[size=6][/size]
[font=arial]بعد هذا يقع الحديث في النصوص الخاصة الواردة في مسألتنا، وهي على طوائف:
الطائفة الأولى: ما دل على حلية ما له فلس من السمك، وحرمة ما لا فلس له منه:[/font]
منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع)-في حديث-قال: قلت له: رحمك الله، إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر، فقال له: كُل ما له قشر من السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله[1].
ودلالتها على المدعى واضحة، حيث أنها ظاهرة في حرمة ما لا فلس له من الأسماك، لأن النهي ظاهر في المنع كما لا يخفى.
والخدشة فيها من ناحية السند لورود سهل بن زياد كما رواه الكليني(ره)، غير مسموعة، لأنها مروية بطريق الشيخ(قده) بسند معتبر.
ومنها: خبر حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله(ع): جعلت فداك، الحيتان ما يؤكل منها؟ قال: ما كان له قشر[2].
أقول: في سندها معلى بن محمد البصري، ولا توثيق خاص له، وربما يوثق بالتوثيق العام لكونه واقعاً في أسناد كامل الزيارات، وإن كان المحقق في محله عدم تمامية كبرى هذا التوثيق.
نعم هي مروية بطريق الشيخ(ره) وهو طريق معتبر لا خدشة فيه.
ومنها: مرسل حريز عمن ذكره عنهما(ع): أن أمير المؤمنين(ع) كان يكره الجرّيث، ويقول: لا تأكل من السمك إلا شيئاً عليه فلوس، وكره المارماهي[3].
بناءاً على أن الكراهة الواردة في الخبر ليست الكراهة المصطلحة، بل المراد منها الحزازة النفسية، التي بمعنى المبغوضية فتكون دالة على الحرمة.
أقول: يعاني هذا الخبر من مشكلتين سنديـتين، وإن كانت إحداهما قابلة للعلاج، أما الأولى: فهي الإرسال، ومن الواضح أنه لا مجال لعلاجه، حيث أن حريز لا تشمله شهادة الشيخ(ره) في حق المشائخ الثلاثة، كما أنه ليس كجعفر بن بشير.
الثانية: الإضمار، ويمكن التغلب على ذلك بأحد تقريـبات ثلاثة:
الأول: إن مقتضى كون الراوي جليلاً وذا منـزلة علمية بارزة يمنع من كونه يروي عن غير الإمام(ع). وحريز من أجلاء الأصحاب، فيثبت حجية مضمراته.
ويبتني هذا التقريب على توفر أمر أساسي لكي تدخل المضمرة دائرة الحجية، وهو كون الراوي من أجلاء الأصحاب، فلو لم يكن كذلك، منع من حجيتها.
الثاني: إن ذكر الضمير بدون مرجع قضية غير مألوف في اللغة العربية، فلا يليق بالعارف بأساليب الكلام إذا دخل على جماعة من الناس أن يقول: سألته من دون ذكر مرجع الضمير. وعلى هذا يلزم في موارد ذكر الضمير بدون مرجع وجود عهد خاص بين الطرفين لمرجع الضمير اعتمدا عليه في تشخيص المرجع، وبسبب ذلك ذكرَ الضمير، وحيث لا يوجد شخص يليق أن يكون معهوداً في الأوساط الشيعية إلا الإمام(ع) فيتعين أن يكون هو المرجع.
ومن الواضح أن الدائرة على هذا التقريب سوف تكون أوسع منها على التقريب السابق، حيث أنه لا يشترط وفقاً لهذا التقريب كون الراوي من الأجلاء، بل عمدة ما يعتبر فيه وجود عهد خاص بين المتكلم والسامع لكي يلتـزم بحجية المضمرات.
الثالث: الاستفادة من حساب الاحتمالات، وتقريب ذلك أن يقال: إن الإضمار من أجلاء ومشاهير الأصحاب يوّرث الوثوق برجوع الضمير للإمام(ع)، وذلك لأن الغالبية الساحقة من روايات أمثال سماعة إنما هي عنه(ع)، ووفقاً لذلك يكون احتمال كون هذه الرواية المضمرة عن غير المعصوم(ع) مع ندرة الرواية عن غيره، لو لم نقل بعدمها، احتمالاً منعدماً عملياً وفقاً لحساب الاحتمال الرياضي.
ومن البيّن أن مقتضى هذا التقريب ضيق دائرة الحجية بالنسبة للروايات المضمرة، ضرورة أنه يعتبر ليحكم بحجيتها توفر أمرين، وهما:
الأول: اشتراط كون المضمر من أجلاء الأصحاب ومشاهيرهم.
الثاني: ندرة رواية الراوي عن غير المعصوم(ع).
ومنها: صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: كان علي(ع) بالكوفة يركب بغلة رسول الله(ص)، ثم يمرّ بسوق الحيتان، فيقول: لا تأكلوا، ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك[4].
ودلالته على المدعى واضحة، لأن المنع عن أكل ما لا قشر له يكشف عن حرمة أكله، كما أن المعاملة عليه أكل للمال بالباطل.
ومنها: معتبر حنّان سدير عن أبي عبد الله(ع)-في حديث-قال: ما لم يكن قشر من السمك فلا تقربه[5].
ودلالته على المدعى كالنص السابق، فلاحظ.
ومنها: خبر مسعدة بن مصدقة عن أبي عبد الله(ع): أن أمير المؤمنين(ع) كان يركب بغلة رسول الله(ص)، ثم يمر بسوق الحيتان، فيقول: ألا تأكلوا، ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر[6].
ودلالتها عين دلالة صحيح ابن سنان، عمدة ما كان أن الخدشة في سندها محتملة لجهة مسعدة بن صدقة، حيث أنه لا يوجد له توثيق خاص، نعم قد يـبنى على وثاقته من خلال أحد الطرق التالية:
الأول: أنه قد وقع في أسناد تفسير علي بن إبراهيم القمي، فبناءاً على أن النسخة الموجودة اليوم بأيدنا تمثل كتاب التفسير، وأن الوارد في الديـباجة من علي بن إبراهيم، وكانت العبارة تامة الدلالة على التوثيق لكل من وقع في أسناده، فإنه يحكم بوثاقته حينئذٍ.
وبعبارة أخرى، لابد للحكم بوثاقة مسعدة من خلال وقوعه في أسناد التفسير، من توفر أمور ثلاثة:
أولها: أن تكون النسخة الواصلة اليوم بأيدنا هي نسخة تفسير علي بن إبراهيم، وليست كتاباً مجموعاً من تفسيره وتفسير أبي الجارود، كما عليه بعض مشائخنا(دام ظله)[7]. أو أنه كتاب مجموع ألفه بعض المتأخرين زماناً عن علي بن إبراهيم، كما تساعده بعض الشواهد المذكورة في البحث الرجالي.
ثانيها: أن تكون الديـباجة الواقعة في مقدمة الكتاب، قد صدرت من علي بن إبراهيم نفسه، وليست مكتوبة بواسطة جامع الكتاب، لأنه لو كانت مكتوبة من قبل جامع الكتاب، فإن الداعي لعدم قبولها ليس أمراً مميزاً لعلي بن إبراهيم في نفسه، وإنما المشكلة تكمن في مجهولية هذا الجامع، بل حتى لو كان من ذكر اسمه في مطلع الكتاب، إلا أنه شخصية مجهولة أيضاً في الكتب الرجالية.
ثالثها: أن تكون العبارة الواردة في مقدمة الكتاب ظاهرة في المدعى، أعني وثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب، أما لو قلنا بأن العبارة أجنبية عن ذلك، إما لكونها ناظرة إلى وثاقة خصوص المشائخ، أو أنها ناظرة إلى بيان المنهج القدمائي كما اخترناه في الرجال، فلا ريب في عدم ثبوت الوثاقة حينئذٍ.
والحق، عدم توفر الأمور الثلاثة لكي يـبنى على وثاقة مسعدة بن صدقة، وعليه لن ينفع التمسك بهذا الطريق في مقام إثبات الوثاقة، فلاحظ.
الثاني: إثبات ذلك من خلال وقوعه في أسناد كامل الزيارات، وقد حكم ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في أسناد كتابه، خلافاً لما استظهره المحدث النوري صاحب الخاتمة(قده)، وبعض الأعاظم(ره) وشيخنا التبريزي(دامت أيام بركاته) وبعض مشائخنا(حفظه الله) من قصر ظهور العبارة في خصوص المشائخ المباشرين لابن قولويه[8]، وخلافاً لما عليه بعض أعيان العصر من المحققين(دامت أيام بركاته) من كون العبارة ناظرة إلى الإخبار عن كونه لا يروي عن الشذاذ من الرواة إلا بواسطة أحد الأعاظم، وأنه ليس بصدد الحديث عن إثبات جميع رواة كتابه[9].
لكن المحقق في محله، عدم تمامية هذا الظهور، بل إن المستفاد من العبارة معنى آخر، فلاحظ.
الثالث: الاستفادة من مسلك شيخنا التبريزي(دامت أيام بركاته) المعاريف، بتقريب: إن مسعدة قد روى موارد عديدة بلغت 132 مورداً، في الكتب الأربعة، وهو ممن لم يصدر في حقه ذم، كما أن رواياته مفتى على طبقها، وهو صاحب كتب، فيثبت أنه من المعاريف الذين لا يحتاجون إلى النص على وثاقتهم.
ولا يخفى حسن هذا الوجه في نفسه كما ذكرنا ذلك غير مرة، لكنه لم ينهض وجه معتبر للبناء عليه، فلا مجال لاعتماده طريقاً من طرق التوثيق.
الرابع: التمسك بكبرى وردت الإشارة إليها في كلمات المحقق الداماد(قده)، وحاصلها: إن فهرست الشيخ النجاشي(ره) قد وضع من أجل ذكر المصنفين من الشيعة، وهذا يعني أن كل من وقع فيه، فهو من الشيعة.
ومتى ورد في الكتاب شخص ولم نجد ما يشير إلى ذم فيه، أو رفض لرواياته، فإنه يحكم بحسنه، فيدخل خبره دائرة الحجية، من باب شمول أدلة الحجية والاعتبار لخبر الحسن[10].
ومن مصاديق هذه الكبرى مسعدة بن صدقة، حيث قد ذكر في كتاب النجاشي مع عدم الإشارة إلى أن له مذهباً آخر، فيثبت كونه شيعياً، وبالتالي يكون خبره من الأخبار الحسان لعدم وجود ذم في حقه.
الخامس: التمسك بما صدر عن الوحيد البهبهاني(رض) في التعليقة كما جاء المنـتهى، قال: وفي تعليقة الوحيد: قال جدي: الذي يظهر من أخباره في الكتب أنه ثقة، لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة موافق لما يرويه الثقات، ولهذا عملت الطائفة بما رواه، بل لو تـتبعت وجدت أخباره أسدّ(أشدّ) وأمتن من أخبار جميل بن دراج وحريز بن عبد الله.
وحكاية عمل الطائفة مرت في السكوني[11].
أقول: يبتني هذا الوجه على مقدمتين، وهما:
الأولى: نفي كون مسعدة بن صدقة إمامياً، إما بإثبات كونه عامياً، أو بإثبات انتمائه لأي فرقة أخرى من الفرق غير الشيعة الإمامية.
ولا يخفى أنه لو تم هذا الأمر لكان مانعاً من قبول الوجه الأول والوجه الرابع الذي تقدم تقريـبهما، لأنهما كانا يثبتان أن مسعدة شيعي إمامي، كما أن مقتضى القبول بالوجهين الأول والرابع، لازمه سقوط هذا الوجه عن القبول، لإنهدام إحدى مقدمتيه كما هو واضح.
الثانية: أن تكون عبارة الشيخ(ره) المذكورة في العدة، وهي التي أشار لها أبو علي الحائري(ره) بقوله: وحكاية عمل الطائفة مرت في السكوني، دالة على إثبات وثاقة كل من استجمع الشروط التي تضمنـتها، قال(قده): إذا كان الراوي مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة(ع) نظر فيما يرويه، فإن كان هناك بالطرق الموثوق ما يخالفه، وجب اطّراح خبره، وإن لم يكن هناك ما يوجب إطّراح خبره، وكان هناك ما يوافقه، وجب العمل به، وإن لم يكن من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضاً العمل به، لما روي عن الصادق(ع) أنه قال: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنا، فانظروا إلى ما رووه عن علي(ع) فاعملوا به.
ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا(ع) ولم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه[12].
أما لو قلنا كما هو الصحيح، بعدم دلالتها على ذلك، خصوصاً بملاحظة التعليل الوارد فيها كما فصلنا ذلك في ترجمة السكوني، فلن يثبت المطلوب، وبه سوف تنهدم المقدمة الثانية التي ابتنى عليها هذا الوجه أيضاً.
هذا وينبغي النظر في ما هو الصحيح بالنسبة للمقدمة الأولى، حيث يوجد احتمالان فيها:
الأول: البناء على كونه غير إمامي، وهو ينحل إلى دعويـين:
1-أن يكون عامياً، كما نص على ذلك الشيخ(ره) في الرجال.
2-أن يكون بترياً كما ورد ذلك في كتاب الكشي. فقد جاء في اختيار معرفة الرجال: محمد بن إسحاق، ومحمد بن المنكدر، وعمرو بن خالد الواسطي وعبد الملك بن جريح، والحسين بن علوان، والكلبي، هؤلاء من رجال العامة إلا أن لهم ميلاً ومحبة شديدة، وقد قيل: أن الكلبي كان مستوراً ولم يكن مخالفاً، وقيس بن الربيع بتري كانت له محبة، فأما مسعدة بن صدقة بتري، وعباد بن صهيب عامي، وثابت أبو المقدام بتري، وكثير النوا بتري، وعمرو بن جميع بتري، وحفص بن غياث عامي…الخ..[13].
أقول: البترية كما جاء في رجال الكشي: والبترية هم أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيـبة، وسلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحدّاد، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي(ع) ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهما إمامتهما، وينـتقصون(يبغضون)عثمان وطلحة والزبير(وعائشة)، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي(ع) عند خروجه الإمامة[14].
ولا يخفى أنه بناءاً على هذا التعريف المذكور للبترية، يمكننا القول بأنهم متحدون في الجملة مع العامة، بسبب كونهم يصححون خلافة الأولين كما عرفت في تعريفهم، ولذا يمكن القول بأن من عدّهم في جملة العامة كان ناظراً إلى تصحيحهم خلافة الشيخين، أما من عدّهم في مقابل العامة، فنظره إلى أنهم يحكمون بحسب الأصل أن الخلافة لأمير المؤمنين(ع) لكنهم قالوا بخلافة الشيخين، إما لكونه(ع) قد فوض أمرها إليهما أو لغير ذلك.
وهذا يعني أن الوصفين الصادران من الكشي والشيخ(ره) لا تنافي بينهما، بل هما يرجعان إلى معنى واحد، عمدة ما كان أن كلاً منهما قد لحظ جانباً في الوصف، وإلا فهما يشيران إلى نفس المعنى فلاحظ.
وبالجملة، لولم يقبل ما ذكرناه، إلا أن القدر المتيقن من كلام العلمين كون مسعدة بن صدقة ليس إمامياً، سواءاً كان بترياً، أم كان عامياً.
الثاني: أن يكون شيعياً إمامياً، وهذا يستظهر من خلال كلمات الشيخ النجاشي(ره) ومن نص الشيخ علي بن إبراهيم القمي(ره) بناءاً على أن الوارد في الديـباجة من علي بن إبراهيم، وأن النسخة الواصلة إلينا اليوم هي كتابه التفسير.
أما الأول: وهو استظهار كونه شيعياً إمامياً من كلام النجاشي، فتقريـبه: إن ديدن النجاشي عند التعرض لترجمة شخص الإشارة إلى مذهبه إذا لم يكن شيعياً إمامياً، وقد ذكره النجاشي دونما إشارة منه إلى بيان مذهبه، فسكوته كاشف عن كونه شيعياً اثنا عشرياً[15].
ولا يخفى أن النجاشي متأخر في تأليفه عن كتابي الكشي والشيخ، فهو ناظر حين التأليف إليهما، وسكوته عن بيان حاله مع إطلاعه على ما صدر منهما، يكشف عن عدم ثبوت هذه النسبة عنده.
إن قلت: ما هو الداعي لترجيح قول النجاشي على قولي العلمين، الكشي والشيخ؟…
قلت: المعروف بين الرجاليـين أن النجاشي أضبط من العلمين المذكورين، وهذا يصلح موجباً لتقديم قوله على قوليهما[16].
بل ذُكر أن جملة من رواياته دالة على حسن عقيدته وكماله، وبعد كونه عامياً:
منها: روايته عن الصادق(ع)-في حديث شريف تفسير قوله تعالى:- ( الله ولي الذين آمنوا) الآية، أن النور آل محمد(ع) والظلمات عدوهم.
ومنها: روايته فضل محبة أمير المؤمنين(ع) وذم بغضه.
ومنها: روايته في الفضائل والتنصيص بالأئمة الإثني عشر وأسمائهم وقائمهم(ع).
ومنها: سؤاله عن مولانا الصادق(ع) أن يعلمه دعاءاً يدعو به في المهمات، فأخرج له صحيفة فيها دعاء مولانا السجاد(ع) وأمره بالاستنساخ منها، فكتبه، فما دعا به لشيء إلا قضى الله به حاجته.
ومنها: روايته عن الصادق(ع) خطبة أمير المؤمنين(ع).
ومنها: نقله خطبة الصادق(ع)، كما في دلائل الطبري.
ومنها: إكثار الثقة الجليل الحميري في قرب الإسناد في الرواية عنه[17].
وأما الثاني: فقد ذكر في مقدمة كتابه أنه لا ينقل فيه إلا عن الرواة الشيعة الإمامية، فيكون هذا شهادة منه بأنه شيعي إمامي، فيثبت المطلوب.
هذا وقد التـزم بعض الأعاظم(قده) بالاحتمال الثاني، وبنى على كونه شيعياً أمامياً، لكون الوارد في كلام الشيخ والكشي من وصفه بكونه عامياً، أو بترياً، شخصاً آخر يسمى مسعدة بن صدقة، لكنه غير هذا الذي نحن بصدده وكونه من أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع).
وبعبارة أخرى: التـزم(ره) بتعدد مسعدة بن صدقة، وأن هناك عنوانين مسميان بهذا الاسم، أحدهما من أصحاب أبي جعفر الباقر(ع)، وهو الذي صدر في حقه التوصيف بكونه ليس إمامياً، والثاني من أصحاب أبي عبد الله(ع)، وهو المربوط بمحل حديثنا، وهو إمامي.
وقد أستدل على مدعاه بثلاثة أمور:
الأول: خلو رجال الشيخ عند حديثه عن أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع)، كون مسعدة بن صدقة عامياً، كما أن فهرسته قد خلى من ذلك أيضاً، وكذا رجال النجاشي لم يتضمن الإشارة إلى أنه من العامة، فيثبت التعدد، وأن الموصوف بذلك شخص آخر غير هذا.
الثاني: لم يتعرض النجاشي عند ترجمته لمسعدة بن صدقة أنه من أصحاب الباقر(ع)، وإنما نص على كونه من أصحاب أبي عبد الله وأبي الحسن(ع)، وهذا يؤكد التعدد.
الثالث: إن راوية مسعدة بن صدقة هو هارون بن مسلم، وقد روى عنه سعد بن عبد الله الأشعري المتوفى في حدود سنة 300 هـ، وعبد الله بن جعفر الحميري الذي هو في طبقة سعد، وتبعد روايتهما عن أصحاب الباقر(ع) بواسطة واحدة، فيثبت أن الذي من أصحاب الباقر لم يروا عنه، وأن الذي قد رويا عنه شخص آخر[18].
وقد يجاب عنه:
فينقض على الأول: بأن المتـتبع لرجال الشيخ، وكذا الفهرست يتضح له أنه ليس من ديدن الشيخ(قده) عند التعرض لرجل من الرواة القيام بشرح حاله بشكل متكامل، بل إنه ربما ذكر الرجل في مورد وتعرض له بعد ذلك في مورد ثانٍ وأشار إلى بعض خصوصياته التي لم يشر إليها في ذلك المورد، بل ربما تعرض لشرح حال رجل دونما تعرض منه لبيان ما يتعلق به من خصوصيات.
ونقض على الثاني والثالث: بعباد بن صهيب الذي عدّه الشيخ في أصحاب الباقر(ع)، وقال عنه بأنه عامي، وعدّه مرة أخرى في أصحاب الصادق(ع) ساكتاً عن مذهبه، وقد روى عبد الله بن جعفر عن هارون بن مسلم عنه كتابه كما نص عليه النجاشي، فلم لم يلتـزم فيه(ره) بالتعدد[19].
وبمورد آخر، وهو مسعدة بن زياد فإن هارون بن مسلم راوي مسعدة بن زياد، لأن الشيخ قد عدّه من أصحاب الباقر(ع)، ومقتضى الاستبعاد الصادر منه في عدم رواية هارون بن مسلم يلزم تعدد مسعدة بن زياد، مع أنه(ره) لا يلتـزم بذلك.
كما أجيب حلاً عنهما، بما حاصله: إن الوجهين المذكورين-الثاني والثالث-يصلحان قرينة على أن هناك سهواً قد صدر من الشيخ(قده) في عدّه مسعدة بن صدقة من أصحاب الباقر(ع)، اعتماداً منه بعض الأسناد التي تضمنت تصحيفاً، دونما التفات منه(ره) لذلك، أو أنه سهو من قلم النساخ[20].
هذا وقد يجاب عن الوجه الثاني: بأن الموجود عندنا عدم حكم النجاشي(ره) بكونه من أصحاب الباقر(ع)، لا حكمه بعدم كونه كذلك، ولا يخفى مقدار الفرق بينهما.
إن قلت: إن هذا بعيد جداً، لتعاصر الشيخ والنجاشي، فمن البعيد جداً أن يكون الشيخ قد اطلع على روايات لمسعدة بن صدقة عن الباقر(ع) لم يطلع عليها النجاشي، فعندها يثبت التعدد المدعى في كلام بعض الأعاظم(قده).
قلت: إنّا لا ننكر أن الشيخ ربما كان مستنداً في عدّه مسعدة من أصحاب الباقر(ع) لنصوص، وأن النجاشي بحسب الظروف الطبيعية قد اطلع عليها لكونهما متعاصرين، ومتحدين في عدة من المشائخ، لكننا نحتمل أن تكون تلك النصوص المشارة إليها بنظر النجاشي مصحفة، مما يمنع من قبولها، ولذا لم يعتمد عليها، فتأمل.
وأما ما ذكر من وجهين على كونه إمامياً، فأما الوجه الأول، وهو ما ذكر عن النجاشي، فقد أجيب عنه: بأن سكوت النجاشي عن بيان مذهب مسعدة يعود لوضوح كونه من البترية، فهو مثل سكوته عن بيان مذهب حفص بن غياث، ووهب بن وهب أبي البختري.
ويؤيد ما ذكرنا أمران:
أولهما: ذكر الكشي إياه في عداد جمع من البترية.
ثانيهما: سكوت الذهبي وابن حجر عن الطعن عليه بالتشيع، فلو كان شيعياً لم يسكتوا عنه[21].
ويلاحظ عليه: أن الاستشهاد لإثبات أن سكوت النجاشي أعمّ من المدعى بما ورد في ترجمة حفص بن غياث، وترجمة وهب بن وهب، في غير محله، ذلك لأن الشاهد المذكور يجري فيه عين ما يجري في مسعدة بن صدقة، توضيح ذلك:
لقد ذكر النجاشي في ترجمة حفص بن غياث: بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن ربيعة بن عامر بن جُشَم بن وَهْبِيْل بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن عُلَة بن خالد بن مالك بن اُدَد أبو عمر القاضي. كوفي، روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(ع)، وولي القضاء ببغداد الشرقية لهارون، ثم ولاه قضاء الكوفة، ومات بها سنة أربع وتسعين ومائة. له كتاب، أخبرنا عدة من أصحابنا…الخ..[22].
إذ أنه يكون مشمولاً للكبرى السابقة التي استدل بها القائل بإثبات العدالة كما لا يخفى.
إن قلت: لقد نص الشيخ(ره) على عدم كونه إمامياً، وهذا بنفسه يكفي لإثبات المدعى، مما يجعله صالحاً للإشكال.
قلت: إن هذا بنفسه يجري في حق مسعدة بن صدقة، وقد عرفت حصول المعارضة بين القولين.
وهذا بنفسه يجري بالنسبة لوهب بن وهب، حيث جاء في ترجمته في فهرست النجاشي: وهب بن وهب بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى أبو البختري. روى عن أبي عبد الله(ع)، وكان كذاباً، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. قال سعد: تزوج أبو عبد الله(ع) بأمه. له كتاب يرويه جماعة، أخبرنا العباس بن عمر الكِلْوَذاني قال:…الخ…[23].
فإنه لم يتعرض لبيان مذهبه، وبناءاً على تمامية الكبرى المذكورة سوف يكون مقتضى ذلك البناء على كونه إمامياً، وإن كان الوارد في كلام الشيخ(ره) البناء على خلاف ذلك، لما عرفت من أنه سوف يكون المورد حينئذٍ من موارد المعارضة.
وبالجملة، لا مجال للقبول للجواب المذكور عن المدعى كما لا يخفى، فلاحظ.
——————————————————————————–
[1] وسائل الشيعة ب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 1.
[2] المصدر السابق ح 2.
[3] المصدر السابق ح 3.
[4] الوسائل ب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 4.
[5] المصدر السابق ح 5.
[6] المصدر السابق ح 6.
[7] أصول علم الرجال ص 164.
[8] خاتمة المستدرك ج 3 ص 523 من الطبع القديم، معجم رجال الحديث ج 1 ص 50 ، أصول علم الرجال ص 184 .
[9] قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني ص 21 .
[10] الرواشح السماوية ص 115.
[11] منتهى المقال ج 6 ص 254.
[12] عدة الأصول ج 1 ص 379.
[13] اختيار معرفة الرجال ص 453 رقم 733.
[14] المصدر السابق ص 307 رقم 422.
[15] الرواشح السماوية ص 115.
[16] وسائل الإنجاب الصناعية ص 650.
[17] مستدركات علم الرجال الحديث ج 7 ص 404 -405.
[18] معجم رجال الحديث ج 18 ص 139.
[19] وسائل الإنجاب الصناعية ص 649.
[20] المصدر السابق
[21] وسائل الإنجاب الصناعية ص 650.
[22] رجال النجاشي رقم 346.
[23] المصدر السابق رقم 1155.