الإقالة
تضمنت النصوص الشريفة الحث على إقالة المسلم أخاه المسلم، فقد جاء عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: أيما عبد أقال مسلماً في بيع، أقاله الله تعالى عثرته يوم القيامة[1].
وقد أفتى الفقهاء باستحباب الإقالة، والمقصود منها قبول الطرف الثاني رغبة الطرف الأول في التراجع عن المعاملة التي وقعت بينهما، توضيح ذلك:
إذا أقدم زيد على شراء دار أو سيارة من عمرو، وبعدما وقعت المعاملة البيعية بينهما مستجمعة للشروط، رغب زيد مثلاً في التراجع عن المعاملة المذكورة وفسخهها، فيستحب والحال هذه لعمرو أن يقبل رغبة زيد ويقوم بفسخ البيع وإرجاع تمام المبلغ لزيد، وأخذ السلعة منه.
أو أن زيداً استأجر داراً من عمرو، ثم أراد زيد فسخ عقد الإجارة، سواء كان ذلك لسبب دعاه إلى ذلك، أم بدون سبب، فإنه يستحب لعمرو أن يقبل عذر زيد ويفسخ معه عقد الإجارة، ويرجع إليه ماله الذي أخذه منه.
عدم الفرق بين وجود سبب وعدمه:
ولا يخفى أن الدافع إلى إقدام الناس على الإقالة أحد أمرين:
الأول: الندم، بمعنى أن يكون أحد المتبايعين نادماً على إيقاعه المعاملة، كما لو تبين للمشتري مثلاً عدم حاجته لهذه السلعة التي قد اشتراها، أو عدم توفر الصفات المطلوبة فيها، أو أن ثمنها يضر بميزانيته. أو تبين للبائع أنه قد تعجل في بيع السلعة الموجودة عنده مع حاجته إليها.
الثاني: عدم الندم على إقدامه على المعاملة، لأنها متوفرة لجميع ما كان يرغب في تحقيقه، بائعاً كان، أو مشترياً، إلا أنه لا يرغب في إكمالها واستمرارها، ومن دون سبب، فيرغب في إنهائها وفسخها.
ولا فرق في استحباب الإقالة بقبول رغبة الطرف الآخر في إنهاء المعاملة وإلغائها بين أن يكون نادماً على الإقدام على المعاملة، أو لم يكن نادماً، وهذا يعني ثبوت الاستحباب في كلا الأمرين.
نعم لا ريب في أن إقالة النادم على الإقدام على المعاملة لأي سبب من الأسباب التي تقدمت أو لغيرها، آكد في الاستحباب، من إقالة غير النادم.
الفرق بين الإقالة والفسخ:
ومن خلال التعريف المتقدم للإقالة يتضح الفرق بينها وبين فسخ البيع بأحد الخيارات المذكورة في كتاب البيع، لأنه يعتبر في الإقالة الرضا من الطرفين، بخلاف الفسخ بالخيار، فإنه يكون حقاً ثابتاً لصاحب الخيار ولو لم يرض الطرف الآخر.
جريان الإقالة في كل العقود:
ولا يختص جريان الإقالة بعقد من العقود دن البقية، بل هي جارية في كل العقود ما عدا عقد النكاح، فتجري الإقالة مثلاً في الهبة سواء كانت هبة لازمة أم كانت هبة لازمة.
وقوعها بكل لفظ:
ولا يعتبر في الإقالة لفظ معين، فضلاً عن اعتبار اللغة العربية، فتقع الإقالة بكل لفظ يدل عليها، كما أنها تقع بأي فعل يكشف عنها ويشير إليها.
أخذ جزء من الثمن:
وليس من الإقالة القبول بفسخ المعاملة مقابل التنازل عن جزء من الثمن، كأن يقيل أحدهما الآخر مقابل خصم جزء من المبلغ مثلاً، فلا تقع الإقالة ويبقى كل واحد من العوضين على ملك صاحبه.
نعم لو تعهد طالب الإقالة أن يعطيه مالاً أو شيئاً ما تقديراً له لإقالته إياه، لم يضر ذلك بصحة الإقالة، بل حتى لو أن المقيل اشترط على المقال ذلك وقبل وطالب الإقالة أعني المقال بذلك صحت الإقالة حينئذٍ.
[1] الكافي ج 5 آداب التجارة ح 16 ص 153.