المنتظر الحقيقي(2)
الذكر العملي:
وهو الذكر الجوارحي الذي يكون مجسداً للانتظار، وهو الدعوة الصامتة له(عج)، والتي أكدت النصوص على أهميتها، فقد ورد عنهم(ع): كونوا دعاة لنا صامتين.
ونقصد بالذكر العملي تجسيد المنتظر ذكر الإمام(عج) من خلال ما يقوم به من الأعمال، فإن عمله إذا كان في خدمة الإمام(ع) كان ذكراً له، فإذا جاء المنتظر بعمل من الأعمال بنية حب الإمام(ع) كان ذلك ذكراً عملياً له، ويتحقق الذكر العملي من خلال وسائل:
الوسيلة الأولى: الهدية للإمام(عج):
تعتبر الهدية أحد الأسباب الموصلة إلى المحبة، فإن الإنسان متى قدم هدية إلى شخص لا تربطه محبة وعلاقة، فإنها تكون سبباً لحصول المحبة بينهما، وتحقق الارتباط. وأما إذا كانت الهدية إلى المحبوب، فإنها تكشف عن أجلى أوجه العشق والهيام فيه.
ولما كان الإمام الصاحب(عج) محبوباً لنا، كان لزاماً علينا أن نهديه(بأبي وأمي) هدايا حتى نحظى بمحبته، ونبرز مدى ما عندنا من عشق وهيام فيه، لكن ماذا يمكن للإنسان المحب للإمام المنتظر(عج) أن يهديه؟
هناك أنواع عديدة من الهدايا يمكن للمنتظر أن يهديها لولي الله الأعظم(عج):
منها: التصدق عنه بقصد سلامته وحفظه(عج).
ومنها: إهداء جميع ثواب العبادات والأعمال الصالحة له(عج) كالحج نيابة عنه، وزيارة المشاهد المشرفة، وقراءة القرآن، وغير ذلك.
ومنها: صلته بالمال بأن يجعل المؤمن بعض ماله هدية لإمام زمانه(عج)، فيصرفها في كل ما يحرز رضاه به من طباعة الكتب المعرفية النافعة، وإقامة مجالس ذكره وصلة شيعته، ومحبيه والعلماء المروجين للدين.
ومنها: صلة الصالحين من شيعته ومواليه بالمال، فقد جاء عن الإمام أبي الحسن الكاظم(ع) قال: من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالح إخوانه يكتب له ثوب زيارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالح إخوانه يكتب له ثواب صلتنا.
الوسيلة الثانية: السعي في خدمته:
وينبغي الالتفات إلى أن الخدمة أخص من النصرة، لأنها تختـزن خضوع النفس وتذللها أمام المولى(عج)، فكل خادم ناصر، وليس كل ناصر خادم، فقد ينصر شخص شخصاً لكنه لا يتذلل له كنصرة القوي للضعيف، أو نصرة الله للمؤمنين، وقد جاء على لسان الإمام الصادق(ع) أنه قال: لو أدركته لخدمته أيام حياتي.
الوسيلة الثالثة: الدعوة للمحبوب:
ويكون ذلك من خلال بيان منـزلته ومقاماته وحقوقه على الناس ومناقبه، فضلاً كما يحصل عليه السائر على دربه من الأجر والثواب العظيم، ويظهر هذا من ملاحظة النصوص الصادرة عن الأئمة(ع) في شأنه، فإن أحد أسباب تعددها يعود إلى ذلك، ولبيان ما له من المقامات والمنـزلة العظمى، لذا نجدها جاءت بألسنة متعددة ومختلفة.
الذكر الخفي:
ويعبر عنه أيضاً بالذكر الخالص، وهو الذي يكون فيه المحبوب والمعشوق متربعاً في قلب محبوبه، فيسهر بسبب ذلك ليله لأجل فراقه، وينشغل به عمن حوله، وجميع جوارحه وجوانحه، بل جميع وجوده ناطق وله بذكر بقية الله الأعظم(عج).
ويكون هذا الذكر سبباً للراحة والاطمئنان والأنس ودافعاً إلى العمل والصبر والمصابرة في طريق الانتظار.
ومن علامات الذكر الخفي أن الذاكر لمولاه عينه باكية، وقلبه يحترق ويعتصر ألماً لفراقه.
وكلما ازداد المحب المخلص في محبته لبقية الله في أرضه(عج) وشوقه للقياه، ازداد حزنه وبكاؤه، فهذا أمير المؤمنين بعدما يعرض إلى جملة من الصفات المهدوية، يتحسر ويؤمئ بيده إلى صدره، ويقول: هاه….شوقاً إلى رؤيته[1].
وأما رئيس المذهب الإمام جعفر الصادق(ع) فإنه يبكي بكاء الثكلى محبة للإمام الحجة الغائب(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وحزناً على فراقه، يقول سدير الصيرفي: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله(ع) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلاجيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيـير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليّ مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى في عيني، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا سوالف البلايا إلا ما لقيني.
ومع صعوبة الوصول إلى هذا النوع من أنواع الذكر، إلا أنه لا ينبغي للمنتظر اليأس من بلوغ ذلك، وعليه السعي الحثيث والعمل الجاد شيئاً فشيئاً حتى يصل إليه.
عوامل مساعدة:
ويمكن ذكر بعض الأشياء المساعدة لبلوغ هذا النوع من الذكر:
أحدها: ربط العالم الخارجي بولي النعمة(عج):
وذلك من خلال جعل كل من حوله وما يسمعه وما يحس به، مرتبطاً بالإمام(عج)، ومذكراً له به، سواء كان الأمر واقعاً عليه أم كان حاصلاً لغيره، مثلاً: لو رأى شخصاً غريباً، أو أصبح وهو غريب، فإنه يتذكر غربة الإمام(روحي فداه). ولو استوحش عليه أن يفكر في وحشة ولي الله الأعظم(عج).
ولو عشق شخصاً وصار يتلهف على لقائه، يكون ذلك حافزاً له ليزيد تعلقه بإمامه وعشقه له(ع)، وإذا قام بين يدي ربه يصلي أو يناجيه في خلوة الليل، يتذكر قيام المولى(بأبي وأمي) في مثل هذه اللحظة بين يدي خالقه وليقارن بين القيامين.
ثانيها: اختـزال الحب:
ويقصد منه ترك محبة الآخرين ونسيانهم وتوظيف المحبة وتركيزها في شخص واحد، وهو طاووس أهل الجنة، مهدي فاطمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ويترك محبة غيره مهما بلغوا من الكمالات والمقامات العالية الصالحة، فلا يعيش في قلبه سوى معشوق واحد.
ثالثها: استشعار المظلومية:
لأن أحد أهم الوسائل الأكيدة في وجود الارتباط بين المنتظر وبين بقية الله في أرضه(عج)، هو استشعار مظلوميته، بعدم معرفة ذلك، لأن العالم لا يعرف إلا الجانب الآخر من شخصيته(بأبي وأمي)، وهو النصر والعدالة العالمية وإزهاق الباطل، ويغفل عن مظلوميته(روحي فداه)، ولهذا نجد المعصومين(ع)، قد أكدوا في ما صدر عنهم من النصوص على هذا الجانب، ولم يكن ذلك مجرد شوق منهم(ع) إليه، بل لبيان شيء من مظلوميته(عج)، فعن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين(ع) يقول: صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد[2].
وعن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهال الناس أشد مما استقبله رسول الله(ص) من جهال الجاهلية. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج به عليه. ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر[3].
ولو تأملنا فإن ما تضمنته هذه النصوص جزء بسيط جداً من مظلوميته، وإلا فهي أعظم وأشد[4].
3-الاعتراض وعدم الرضا:
الصفة الثالثة من الصفات التي يلزم توفرها في المنتظر الحقيقي، هي الاعتراض وعدم الرضا، ويمثل الاعتراض أحد العناصر المهمة الكاشفة عن شدة العشق والهيام في المحبوب وزيادة التعلق به والسعي الحثيث للقياه، وهذا بخلاف من لا يكون معترضاً راضياً.
والمقصود من الاعتراض هو رفض الوضع الحياتي القائم في المجتمعات البشرية لعدم توافقها مع المجتمعات الإلهية التي جاءت رسالات الأنبياء والمرسلين تدعو إليها، وعدم انسجامها مع المجتمع المهدوي الذي سوف يقيمه ولي الله الأعظم(روحي لتراب حافر جواده الفداء).
وهذه الحالة من الاعتراض تمثل عنصراً مهماً في ارتباط المنتظر وعلاقته بمحبوبه ومعشوقه، وكلما ازداد رفضه للوضع القائم ازدادت حالة العشق والهيام عنده.
ودرجات الاعتراض متفاوتة، فكلما قلت درجته، ضعفت قوة الانتظار لدى الإنسان، وفي المقابل كلما اشتد الاعتراض، فإنه يؤول إلى طلب الإصلاح والتغيـير، وإذا كان الاعتراض أكبر وأعمق، فمن الطبيعي أن لا يعالج بالانتظار السطحي، وبالمنتظر البسيط.
خصائص المعترضين المنتظرين:
وهناك خصائص ينطوي عليها اعتراض المنتظر الحقيقي، فلابد أن يكون اعتراضه متصفاً بوصفين:
الأول: المنطقية:
إذا اتصف الاعتراض الصادر من المنتظر بصفة المنطقية كان ذلك موجباً لاستدامة انتظاره واستمراره، أما لو كان الاعتراض ناشئاً من المصالح، أو بسبب الأهواء النفسية المتغيرة، فإنه لن يدوم، وسوف يتحطم بمجرد الاصطدام بأدنى الموانع. كما أن المعترض الذي لم يستند اعتراضه إلى العقل، تنتابه حالات شك وتردد على الدوام، ولا يقاوم في سبيل اعتراضه ورفضه.
الثاني: البحث عن الكمال:
فإن الواقع المعاش يشكل سبباً لعدم الوصال، فيولد ذلك حالة الاعتراض في نفس كل عاشق لازدياد الشوق إلى الوضع المنشود، فيكون الاعتراض سبباً لبلوغ روح الإنسان حالة الكمال بالفرار من العيوب والنقائص.
فوائد الاعتراض:
وعند السؤال عن الحاجة إلى توفر هذه الصفة وهذا العنصر في المنتظر الحقيقي، بأن يعيش الاعتراض وعدم الرضا بالواقع المعاش، فإن الجواب سوف يكون بعرض جملة من الفوائد الداعية إلى وجود هذه الصفة في المنتظر الحقيقي:
منها: الشعور بالحاجة إلى المنقذ السماوي:
فإن مجرد كون الغيبة المظلمة تدبـيـراً إلهياً، لا يمنع أن يشكو الناس ذلك إلى الله تعالى، فقد جاء في دعاء الافتتاح: اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة ولينا وكثرة عدونا وقلة عددنا.
ولعل إحدى حكم الغيبة المظلمة هو حصول هذا الاعتراض المقدس من الناس حتى يتأهلوا لإدراك حضور الولي وظهوره(عج) ويصلوا إلى الانتظار الحقيقي ويكون معنى لانتظارهم له، ويصح لهم أن يقولوا كما في دعاء الندبة: أين محيي معالم الدين وأهله.
ومنها: اليقظة:
لقد أوجب انصباب جهد الناس على تنمية حياتهم، غفلتهم عن النقائص والعيوب، ولن يلتفت الناس إلى ذلك إلا عاشوا في وسط ظلم فادح، وفساد شامل، وهذا ما يسوق المنتظر الحقيقي للاعتراض حذراً من حصول ذلك وتحققه، والرغبة في إيقاظ الناس من غفلتهم.
ومنها: عدم الاستبدال.
سلبيات الاعتراض:
وكما أن للاعتراض وعدم الرضا بالواقع المعاش آثاراً إيجابية، فإن له أثاراً سلبية أيضاً، نشير لبعضها:
1-الغلو والمبالغة في الاعتراض:
فقد يحصل أن يفرط المنتظر في تقدير سوء الأوضاع وعدم رؤية الأمور الإيجابية، فيصل إلى اليأس والقنوط، وهذه المبالغة في الاعتراض تزرع الروح السلبية في الإنسان والحدة في الأخلاق، وتشوه الصورة الجميلة للاعتراض، وتسبب التسرع في العمل، وهدم ما هو مطلوب.
2-عدم اليأس:
وهو يرجع إلى عدم مشاهدة الظروف الموضوعية المناسبة، مع أننا نعلم أن الله تعالى قد وفر فرصاً للخروج من الأزمات والمآزق في أسوء الحالات، فيلزم المنتظر الحقيقي البحث عنها والاستفادة منها.
3-السلبية المطلقة:
لا يحسن بالمنتظر الحقيقي اعتبار الوضع القائم سيئاً على الإطلاق مهما كانت الظروف، كما لا يمكن اعتبار جميع الناس أشقياء ولا يمكنهم الهداية، فإن هكذا رؤية للمجتمع تكشف عن رؤية سطحية عند صاحبها، لأن ضعيف التحليل هو من يرى كل شيء فاسداً.
إزالة سلبيات الاعتراض:
والسبيل الذي يمكن من خلاله رفع سلبيات الاعتراض وآفاته من خلال معرفة الطريق الموصل للوضع المنشود، واغتنام كل فرصة تؤدي إلى المحبوب، ليكون مصداقاً لما جاء عن رسول الله(ص): يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه.
4-معرفة الدولة المهدوية:
من الصفات اللازم توفرها في المنتظر الحقيقي هو معرفته التامة بالدولة المهدوية وإحاطته الكاملة بأسس الحكومة فيها، وكيف أنها تطبق العدالة السماوية لتملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا يعدّ عنصراً مهماً جداً في زيادته الارتباط بالمحبوب رفع منسوب العشق والهيام في شخصه المبارك.
كما أن ذلك يمثل دافعاً رئيساً للاعتراض على الوضع القائم ورفض للواقع المعاش حال توجه الإنسان لما سيكون في المجتمع المهدوي من العلم والخيرات اللامتناهية لكنه وبسبب فقدان الإنسان للإدراك الصحيح والتحليل القويم للوضع الموجود، نراه لا يهتم بما يفقده من العلم والخيرات اللامتناهية في المجتمع المهدوي، لأن جزءاً رئيساً من معرفة الإنسان بأوضاع عصره وأحوال زمانه وإحاطته بسلبيات الوضع القائم، تتوقف على اطلاعه ومعرفته بالدولة المهدوية والمجتمع المهدوي.
ولن يحصل للإنسان المنتظر ارتباطاً حقيقياً ما لم يتوفر على الأركان الأساسية للمجتمع المهدوي، فإن من يعيش في الظلم لكنه لا يعرف شيئاً عن العدالة فضلاً عن العدالة التامة، لن يكون راغباً في حصولها فضلاً عن الرغبة في العيش في مجتمع يطبقها.
ومع أن الحركة المهدوية تمثل الامتداد الحقيقي لرسالات الأنبياء والمرسلين(ع)، لكن تبقى أسئلة حائرة في الأذهان تحتاج جواباً:
منها: لماذا وقعت الظلامة على أكثر الأنبياء والأولياء(ع)؟
ومنها: ما هو سبب كل هذا التأخير في إقامة دولة الحق؟
والجواب عن ذلك، يعود إلى مقدار ما يملكه أصحاب هؤلاء الأنبياء والمرسلين والأولياء من الوعي والمعرفة بما جاءوا يدعون إليه.
ولهذا يقرر بأن معرفة الدولة المهدوية ومجتمعها وكيفية أركان الحكمة فيها، وما سيناله الناس فيها من علم وخيرات لا متناهية يهيئ الأرضية للإجابة على السؤالين السابقين وغيرهما، لأن معرفة الناس بخصائص الدولة والحكومة المهدوية وبركاتها سوف يؤدي إلى التغيـير والتحول، لأن الحد الأدنى لثمرة هذه المعرفة حصول الشك والترديد في كل الحلول والعلاجات المطروحة للنجاة من المشاكل.
وكلما ازدادت الصورة وضوحاً وتوفرت المعرفة بالدولة المهدوية وكانت المعالم شفافة، واتسعت من خلال الاستناد لعاملي العقل والوحي، كلما اشتد جانب العشق وزاد الوله وكثر الهيمان في المحبوب وزاد الانتظار للفرج، ولهذا لابد من رسم خصائص المجتمع المهدوي حتى يقيّم المنتظر مقدار بعده عن المجتمع المهدوي فيسعى نحوه.
خصائص المجتمع المهدوي:
ربما يتصور أن الخصائص التي ينطوي عليها المجتمع المهدوي، هي خصائص تكوينية ربانية يجعلها الله تعالى في الأفراد الذين سوف يحيون في ذلك المجتمع، وهذا غير صحيح، لأن بعض هذه الخصائص بيد المنتظرين أنفسهم، يمكنهم تحقيقها، وإلى هذا يشير المولى بقية الله الأعظم(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، في التوقيع الشريف الصادر للشيخ المفيد(ره):
ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا[5].
وحتى يكون المجتمع قريباً من المجتمع المهدوي، وقريباً من المعشوق لابد أن يكون مكتسباً للكمالات، متصفاً بمزيد من الحالة الولائية، ليمثل ذلك تلبية ناشئة من قصورنا وسوء تصرفنا في هذا المجال.
وهذا بخلاف المجتمع المهدوي، فإن جميع البركات والخيرات فيه ناجمة من استقرار الولاية وتقبل أهل الأرض بأجمعهم لها. نعم تحديد الظروف اللازمة كي ما يجعل جميع الناس ولائيـين، يوكل لمحله.
والذي يهمنا أنه بعدما يصبح جميع الناس ولائيـين، فإنها تتنزل النعم من الأمن والاستقرار إلى العدالة والرفاهية.
والحاصل، لابد من أن يملك المنتظر الحقيقي معرفة وإحاطة بالدولة المهدوية وشؤونها، ويعمد إلى رصد المشاكل الموجودة في مجتمعه، ويبحث عن حلول لها من خلال خصائص المجتمع المهدوي.
ثم إن ما تقدمت الإشارة إليه حول المجتمع المهدوي، تعرض على المنتظر مجموعة من الأسئلة حول الصورة التي يحملها عن المجتمع المهدوي، لأن هناك كثيراً من الأسئلة تختص بذلك المجتمع:
منها: هل هناك علاقة بين محبة الإمام صاحب الزمان(عج)، وبين ما يكون عند الناس من علاقة عطف وحنان، أم لا؟
ومنها: هل أن التحلي بالصلاة سوف يكون أمراً إجبارياً، أم أن الظروف الموجودة لا تسمح أن يكون الإنسان مسيئاً؟
ومنها: هل سيكون للإيمان بالمبدأ والمعاد دور في تنمية الأخلاق، وتأسيس مجتمع أخلاقي؟
ومنها: كيف سيكون تبليغ الدين في عصر الظهور المقدس؟
ومنها: كيف يكون جذب الناس إلى الدين في ذلك الزمان؟
ومنها: هل سيكون رقابة على المنتجات الإعلامية، أم أن شدة معرفة الناس وفهم المخاطبين يغني الحكومة عن الرقابة الشديدة العديمة الجدوى؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة يجيب عنها المنتظر الحقيقي بمقدار ما يعرفه عن المجتمع المهدوي، وبالتالي يكشف ذلك عن مدى عمق محبته وارتباطه ببقية الله الأعظم(عج)، ومقدار شوقه إليه. أما لو لم يملك الإنسان جواباً عن هذه الأمور فمن الطبيعي لن يكون الإنسان مشتاقاً لذلك العصر ولا مهتماً لتحقق الظهور المقدس.
[1] غيبة النعماني ص 214.
[2] كمال الدين ص 303.
[3] الغيبة للشيخ النعماني ج 1 ص 297.
[4] مجلة الانتظار العدد 8 بتصرف.