الشارع المقدس يمتنع أن يدور أمره بين الأقل والأكثر لإمتناع كونهما حدين معاً لأنه يستحيل أن يحدد الشيء الواحد بحدين متباينين.

ولو ورد ما يظهر منه ذلك في الأدلة اللفظية فينظر في الدليل فإن كان قطعياً كما لو كان القرآن الكريم أو السنة المتواترة حكم العقل بوجوب تأويلهما معاً أو بوجوب تأويل أحدهما لأن صدور ذلك من الحكيم مما لا يليق به فكيف يليق بالمعصوم فضلاً عمن خلقهما.

أما لو كان ظنياً بأن أستفيد من خلال السنة الظنية كخبر الواحد فعندها يحاول الجمع العرفي بينهما ومتى ما تعذر ذلك لجأ إلى قواعد التعارض. بعد هذه المقدمة نقول: ـ

لقد ورد في لسان الشارع تحديد الكر وتحديد المسافة وحد الترخص نصوص محددة ينطبق عليها ما ذكرناه.

هذا والحدود المشار إليها على نوعين:

الأول: التحديد بالأقل والأكثر كتحديد الكر بالأشبار وبالوزن وتحديده بالأشبار الثلاثة تارة وبالثلاثة والنصف أخرى. ومنه أيضاً ما نحن فيه فقد حدد حد الترخص في التقصير بخفاء الأذان تارة وبخفاء أهل البيوت أخرى. والوجه في كونه من هذا النوع هو:

ان خفاء أهل البيوت من المفاهيم المجملة المرددة بين عدة محتملات بخلاف خفاء الأذان. مضافاً إلى أن خفاء الأذان يكون سابقاً على خفاء الجدران دائماً.

الثاني: ما هو شبه المجمل كالتحديد بالشبر والذراع والإصبع والشعير والشعر والصوت والرؤية لأن هذه أمور مختلفة في نفسها كما أن الحالات والملابسات كذلك.

هذا ولا يجوز التصرف في ظواهر الكلام ولا الأخذ بها إلا بعد ملاحظة القرائن اللفظية والمقامية كما أن القرائن العقلية ذات أشدية في صرف الألفاظ عن ظواهرها وهذا أمر متسالم عليه عند العقلاء.

إذا عرفت هذا:

أمكننا القطع بأن الطريق للحد إنما هو خفاء الجدران أو قل أهل البيوت بعد إستحالة التحديد به وبخفاء الأذان معاً كما عرفت والسر فيه يعود إلى:

أن خفاء الأذان أقرب للضبط بخلاف خفاء الجدران لكثرة محتملاته مضافاً إلى أن خفاءها يلازم خفاء الأذان ولا عكس.كما أن خفاء الجدران يصلح أن يكون علامة فعلية لجميع البلدان والأوطار بخلاف خفاء الأذان فإن فعليته مختصة بالدول الإسلامية التي يقام فيها الأذان ويكون علامة تقديرية بالنسبة لبلاد الكفر والأماكن الإسلامية التي لا يقام فيها أذان.

وأما إعتبار الوسط بالنسبة للأشبار والأذرع والصوت والنظر وغيرها من التي يدور أمر التحديد فيها بين الحدود الكثيرة المرددة بين الأقل والأكثر فهو كون الوسط هو أغلب وجوداً فتكون الغلبة قرينة حالية إعتمدها الحكيم في مقام البيان وأحال السائل عليها وذلك لعدم إمكان التمسك بالإطلاق إذ يلزم تحديد الشيء الواحد بالحدود المختلفة قلة وكثرة. كما أن الإهمال غير معقول لأنه يستلزم صدور القبيح من الحكيم وتأخير البيان عن وقت الحاجة. فعلى هذا تكون غلبة الوجود قرينة إعتمدها المتكلم وأحال السائل عليها ولا يخفى ظهور ثمرة هذا أيضاً في مسألة خفاء الجدران لو شك في أنه الصورة أو الشبح رجع فيها للمتوسط. وكذا في خفاء الأذان بناءً على معرفيته بأنه الصوت المتميزة فيه الفصول أو غيره فإنه يرجع للمتوسط. فتحصل أن الصحيح هو معرفية خصوص تواري المسافر عن أهل البيوت والله العالم.

هذا ولكن الذي تميل إليه النفس البناء على خلاف ما فهمه الأصحاب(رض) من هذه النصوص، إذ أن الذي فهموه، هو أن النصوص المذكورة ناظرة إلى تقيـيد الحكم، بحيث قالوا أن من الشروط المعتبر توفرها للبناء على التقصير، هو بلوغ حد الترخص، وهذا يعني أنه ما لم يصل إلى حد الترخص، لا يسوغ له التقصير، فأخذوا المستفاد من النصوص السابقة بنحو قيد الحكم.

لكن الظاهر أنها مأخوذة قيداً للموضوع، بمعنى أن عنوان السفر لايتحقق ما لم يتحقق تواري المسافر عن البيوت، أو خفاء الآذان عنه، وهذا يعني أن في البين تصرفاً من الشارع المقدس في مفهوم السفر، لكن ليس ذلك منه اختراعاً حتى يقال بثبوت حقيقة شرعية، بل ولا متشرعية، وإنما هو من باب إضافة جملة من القيود في المفهوم العرفي، شأنه شأن ما ورد في البيع، أو الحيض، أو الإقامة.

وبالجملة، بناءاً على ما ذكرناه من أن الوارد في النصوص ناظر إلى تقيـيد الموضوع، وبالتالي لا ينطبق عنوان المسافر على المسافر ولا يتلبس بالعنوان ما لم يـبلغ إلى هذا المقدار من البعد عن الوطن، لا معنى بعدها للبحث عن أنهما أماراتان، أو أنهما أمارة واحدة، وأن أي واحدة منهما هي الأمارة على المراد، ضرورة أنه لن يأخذ على نحو الموضوعية، بل سوف يكون أخذهما على نحو الطريقية، وبالتالي يلحظ فيهما البعد الخاص عن الوطن الموجب لتلبس المسافر حينئذٍ بعنوان السفر.

هذا ويشهد لما ذكرناه، ما سبق وتعرضنا له في حديثنا عن مبدأ حساب المسافة، إذ ذكرنا هناك أن مبدأها الوصول إلى حد الترخص، وهذا يعني أن عنوان المسافرلا ينطبق عليه إلا إذا وصل إلى هذه المنطقة، لأنه ما لم يـبلغ هذا المقدار من البعد عن الوطن لا يقال له مسافر، وبالتالي لا ترتب عليه آثاره، والله العالم.

——————————————————————————–

[1] الخلاف: ج1 م324.

[2] التذكرة ج4، ص378.

[3] المقنعة: ص350.

[4] مختلف الشيعة: ج3، ص109.

[5] النهاية ص123.

[6] المراسم ص75.

[7] المهذب ج1 ص106.

[8] السرائر ج1 ص331.

[9] الشرايع ج1 ص102.

[10] الجامع: ص92.

[11] وسائل الشيعة ب6 من أبواب صلاة المسافر ح1.

[12] المصدر السابق ح3.

[13] المصدر السابق ح7.

[14] المصدر السابق ح10.

[15] المصدر السابق ح9.

[16]

[17]

[18] المصدر السابق ب3 من صلاة المسافر ح11.

[19] مستند العروة ج8 ص202.

[20] مستند ج8 ص202.

[21] وجهه أن التعبير بالترجيح في كلامه(ره) لعله على خلاف الصناعة، بل هو يقصد التميـيز، وهو يتحد مع معنى الترجيح من حيث تقديم أحد الخبرين على الآخر.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة