صفات المتقين إقامة الصلاة

لا تعليق
محرم الحرام 1446 هـ
181
0

صفات المتقين إقامة الصلاة

 

الصفة الثانية من صفات المتقين التي ذكرتها الآيات الشريفة، هي صفة إقامة الصلاة، وتمثل هذه الصفة العنصر الثالث من عناصر الإيمان المتقدمة، وهو عبارة عن الجري العملي وفق العلم والإيمان، وهذا يدل على وجود تواصل بين الإيمان بالغيب والذي هو أول صفات المتقين، وبين الإيمان بالصلاة، وهو تواصل ضروري متى أريد للإيمان أن يظل ثابتاً وحتى تثمر التقوى آثارها في الحياة العملية، لأن هناك ما  يعصف بالإنسان من نوازع الشهوات باستمرار، ويبعده عن خط التقوى دوماً، وحتى يتحرر الإنسان من ضغوط الشهوات وتستمر فيه التقوى، فلابد من الارتباط الدائم بالله تعالى، ولهذا قال تعالى:- (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).

حقيقة إقامة الصلاة:

وعلى أي حال، فإنه ليس المقصود من إقامة الصلاة هو مجرد إتيانها بصورتها من قيام وركوع وسجود دون حصول التوجه إلى محتوى الصلاة وروحها، لأن الظاهر اندراج هذا النحو من الإتيان بالصلاة تحت قوله تعالى:- (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)، فإنه سبحانه وتعالى وإن وصفه بالمصلي، وأطلق عليه هذه الصفة، إلا أنه وصفه أيضاً بالسهو عن الصلاة، وجمع الأمرين معاً يمنع أن يكون المقصود من السهو في هذه الآية هو عدم الاتيان بالصلاة، مضافاً إلى أن أداء الصلاة واجب، ويعدّ من صفات أهل الإيمان، بينما الحديث حول صفات المتقين.

والظاهر أن المقصود من إقامة الصلاة والتي تعدّ صفة خاصة يمتاز بها المتقون دون غيرهم، هو أدائها بروحها، والتوجه إلى محتواها، وهذا يعني أن كل من أدى الصلاة، إلا أنه لم يؤدها بروحها، ولم يكن متوجهاً إلى محتواها، لا يصدق عليه والحال هذه أنه قد أقام الصلاة. ويساعد على ما ذكرناه في بيان حقيقة إقامة الصلاة، مجموعة من النصوص، والتي تضمنت أن الصلاة تقول للعبد: ضيعك الله كما ضيعتني، فإن الظاهر أن موجب دعوتها عليه لا تعود لأنه لم يؤدها، وإنما لأنه قد أداها بغير الطريقة المطلوبة، فأدى الصلاة دونما توجه، لمحتوى، ولا أداء بروح. وبالجملة، إن المقصود من الإقامة للصلاة هو أداؤها كاملة.

ومن خلال ما ذكر يتضح عدم صحة تفسير الإقامة للصلاة بإدامة فرضها، كما ورد في بعض الكلمات، وذلك لأن المستفاد من كلمات أهل اللغة إطلاق لفظ المقيم على كل من يستمر على الفعل ويديم أدائه.

وذلك لأن المعنى الذي ذكرناه لحقيقة إقامة الصلاة، والذي هو أداؤها بشروطها وآدابها كاملة، لا ينقص منها شيء، وحفظها، من وقوع خلل فيها، يمكن استفادته من كلمات أهل اللغة أيضاً، فقد اعتبروا أمرين في تحقق الإقامة للشيء، وهما: التقويم، والإحكام، وهما لا يحصلا إلا من خلال استكمال الشيء لكافة أجزائه وشرائطه، وحصوله بصورته التامة الكاملة.

بين الإقامة والأداء للصلاة:

وربما يقف المتأمل للآيات القرآنية على وجود فرق فيها بين التعبير بالإقامة، والتعبير بالأداء، فإن التعبير بالأداء يكون عادة في مورد الذم، وليس المدح، ما يساعد كما قلت على وجود الفرق بين المفهومين، لأن صفة إقامة الصلاة قد عدت واحدة من صفات المتقين، الموجبة لتميزهم على بقية المؤمنين. ويساعد على ذلك أن المصلي هو كل من يكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ الفاتحة، والسورة، ويركع ويسجد، أما الذي يقيم الصلاة فهو الذي يفعل ذلك وزيادة باهتمام خاص من كمال الطهارة، واستيفاء الأركان والسنن متوجها لله تعالى لا إلى غيره، خاضعاً له قلباً وروحاً.

إن قلت: بعد الإحاطة بأن حقيقة الإقامة للصلاة تكون بأدائها بشروطها وآدابها كاملة، لا ينقص منها شيء، والعمد إلى حفظها من وقوع خلل فيها، فكيف يمكن للمصلي تحقيق ذلك، وذلك بأن يؤدي الصلاة كاملة تامة.

قلت: إن الطريق إلى ذلك يتم حال أداء المصلي صلاته بقلب حاضر، ونفس خاشعة، فما لم تتوفر الصلاة على حضور القلب، وعلى الخشوع، فإنها لن تكون صلاة كاملة تامة.

إن قلت: كيف يمكن للمصلي أن يجعل قلبه حاضراً في الصلاة؟

قلت: هناك مانعان يمنعان من حضور القلب في الصلاة، متى تمكن المصلي من رفعهما، أمكن حضور قلبه في الصلاة، والمانعان هما:

1-حب الدنيا، وتعلق الخاطر بالحيثيات الدنيوية.

2-وجود طائر الخيال، وهو فرّار بطبعه.

وتظهر أهمية إقامة الصلاة من خلال النصوص، فعن رسول الله(ص) قال: إنما مثل الصلاة فيكم كمثل السّري[1] على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة، يغتسل منه خمس مرات، فلم يبق الدرن مع الغسل خمس مرات، ولم تبق الذنوب مع الصلاة خمس مرات.

إضاعة الصلاة:

وكما تحدث القرآن الكريم عن إقامة الصلاة، وعدّ ذلك واحدة من صفات المتقين، فقد تحدث أيضاً عن إضاعة الصلاة، فقال تعالى:- (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، وهي صفة من صفات المضلين الضالين الذين انفصلوا عن دين الأنبياء(ع)، وساروا في طريق الضلال.

وقد وقع الخلاف في تحديد المقصود من إضاعة الصلاة، فوجدت أقوال:

أحدها: أن المقصود من ذلك هو ترك الصلاة تماماً، فلا يؤدي المكلف شيئاً من فرائضها الخمس في يوم من الأيام.

ثانيها: أن يكون المقصود من ذلك هو أداء الصلاة، ولكن في غير وقتها، فيؤديها متأخرة عن وقتها، فيؤدي صلاة الفجر مثلاً بعدما انتهى وقتها، وربما يكون المقصود من التأخير هو عدم المبادرة إلى أداء الصلاة في أول الوقت، والعمد إلى تأخيرها عن أوله بحيث يذهب وقت الفضيلة للصلاة.

ثالثها: أن يكون المقصود من ذلك هو قيام الإنسان بمجموعة من الأعمال التي توجب تضيـيع الصلاة في المجتمع، ذلك أن الصلاة في المجتمع كما عرفت حين الحديث عن الإقامة لها، ليست مجرد أداءها بحركاتها وشكلها الخارجي، وإنما المقصود من ذلك هو الإحاطة بمحتواها، وهذا لا يكون إلا إذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيكون تضيـيع الصلاة القيام بما يوجب الحيلولة بين الصلاة وبين النهي عن الفحشاء والمنكر.

 

 

[1] ويقصد منه النهر.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة