القرض الاستثماري مع الزيادة(6)

لا تعليق
خواطر حوزوية
95
0

القرض الاستثماري مع الزيادة(6)

 

وقد منع بعض الأعلام(ره) دلالة نصوص النوع الثالث على الشمول للربا الإنتاجي الاستثماري، لوجوه:

الأول: خلو جملة منها من تعيــين مصداق الربا، وقد استشهد(ره) لمدعاه بخبرين:

الأول: رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله(ع) قال: الربا رباءان: أحدهما ربا حلال، والآخر حرام، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضاً طمعاً أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله عز وجل:- (فلا يربوا عند الله)، وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضاً ويشترط أن يرد أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام[1].

الثاني: ما عبر عنه بصحيحة خالد بن الحجاج، قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة وزناً؟ قال: لا بأس ما لم يشترط، قال: وقال: جاء الربا من قبل الشروط، إنما يفسده الشروط[2]. وهي ضعيفة فإن راويها لم يوثق.

فإن النصين المذكورين لم يتضمنا تحديداً لنوعية القرض، وأنه القرض الاستهلاكي، أو الانتاجي، وهذا يوجب إجمالاً يمنع من التمسك بالنصوص المذكورة للدلالة على حرمة مطلق القرض.

الثاني: إنه لا مجال للتمسك بإطلاق النصوص للبناء على حرمة مطلق القرض بحيث يكون شاملاً للقرض الانتاجي الاستثماري، وذلك لوجود مانع وهو عدم معروفية هذا النوع من القرض في تلك الفترة، فإن الذي كان رائجاً ومعروفاً بينهم هو خصوص القرض الاستهلاكي، وهذا يوجب انصراف النصوص لخصوص هذا القرض دون الآخر.

الثالث: إنه لو سلم بعدم وجود مانع يمنع من ظهور النصوص المذكورة في الإطلاق، وبني على حجية الإطلاق المذكور، فإن العمل بها يستوجب تأويلها، وحملها على خصوص الربا القرضي الاستهلاكي دون الاستثماري، حذراً من إسقاطها عن الحجية لمخالفتها للقرآن الكريم، لما عرفت عند الحديث عن دلالة الآيات الشريفة من تعليل تحريم الربا بكونه ظلماً، ومن الواضح أن هذا لا ينطبق على القرض الاستثماري.

الرابع: إن البناء على شمول النصوص المذكورة لتحريم القرض الاستثماري مع الزيادة يخالف حكم العقل، وهذا يوجب إسقاط النصوص عن الحجية أيضاً، لأن العقل يمتدح هذا النوع من الزيادات[3].

ويلاحظ على الأول منها، بأن مقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى تعيـين المصداق، ذلك أنه لو كانت النصوص المذكورة منصبة على مصداق ما، لكان لازماً تحديده حتى لا يكون هناك إجمال لتردده بينه وبين غيره، أما مع كونها مطلقة فلا موجب للحاجة لتعيـينه، لأن المفروض شمولها لكافة المصاديق المتصورة في البين.

على أنه لو لم يبن على القبول بالإطلاق والتسليم بوجود إجمال في البين، فإن هناك نصوصاً مما تقدم ذكره في النوع الثالث صريحة الدلالة على خصوص القرض الربوي الاستثماري، فلاحظ خبر إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن(ع): سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضاً فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطاً[4].  فإن قول السائل: مخافة أن يقطع ذلك عنه، صريح في كون موضوع السؤال هو القرض الاستثماري، وليس القرض الاستهلاكي، وقد تضمن جواب الإمام(ع) التفصيل بين ما إذا كان مشتملاً على زيادة، فيحرم، وما لا يكون مشتملاً عليها فيحل، فتكون الرواية صريحة الدلالة على حرمة القرض الربوي الاستثماري كحرمة القرض الربوي الاستهلاكي. نعم يمنع من الاستناد إليها ضعف سندها.

وكذا رواية علي بن جعفر، عن أخيه(ع) قال: وسألته عن رجل أعطى رجلاً مائة درهم يعمل بها، على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر، هل يحل ذلك؟ قال: لا، هذا الربا محضاً[5]. وهي تامة الدلالة على المطلوب، إلا أنها ضعيفة سنداً، لأن مصدرها كتاب علي بن جعفر، ولم يحرز أن ما وصل إلى صاحب الوسائل، وذكر طريقه إليه بواسطة الشيخ(ره) أنه كتاب علي بن جعفر.

وصحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن رجلين من الصيارفة ابتاعا ورقاً بدنانير، فقال أحدهما لصاحبه: أنقد عني وهو موسر، لو شاء أن ينقد نقد، فنقد عنه، ثم بدا له أن يشتري نصيب صاحبه بربح، قال: لا بأس[6]. والصحيح وإن لم يتضمن قرضاً ربوياً، إلا أنه صريح في أن الاقتراض من أجل الاستثمار كان أمراً متعارفاً في تلك الفترة، وليس شيئاً جديداً كما يصر عليه بعض الأعلام(ره)، وأنه لم يكن معروفاً.

وصحيح يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، قال: لا يصلح إذا كان قرضاً يجر شيئاً فلا يصلح[7].

وعلى الثاني، بما قد عرفته عند الحديث عن دلالة الآيات الشريفة من معروفية القرض الربوي الاستثماري الانتاجي خلال تلك الفترة الزمنية، ولذلك شواهد قد أشرنا لبعضها. بل قد ذكرنا بعض النصوص الدالة على كون ذلك أمراً متعارفاً، ولذا جاء الرواة يسألون الأئمة الأطهار(ع) عن حكمه.

على أنه لو بني على أن هناك انصرافاً لخصوص القرض الربوي الاستهلاكي دون الاستثماري، لم يكن ذلك مانعاً من حجية الإطلاق، لأن الانصراف المذكور ناجم من غلبة الوجود، وليس من كثرة الاستعمال، ومثله لا يمنع من الحجية.

وعلى الثالث، فإن للمنع من الاستظهار المذكور مجال، فإنه لا يفهم من الآية الشريفة إناطة تحريم الربا بالظلم، بل إن أقصى ما يظهر منها دلالتها على أن أخذ الربا ظلم، وفرق بين الموردين. وسوف يأتي إن شاء الله عند الحديث عن أن علة تحريم الربا هو الظلم كلام حول ذلك.

ويكفي للجواب عن الأمر الرابع أنه دعوى عهدتها على مدعيها، إذ لا ريب في حكم العقل بقبح كل قبيح، ولا كلام في كون الربا من القبائح لأنه يتضمن أخذ زيادة دون وجه حق من دون فرق بين دوافع الآخذ للقرض، سواء كان قرضاً استهلاكياً، أم كان قرضاً استثمارياً، فإن الزيادة أخذٌ لجهد الآخرين دون مقابل، وهذا قبيح، فيحكم العقل بقبحه لا بقبوله.

أدلة القول بحلية القرض الاستثماري مع الزيادة:

وقد تمسك بعض الأعلام(ره) بعد رده لما دل على حلية القرض الاستثماري مع الزيادة بأدلة ثلاثة[8]:

الأول: التمسك بما تضمنته الأدلة من تعليل لحرمة الربا، والمستفاد منها أنه ظلم، وأنه يوجب ركاداً اقتصادياً، ويؤدي إلى تعطيل المعاملات، ويُذهب المعروف من بين الناس.

ولا يخفى أن هذا الدليل يبتني على مقدمتين:

الأولى: التعليلات التي تضمنتها الأدلة للبناء على حرمة الربا، سواء كان هو الظلم، أم كان ذهاب المعروف من بين الناس، أم كان تعطيل المعاملات، أو حصول الركود الاقتصادي.

الثانية: أن القرض الاستثماري الانتاجي مع الزيادة، لا ينطبق عليه شيء مما ذكر، وبالتالي لن يكون مشمولاً لما دل على التحريم.

ومن المعلوم أن تمامية الدليل المذكور تقوم على الالتـزام بكون المستفاد من الأدلة ذكر علة لتحريم الربا بحيث يدور مدارها وجودها وعدماً، أما لو كان الموجود في الأدلة لا يعدو كونه حكمة وليست علة، فلن تتم المقدمة الأولى، وبالتالي سوف يسقط الدليل المذكور عن الصلاحية للاستدلال.

وهذا يستوجب البحث ضمن نقطتين:

الأولى: استعراض الأدلة التي تضمنت التعليل لتحريم الربا.

الثانية: ملاحظة دلالتها، وأن المستفاد منها هو العلة التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، أو أن المستفاد منها هو الحكمة.

علة تحريم الربا:

أما أن علة تحريم الربا هو الظلم، فيستفاد ذلك من قوله تعالى:- (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون)[9]، فإن ذيل الآية الثانية من الآيتين يدل على أن علة التحريم هي الظلم حسب دعوى بعض الأعلام(ره)، ومن الواضح أن هذا يختص بالقرض الاستهلاكي دون القرض الاستثماري الانتاجي. ويساعد على ذلك أن العرف لا يحكم بصدق عنوان الظلم على الزيادة على القرض الاستثماري، ومن المعروف أن كل موضوع لم يتصد الشارع المقدس لتحديده فيكون المرجع فيه إلى العرف، ولما لم يحدد الشارع المقدس المقصود من الظلم فيا لآية، فيحكم بأنه الظلم العرفي العقلائي وقد عرفت عدم شموله للقرض الاستثماري.

وأما بقية التعليلات، فتستفاد من النصوص:

ففي موثقة سماعة، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): إني رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرره، قال(ع): أوتدري لم ذاك؟ قلت: لا، قال(ع): لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف[10].

والظاهر أن المقصود من المعروف هو كل أمر حسن ندب إليه الشرع المقدس، أو حسنه العقل ولم يرد منع من الشرع عنه، وقد جعل الإمام(ع) القرض من صغريات المعروف، إما لتحسين العقل إياه، ولم يردع عنه الشرع، أو لحكم الشرع بحسنه، وندبه إلى إيجاده بين الناس لما ينطوي عليه من قضاء حوائج المحتاج منهم. بل سوف يأتي في بعض النصوص نص الإمام(ع) على أن القرض هو صنائع المعروف.

ومنها: صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع) قال: إنما حرّم الله عز وجل الربا لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف[11].

ومنها: خبر زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: إنما حرم الله عز وجل الربا لئلا يذهب المعروف[12]. وهو ضعيف سنداً بعدم ذكر الصدوق(ره) طريقه إلى محمد بن عطية في المشيخة.

ومنها: خبر محمد بن سنان، عن علي بن موسى الرضا(ع)-في حديث-: وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف، وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض، والقرض صنائع المعروف[13].

ومنها: صحيح هشام بن الحكم، أنه سأل أبا عبد الله(ع) عن علة تحريم الربا؟ فقال: إنه لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه، فحرم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال، وإلى التجارات من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض[14].

وكيف ما كان، فإن المستفاد من الأدلة، أن العلة التي حرّم الربا من أجلها التالي:

1-كونه ظلماً.

2-يوجب كساد الاقتصاد بترك الناس للتجارات.

3-عدم ضياع المعروف بين الناس، من خلال الإقراض المجاني لرفع حاجات المحتاجين.

4-ضياع أموال الناس بأخذهم الربا.

علة أو حكمة:

وأما النقطة الثانية، وهي ملاحظة ما يستفاد من الأدلة، وأنه علة للحكم أو حكمة له، فإن من الواضح أنه لو سلم بدلالة الأدلة المذكورة على أن ما تضمنته يمثل علة للحكم، فلا ريب أن الأدلة المذكورة سوف تصلح عندها لتقيـيد جميع ما دل على حرمة مطلق الربا بخصوص ما يكون مشتملاً على الظلم مثلاً، وعليه لو بني على أن القرض الاستثماري مع الزيادة لا يعد ظلماً بنظر العرف، فسوف يحكم بحليته وعدم حرمته.

الأصل الأولي في التعليلات:

وربما قيل هو البناء على أن الأصل الأولي في جميع التعليلات الواردة في ألسنة الأدلة بحملها على كونها عللاً يدور الحكم المذكور في الدليل مدارها وجوداً وعدماً، فقوله تعالى:- (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، يدل على أن العلة التي من أجلها قد شرعت الصلاة كونها ناهية عن فحشاء ومنكر، فيحكم بعدم اتيان المكلف بها بحيث لا تفرغ ذمته لو لم تتحقق العلة المذكورة.

وكذا قوله تعالى في الحديث عن الصوم:- (لعلكم تتقون)، لظهوره في أن علة الوجوب تحصيل التقوى، فكل من صام ولم يحصلها لم تفرغ ذمته من الاشتغال به، فيلزمه القضاء حتى يحصلها، وهكذا.

إلا أن الكلام في بقاء هذا الأصل الأولي على حاله، أو أنه قد رفعت اليد عنه نتيجة وجود ما يوجب ذلك وانتقل إلى الأصل الثانوي، وهو أن الأصل في التعليلات المذكورة في ألسنة الأدلة هو الحكم وليس العلل، وذلك لأن هناك قرائن قد أوجبت رفع اليد عن الأصل الأولي، والبناء على الأصل الثانوي، فإن النصوص التي دلت على أن النهي عن الفحشاء والمنكر ليس من شرائط صحة الصلاة، وذلك من خلال حصر شرائط الصحة في غيره، تشكل قرينة مانعة من جعل النهي عن الفحشاء والمنكر علة يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، وكذا الكلام بالنسبة إلى التقوى في الصوم، وهكذا.

ووفقاً لما تقدم، يتضح أن رفع اليد عن مقتضى الأصل الأولي في التعليلات الواردة في الأدلة عن كونها عللاً مبني على وجود ما يصلح للقرينية على نفي العلية عنها وجعلها حكماً، فإن لم يوجد في البين ما يوجب ذلك كان مقتضى الأصل الأولي البناء على عليتها التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً.

إلا أن الصحيح خلاف ذلك، لأن المستفاد من تطبيق الأعلام، بل من كلام المحقق الحلي(ره) في المعارج، أن معيار كون الوارد في الدليل علة هو أمور أحد ثلاثة، وهذا يعني عدم وجود أصل أولي في المقام:

الأول: التنصيص بدخل العلة وتعليق الحكم عليها بنفس تشريع الحكم وبيانه في خطاب واحد، كقوله: الزنا يوجب الحد والسرقة توجب الحد، فإن لفظ يوجب صريح في كون الزنا هو العلة الموجبة للحد، والسرقة هي العلة الموجبة للقطع.

الثاني: وجود شاهد حال من مناسبة الحكم للموضوع أو اقتضاء سياق الكلام، وقرينة حالية أو مقامية أو مقالية، ونحو ذلك من القرائن مما يوجب ظهور الخطاب في موضوعية تلك العلة للحكم ويورث الاطمئنان بعدم دخل خصوصية أخرى غير تلك العلة في ثبوت الحكم للموضوع المذكور، ومرجع ذلك إلى ظهور الخطاب في أن العلة إنما هي طبيعي وموضوع الحكم في الحقيقة وأن الموضوع المذكور من مصاديقه، والمحكم في تعيـين ذلك، هو القواعد المحاورية والأصول اللفظية والقرائن العرفية التي تبتني عليها الظهورات العرفية.

الثالث: التصريح بتعدية الحكم إلى غير الموضوع المذكور في الخطاب، وذلك بالتصريح بالتعدية أو بالتصريح بحصر علة الحكم في الخصوصية المذكورة، ونفي دخل غيرها، ونحو ذلك من المعايـير المصرحة في التعدية، وهو الذي يعبر عنه في كلمات الأًوليـين بمنصوص العلة.

فتحقق أحد هذه الأمور هو المعيار والضابطة في جواز التعدية بالعلة المنصوصة، وليس ملاك التعدية مجرد دلالة أدوات التعليل بالوضع على الشمول والسريان، كما عن المحقق النائيني(ره)[15]وإلا لم يكن أي فرق بين أنواع أداة التعليل، بل وأكثر موارد تعليل الحكم في النصوص بأنواع أداة التعليل ولم يقل أحد فيها بجواز التعدية[16].

ومما تقدم يتضح أن الوارد في نصوص تحريم الربا لا يخرج عن كونه حكماً وليس عللاً، لعدم انطباق واحد من الأمور الثلاثة عليه، وإن كان الوارد في النصوص التعليل بأداة التعليل. والسر في ذلك عدم كونها تمام الملاك الذي يدور الحكم وهو حرمة الربا مداره، بل أن غاية ما يستفاد من النصوص التي تضمنت ذكر ذلك هو الإشارة إلى ترتب المفاسد الاقتصادية والأخلاقية على هذا العمل، فحرمه الشارع المقدس رفعاً لتحققها وشيوعها، وهذا يعني أن دخلها في التحريم في الجملة، وليس بالجملة.

ومن خلال ما تقدم، يتضح أن شيئاً مما تضمنته أدلة حرمة الربا لا يصلح أن يكون علة يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً لعدم إندراجها تحت واحد من هذه الأمور الثلاثة المذكورة.

على أنه لو سلم ظهورها في العلية، فإن اللازم حملها على الحكمة، وذلك لأنها متعددة، وهذا يعني أن كل واحد منها يمثل جزء علة، وليس علة تامة للحكم المذكور، وعليه لابد من توفرها جميعاً كي ما تتحقق العلة الموجبة للحكم بالمنع، ومع عدم حصولها جميعاً، فلا يحكم بذلك، فتأمل.

مع أنه يكفي للبناء على عدم عدّها كذلك، هو أن العلة المذكورة في بعض الأدلة وهي ترك التجارة مثلاً، سوف تبقى حتى مع الالتـزام بقبول القرض الاستثماري مع الزيادة، ذلك أن صاحب المال سوف يعمد إلى ترك التجارة اتكالاً على ما سوف يدفع إليه من فوائد مالية يعطاها جراء إقراضه ماله للتاجر، أو إقراضه البنك، وهذا يعني أن العلة التي أدعي دوران التحريم مدارها موجودة فيه شأنه شأن القرض الاستهلاكي مع الزيادة. وهذا بنفسه يشكل قرينة مانعة من البناء على كونها علة، وحملها على أنها حكمة.

الثاني: الاستناد إلى السيرة العقلائية:

فإنها منعقدة منذ عصر صدور النص الشرعي على حلية جميع القروض الاستثمارية الانتاجية، ولا يوجد ما يدل على الردع عنها، فضلاً عما يكشف عن حصول مثل هذا الردع.

ويلاحظ عليه، مضافاً لما قد تكرر منه(ره) في المقام غير مرة من أن القرض الاستثماري مع الزيادة من الموضوعات المستحدثة التي لم تكن معروفة في عصر الشارع المقدس، وهذا يعني أنه لو كانت هناك سيرة عقلائية، فلا ريب أنها لن تكون متصلة بزمان المعصوم(ع)، إذ لو كانت متصلة فإن ذلك يعني معروفية مثل هذا القرض، فيكون مشمولاً بإطلاقات الأدلة وعموماتها.

أنه بعد التسليم بوجود مثل هكذا سيرة وانعقادها، فإن الأدلة الدالة على حرمة التعامل بالربا، والتشديد في المنع عنه تصلح أن تكون رادعاً عنها، مثل قوله تعالى:- (ذلك أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا).

الثالث: التمسك بإطلاقات وعمومات أدلة الوفاء بالعقود، والمؤمنون عند شروطهم، فإنها سوف تكون المرجع بعد عدم صلاحية شيء من الأدلة الخاصة للبناء على حرمة القرض الاستثماري مع الزيادة.

ولا يخفى أن تمامية هذا الدليل متوقفة على عدم صلاحية شيء من الأدلة على حرمة هذا النوع من القرض مع الزيادة، وقد عرفت في ما تقدم تماميتها، سواء ما دل منها على ذلك بالإطلاق، أم ما دل على ذلك بالنص.

 

 

[1] وسائل الشيعة ج 18 ب 18 من أبواب الربا ح 1 ص 160.

[2] المصدر السابق ب 12 من أبواب الصرف ح 1 ص 190.

[3] رسالة في الربا الاستثماري ص 40-45.

[4] المصدر السابق ح 3 ص 354.

[5] وسائل الشيعة ج 18 ب 7 من أبواب الربا ح 7 ص 137.

[6] وسائل الشيعة ج 18 ب 8 من أبواب الصرف ح 1 ص 182.

[7] وسائل الشيعة ج 18 ب 19 من أبواب الدين والقرض ح 9 ص 356.

[8] رسالة الربا الاستثماري ص 29-45.

[9] سورة البقرة الآيتان رقم 278-279.

[10] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 3 ص 118.

[11] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 4 ص 118.

[12] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 10 ص 120.

[13] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 11 ص 121.

[14] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 8 ص 120.

[15] أجود التقريرات ج 1 ص 380-381.

[16] دليل تحرير الوسيلة فقد الربا ص 57-58.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة