النبوة الغيبية لمحمد(ص)

لا تعليق
من القلب إلى القلب
148
0

النبوة الغيبية لمحمد(ص)

 

قال تعالى:- (وإذ أخذنا من النبيـين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً).

في الآية الشريفة نقطتان جديرتان بالوقوف عندهما:

الأولى: الميثاق الذي أخذه الله تعالى من النبيـين ومن ثمّ أخذ ذات الميثاق من النبي الأكرم محمد(ص)، وبقية أنبياء أولي العزم، وهم نوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى(ع)، فما هو هذا الميثاق، وهل هو ميثاق يختص بالأنبياء، أم لا.

الثانية: نكتة تقدم ذكر النبي(ص) على بقية أنبياء أولي العزم، فإن الملاحظ أنهم قد ذكروا وفق ترتيبهم الزمني، فكان أولهم نوحاً، لأنه أول أولي العزم، ثم إبراهيم، وبعده موسى، وكان الختام بالمسيح عيسى(ع)، وكان حق الترتيب أن يكون ذكر المصطفى الخاتم بعد عيسى(ع)ن لكن جاء ذكره مقدماً عليهم جميعاً، فما هو السر في ذلك؟

 

أما النقطة الأولى، فقد أشار السيد الطباطبائي(ره) إلى كونه ميثاقاً خاصاً بالنبيـين فقط فلا يشمل عامة الناس من المكلفين، وقد جعل دليله(قده) على ذلك إضافة كلمة الميثاق إلى ضمير النبيـين، ويؤيده توصيفهم بالنبوة فإنه يشعر بذلك، لأن هذا الوصف يعطي خصوصية إليهم دون غيرهم من حيث أنهم نبيون، وعليه سوف يكون ميثاقاً مختلفاً عن الميثاق الذي أخذه الله تعالى على عامة الناس في قوله تعالى:- (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)[1].

ومع أن الآية محل البحث قد خلت من الإشارة لتحديد المقصود من هذا الميثاق الخاص، إلا أنه يمكن معرفته من خلال قوله تعالى:- (وإذ أخذ الله ميثاق النبيـين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول الله مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)[2].

 

وقد تضمنت الآية أن الميثاق المأخوذ على كل الأنبياء(ع) مركب من أمرين:

1-طاعة الله تعالى بعبادته بعد توحيده، ودعوة العباد إلى ذلك.

2-الإيمان بنبي آخر الزمان، وتصديقه، ونصرته، وهو النبي الأكرم محمد(ص)، ويثير الأمر الثاني تساؤلاً وهو لماذا أخذ من الأنبياء الميثاق على الإيمان بالنبي محمد(ص)، وتصديقه وطاعته ونصرته؟

وعلى أي حال، فإن تخصيص الأنبياء أولي العزم الخمسة(ع) بالذكر مع أنهم داخلون في النبيـين للإشارة إلى ما لهم من عظيم المنـزلة ورفعة المكانة، فإنهم أولوا العزم وهم أصحاب الشرائع والكتب.

 

وأما النقطة الثانية:

فقد يبرر تقديم ذكر المصطفى الحبيب محمد(ص) على بقية الأنبياء من أولي العزم، من خلال نكتة أدبية، أو نكتة بلاغية.

إلا أن الصحيح أن تقديمه(ص) عليهم للإشارة إلى فضله على أنبياء أولي العزم فضلاً عن بقية الأنبياء(ع)، فكما كان تخصيص ذكر الأنبياء من أولي العزم عن بقية الأنبياء غرضه بيان ما لهم من مكانة وعظيم المنـزلة، كان تقديم ذكر النبي محمد(ص) عليهم مع أنه آخرهم زماناً لبيان فضله وعظيم منـزلته عليهم والتي أوجبت التقديم.

 

والحاصل، إن تقديمه(ص) في الذكر كان غرضه بيان أفضليته على جميع الأنبياء والمرسلين حتى أولي العزم(ع).

وهذا المعنى يوجب إثارة سؤال في المقام حاصله: ما هو منشأ تفضيله(ص) على كافة الأنبياء حتى أولي العزم من الرسل(ع).

 

ويجاب عن ذلك، من خلال ما ورد في نصوص عديدة عبر عنها صاحب الغدير(ره) بأنها متواترة، وقد جاءت بألسنة مختلفة:

منها: كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد، فإن المستفاد من هكذا نص وجود نبوتين للنبي الأكرم محمد(ص)، وهذا ما لم يناله أحد من الأنبياء جميعاً بما فيهم أولي العزم، وهاتان النبوتان:

الأولى: نبوة عالم الغيب، وقد كانت هذه النبوة في عالم الملكوت، وقبل خلق الخلق، ولذا ورد أنه(ص) كان نبياً وآدم بين الروح والجسد، يعني أنه(ص) كان نبياً قبل خلق آدم(ع) وقبل وجود أي شيء من الموجودات.

الثانية: نبوة عالم الشهادة، وهي خاتمة النبوات والتي جاءت في آخر سلسلة الأنبياء(ع).

 

وقد أوجب وجوده(ص) الأولي نقطة اختص بها وأوجبت امتيازه على بقية المخلوقات حتى أنبياء أولي العزم(ع)، فهو(ص) قد شارك جميع الأنبياء(ع) في نبوة عالم الشهادة، إلا أن أحداً منهم لم يشاركه في نبوة عالم الغيب، بل هي نبوة قد اختص بها دونهم جميعاً، وهذا هو معنى قوله(ص): كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد، وما قاربه من النصوص في هذا المعنى، فعن المفضل قال: قال لي أبو عبد الله(ع): يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسول الله(ص) وهو روح إلى الأنبياء(ع)، وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلت: بلى، قال: أما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته وإتباع أمره، ووعدهم الجنة على ذلك، وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟ فقلت: بلى[3].

 

 

 

 

[1] سورة الأعراف الآية رقم 172.

[2] سورة آل عمران الآية رقم 81.

[3] بحار الأنوار ج 15 ح 17 ص 14.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة